ليس وِلْد عبدالرحمن كاكي الذي غيّبه الموت عن 61 عاماً في مستغانم غرب الجزائر، يوم 14 شباط فبراير الماضي، بمسرحي عادي. فإسمه يشع ببريق خاص، وحدهم يعرفونه الروّاد والمؤسسون الذين حرثوا الوعر، وبدأوا من العدم. كان أول عهده بالمسرح خلال الاربعينات، وهو في العاشرة من عمره، في صفوف "الكشّاف المسلم الجزائري". وفي تشرين الثاني نوفمبر 1962، افتتح كاكي أول موسم مسرحي في الجزائر المستقلّة بعرض "قرن و32 سنة" الذي صوّر ملحمة الشعب الجزائري خلال معركة التحرير. وظّف كاكي طاقاته الفنية في مشروع بناء نهضة مسرحية مغاربية، حيث عمل مع المسرحي التونسي الراحل علي بن عيّاد، كما عمل مع المسرحي المغربي المعروف الطيّب الصديقي. الى جانب محي الدين بشتارزي ومصطفى كاتب راح يبحث للمسرح عن جذور محليّة وملامح خاصة. هكذا اهتم وِلْد عبدالرحمن كاكي بمسرح العرائس، وكان أول من أدخل "القوّال" أو الحكواتي الى الاحتفال المشهدي، مزاوجاً - كما يذكر الزميل حميد زنّار وهو من المتخصصين في مسرح الراحل - بين الموروث الشعبي وأشكال التعبير الحديثة. وكان من الطبيعي أن يتحمّس كاكي للمسرح التعليمي، في الجزائر الفتية وسط مناخات البناء والتحرر، فإذا به يتأثر ببرتولد بريخت وبالمسرح الملحمي، كما تجلّى ذلك في مسرحية "الغراب والصالحين" المقتبسة عن "روح سيتشوان الطيبة"، حيث طبّق الامثولة البريختية، مستوحياً من الثقافة الشعبية الجزائرية المدّاح، والسرد، والتقاليد الشفوية، والرقص... عناصر احتفاله. وكان بين المشاركين في هذا العرض الذي قدم في الهواء الطلق وجال في أنحاء الجزائر، ممثلون شباب بينهم زياني شريف عيّاد سيكون لهم شأن لاحقاً في الحركة المسرحية لبلادهم... وبعده قام عبد القادر علّولة بتطوير تقنيات "الحلقة" فجعلها حجر الاساس في عمارته المشهديّة. قدّم وِلْد عبدالرحمن كاكي، كاتباً ومخرجاً، أعمالاً كثيرة أبرزها: "الشيوخ" 1964، "ديوان كراكوز" 1965، "كل واحد وحكمه" 1967، "بني كلبون" 1976 و"ديوان الملاخ" 1977... وهي شكّلت قطيعة مع مسرح ما قبل الاستقلال الرازح تحت عبء الارث الاستعماري. عمل مديراً لمسرح وهران الجهوي في الستينات، وهو مؤسس "مهرجان مسرح الهواة" في مستغانم، وأشرف على مؤسسات ثقافية أخرى، جعلته يبقى حاضراً حتّى بعد أن فتك به المرض وحدّ من قدراته الابداعية والعمليّة.