ظهر المؤشر الأول على التوتر في العلاقات الاردنية - السورية، المستمر منذ اكثر من سنة، في شهر حزيران يونيو من العام الماضي عندما ألغت الحكومة السورية اجتماع اللجنة العليا لرئيسي وزراء البلدين، كي لا تعطي "مباركة" لاتفاق السلام الموقع بين الأردن واسرائيل خصوصاً وان الاتفاق جرى من دون "تنسيق" مع دمشق، وجاء بعد انتقادات قوية وجهها مسؤولون اردنيون الى سورية متهمين اياها بالاتفاق على "الخطوط الاساسية للتسوية" في شأن الجولان. ويلخص مسؤول سوري كبير ل "الوسط" اسباب الموقف السوري من السياسة الاردنية في أن "نصوص" اتفاق السلام الاردني - الاسرائيلي حولت هذا البلد العربي الى "حليف" للدولة العبرية في مواجهة الدول العربية الاخرى "او ان يكون الدور الاردني والفلسطيني مقتصراً على فتح الاسواق العربية تطبيعاً سياسياً وهيمنة اقتصادية". ولفت الى ان السوريين "لا يزالون يعتمدون في شكل بارز في تقويم العلاقة مع اي طرف، على طبيعة علاقته مع الدولة العبرية". لم يذكر المسؤولون السوريون الأردن بالاسم في انتقاداتهم ل "الاتفاقات المنفردة" و "الخروج على التنسيق" او "التفريط والتنازل عن معظم الارض وتأجير الباقي منها" في حين وجه الاردنيون انتقادات بالاسم الى سورية. الموقف الاهم الذي صدر عن سورية جاء على لسان الرئيس حافظ الاسد في ايلول سبتمبر من العام الماضي. وكانت انتقاداته موجهة الى "الذين تخلوا عن المبادئ وزاغوا عن طريق الحق" من دون ان يسمي اي دولة. والأمر ذاته حصل عندما اشار وزير الخارجية السيد فاروق الشرع الى ان دمشق "قد تعيد النظر في موقفها" من الاتفاقات الموقعة في حال استخدمت للاضرار ب "مصالح سورية الوطنية والقومية". وبينما تقصد نائب الرئيس السوري السيد عبدالحليم خدام عدم تسمية الاردن او اي بلد آخر في حديثه الى "الوسط" عن نية "بعض" الدول العربية تقسيم العراق الى ثلاثة اقسام، رد وزير الخارجية الاردني السيد عبدالكريم الكباريتي بتسمية سورية والمسؤولين السوريين واتهمهم بممارسة "النفاق السياسي" والهجوم على الأردن لتبرير الاشارات الايجابية التي بدأت تظهر في اتجاه اسرائيل بعد اغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين. الملفات العالقة وتركزت الحملة الاردنية على الملفات الآتية: المفاوضات السورية - الاسرائيلية، مياه نهر اليرموك، العلاقات الثنائية بين دمشقوعمان، والعلاقات العربية والاقليمية. الأمر الذي يؤدي، حسب اعتقاد المصادر السورية، الى ان التنسيق السوري - الأردني "كان تكتيكياً حسب سياسة الاردن وذلك لتحسين شروط التسوية وليس استراتيجياً لتحقيق شروط التسوية العربية ككل"، وزادت المصادر ان "كل تنازل أقدم عليه الاردن في المفاوضات، استبق بانتقادات قوية لسورية ومن دون أي مبرر". وأظهرت مسيرة المفاوضات ان "كل خطوة أردنية الى الأمام مع اسرائيل لا بد وان تسبقها خطوة الى الوراء مع دمشق"، اذ ان استئناف المفاوضات بين الاردن والدولة العبرية في ايار مايو من العام الماضي "مهد له رئيس الوزراء السابق عبدالسلام المجالي بالحديث امام البرلمان الاردني عن توافق سوري - اميركي على الخطوط الاساسية للتسوية بين دمشق وتل أبيب حول الجولان. وقال انه لم يبق سوى موضوع الجولان الفلسطيني او الحمة". ويمكن تفسير ذلك بأن السياسة الاردنية المتجهة الى توقيع اتفاق سلام كانت بحاجة الى تبرير ذلك امام المواطنين الاردنيين "بالاشارة الى ان الاطراف العربية انتهت من النقاط العالقة، ولم يبق سوى التفاصيل، وان الاردن لا يستطيع الانتظار خصوصاً بعدما وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق اوسلو". والأهم ان القيادة الاردنية كانت تحتاج الى "تغطية" من قبل "سورية حاملة التيار القومي" لتسويق الاتفاق امام الاحزاب الاسلامية والقومية في الشارع الاردني. وبدا الانزعاج السوري من الدور الذي تقوم به عمان من