بعد ان استعرضنا في حلقة أولى الوضع العام للسينمات العربية، نرسم في التحقيق الآتي الخارطة السينمائية كما تبدو في بلدين متجاورين هما المغرب والجزائر، أولهما يحقق نجاحات كبيرة على رغم قلة انتاجه، والثاني يعيش وضعاً سينمائياً متأزماً بعدما كانت سينماه واحدة من السينمات الطليعية في العالم الثالث خلال سنوات الستين. للوهلة الأولى لا يبدو ان لدى منى فتو ما هو استثنائي سوى جمالها الطيب وابتسامتها المشعة، وصوتها اللطيف، وهي في نهاية الأمر صفات تشاركها فيها اكثر من نصف فتيات المغرب. ومع هذا حين تسير منى فتو في شوارع الدار البيضاء، لا يكون من النادر ان يتجمع الناس من حولها ويجاذبونها اطراف الحديث، بينما تبتسم هي ويحمر وجهها خجلاً، فاذا بالغ المحيطون بها في اطرائها تقول بهدوء انها في نهاية الأمر لا تستحق هذا التكريم كله. منى فتو التي لم تتجاوز منتصف العقد الثالث من عمرها بعد، تعتبر اليوم في المغرب نجمة كبيرة، بل النجمة الأولى، اذا حكمنا على الأمر من خلال النجاح الكبير الذي حققه، وإن بنسب متفاوتة، الفيلمان الأساسيان اللذان مثلت فيهما حتى الآن: "حب في الدار البيضاء" من اخراج عبدالقادر لكطع، و"البحث عن زوج امرأتي" من اخراج محمد عبدالرحمن التازي. قبل سنوات كان الفيلم الأول، وعلى عكس كافة التوقعات، حقق قدراً كبيراً من النجاح - بالقياس الى ما يحققه، عادة، أي فيلم مغربي وسط منافسة شديدة وغير متكافئة مع السينما الاميركية والمصرية، حيث حضر عروض اسابيعه الأولى، وفي مدينة الدار البيضاء وحدها اكثر من 150 الف متفرج. كان ذلك النجاح مفاجئاً، ولكن قيل في تفسيره انه يعود لكون الفيلم يطرح بعض المشاكل التي تجابه الاجيال الجديدة في المغرب، ولكونه كان جريئاً بعض الشيء في تفاؤله للقضايا الجنسية. من هنا اعتبر النجاح استثنائياً وقيل انه سيكون من الصعب له أن يتكرر. ولكن في هذا العام، ودائماً من تمثيل منى فتو، كانت مفاجأة اخرى في انتظار السينما المغربية: في مواجهة "جوراسيك بارك" نفسه تمكن فيلم محمد التازي الجديد "البحث عن زوج امرأتي" من أن يجذب، في مدن مغربية عديدة، ما يقارب المليون متفرج. بمعنى ان هذه الكوميديا الاجتماعية التي تتحدث عن تعدد الزوجات في مناخ يشبه مناخ الفيلم الصيني "زوجات ومحظيات"، تمكنت من ان تحقق اكبر نجاح حققه اي فيلم غير مصري في أي بلد عربي، نجاح لم يعد يقاس به أي من النجاحات التي حققتها الأفلام التونسية الكبيرة في تونس، ولا حتى نجاح "عمر قتلاته" لمرزاق علواش في الجزائر، قبل عقدين من الزمن. سينما تتساءل بقلق حين تسأل منى فتو عن هذا النجاح تحمر وجنتاها مجدداً وتقسم لك، طروب، بأن لا يد لها في ذلك "الفضل يعود الى التازي، مخرج الفيلم، تماماً كما ان الفضل في نجاح الحب في الدار البيضاء يعود الى مخرجه عبدالقادر لكطع". تنتمي منى فتو الى جيل جديد من الممثلات والممثلين العرب يعتبر ان المخرج هو المسؤول الأول عن نجاح فيلمه او فشله، وتقول لك حين تمعن في سؤالها ان ليست لديها، على أي حال أية استراتيجية للعمل السينمائي مستقبلاً، وليس فقط لأن المسرح هو هوايتها وعالمها الأول والاخير، بل أيضاً لأن السينما المغربية ليست مستقرة الى درجة