يقتني معظم الدول الأوروبية، وخصوصاً فرنسا وبريطانيا، عدداً كبيراً من الآثار التاريخية العربية، وقد عرضتها في متاحفها من دون حرج مع أنها سرقتها وسطت عليها يوم استعمرت البلدان العربية، على الرغم من أن تلك الآثار تمثل دليلاً حياً على التاريخ العربي وثروة وطنية لا تهدى ولا تباع، وان حدث ذلك اعتبر قرصنة وبيعاً للتاريخ. وما يحدث اليوم للآثار اليمنية عودة حقيقية إلى عصر القرصنة، ولكن هذه المرة بأيادٍ يمنية وعربية لا دخل فيها للاستعمار والاستشراق. قامت في اليمن العديد من الحضارات القديمة، تواصلت دون انقطاع حتى بعد خراب سد مأرب والهجرة اليمنية الكبيرة إلى شمال الجزيرة العربية. وما هو منحوت في الصخور الجبلية والطرق المحفورة فيها والأعمدة الشاخصة في قلب الصحراء من محافظة مأرب والقلاع المواجهة للبحر وصهاريج عدن وناطحات السحاب الطينية في شبام من حضرموت وغيرها، كل ذلك يدل على وجود ثروة أثرية قديمة كبيرة في اليمن، فضلاً عن الآثار التي خلفتها الكيانات السياسية العديدة الخارجية منها واليمنية، بعض هذه الآثار وجد طريقه إلى المتاحف العالمية، والمتاحف اليمنية القليلة العدد نسبة إلى كثرة المناطق الأثرية فيها، والبعض الآخر تقع مخابئه في المناطق التي تسيطر عليها القبائل كما هي الحال في شمال اليمن، والتي تعتبر حالياً ضمن الحرم القبلي، يعرضها أفراد القبائل اليوم كبضاعة مرغوبة ورائجة، يشد لها الرحالة والسياح الغربيون الرحال، لأنه يصعب عليهم الدخول إلى الجنوب والوصول إلى المناطق الاثرية، لذا يكثرون في أزقة المدن الشمالية لشراء التحف الاثرية بأسعار زهيدة. البداية مع السوفيات أكثر الحفريات الاثرية في جنوب اليمن، قامت بعد الاستقلال باشراف خبراء سوفيات وألمان شرقيين ومساعدة منظمة اليونيسكو الدولية، وقد انشئت لنتائج هذه الحفريات متاحف عديدة ضمت الآثار القديمة من عصور ما قبل الميلاد والعصور الإسلامية، ومن أشهر الممالك التي دلت عليها آثار هذه المتاحف هي مملكة معين 112 - 930 ق.م ومملكة سبأ التي امتدت إلى مأرب وظفار 850 - 275 ق.م وبعض مخلفات السيطرة الحبشية 525 - 575 والسيطرة الفارسية، والتي انتهت بعد دخول الإسلام إلى اليمن في حدود العام التاسع الهجري. كذلك ضمت تلك المتاحف آثار مرحلة السيطرة البريطانية وأدوات وأسلحة مرحلة الكفاح المسلح. وأنشئت هذه المتاحف تحت اشراف مديرية الآثار العامة ومركزها مدينة عدن، ووزعت على عواصمالمحافظاتالجنوبية، منها المكلا وعتق وزنجبار والحوطة، اضافة إلى المركز في عدن. وحفظت هذه الآثار حسب حقبها الزمنية وأصنافها. فهناك المتحف الوطني في عدن، والمتحف الحربي، ومتحف الفنون الشعبية. وهناك متاحف خاصة بالثورة اليمنية التي جمعت انذاك مع تاريخ الحزب الاشتراكي اليمني. وفضلاً عن هذه المتاحف انشئت متاحف خاصة بمرحلة الكفاح المسلح في بعض المديريات كمديرية الضالع وردفان، حيث مكان الشرارة الأولى لثورة 14 تشرين الأول اكتوبر 1963. وتيمناً بما كان سائداً في البلدان الاشتراكية السابقة، اقيمت متاحف خاصة بقادة الثورة، الذين قتلوا في يوم 13 كانون الثاني يناير 1986 تضم الأدوات والهدايا الحزبية والدولية والوثائق الخاصة بهم، وقد اهملت بعد قيام الوحدة اليمنية، ثم اغلقت بعد الحرب بعد أن نهبت محتوياتها. وهذه الهدايا من تماثيل برونزية للينين وشخصيات تاريخية في الحركة الاشتراكية العالمية، والتي نهبت من المتاحف والدوائر