اذا كان ما تشهده المنطقة مرحلة جمود في مسيرة التسوية السلمية أو بالاحرى مرحلة انتظار فماذا تسمى حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها وتشنها الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة بعدما تعهد الرئيس ياسر عرفات "اجتثاث الارهاب"؟، وماذا تسمى الاعتقالات التي تشنها القوات الاسرائيلية في الضفة الغربيةالمحتلة واعلان حركة "حماس" ان عام 1995 هو عام الحسم، فإما هي وإما رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، وان المعركة متواصلة حتى اسقاطه ومعه اتفاق أوسلو... وعرفات ايضاً؟ وليس هذا هو الوجه العنفي الوحيد في الصراع لحماية التسوية أو لإسقاطها. بل هو فصل في ملف واسع كبير: من نيويورك حيث يحاكم المتهمون بمؤامرة لنسف معالم رئيسية في المدينة واغتيال شخصيات سياسية عربية وأميركية، الى واشنطن حيث يستعد الكونغرس لإقرار قانون لمكافحة الارهاب كخطوة على طريق تنفيذ اعلان الرئيس بيل كلينتون إثر عملية نتانيا الشهر الماضي انه سيضرب الارهاب والحركات التي تهدد السلام والمصالح الامريكية في الشرق الاوسط. وحتى المحادثات الامنية التي دارت الاسبوع الماضي بين وفدين لبناني وأميركي لم تحرك مخاوف طرف مثلما حركت مخاوف "حزب الله" كأنه الهدف الوحيد الذي انعقدت من اجله المحادثات، تماماً مثل "حماس" و"الجهاد" وكل المعارضين الآخرين للتسوية الذين انعقدت القمة الرباعية في القاهرة من اجل مواجهتهم... وانقاذ اتفاق أوسلو والمسار الفلسطيني برمته. ولا يبالغ بعضهم اذا ضم الى هذا الملف ما تتخذه السلطات الفرنسية من اجراءات في أراضيها للحد من نشاط الحركات الاصولية ومن سياسة خارج أراضيها بالانخراط اكثر فأكثر في الصراع الجزائري الدخلي الذي يبدو انه عاد الى نقطة البداية بإعادة السلطات الجزائرية الشيخين عباسي مدني وعلي بلحاج الى السجن، فيما تواصل السلطات المصرية حملتها على المتطرفين وتصعد مواجهتها مع "الاخوان" سياسياً وقضائياً. كل هذا من غزة والضفة الى نيويوركوواشنطن، مروراً بمصر والجزائر وفرنسا... يتصل من قريب أو بعيد بالتسوية وإن تعددت الاهداف والأبعاد، واذا كان كل هذا جموداً أو انتظاراً، اذا كانت هذه الطاحونة الامنية - القضائية جموداً فماذا تُسمى القمة الرباعية التي عقدت قبل أيام في القاهرة وانضمت الى "مسيرتها" الادارة الاميركية من الاجتماع الخماسي لوزراء التجارة في طابا الى اللقاء الخماسي لوزراء الخارجية في واشنطن الذي بحث في سبل دفع المسار الفلسطيني - الاسرائيلي الى الأمام؟ انها معركة مفتوحة وشاملة، سياسياً وعسكرياً بين معسكرين، معسكر مدريد ومعسكر الرافضين للتسوية وقد لا تنتهي الى حسم سريع يقضي فيه طرف على آخر قضاء نهائياً. ليست المسألة معادلة حسابية الى حد القول ان المسيرة ستنهار كلياً ما لم يتحقق تقدم هنا، في غزة أو على جبهتي الجولان وجنوب لبنان أو الى حد القول: إما "حماس" وحلفاؤها وإما رابين وعرفات. ومن المبالغة الاعتقاد بأن "الارهاب" سيُقضى عليه بجملة اعتقالات او محاكمات ومواجهات، مثلما من المبالغ القول ان المراوحة الحالية في المفاوضات الحالية في المفاوضات على المسارات الفلسطينية والسورية واللبنانية ستساهم في تعميقها واطالتها عملية انتحارية هنا أو هجوم هناك... حتى نسف قطار مدريد. كلا الطرفين يراهن على الرأي العام، المعارضون يعملون لتعميق الأزمة بين رابين والرأي العام الاسرائيلي، وتعميق الازمة بين عرفات والرأي العام الفلسطيني، وإن حققت مقاومتهم شيئاً من هذا فإنهم دفعوا أهل التسوية الى مزيد من التلاقي والى تفعيل الحوار وقيام التحالف "الخماسي". واذا كان المعارضون اختاروا طريق المقاومة والقوة لضرب التسوية، فإن أهل التحالف يدركون بلا شك ان استخدام القوة ليس الاسلوب الصحيح لكسب الرأي العام أو الرد الوحيد لحسم المعركة. ان تعزيز السلطة الفلسطينية والتزام حكومة رابين بنود اتفاقي أوسلووالقاهرة وجداولهما الزمنية يشيعان انفراجاً يساعد على تحريك الانفراج على المسارين السوري واللبناني، فالتسوية كل مترابط، واذا كانت كذلك تصبح المعركة اكثر شمولاً بين اطراف تركب قطاراً واحداً يفترض ان تكون عرباته مترابطة، واطرافٍ اخرى اثبتت حتى الآن ان اشياء كثيرة تربط بينها من غزة الى نيويورك مروراً بمصر والجزائر وفرنسا ولبنان. واذا تقدم أهل التسوية نحو مزيد من الترابط ولم يحد قطار مدريد عن سكتي القرارين 242 و338 قد ترجح كفتهم في صراع يتجاوز التوقيع على اتفاقات الى صراع هدفه الأول والأخير ان تشعر شعوب المنطقة بفوائد التسوية فتلتف حولها وتكرسها سلاماً واستقراراً دائمين.