تدفع الى رسم المرء لمستقبل حياته بالتواكب مع مسيرتها. وهذا الكلام صحيح بالطبع، رغم النجاحات العديدة التي حققتها السينما المغربية في الآونة الأخيرة، وخصوصاً على أيدي محمد التازي في فيلمه الجديد، ولكن أيضاً في فيلميه السابقين المميزين "عابر سبيل" و"باديس" وجلالي فرحاني خصوصاً في فيلمه الاخير "شاطئ الاطفال الضائعين" وفريدة بليزيد "باب السما مفتوح" كواحد من افضل افلام النساء العربيات وقبلهم سهيل بن بركة الذي اسس قبل عقدين للسينما المغربية الجديدة والمؤمن السميحي الذي اعتبر لفترة واحداً من ابرز المخرجين في المغرب. اليوم، من بين كل هؤلاء، ليس في الميدان سوى فرحاتي والتازي، من بين المخرجين الاكثر نجاحاً، من الذين يحاولون ان يحققوا سينما شعبية - ميلودرامية في بعض الاحيان -، ولكن ثمة من ناحية اخرى مجموعة من المخرجين يحاول كل منهم على طريقته ان يحقق سينما متسائلة وقلقة. ومن هؤلاء حسن بن جلون، الذي قدم قبل سنوات "اعياد الآخرين" ثم اتبعه بپ"يا ريت"، فاذا كان في فيلمه الأول رسم صورة للمنظور السيكولوجي لشخصياته على خلفية الصراع الطبقي، فانه في فيلمه الثاني رسم صورة عائلية على خلفية احداث وأبعاد سيكولوجية. سينما بن جلون لا تزال سينما بحاجة الى مزيد من النضج، تماماً كما هو حال سينما سعد الشرايبي المنتمي الى المجموعة نفسها والذي قدم محاولة نزيهة لدراسة تاريخ جيل في فيلمه الأول "وقائع من حياة عادية"... لكنه اخفق في ذلك لفرط ما ملأ به فيلمه من قضايا وأحداث ومواقف. وهو العيب نفسه الذي يطبع سينما مصطفى الدرقاوي، التي تشاء لنفسها ان تكون سينما مثقفة مركبة، لكنها فشلت حتى الآن في أن تقبض على ناصية اسلوبها، على رغم ذكاء صاحبها ونواياه وحداثة طروحاته. ينتمي عبدالقادر لكطع الى هذا الجيل نفسه، لكنه يبدو في فيلميه الأخيرين "الحب في الدار البيضاء" خصوصاً اكثر اقتراباً من سينما تريد لنفسها ان تكون شعبية، بل ميلودرامية بعض الشيء. وهو الشيء الذي يحاوله زميله حكيم نوري في فيلمه الأخيرة "الطفولة المسروقة" الذي يمت بصلة نسب أكيدة الى "الحب في الدار البيضاء"، لكنه لا يضاهيه، لا في بساطته ولا في النجاح الذي حققه. من المؤكد ان المجموعة التي ينتمي اليها لكطع ونوري والدرقاوي وغيرهم، تحاول ان تسير خطوات اكيدة الى الأمام وأن تحدث تجديداً في سينما لا تزال، رغم كل شيء شابة، لكن مشكلة هذه المجموعة، بشكل عام، هي أن كل واحد من افرادها، وباستثناء لكطع الذي بدأ يبدو الاكثر احترافاً وبساطة في أسلوبه، لديه الف شيء وشيء يقوله في فيلمه مما يربك الفيلم وسياقه ويمنعه من أن يحقق الشعبية التي يتوخى، في الوقت الذي يمنعه من ان يحقق "العالمية" لأنه يحقق سينما تنتمي الى ما كان سائداً في الستينات ايام غودار وماكافييف. انما من دون عبقرية هذين او غيرهما. كل واحد من افراد هذه المجموعة لا يزال عند فيلمه الأول أو الثاني او الثالث، وعلينا أن ننتظر اكثر قبل أن نعرف الى أين سينتهي الأمر بسينماهم. في انتظار ذلك نراقب نجاحات محمد عبدالرحمن التازي الذي يقول انه لم يفاجأ باقبال الجمهور على "البحث عن زوج امرأتي" فپ"أنا صغت الفيلم منذ البداية على أساس انه فيلم شعبي يتوخى الوصول