الرسمية ومنازل المسؤولين، وجدت لها سوقاً في شمال اليمن، يحتفظ فيها البعض ويجمع العديد منها، ليجد اليوم المناسب للافادة منها. بيع الآثار أما مخلفات سلاطين ومشايخ وامراء الجنوب فلم يحفظ منها شيء، وبعض قصورهم ظل مهجوراً، وآخر حول إلى فنادق ونواد شعبية، دون ان يكترث بالقيمة الاثرية لها مستقبلاً، وقد جرى هذا الاهمال والتدمير تحت تأثير الحماس الثوري آنذاك. كذلك كان الحال مع قصور ومخلفات الأمة في شمال اليمن والتي زادت فترة حكمهم على ألف عام. وليس من الغريب أن ترى في المحافظات الشمالية بيع الآثار في الدكاكين والطرقات، ثم تحول هذا الأمر إلى المحافظاتالجنوبية بعد الحرب الأخيرة. بعد حرب الستة والستين يوماً بين الشمال والجنوب في صيف 1994، نهبت هذه المتاحف كغيرها من المؤسسات الأخرى، وبعضها افرغ تماماً من محتوياته، كما هو الحال مع متحف الفنون الشعبية ومركز المخطوطات في عدن. وأصبحت محتوياته بضاعة رائجة في السوق، يشارك في الاتجار فيها إلى جانب اليمنيين، فلسطينيون وسوريون، وبيع بعضها بعشرات الآلاف من الدولارات. وقد وصل إلى اليمن خبراء أجانب وعرب جلهم من صاغة الذهب والفضة، موفدون من قبل شركات خاصة بهذه التجارة لغرض فحص الآثار والاحجار الكريمة وتقدير قيمتها والتأكد من أصالتها، يحلون ضيوفاً على التجار اليمنيين في شمال اليمن وكذلك على بعض مشايخ القبائل اليمنية. تحف قديمة قيمة ومن هذه الاثار تماثيل يعود زمنها إلى العصر الحميري وتظهر عليها الكتابات الحميرية، منها ما هو منحوت من المرمر القديم والحجر المحلى بمادة الزمرد النفيسة، وقد نحتت على هيئة حيوان كالبقرة والأفعى، وعلى هيئة طير كالصقر وهو من مادة الزمرد الخالصة وقيمته أكثر من أربعين ألف دولار، كما قومه أحد الخبراء السوريين، وتحفة أخرى تمثل أحد الطيور الجميلة وهو يخرج من بيضته، من عهد معين، وأختام متنوعة، يدعي صاحب أحد هذه الاختام بأنه يملك الختم الخاص بالملكة بلقيس، والكتابة التي عليه تشير إلى إذن الملكة في الدخول إلى مملكتها من الأجانب، وأختام أخرى منحوتة عليها صور الملوك كمقابض لها، مصنوعة من الرخام القديم الأسود. وغالبية هذه الاثار من مادة زرقاء تميل إلى الخضرة، لم تؤثر فيها عوامل التعرية، صنفت على أساس أنها من الزمرد وحليت بالياقوت، يقول بعض التجار الذين اطمأنوا إلى رأي الخبراء الاجانب والعرب في اليمن عن أصالة بضاعته: بأن هذه التماثيل للطيور والحيوانات قد صنعت بأمر من النبي سليمان بأيادي جن وليس بأيادي انسان، كشرط من شروط بلقيس للزواج منها. وتاجر آخر يحمل قطعتين كبيرتين وزنهما أكثر من كيلوغرامين يدعي أنهما من الزمرد الخالص ومن عيار الدرجة الأولى، وأنه قد سمع بأن سعر القيراط الواحد من الزمرد يصل إلى آلاف الدولارات، وقد ترك كميات كبيرة من الاختام والتماثيل، منها السيوف المرصعة بالجواهر الثمينة، والتي تعود إلى العصور القديمة من التاريخ اليمني، وأحد هذه السيوف اشتراه تاجر فلسطيني بمبلغ عشرين ألف دولار، وحينما أدرك التاجر اليمني القيمة الحقيقية لهذا السيف حاول استرجاعه دون أن ينجح. ومن هذه البضاعة الاثرية القطع النقدية الحميرية والاسلامية الذهبية يعود تاريخ البعض منها إلى العصر العباسي، والجنيهات البريطانية الذهبية منقوش عليها صور وتاريخ العهد الفيكتوري. بيع المخطوطات ويبدو أن حركة تجارة الآثار من مناطق اليمن الاثرية حركت عملية التنقيب غير الحكومية، حيث