خلال المواقف التي أعلنها المسؤولون السوريون من قمة عمان الاقتصادية التي حرضتها اسرائيل وقاطعتها سورية ولبنان بسبب القناعة بأن القمة تستهدف تحقيق الاهداف الاسرائيلية في "الهيمنة" على المنطقة العربية و "فتح ابواب" العالم العربي امام "المشروع الصهيوني للمنطقة" وقطف "ثمار" السلام قبل دفع "ثمنه" للعرب. يدرك المسؤولون السوريون الفارق بين "الظروف الموضوعية" المتعلقة بطبيعة موقع الاردن الجيوسياسي والاقتصادي المعتمد على المساعدات والموقف من حرب الخليج الثانية التي أدت بالأردن الى "تعجيل" اتفاقات السلام، وبين ظروف سورية التي أدت الى تحمل "التريث وعدم العجلة". غير انهم يؤكدون ان استمرار التعاون بين البلدين في ملف "مصيري"، كان كفيلاً ب "تحسين الشروط العربية للتسوية. اذ ان نتائج التنسيق الذي بلغ مرحلة متقدمة كانت واضحة في السنتين الأوليين من مفاوضات السلام". قضية المياه اما المحور الثاني الذي تركزت عليه الانتقادات الاردنية، فكان ان السوريين يستغلون اكثر من حاجتهم من مياه نهر اليرموك. لكن المصادر السورية تفهم ذلك بأن "الأردنيين ارادوا تبرير تحويلهم النهر من سوري - اسرائيلي - اردني الى نهر سوري - اسرائيلي". وكان وزير الري الأردني الدكتور صالح ارشيدات اتهم سورية بأنها تحصل على اكثر من حصتها من مياه النهر "حسب مشروع جونستون" بين عامي 1953 و1955. لكن المصادر السورية أكدت ل "الوسط" انه "من غير المنطقي الاستناد الى خطة مين - جونستون" ونفت "حصولنا على اكثر من حصتنا، لم نفعل ولن نفعل". وزادت ان المستند الاساسي للتعاون المائي بين الجانبين هو الاتفاق المرحلي للعام 1987، وينص على استغلال سورية لمياه الينابيع التي يبلغ ارتفاعها اكثر من 250 متراً في مقابل استغلال الاردن المياه تحت مستوى 250 متراً. وأضافت المصادر المطلعة ان الحجة التي طالما استخدمها الأردن لتبرير تصعيد التوتر مع دمشق وبينها ان سورية ترفض قبول سفير أردني "ليست صحيحة" اذ ان الرئيس الأسد قبل في العام الماضي أوراق اعتماد السفير احمد سالم العضايلة. كما ان دمشق حرصت في علاقتها مع الأردن اكثر عن الخط العربي". وأشارت المصادر الى ان الزيارة التي قام بها وفد الاحزاب الاردنية المعارضة في شباط فبراير أتت نتيجة دعوة من القيادة المركزية ل "الجبهة الوطنية التقدمية" تأسست في العام 1972 من مجموعة احزاب، ولم تكن من أي جهة سياسية. وأكد المسؤولون السوريون ان المعارضة السورية لاتفاق السلام او الدعم للأحزاب المعارضة "لن يكون مادياًش، اذ ان الصحف الرسمية تكتفي بابراز مواقفها على صدر صفحاتها من دون تعليق مباشر عليها كي لا يُفسر ذلك على انه "تدخل في الشؤون الداخلية". التغيير في العراق وان اكثر ما أساء الى العلاقات بين البلدين هو محاولة القيادة الأردنية استغلال لجوء الفريق الاول الركن حسين كامل صهر الرئيس العراقي الى عمان لترتيب تغيير في بغداد يطيح الرئيس صدام حسين ويؤدي الى "تقسيم العراق في شكل اثني - عرقي وربطه بالتسوية السلمية عبر البوابة الاردنية". وكان الاستياء في ردة الفعل السورية ديبلوماسياً باتجاه طهران والقاهرة وأنقرة، وسياسياً من خلال المواقف الرسمية التي تركزت على ان دمشق "لن تسمح بذلك أبداً". ويمكن فهم قول الشرع في نيويورك حول مصالح بلاده "القومية والوطنية" من خلال هذه الزاوية، كما ان ذلك يؤدي الى فهم رفض سورية القاطع لاستقبال الفريق حسين كامل بالرغم من "الالحاح" و "الوساطات" التي اطلقها صهر الرئيس العراقي باتجاه المسؤولين السوريين. وتخلص المصادر السورية الى ان الخلاف بين الطرفين يختصر في جوهره "صراعاً" بين مشروعين لمستقبل تلعب فيه الدور الأهم على اساس الحجم السابق لكل دولة" ورغبة عمان في تغيير الخريطة السياسية وبناء تحالفات جديدة تعيد ترتيب دور كل دولة في المنطقة على اساس "التسليم بأن لاسرائيل الدور القيادي فيها".