الى الناس المعنيين بالقضية التي يطرحها، واخترت ممثلين جيدين بشير سيكرج رائع في دور الزوج، اضافة الى منى فتو والطيب العلج، وأصررت على أن أوفر للفيلم تقنيات جيدة. وفي اعتقادي انها كلها عناصر من شأنها ان توفر النجاح لمن يطلبه". يقينا ان النجاح التقديري الذي حققه فيلم جلالي فرحاتي "شاطئ الاطفال الضائعين" كان أكبر، من الجائزة الكبرى في مهرجان معهد العالم العربي قبل سنتين، الى جوائز عديدة اخرى في مهرجانات مختلفة، بما فيها اكثر من جائزة لممثلته الرئيسية سعاد فرحاتي، غير ان جلالي لم يتمكن من تحويل نجاحه التقديري الى نجاح شعبي عارم، وهو نفس ما اصاب سهيل بن بركة في فيلمه الأخير "طبول النار" التاريخي الذي كان يفترض بالاقبال عليه ان يكون كبيراً. يقول عبدالقادر لكطع "كل هذا يرينا أن الجمهور لغز كبير. فأنت مهما كانت حساباتك متشائمة أو متفائلة، سوف تعجز عن توقع رد الفعل الجماهيري على فيلمك" ومن هنا، يقول لكطع "لن يكون من السهل على اي فيلم مغربي ان يتيح لصاحبه انتاج فيلمه المقبل، وسيظل علينا ان نلجأ الى الغرب ليمولنا فإذا لم يتح لنا ذلك، علينا ان نستخدم اموالنا الخاصة" فهل هذا متاح للجميع؟ "لا. يقول حسن بن جلون الذي يعرف عنه انه يوظف في افلامه جزءاً من دخله الخاص كطبيب، السينما تكلف كثيراً، وقد يأتي يوم لا يعود الواحد منا قادراً فيه على تمويل هوايته هذه بنفسه". رسائل سياسية من الجزائر مرزاق علوش، الجزائري، لا يحتاج الى مثل هذا التأكيد، فهذا الشاب الدائم التهكم بقامته الربعة وحضوره المتواصل في المهرجانات وحبه النقي للبنان، بين أمور أخرى، كان هو الذي "أعاد اختراع" السينما الجزائرية ذات يوم. فهذه السينما التي نهلت خلال الأعوام الاولى من تاريخها من عبادة الثورة وتصنيمها، كانت وصلت الى طريق مسدود عند أواسط السبعينات، وبدأت تكرر نفسها، وكانت المحاولات الجادة لتخطي اختفاء الثورة بنفسها متمثلة في أفلام مثل "نوه" لعبدالعزيز الطلبي و"الفحام" لمحمد بوعماري، قد سقطت على مذبح النجاح الضخم الذي حققه "وقائع سنوات الجمر" لمحمد الأخضر حامينا، أول وآخر فيلم عربي يفوز بالجائزة الكبرى في مهرجان كان. وحده مرزاق علواش، وكان يومها في الثلاثين من عمره تقريباً، حقق تثوير السينما الجزائرية بفيلمه "عمر قتلاتو" الذي كان أول صرخة نبهت الى ما سوف يحدث في الجزائر بعد ذلك بزمن طويل، متحدثة عن الفراغ الذي تعيش فيه اجيال ما بعد الثورة، وعن الآفاق الاجتماعية المسدودة. مرزاق علواش، كان هو نفسه الذي عاد بعد ذلك بعشرين سنة، وفي فيلمه الأخير، حومة باب الواد "لاستخلاص نتائج الصرخة التي اطلقها في اواسط السبعينات. فهو في فيلمه الجديد يضع الجزائر على مشرحة التحليل ويسمي الأشياء بأسمائها من دون ان يتوقف عند لعبة الاسود والأبيض. فبالنسبة اليه ليس المهم ادانة هذا الطرف أو ذاك. المهم هو عرض الكيفية التي تجري بها الأمور في تلميحات تحمل دلالاتها. "لكني لم أشأ لفيلمي ان يكون مجرد رسالة سياسية، يقول مرزاق علواش، شئته ان يكون رسالة فنية أيضاً، وأعتقد ان الكثيرين استقبلوه كعمل فني، اضافة الى استقبالهم له كعمل سياسي"، مرزاق علواش لا يبتعد هنا عن جادة الصواب، فالذي