تم العثور على مومياء في أحد الكهوف الجبلية، لم يعرف إلى أي عصر تعود، ولم يحصل التاجر الذي ينوي شراءها وتسويقها إلى الخارج إلا على صورة لها، ولم يعطه الوسطاء أي معلومات أخرى، ويظن بعضهم ان هذا الاسلوب من بدع النشطاء في سوق الآثار السوداء للفت انتباه المهتمين من الدول الأخرى إلى السوق اليمنية. وحينما سُئل أحد هؤلاء التجار عن شعوره وهو يعرض تاريخ بلاده للبيع في الخارج قال: كيف لا وابن أحد المسؤولين الكبار يتاجر بهذا التاريخ ونحن ليس عندنا حجم تجارته وأسواقه في فرنسا. قررت الدولة اليمنية في الجنوب قبل قيام الوحدة اليمنية ان يكون عام 1990 عاماً لجمع المخطوطات اليمنية المبعثرة في المساجد والأسواق والمكتبات الشخصية، ولكن بعد الوحدة جمد هذا القرار، وبالجهود الشخصية المدعومة من الدولة استطاع الباحث العدني المرحوم عبدالله محيرز من بذل جهود كبيرة في عملية جمع عدد كبير من هذه المخطوطات لينشئ مركزاً للمخطوطات في عدن، مع محاولة وضع ببليوغرافيا لتسجيلها، وبوفاته تعرقلت هذه الجهود. وبعد عملية نهب هذا المركز عرض عدد كبير من مخطوطاته الاسلامية والحبشية والعبرية في الاسواق، وقد وصلت اعداد منها إلى أسواق لندن، واشترى البعض من الناهبين مخطوطات حبشية متوهماً بأنها عبرية ويأمل في بيعها إلى اليهود الأوروبيين. ويقول حامل هذه المخطوطات بأن مخطوطة التوراة المدونة على جلد غزال وبحجم كبير جداً، هي توأم لمخطوطة التوراة التي أهداها ياسر عرفات إلى رئيس وزراء إسرائيل رابين في لقاء غزة. لكنه يصمت ويقول إن سعر هذه المخطوطة لا يعادل شيئاً من المئة ألف دولار التي تصل إلى مشايخ المناطق التي يقطنها اليهود اليمنيون كمنطقة صعدة وريدة، من قبل مؤسسات يهودية دولية، مقابل هجرة يهودي واحد من اليمن بالترهيب أو الترغيب، لأن هنالك من يرفض الهجرة إلى إسرائيل. في أسواق لندن تعد منطقة "بوند ستريت" في وسط لندن مركزاً لتجارة الآثار وما يعرف بالانتيك، فعملية الشراء والبيع جارية فيها على قدم وساق، ومن أسواقها ما هو متخصص بالمخطوطات وآخر بالعملات القديمة وأسواق أخرى متخصصة بالآثار، ويظهر ان المتاحف البريطانية المهمة عالمياً كالمتحف البريطاني يعتمد خبراء وتجار هذه الأسواق في فحص وشراء الآثار. فعلى واجهات هذه الاسواق توجد صور لتحف شرقية وإسلامية بيعت بمئات الآلاف من الجنيهات الاسترلينية. وطريقة التعامل مع هذه الأسواق ان يستلموا البضاعة بإيصال رسمي حتى يتمكن خبراؤهم من فحصها وتقويمها. استقبلت هذه الأسواق أعداداً كبيرة من مختلف الآثار والعملات والمخطوطات اليمنية، العاملون فيها يميزون ما هو يمني بمجرد النظر إلى البضاعة أو رؤية الوجوه، وأحياناً لا يصرفون أي جهد في التعامل أو التدقيق، ويؤكدون ان أعداداً كبيرة من هذه الآثار مزيفة ولا تصلح حتى زينة في البيوت الراقية، على رغم دقة صناعتها ومحاكاتها للأصل. وهذه المعاملة فاجأت عدداً من هؤلاء التجار والوسطاء، الذين صرفوا مبالغ كبيرة مقابل فحص بضاعتهم وتمريرها من المطارات اليمنية، وعندما عرف أحدهم بحقيقة التماثيل والعملات الذهبية بأنها خالية من القيمة التاريخية ولا يستلم، إلا مقابل الذهب الذي فيها، قال بحسرة وألم "عملوها فينا" يعني الخبراء العرب والوسطاء. والآثار اليمنية التي وصلت إلى لندنوعواصم أوروبية أخرى تمثل نماذج لبضاعة مخفية في اليمن، يفتش تجارها عن أسواق تستوعبها مع ضمان خروجها من اليمن.