* اللبنانيون يفتحون الباب للعمال السوريين واجماع على الانتخابات النيابية في موعدها * أميركا تتفهم موفقنا ولا يمكن الضغط علينا دمشق تنام باكراً كعادتها. كأنها قرية كبيرة. تنام وأضواؤها منارة، ليس لأن أزمة الكهرباء انتهت، بل لأنها تواكب معالم الزينة. انها تحتفل باليوبيل الفضي ل "الحركة التصحيحية" التي قادها الرئيس حافظ الاسد في 16 تشرين الثاني نوفمبر 1970، وعمّرت كما لم يعمر عهد في التاريخ السياسي للبلاد. من هنا تأكيد السوريين على أهمية الاستقرار السياسي بما ينعكس تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية. لم تتعب شوارع دمشق من المسيرات في كل ناحية، والتي توجت بپ"مسيرة المليون" يوم الأربعاء، وقد رفعت شعارات التأييد للتصحيح والثناء عليه. ولم يتعب أهلها في هذه الحركة المحمومة نهاراً. ينامون كالمعتاد، كأن لا شيء يجري على حدودهم الشرقية مع العراق، وعلى حدودهم الشمالية مع تركيا، ووراء حدودهم الغربية في لبنان. يقلقهم أو يؤلمهم ملف العراق وملف المفاوضات مع اسرائىل وملف "التطبيع" وملف المياه والأمن مع تركيا... لكنهم "ثابتون على موقفهم وواثقون من الموقف العربي العام، وموقف الرأي العام العربي"، كما يقول المسؤولون السوريون. ويعتقدون بقدرتهم على الاعتماد على قواهم الذاتية، ولا يعيرون حديث الضغوط اهتماماً، ومثله عامل الوقت الاّ اذا تحول عامل ابتزاز ومساومة. مسؤولون يواكبون الاحتفالات باليوبيل الفضي. ومسؤولون يراقبون ويتابعون كل شاردة وواردة، مما يجري خارج الحدود، قريبه والبعيد. يتوزعون كل هذه الملفات الشائكة. لكن لكل واحد منهم اطلاعاً كافياً وواسعاً في ما يشبه التنسيق اليومي، على الملفات جميعاً. نائب الرئيس السيد عبدالحليم خدام، أحد مؤسسي الحركة التصحيحية، الذي تقلب في مواقع مختلفة مشاركاً في رسم سياسات الحركة وديبلوماسيتها وخططها، ومنفذاً... تحدث الى "الوسط" عن كل هذه الملفات. طوال ساعة ونصف ساعة كأنه يقرأ في كتاب. لا ينتظر نهاية السؤال لينطلق في الإجابة. ظل على وتيرة واحدة. هدوء ووضوح، وصوت خافت لم تتغير نبرته الاّ قليلاً عند التطرق الى موضوع "محطات الانذار المبكر"، وبعض الاسئلة المتعلقة بلبنان. تكلم على العراق والمفاوضات، وبدا منزعجاً من سياسة الاردن، لكنه لم يسمه بكلمة. تكلم على اتفاق اوسلو ولم يسم منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات. تحتفل سورية باليوبيل الفضي للحركة التصحيحية، انتم من المؤسسين للحركة، كيف تقومون تجربتها بعد مرور ربع قرن، وكيف تنظرون الى مهماتها المستقبلية؟ - ان مرور ربع قرن على الحركة التصحيحية دليل نجاح. كانت سورية قبل الحركة التصحيحية تعيش عدم استقرار وكان تغيير الحكومات يتم بصورة متلاحقة، ولم تكن الحكومة تعمر اكثر من اشهر. ان غياب الاستقرار افقد سورية امكان النمو الصحي والصحيح، وان استمرار الحركة مدة ربع قرن وما تحقق من بناء ضخم في المجال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي هو دليل نجاح هذه الحركة في تحقيق شعاراتها وأهدافها كاملة. بطبيعة الحال ان ما تحقق هو جزء من طموحاتنا، نحن بلد يعتقد بأنه يتحمل مسؤولية قومية في مواجهة ما يتحدى الامة العربية من مصاعب واخطار، ويعمل من اجل تحقيق الوحدة العربية وبناء مجتمع عربي موحد وتحرير الارادة العربية وتحقيق النمو والتقدم في الوطن العربي. لدينا في سورية هذا الشعور بالمسؤولية القومية ما يحملنا تالياً عبئاً يحتاج الى عمل كثير وجهود كبيرة. طموحاتنا كبيرة في ان نساهم مساهمة فعالة في قيام وضع عربي معطاء متحرر من اي شكل من اشكال الضغوط والتدخلات الاجنبية. وطموحاتنا في المجال الداخلي هي ان تستمر مسيرة البناء كي نستطيع الاستثمار الكامل لطاقات البلد البشرية والطبيعية، بما يجعل سورية قادرة على حمل اعبائها الوطنية والقومية. اغتيال رابين كشف الأزمة كيف تقرأ سورية اغتيال رئىس الوزراء الاسرائىلي اسحق رابين؟ وهل ترى ان شيئاً ما تغير او سيتغير في السياسة الاسرائيلية؟ - مقتل رئىس وزراء اسرائىل هو اول ظاهرة تكشف الازمة الحادة التي يعيشها المجتمع الاسرائىلي، كما تكشف خطورة التطرف وعمقه في المجتمع الاسرائىلي. كانت الحملة مركزة دائما على العرب، وعندما قتل متطرف يهودي عشرات المسلمين الفلسطينيين في الحرم الابراهيمي مر ذلك الحادث كأن شيئاً لم يكن، لا في اسرائىل ولا في العالم، واستمرت الحملة موجهة ضد العرب وضد المسلمين متهمة اياهم بالارهاب... واذا باليمين الاسرائىلي يفاجئ العالم بعمق الارهاب المتأصل في بنيته والناجم عن المسيرة الطويلة للحركة الصهيونية وممارساتها منذ وعد بلفور الى الآن. هناك اذاً انقسام فعلي في صفوف المجتمع الاسرائىلي، هل تعتقد بأن معالجة هذا الانقسام ستصرف الاسرائىليين عن متابعة مسيرة التسوية وما هي انعكاساته على هذه المسيرة؟ - لا شك في ان مقتل رئىس وزراء ليس كمقتل شخص عادي، وكشف كما قلت ازمة وتابعناها كلنا في وسائل الاعلام. ان انعكاسات عملية اغتيال رابين على العملية السلمية امر مرتبط بمجمل تطور الوضع داخل اسرائىل. عامل الوقت والمصالح بدأت سورية في الفترة الاخيرة تؤكد على عامل الوقت، في حين لم تكن في السابق تبدي اهتماماً بهذا العامل. وظهر ذلك واضحاً في كلمة وزير الخارجية السيد فاروق الشرع في الاممالمتحدة اخيراً... - ان كلام وزير الخارجية السوري هدفه انه ما لم يتحقق سلام شامل من الصعب القول ان هناك حالة سلمية في المنطقة. عامل الوقت نسبي، والمهم هو النتائج. فاذا كان الوقت القصير يحقق نتائج ايجابية فهذا امر جيد واذا كان الوقت الطويل هو الذي يحقق النتائج الايجابية فان هذا امر جيد. ان عامل الوقت بالنسبة الينا لا يمكن ان يشكل عامل ابتزاز من اجل التنازل عن حقوقنا او التفريط بهذه الحقوق. حذر الوزير الشرع في الاممالمتحدة من ان سورية ستغير موقفها من التسوية، اذا استخدمت الاتفاقات التي تحققت الى الآن من اجل المساس بمصالحها الوطنية والقومية. هل يمكن ان تحددوا هذه المصالح؟ - اذا كان ما يجري سيؤدي الى الاضرار بعملية السلام او الى عدم تنفيذ المبادرة الاميركية السلمية القائمة على اساس القرارين 242 و338، واذا استمرت اسرائىل في التعنت، واذا نشأ وضع يجعل الانسحاب من الاراضي السورية واللبنانية معقداً فمن الطبيعي ان نعتبر ان مثل هذا الوضع يشكل اضراراً بمصالحنا وبحقوقنا، ومن الطبيعي ان يكون لنا موقف ينسجم مع تلك الظروف اذا نشأت. عقدتان في المفاوضات ما هي ابرز العقد التي تقف عندها المفاوضات الآن. وما هي شروط سورية للخروج من الجمود الحالي؟ - في الواقع هناك عقدتان رئىسيتان: مسألة الانسحاب الاسرائىلي ومسألة الترتيبات الامنية. حتى الآن لم يعط الاسرائىليون كلاماً واضحاً في شأن الانسحاب الى ما وراء خطوط الرابع من حزيران يونيو 1967. وفي الامر الثاني المتعلق بالترتيبات الامنية كانت هناك اتفاقات عبر الاميركيين على عدد من المبادئ وهي ان لا يكون امن طرف على حساب الطرف الآخر، وان يكون الامن بالتساوي والتوازي. وعندما اجتمع المعنيون لمناقشة هذا الامر جرى خلاف، اذ انه تم الاتفاق على نقطة هي ان الانسحاب يعني عدم بقاء اي اثر للاحتلال لأن سورية رفضت وترفض محطة الانذار المبكر فوق اراضيها، ووافق الجانب الاسرائىلي في مرحلة على ذلك لكنه ما لبث ان تراجع ما ادى الى وقف المفاوضات على مستوى الخبراء العسكريين. نحن بطبيعة الحال نريد ترتيبات امنية ولكن شرط ان تنطلق من اتفاق المبادئ الذي تم التوصل اليه، وهو ان لا يكون امن طرف على حساب امن طرف آخر، بل ان يكون الامن بالتساوي والتوازي. اذا استمرت سورية على موقفها واسرائيل على موقفها، هل يعني ذلك ان لا مجال ولا وسيلة لتسوية مشكلة الترتيبات الامنية؟ - ان موقفنا ينطلق من مبادئ وحقوق. الانسحاب يعني الانسحاب، وأي امر يشوه الانسحاب او يسيء اليه يعني اننا فرطنا بحق السيادة وفرطنا بأرضنا، لذلك فان مسألة التسوية في هذا الموضوع ليست لدينا، ويجب ان تكون في الجانب الاسرائىلي. هل يمكن التوصل الى حل وسط، بقبول محطة انذار اميركية مثلاً؟ - لا أميركية ولا روسية ولا صينية ولا انكشارية... لن يكون فوق الاراضي السورية اي وجود اجنبي. من هو حليف سورية الفعلي في المفاوضات؟ هل هي مصر التي يلاحظ التنسيق بينكم وبينها، علماً انها تشارك في كل خطوات التسوية وفعالياتها من حضور حفلة توقيع اتفاق طابا الى المشاركة في قمة عمان الاقتصادية... كيف تساعدكم مصر في موقفكم التفاوضي؟ - في الواقع، بعد مناقشاتنا مع الاخوة في القاهرة هناك اتفاق على دعم الموقف السوري. انهم يرون ان موقف سورية موقف صحيح وسليم، ومعظم الدول العربية يؤيد موقف سورية تأييداً واضحاً وحازماً. ثغرات ولكن لوحظ في قمة عمان الاقتصادية وجنازة رابين ان دائرة التطبيع تتوسع. كيف ستواجه سورية مثل هذا الوضع اذا استمر التوسع وطال الجمود؟ الا ترى ذلك اضعافاً لموقفها؟ - اولا انا قلت "معظم" الدول العربية ولم اقل كلها. ثانياً ان هذا التوسع هو مع بعض الحكام العرب. وبعض الحكام العرب الذين فتحوا الطريق امام اسرائيل ارتكبوا ثغرات عدة. اولى تلك الثغرات انهم خرجوا على ميثاق الجامعة العربية وعلى قرارات القمم العربية وعلى اتفاقات الدفاع العربي المشترك فأقاموا صلات الصداقة والتعاون مع اسرائىل في وقت لا تزال هذه تحتل الارض اللبنانية والارض السورية والارض الفلسطنيية. والثغرة الثانية هي، ويا للاسف، ان بعض المسؤولين في بعض الاقطار العربية ينسى او يتجاهل الرأي العام في بلده، ففي وقت تأتي هذه الدولة الاجنبية او تلك وتقول للدول العربية: راعوا الرأي العام الاسرائىلي، وان الحكومة الاسرائىلية لا تستطيع ان تتحرك لأن الرأي العام يضغط عليها، نجد ان هؤلاء بعض الحكام العرب يعتبرون ان الرأي العام في بلدانهم كم للافواه، ولا يأخذون في الاعتبار تطلعات هذا الرأي العام ولا مشاعره ولا التزامه الوطني او القومي، اعتقد بأن هذا الامر لا يشكل ظاهرة ايجابية في الساحة العربية وهو يدعو الى المرارة والاسف. كيف تواجه سورية ما يسمونه "الهرولة"؟ - في الواقع ان سورية تعتمد اولاً على قواها الذاتية. وتعتمد ثانياً على الرأي العام العربي. وتعتمد ثالثاً على الدول العربية المدركة خطر المشروع الصهيوني. وتعتمد رابعاً على تفهم الرأي العام الدولي لموقف سورية. ولا شك في ان اليمين الاسرائيلي كشف بوضوح من خلال اغتيال اسحق رابين ان سورية كانت على حق لأن هدف هذا اليمين ليس فقط التوسع في بعض الارض الفلسطينية وانما اقامة دولة اسرائىل الكبرى من النيل الى الفرات، الدولة التوراتية. هل هناك فعلاً تفهم اميركي ثم تفهم اوروبي للموقف السوري؟ ألا تعتقدون بأن اقتراب موعد الانتخابات في الولاياتالمتحدة سيؤثر في موقفها؟ وماذا تفعل اوروبا التي تبدو عاجزة ومستبعدة عن الفعل في المفاوضات؟ - نحن نأخذ في الاعتبار ما يقوله الاميركيون. وفي مناقشاتنا معهم نستنتج بوضوح انهم يرون في الموقف السوري منطقاً لا يمكن دحضه. حتى في حال الجمود هذه يتفهمون الموقف السوري؟ - اسأل الاميركيين انفسهم. أعلن الامير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء السعودي وزير الدفاع والطيران ان المملكة ترفض رفع المقاطعة قبل انجاز التسوية، وتعلن مصر تأييدها الموقف السوري، هل نتوقع قمة ثلاثية ثانية كالقمة التي عقدت في نهاية العام الماضي بين زعماء الدول الثلاث؟ - لم تجر مناقشة مثل هذا الامر. بين عمان وبرشلونة كيف تفسر سورية مقاطعتها القمة الاقتصادية في عمان ومشاركتها في قمة برشلونة، مع ان اسرائىل حضرت الاولى وتشارك في الثانية؟ - هناك فرق كبير بين قمة عمان وقمة برشلونة. ان الاولى مثل قمة الدار البيضاء هدفها الاقرار لاسرائىل بموقف قيادي ومتقدم في المنطقة، وادخالها في هذه المنطقة، وتجاوز حالة الحرب القائمة بينها وبين الدول العربية، ومن اجل فتح الطرق امامها لقيادة المنطقة. ان المشروع في الاساس هو مشروع اسرائيلي والاقتراح اقتراح اسرائىلي الهدف منه شرعية اسرائىل في المنطقة واعطاؤها موقعاً متقدماً في قيادة المنطقة واسقاط الهوية العربية عن المنطقة. أي ان يقال: نحن دول في الشرق الاوسط ولسنا دولاً عربية في الوطن العربي... بينما تحافظ اسرائىل على كيانها العنصري اليهودي. اما قمة برشلونة فمختلفة تماماً. انها محاولة اوروبية للتعاون مع دول حوض البحر الابيض المتوسط وبالتالي ايجاد علاقات من شأنها ان تتيح للاوروبيين دوراً سياسياً واقتصادياً في المنطقة بعدما غيبوا عن هذا الدور. وحضور اسرائىل في برشلونة ليس هو المعيار، انها تحضر في الاممالمتحدة وتشارك. المعيار هو الهدف. ان الهدف من مؤتمر عمان هو تمكين اسرائىل واعطاؤها موقعاً قيادياً، والهدف من اجتماع برشلونة هو صياغة علاقات جديدة بين الاتحاد الاوروبي والدول المتوسطية. ان الخلاف بين الاهداف شاسع، لذلك نحن نشارك في مؤتمر برشلونة ونرفض مؤتمر عمان. الا تقلق سورية اذا تأخرت التسوية وبدأ تنفيذ مقررات قمتي الدار البيضاء وعمان على طريق قيام سوق شرق اوسطية... - مقاطعاً أولاً لن تقوم هذه السوق. قد تقوم بين دولة عربية واسرائىل لكنها لن تقوم بين الدول العربية واسرائىل، وليس هناك بين الدول العربية، سوى عدد قليل جداً، من هو في هذا الاتجاه. هؤلاء العدد القليل لا يستطيعون القفز فوق الامة العربية وفوق مصالحها. مستقبل العراق كيف تنظر سورية الى التطورات الاخيرة في العراق ومستقبل الوضع فيه وموقف الاردن في هذا المجال؟ وماذا عن زيارة الفريق الاول حسين كامل لدمشق؟ - اولاً ان حسين كامل لم يزر دمشق. هناك في الواقع مخطط لتقسيم العراق. منذ نحو سنتين او اكثر عرض احد المسؤولين العرب على احد قادة المعارضة العراقية مشروعاً لتقسيم العراق ثلاث دول: دولة في الوسط والجنوب، ودولة في الغرب، ودولة في الشمال، اي تقسيمه على اساس مذهبي وعرقي، ثم اقامة اتحاد بين هذه الدول الثلاث المقترحة وطرف عربي آخر. وعندما سمعنا بهذا الكلام صعقنا في الواقع، وخشينا على وحدة العراق لأن هذا المشروع، اذا نجح، هو مشروع لتفكيك العرب قطراً قطراً على اساس مذهبي وعرقي. وهذا مشروع صهيوني للمنطقة. ان قوة اسرائىل ليست في قوتها العسكرية وانما في تفكك العرب وفي ضعفهم. من هنا كان تفكيك الوضع العربي وتمزيق العرب هدفاً من اهداف اسرائىل وهدفاً لكل الدول الطامعة بموقع العرب ومواردهم. ومنذ فترة وجيزة طرح هذا المشروع ثانية في وسائل الاعلام. في المرة الاولى اعتبرنا ان الامر ليس جدياً، ولكن في المرة الثانية عندما طرح رسمياً في وسائل الاعلام اصبحنا نرى حجم الخطورة التي تهدد الامة العربية. منذ سنوات، كان نضال العرب لبناء الوحدة العربية. والآن يصبح نضال بعض الاقطار العربية للحفاظ على وحدة القطر، أي ان وحدة القطر اصبحت مهددة. وبعد قليل - اذا كتب لمثل هذا المشروع النجاح - ستجزأ الأمة العربية تجزئة تجعل من الصعب ان تقوم قبل عقود كثيرة من الزمن. لذلك نحن وقفنا في وجه مثل هذا المشروع لأن وحدة العراق ارضاً وشعباً هي خط أحمر مرتبط بسلامة الامة العربية وبمستقبلها. وأعتقد بأن معظم اشقائنا العرب في الخليج ومصر والمغرب العربي، يشاركنا هذه المخاوف وهذه النظرة. ماذا تفعل سورية الآن لتأكيد دورها في رسم مستقبل العراق، ومقاومة مثل هذه المشاريع والادوار الاخرى؟ - اولاً، ان مستقبل العراق يحدده الشعب العراقي. ولا يخطئ احد في الحساب. الشعب العراقي ليس كماً. العراق جزء من الامة العربية وجزء من حضارة العرب وتاريخهم وتراثهم، والعراقيون ليسوا كماً حتى يقرر مصيرهم خارج العراق. العراقيون هم وحدهم يقررون مصير العراق. ولا أعتقد بأن في العراق من يقبل بأن يقسم البلد او يجزأ. نشاط "المؤتمر الوطني العراقي الموحد" مجمد، والتقيتم قبل فترة السيد جلال طالباني رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني واطرافاً عراقية معارضة اخرى، هل تسعى سورية الى عقد اجتماع موسع للمعارضة العراقية في عاصمتها؟ - ان المؤتمر العراقي هو محاولة من بعض العراقيين ليكون لهم تيار بتشجيع من بعض الدول الاجنبية. لكن هذا المؤتمر، كما نرى، وصل الى مرحلة الجمود. ان تجتمع المعارضة العراقية او لا تجتمع، هذا شأنها. نحن لا نريد ان نكون اوصياء على أحد. يأتي الينا الاخ طالباني، ويأتي الكثير من الأخوة العراقيين، ونناقش معهم. لكن الجميع ملتزم وحدة العراق، ومتمسك بها. يكثر الحديث عن محاولة ربط مستقبل العراق بالعجلة الاسرائىلية، ماذا تفعل سورية لمواجهة ذلك؟ - كما قلت ان العراق ليس كماً. وطبعاً من الاهداف لاقامة منظومة جديدة في المنطقة بقيادة اسرائىل ان يكون العراق جزءاً منها من المنظومة. اولاً للسيطرة على موارد العراق النفطية وثانياً لتصبح اسرائىل على حدود ايران وقريبة من باكستان ولتطويق نفط الخليج وللاجهاز على ما يربط العرب من علاقات قومية. هذا المشروع هو الذي أتحدث عنه. لكن العراق ليس ذلك البلد الذي يسهل اكله وقضمه. هذا المشروع لن يكتب له النجاح. الشعب العراقي شعب له ماضٍ، وهو مؤثر. وكان له دور في الحياة العربية عبر التاريخ. ويجب ألا ننسى ان العراق كان في مرحلة ما قلب الدولة العباسية. هذا البلد العربي، وهذا الشعب العربي الشقيق لا يستطيع أحد وضعهما في ركاب الصهيونية. القضية الفلسطينية تحتضن دمشق فصائل المعارضة الفلسطينية، لكنها لا تملك الورقة الفلسطينية، هل صحيح ان ثمة تعهداً سورياً بالعمل على عدم اسقاط ما يتحقق على المسار الفلسطيني؟ - أولاً إن القضية الفلسطينية ليست ورقة لا بيد هذه الدولة ولا بيد تلك، انها قضية مصير شعب، وبالتالي، ان هذا الامر مرتبط بالشعب الفلسطيني. دورنا نحن، منذ نشوء القضية الفلسطينية ان نقدم الى الشعب العربي الفلسطيني ما نستطيع من امكانات وجهد ومساعدة من أجل الحفاظ عليه وضمان حقوقه. وجميع الحروب التي خضناها منذ العام 1948 كانت من أجل الشعب الفلسطيني. وجميع الثورات التي قامت في فلسطين، قبل قيام دولة اسرائىل، في العشرينات والثلاثينات، كان لسورية وللسوريين دور كبير في قيادتها ودعمها. نحن نرى الامر من زوايا قومية وليس من زوايا تجارية. لا نبحث في ان تكون القضية الفلسطينية ورقة في يدنا، لكننا نبحث في كيف نستطيع ان نساعد الشعب الفلسطيني. أما موضوع الفصائل الفلسطينية المعارضة، فان سورية لا يمكن اطلاقاً ان تعطي التزاماً من شأنه ان يفرط بحقوق الشعب الفلسطيني، او ان يضعف هذا الشعب في نضاله وسعيه الى استعادة حقوقه التي اغتصبها الاسرائىليون. لا نحمل السلاح ماذا لو قررت الفصائل الفلسطينية التي تعارض منظمة التحرير الفلسطينية او قاطعت اجتماعات لجنتها التنفيذية، التي اكتمل نصابها القانوني في القاهرة اخيراً، اقامة منظمة بديلة، اين تقف سورية؟ - انت تفترض فرضيات، ولا يمكن تحديد مواقف استناداً الى فرضيات. نحن مع الشعب الفلسطيني، وما جرى في اوسلو هو ضد مصالح الشعب الفلسطيني، وتفكيك للقضية الفلسطينية، وتمزيق للشعب الفلسطيني، وقتل لطموحاته في ان يتحرر من جهة وان يستعيد حقوقه من جهة ثانية. وبالتالي، نحن لا نحمل السلاح من أجل هذه الرؤية، لكننا في الوقت نفسه لن نبخل بأي قدر من المساعدة التي نستطيع ان نقدمها الى الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع. ومن ثم إن هذه القضية لا يقرر مصيرها اذا اجتمع 7 أو 9 أو 12 من أعضاء اللجنة التنفيذية. هذه القضية أكبر من الذين يجتمعون من بعض القيادات الفلسطينية في هذا المكان أو ذاك. قضايا الشعوب لا تقررها قبضة او حفنة من الافراد، اياً كان موقعهم او شكلهم. الشعوب هي التي تقرر. عندما يتاح للشعب الفلسطيني ان يقول كلمته الحرة بمعزل عن الاحتلال وضغوط الاحتلال وبمعزل عن المعاناة التي يعانيها والآلام التي تعرض لها خلال العقود السابقة، عندئذ اقول ان الشعب الفلسطيني استطاع ان يمسك بقضيته. اذا كانت القضية الفلسطينية مسؤولية العرب جميعاً، واذا كان هذا هو موقفكم الواضح من اتفاق اوسلو، ماذا فعلت سورية لمنع اتفاق طابا وماذا تفعل لوقف مفاعيله؟ - نحن لسنا طرفاً في ما جرى، لا في اوسلو ولا في طابا ولا في غيرهما، وبالتالي ان سورية ليست طرفاً حتى تفعل هذا الامر او ذاك. ما يفعل هو الشعب الفلسطيني وموقف الجماهير الفلسطينية. انتخابات نيابية في لبنان اذا استمرت الظروف الاقليمية التي أملت التمديد للرئىس الياس الهراوي، هل تؤدي، في رأيكم، الى التمديد للمجلس النيابي اللبناني؟ - كما استنتجنا من اشقائنا في لبنان، فان الامر مختلف تماماً. هناك اجماع لدى كل القيادات اللبنانية على اجراء الانتخابات في موعدها المحدد. كيف يمكن ان تساعد سورية في لبنان على التقريب بين وجهات النظر المختلفة في موضوع قانون الانتخاب، لجهة تقسيم الدوائر الانتخابية وتحذير بعضهم من محاولات لاقرار قانون على قياس اشخاص وأطراف وجهات؟ - في لبنان وجهات نظر متعددة، وليست هناك خلافات. وثمة فرق. وفي رأىنا ان مجلس النواب والحكومة قادران على الوصول الى وجهة نظر واحدة من شأنها خدمة البلد واتاحة الفرصة لانتخابات تتيح تمثيل الواقع الحقيقي للشعب اللبناني. البطريرك الماروني نصرالله صفير حذر قبل ايام من تكرار تجربة انتخابات صيف 1992 التي جرت على أساس قانون انتخابي اعتمد المحافظة والاقضية كدوائر انتخابية؟ - في لبنان مؤسسات دستورية، وما تقرره هذه المؤسسات هو الشرعي وهو الذي يمشي بطبيعة الحال. تركزون في لبنان على رفع شعار الاستقرار السياسي وتجنب الخلافات نظراً الى دقة المرحلة، لكن التناقضات بين اركان الحكم والاقطاب لا تلبث ان تظهر. ما هي الاسباب الحقيقية لهذه الخلافات؟ هل هي في صيغة الحكم التي اقرها اتفاق الوفاق ام في سوء تطبيق الاتفاق؟ - لا هذا ولا ذاك. وليست هناك تناقضات. ولكن في الحياة تكون وجهات نظر متعددة. وليس في الضرورة ان تكون لكل شخص وجهة نظر متطابقة مع وجهة نظر الآخر. تطرح قضية، تطرح وجهات نظر، تناقش. ولكن في لبنان كل شيء يناقش في الاعلام. وعندما تطرح وجهات نظر في الاعلام يتورط كثيرون ويعتقدون ان هناك تناقضات وخلافات لكنهم لا يلبثون بعد ذلك ان يجدوا ان المعنيين بهذا الامر وصلوا الى قاسم مشترك. ليست هناك تناقضات بين قيادات الحكم في لبنان، قد تبرز خلافات في وجهات النظر على موضوع معين. وهذا امر طبيعي وصحي. الخلل في التمثيل هناك شكوى في صفوف اوساط مسيحية واسعة من وجود خلل في السلطة السياسية والتمثيل. كيف يمكن ان تساعد سورية في معالجة هذه الشكوى؟ - كما نعلم، في لبنان نظام سياسي، نظام انتخابي. هناك مجلس نيابي منتخب وحكومة تنال ثقة المجلس. لا أحد يستطيع ان يطعن في شرعية هذه المؤسسة او تلك، بغض النظر، هل هناك 10 أو 15 أو 20 في المئة معها أو ضدها. ليست هناك حكومة في العالم تنال اجماعاً أو شبه اجماع. الرئىس الاميركي بيل كلينتون يقود اميركا بأكثرية واحد في المئة، والرئيس الفرنسي جاك شيراك يقود فرنسا بأكثرية 2 أو 3 في المئة. وبالتالي ان المعترضين على الحكم لا يستطيعون الطعن بشرعيته اذا لم يكونوا فيه. عندما تجري الانتخابات ويخوضونها ويشكلون الاكثرية سيحكمون، ولا يحق للطرف الذي لا يملك الاكثرية ان يطعن بشرعيتهم. في الحديث عن التمثيل المسيحي: هل المسيحيون في النظام السياسي في لبنان ليسوا مسيحيين ولا يمثلون؟ لو استعرضناهم واحداً واحداً لرأيناهم وآباءهم واجدادهم موجودين في الساحة السياسية في شكل قوي، منذ عقود كثيرة من الزمن. هل التمثيل المسيحي لا يكون صحيحاً اذا كان فلان أو علاّن خارج السلطة، ويكون صحيحاً عندما يكون هذا او ذاك داخل السلطة. لذلك هذا الامر ليس ذات بال، كما أعتقد، لدى معظم اللبنانيين. تقاسم أركان الحكم اختيار ممثلي فئات المجتمع اللبناني وطوائفه في التعيينات للادارات والمؤسسات يعزز شعور البعض بالخلل في التمثيل الصحيح؟ - أولاً هناك اتفاق على توزيع وظائف الدرجة الاولى، فاذا كان لهذه الطائفة كذا مدير تأخذ كذا مدير. يعني ان ليس هناك عدد من المديرين من طائفة معينة يزيد عما هو مخصص لهذه الطائفة... نتحدث عن الاختيار. - أما عن الاختيار فلماذا زيد أو عمرو؟ اذا كانت الدولة في حاجة الى عشرين مدير، فالمتطلعون بالعشرات بل بالمئات. من يختار سيكون موضع نقد. أضف الى ذلك: لنفترض ان القيادة الحاكمة في لبنان هي حزب. أي انها الكتلة الحاكمة في البلد. عندما ينجح حزب العمال في بريطانيا، هل يأتي لادارة الدولة بأشخاص من حزب المحافظين؟ في الولاياتالمتحدة، عندما يتغير الرئىس يتغير الطاقم الحاكم، طاقم الادارة، وهو ليس واحداً او اثنين، بل يصل الى بضعة آلاف. ليس هناك بلد في العالم يأتي الحكم فيه الى الادارات بأناس من خصومه. هذا منطق سياسي سائد في كل العالم. التعددية ولكن في لبنان الخارج من الحرب وضعت صيغة الوفاق على اساس التعددية والتوازن وليس العدد؟ - يعني اما تعددية طائفية واما تعددية سياسية. اذا كانت تعددية طائفية فان كل طائفة لها حصة اخذت حصتها. ليست هناك طائفة في لبنان، كما اشرت، أخذت عدداً من المديرين اكثر مما هو مخصص لها في حصتها. أليس هذا صحيحاً؟ اذاً موضوع التعددية الطائفية مغطى، وموضوع التعددية السياسية، كما قلت لا أحد يحكم بخصومه. المديرون هم اداة القيادة السياسية الحاكمة في البلد. ليس هناك بلد في العالم تأتي قيادته السياسية بادارة لخصومها. التعددية السياسية موجودة حتى من خلال الديموقراطية وممارسة الحياة السياسية، ولكن اذا كانوا يريدون في كل مرة تعيين مدير يجب ان يبحثوا: نرضي هذا الحزب وهذا الفريق، ونرضي هذا الشيخ وهذا المطران، فان الاستقرار لن يقوم ابداً، ولن تقوم الدولة ابداً. ألا يؤثر التعاطي السوري في الشأن اللبناني الداخلي، حتى على مستوى تعيين مديرين... - مقاطعاً اولاً، سورية لم تتعاط في شكل من الاشكال بتعيين أي مدير، وحتى وزراء. بعض الناس يريد ان يحمل سورية ويتهمها بأن فلان عُيِّن لأن سورية تريده. هذا كلام ليس صحيحاً اطلاقاً، واستطيع ان انفي نفياً قاطعاً ان تكون سورية تتدخل، وهي لن تتدخل في كل المسائل الداخلية المتعلقة بالدولة اللبنانية. في لبنان حديث عن علاقة مميزة بين السيد خدام والرئىس رفيق الحريري، في حين ان معارضين لحكومة الحريري يتوجهون الى مسؤولين آخرين في سورية... - أولاً علاقتي مميزة ليس مع السيد الحريري، هي مميزة مع رفيق الحريري ونبيه بري ووليد جنبلاط ونسيب لحود والعماد اميل لحود وايلي حبيقة ومع القوميين السوريين والشيوعيين... ليس هناك فريق لبناني اراد ان يتعامل بصدق مع سورية ليست لي علاقة معه. ثانياً ليس هناك فريق من المعارضة اللبنانية ليست لي علاقة معه. اضافة الى ذلك ليس في سورية من هو مع الحكومة اللبنانية ومن هو ضدها. سورية اتخذت قراراً بدعم الحكم في لبنان بمؤسساته الثلاث: رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب. وبالتالي يظهر هذا الدعم لأنه يمارس عملياً. طبعاً هناك نوعان من المعارضة، معارضة من داخل النظام ومعارضة من خارجه وجميع معارضي الحكومة اللبنانية من داخل النظام علاقتنا بهم جيدة. اما المعارضون من خارج النظام فاننا سعينا دائماً الى ان يكونوا داخل النظام لأننا نعتقد بأن الفرصة متاحة للجميع للمشاركة في اعادة بناء البلد وتحقيق انجازات تنسي اللبنانيين محنة الحرب. العلاقات مع تركيا كيف يمكن سورية معالجة علاقاتها مع تركيا وتحقيق تسوية تنهي شكواكم من مسألة المياه وشكوى انقرة مما تسميه دعم "حزب العمال الكردستاني" خصوصاً انها تحدثت اخيراً عن انتقال عمليات هذا الحزب الى لواء اسكندرون؟ - أولاً، ان سورية لا تقدم اي دعم الى حزب العمال الكردي التركي. وفي السجون السورية عشرات الاشخاص من أعضاء هذا الحزب الذين خالفوا القوانين والانظمة السورية. في تركيا مشكلة وفي الواقع نحن ضد عدم الاستقرار في تركيا. نريد ان تكون تركيا مستقرة. تركيا بلد جار وعلاقاتنا معه كثيرة فما هي مصلحة سورية في ان يكون في هذا البلد الجار وضع مضطرب؟ ليست لنا مصلحة. يجري الحديث هنا أو هناك لدى بعض المسؤولين الاتراك ان هناك متسللين من سورية الى تركيا. طول الحدود السورية - التركية 800 كيلومتر. فاذا كنا لم نغلق حدودنا كاملة فلأن ذلك صعب، لأننا نحتاج الى الجيش السوري كله لاغلاق الحدود. لماذا يتسللون والجيش التركي موجود؟ اذا كان هناك تسلل فعلاً. لماذا مطلوب منا ما لا يطلبونه من انفسهم؟ اضافة الى ذلك، نحن اتخذنا اجراءات حاسمة في جميع المناطق الحدودية لمنع قيام أي حالة تسيء الى أمن تركيا لأننا نريد الاستقرار في تركيا. في ظل الاستقرار والهدوء تكون امكانات التعاون وروح التعاون اوسع. ونحن بالفعل نريد ان يكون بيننا وبين تركيا تعاون. هناك اجتهادات أن تركيا تستخدم ملفي الامن والمياه من اجل الضغط على سورية في مفاوضات السلام، فما رأيكم؟ - هناك توهمات كثيرة حول الضغوط على سورية. لا أحد يستطيع ان يمارس ضغطاً علينا، ولا أعتقد بأن في تركيا مثل هذا التوجه. كان التغيير الحكومي متوقعاً في سورية على أثر انتخابات مجلس الشعب صيف العام 1994، لكن ذلك لم يحدث. هل هناك ارتباط بين هذا الموضوع والمفاوضات في مسيرة التسوية؟ - اطلاقاً، هذا الامر لا علاقة له. لأن دستورنا لا يوجب تغيير الحكومة بعد الانتخابات. ولم تتغير اي حكومة بعد الانتخابات. للتغيير اعتبارات اخرى تتعلق بنجاح او عدم نجاح الحكومة، بحسن الاداء أو عدمه. ومن مزايا مرحلتنا، المرحلة التي سادت بعد 16 تشرين الثاني 1970 هو الاستقرار الحكومي. والاستقرار دائماً عنصر اساسي في تحقيق التقدم والازدهار. التطرف الديني هل هناك احتمالات لقيام تطرف ديني في سورية، كما في الدول المجاورة؟ - التطرف هو خروج على المألوف، اذا خرج الحاكم على المألوف يعتبر متطرفاً واذا خرج المواطنون على المألوف يعتبرون متطرفين. الامر طبيعي: كل فعل تكون له ردة فعل، اذا خرجنا على المألوف. والمألوف بالنسبة الى سورية هو سلامة الخط الوطني، سلامة الموقف الوطني، سلامة العمل في البناء الداخلي. اذا خرجنا على هذه المفاهيم قد ينشأ تطرف. لكننا مصممون على أن نستمر في خطنا، لذلك فان الشعب بكل فئاته ملتف حول قيادة الرئىس حافظ الاسد. هل تقبل قيادة "الجبهة الوطنية التقدمية" دخول حزب اسلامي الى صفوفها مثلاً، اذا شكلت نواة لمثل هذا الحزب؟ - هذا الامر يناقش في الجبهة، في ضوء مصلحة الجبهة وفي ضوء المصلحة في توسيعها وتأثير ذلك في ادائها. وسبق ان تشكل بعض الاحزاب الجديدة وانضم الى الجبهة. ليس هناك في ميثاق الجبهة ما يمنع. تناقش كل حالة في ضوء ما تفيد وما لا تفيد. هل يمكن توقع انعقاد مؤتمر قطري لحزب البعث أو مؤتمر عام لأحزاب الجبهة، خصوصاً ان مثل هذا المؤتمر لم يعقد منذ وقت طويل، لاعادة النظر في المرحلة السابقة التي تخللها انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج الثانية ومسيرة السلام في الشرق الاوسط، ووضع برنامج للمرحلة المقبلة؟ - لم تكن سورية جزءاً من منظومة الكتلة الشرقية لا في النظام السياسي ولا في النظام الاقتصادي. ولذلك ان انهيار الاتحاد السوفياتي اثر فينا لجهة اننا فقدنا صديقاً وحليفاً. ولكن لا علاقة له بوضعنا الداخلي. اضافة الى ذلك ان أهمية الحركة التصحيحية وأهمية الرؤية التي أطلقها الرئيس الاسد قبل تشرين 1970 وتكرست في تشرين هذه الرؤية البعيدة للمستقبل. نحن ادخلنا تعديلات جذرية على النظام السياسي والاقتصادي في البلاد منذ 16 تشرين ولكن بخطى مدروسة، كلما نفذنا خطوة ننتقل الى الخطوة التالية. وكل خطوة كان يجب ان تفتح الطريق امام خطوة تالية. ولذلك وصلنا الى مرحلة ان جميع الهزات الدولية لم تؤثر في وضعنا الداخلي لا السياسي والاقتصادي. في اطار برنامج الانفتاح المدروس منذ قيام الحركة التصحيحية، هل يمكن توقع خطوات اسرع على طريق الانفتاح الاقتصادي والتعددية. هناك توازن بين القطاعين العام والخاص او غلبة للعام على الخاص، فهل سيلي هذه المرحلة انفتاح سياسي أوسع - كتراخيص لصحف خاصة - يواكب الانفتاح الاقتصادي؟ - نحن لدينا نظام اقتصادي ونظام سياسي. لدينا اقتصاد وطني. الامر لا يتعلق بالتوازن بين القطاعين العام والخاص. الامر يتعلق بمصلحة الاقتصاد الوطني. طموح سورية وهمها، خصوصاً بعد الحركة التصحيحية، بناء قاعدة اقتصادية تمكنها من تأمين الحاجات الاساسية للناس ومتطلبات الدفاع من جهة ثانية. لو أخذنا جدلاً مقولة عدم تدخل الدولة فهل كان القطاع الخاص يستطيع ان يحقق هذه التنمية الضخمة التي تمت في سورية؟ فمعمل واحد، مصنع السماد الازوتي الذي يكلف حوالي أربعمئة مليون دولار أميركي، يعادل كل ما يملكه القطاع الخاص. يعني في سورية لم تتشكل ثروات كبيرة. هناك مدخرات عند الناس، وهذه ليست كافية لبناء اقتصاد متين وقوي ومتزن، لذلك كان دور الدولة اساسياً. وبطبيعة الحال نحن اتحنا كل الفرص للمدخرين سواء كانوا سوريين أو عرباً ليستثمروا في سورية. وتمت خطوات جيدة بالنسبة الى المدخرين السوريين، ونما القطاع الخاص نمواً جيداً ومقبولاً، لكنه لا يستطيع ان يحمل عبء التنمية الاقتصادية في البلاد. يزداد عدد السكان في سورية كل عام أكثر من نصف مليون، ونحتاج الى فرص عمل لنصف مليون... والمدارس والجامعات، فهل يستطيع القطاع الخاص ان يتحمل هذا العبء؟ أما التعددية السياسية فموجودة. والصحافة لها وضع آخر. ان العرب يتعرضون الآن لغزو اعلامي وراءه الصهيونية، ويهدف الى الفصل بين العرب وتراثهم، وبين حاضرهم وماضيهم، بين انتمائهم وواقعهم. وامر طبيعي ان نكون مدركين هذا الامر، أن تكون بين ايدينا الوسائل التي تمكننا من مواجهة هذا الاجتياح الثقافي الذي لايقل خطورة، وقد يكون أكثر خطورة، من الاجتياح الاقتصادي والاجتياح العسكري. وبالتالي ان الصحافة الفردية ليست قادرة. وكلكم اعلاميون وتعرفون ان ليست هناك وسيلة اعلام تستطيع ان تعيش بمورد ذاتي. فاذا اصدر شخص جريدة وأتته موارد من الخارج، فهل يستقيم هذا الأمر مع توجهنا للوقوف في وجه الاجتياح الثقافي والاعلامي؟ أعود فأكرر: ليس هناك من وسيلة اعلامية تعيش من مواردها، لا مرئية ولا مسموعة ولا مقروءة. الجميع يعتمد على مصادر أخرى. طبعاً بعضهم يعتمد على حكومات عربية وبعضهم الآخر يعتمد على بعض الموارد الاعلانية التي هي أيضاً موجهة، ولكن لا أحد يعتمد على موارده، وأنا أعرف بالاطلاع على أوضاع الكثير من الصحف العربية ما تعانيه من مشاكل في التمويل وما يأتيها من هذه الجهة أو تلك. لذا ان الأمر يدرس في اطار ما يخدم سياستنا في عدم انجاح الاجتياح الثقافي والاعلامي لوطننا. عرضتم قبل سنوات على قادة أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، تقديم اقتراحات لتطوير عمل الجبهة، فكان بينها اقامة صحافة خاصة لكل حزب، فهل هناك شيء جديد في هذا الاطار؟ - لكل حزب صحيفة، فكل جناح في الشيوعيين يصدر صحيفة. الاتحاد الاشتراكي يصدر صحيفته... ليس هناك حزب من أحزاب الجبهة لا يصدر جريدة، وهذه الصحف تعرض في الاسواق وتباع وتوزع. ولكن ليس في مقدور اي حزب اصدار صحيفة كصحيفة "تشرين" باعتبار ان الدولة تمولها، والا اضطر الى الاعتماد على معونة خارجية، والمعونة الخارجية بالنسبة الينا محرمة. العمالة السورية في لبنان تحدثتم عن النمو السكاني وفرص العمل، وفي لبنان مخاوف في اوساط سياسية من تدفق اليد العاملة السورية على اراضيه، حتى ان بعض الارقام يشير الى أنها وصلت الى حدود مليون واربعمائة الف، أليس هناك خطة لتقنين هذه العمالة؟ - أولاً ذهاب هذا العامل الى لبنان مؤذ للاقتصاد في سورية، ويشكل فراغاً ومصاعب. لكننا طبعاً لسنا نحن الذين يدفعون بهذه اليد العاملة الى لبنان. الاخوان اللبنانيون هم الذين يفتحون الطريق، لأن لبنان بني في الاساس باليد العاملة السورية. قبل الحرب، الزراعة والصناعة والبناء في لبنان كانت تقوم اساساً على العمال السوريين. ونحن تحدثنا كثيراً مع مختلف الاطراف اللبنانية: لماذا لا يعمل اللبنانيون حيث يعمل العمال غير اللبنانيين؟ لماذا لا يعمل العامل اللبناني في البناء وفي شق الطرق والزراعة؟ طبعاً كثيرون يقولون ان اللبناني لا يشتغل هذه الاعمال. ... أو أن كلفة العامل السوري أقل من كلفة العامل اللبناني؟ - هذا المنطق غير صحيح، العامل السوري يعيش في لبنان، هل يصوم؟ يشتري يأكل ويشرب وينام ويصرف في لبنان، ويدفع اجور انتقاله... فلماذا يقبل هو بهذا الأجر ولا يقبل به العامل اللبناني؟ لماذا توفّي معه ولا توفّي مع اللبناني؟ كيف يمكن حل مشكلة متأخرات القروض المستحقة لموسكو؟ - جرت مناقشات بيننا وبين روسيا في هذا الموضوع ونأمل بالتوصل الى حل لكن هذه القروض لا تشكل عبئاً علينا.