لفت في فيلمه كان جانبه الابداعي، وسط الصعوبات التي يمثلها بالنسبة الى الفنان التقاط اللحظة السياسية والاشتغال عليها بنص فني حقيقي. مرزاق علواش نجح في هذا معيداً الارتباط بفيلمه الأول الذي يعتبر اليوم من كلاسيكيات السينما العربية. حصد مرزاق في فيلمه الأخير نجاحات عديدة جوائز أولى وثانية في مسابقات، عرض الفيلم وبيع لتلفزيونات عديدة بيد أن هذا لم يقنعه، بأن السينما الجزائرية تعيش بداية نهضة جديدة. فهو مدرك لواقع ان الاوضاع السياسية والاجتماعية المتفجرة في الجزائر لا تعد بالكثير من الآمال، ويقول: "ان السينما الجزائرية في وضع مأسوي، وليس فقط نتيجة لانهيار مفاجئ، بل نتيجة اضمحلال تدريجي بدأ منذ سنوات السبعين" ويضيف علواش ان الجزائر لم تعرف ابداً أية صناعة سينمائية حقيقية منذ ذلك الحين، ومع هذا، لو تحرينا تاريخ السينما الجزائرية منذ الاستقلال لاكتشفنا انها كانت السينما العربية الحقيقية الوحيدة التي قامت خارج اطار السينما المصرية، وهي كانت وصلت في بعض الاحيان الى مساعدة الانتاج المصري نفسه، وحتى الانتاج الفرنسي فيلم "العصفور" من انتاج جزائري، وكذلك بعض افلام كوستا غافراس وايف بواسيه الفرنسيين. ومع هذا يقول علواش اليوم ان كل ذلك الانتاج لم يؤسس لأية سينما حقيقية خاصة وان "كل الافلام عن حرب التحرير كانت أكاذيب في اكاذيب". سواء أكان مرزاق علواش مصيباً في رأيه هذا أو مخطئاً، فإن ما يمكن ملاحظته اليوم، هو أن السينما الجزائرية تتدهور تدهور المجتمع الجزائري نفسه. ومع هذا لسنتين او ثلاث فقط كان الانتاج الجزائري لا يزال، في خير، نسبياً، وكان بعض الافلام نبه الى ما يحدث اليوم من "راضية" للأمين مرباح، الى "اكتوبر" لمالك الاخضر حامينا. كيف تلفظ انفاسها الناقد الجزائري مزيان وإن كان يوافق مرزاق علواش بعض الشيء في تشخيصه فانه يقول ان السينما الجزائرية في خير رغم كل شيء، وأن كل واحد من مبدعيها الجيدين يحمل مشروعاته تحت ابطه ويحاول ان يشق طريقه، ويضرب المثل على هذا بالفيلمين الجيدين الذين حققهما محمد شويخ خلال الأعوام الأخيرة من "القلعة" الى "يوسف"؟ والحال ان شويخ يعتبر حالة استثنائية في السينما الجزائرية، كما ينبغي لكل مبدع حقيقي ان يكون، غير ان مقارنة بين "القلعة" وهو واحد من أفضل الأفلام الجزائرية، وبين "يوسف" الذي يحاول ان يوجه سلاح النقد لممارسة السلطات الجزائرية المتعاقبة ولتراث جبهة التحرير، ستكون لصالح القلعة الذي مثلته الناقدة فاطمة بلحاج التي تقول عنه اليوم انه "كان اشارة اخيرة الى قوة النزاع لدى سينما تنازع لكنها لا تعرف كيف تلفظ انفاسها بعد" وترى فاطمة بلحاج ان المشكلة مع السينما الجزائرية ليست كثرة افلامها او قلتها، بل ماذا تريد هذه الافلام ان تقول "حتى أفلام مرزاق علواش، أو فيلم مالك الاخضر حامينا، وهي من الأفلام النادرة التي وضعت الاصبع على الجرح، هل قالت ما يجب قوله عن الجزائر وما تعيشه" ثم، تتساءل فاطمة بلحاج "لمن تتوجه هذه الأفلام أولاً وأخيراً، وهل غيرت شيئاً في واقع الحال عندنا؟". فاطمة بلحاج التي تعايش السينما الجزائرية منذ اكثر من عقدين من الزمن، لا تقول اليوم انها تطالب السينما الجزائرية بأي شيء "كل ما في الأمر انني احب ان أسأل السينمائيين عن الذي فعلوه هم الذين لا يكفون عن محاسبة غيرهم". ما تكشف عنه فاطمة بلحاج في اسئلتها انما هو عمق السجال القائم حالياً في الأوساط السينمائية الجزائرية بصدد الحديث عن المسؤوليات، وهو سجال يشارك فيه المخرج فاروق بلوفة، المتوقف حالياً عن العمل السينمائي، بعد أن قدم قبل عقدين تقريباً واحداً من أفضل الأفلام عن الحرب اللبنانية "نهلا" من تمثيل اللبنانية ياسمين خلاط يتساءل فاروق بلوفة: "أجل ما الذي فعلناه جميعاً لهذا البلد، كيف حدث اننا، ونحن ابناء الطليعة، عجزنا حقاً عن توقع ما حدث عندنا؟". اسئلة بعد الانتصارات الثورية "لقد كنا لا نزال غائصين في انتصارانا الثورية، حين فاجأنا الجيل الجديد، ناهضاً من مكب فراغه ليوجه الينا والى السلطات والى المثقفين والى المجتمع ككل، اصابع الاتهام "يقول فاروق بلوفه بيأس وحزن. فاذا نبهته الى أن فيلم مرزاق علواش "عمر قتلته" الأول وضع الأصبع على الجرح يقول: "لكننا عجزنا عن خلق التراكم المطلوب". رشيد بلحاج، مخرج "زهرة الرمال" ثم "توشيا" في مرحلة أقرب منا زمنياً، يشارك زملاءه اسئلتهم وإن كان يرى انه "حسب الفنان من أن يواصل تحقيق احلامه السينمائية حتى يكون ادى ما هو مطلوب منه. ثم، علينا الا ننسى اننا لسنا نحن من سيغير الكون. حسبنا ان نغير انفسنا". والحال ان الفيلمين اللذين حققهما بلحاج حتى الآن يشيان بأن ثمة اشياء كثيرة تتغير في السينما الجزائرية، على صعيد الطرح الفكري، ولكن خاصة على صعيد الطرح الجمالي. من هنا وعلى الرغم من اليأس المستشري لدى السينمائيين والمثقفين الجزائريين بشكل عام، يمكن للناقد عبده ب. المقيم حالياً في فرنسا، كما هو حال مرزاق علواش وعدد لا بأس به من المثقفين الجزائريين، يمكن له أن يقول "مهما يكن. من المؤكد ان السينما الجزائرية ستخرج من المحنة الحالية اكثر قوة. فالقدرات البشرية لا تنقصنا. كل ما في الأمر اننا كنا مستسلمين لخمول لذيذ وكاذب، واليوم بات علينا ان نتحرك اكثر وأن نفكر أكثر وأن نكون سينمائيين اكثر وأكثر". في انتظار ذلك يحصد "حومة باب الواد" مزيداً من النجاح والتعاطف، ويحمل مخرجون مخضرمون من نمط محمد الأخضر حامينا وأحمد راشدي مشاريعهم الجديدة وينتظرون، في الوقت الذي يقول الذين قرأوا سيناريو فيلم مرزاق علواش الجديد، انه قد يتمخض عن واحد من أفضل ما حقق علواش حتى اليوم. متى سيقيض لعلواش ان يحقق فيلمه الجديد؟ وقبل هذا من سيقيض لفيلمه "حومة باب الواد" ان يعرض في الجزائر؟ وهل ستكون الافلام مثل "يوسف" و"اكتوبر" و"راضية" تأثيرات تغييرية في بنية الذهنية الجزائرية؟ اسئلة لا يزال الوقت ابكر من ان يوفر فرصة للاجابة عليها. وفي انتظار ذلك يتجول المخرجون الجزائريون بين المهرجانات ويحصدون تعاطفاً ونجاحاً. وفي خريبكةالمدينة المغربية الصغيرة، التي ليس فيها ما يجذب، الى جانب رائحة الفوسفات، سوى مهرجانها السينمائي المتواضع، يتجول المخرجون والسينمائيون الجزائريون وكأنهم نجوم حقيقيون، وفي مقدمتهم مرزاق علواش الذي يبتسم ابتسامته المتهكمة امام رائحة الفوسفات ويفكر بفيلمه المقبل متسائلاً عما اذا كان سيحققه حقاً. الحلقة المقبلة: تونس في الطليعة