سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأسد ل "الحياة" : نريد حكومة وحدة فعلية في العراق ... ونعارض النزعات الانفصالية . رجع جنبلاط الذي كنا نعرفه منذ زمن ... وعلاقة ثقة ووضوح مع عون قسم اول
في الأسبوع الأخير من حزيران يونيو 2006، أجرت"الحياة"حواراً مع الرئيس بشار الأسد. بين ذلك التاريخ وحديث اليوم تغيّر المشهد كثيراً. دخلت العلاقات العربية - العربية في امتحانات بالغة الصعوبة. وقعت"حرب تموز"وتحولت حركة"حماس"سلطة مستقلة في غزة وخاضت حرباً قاسية. تغيّر اسم الرئيس الأميركي. وتغيّرت الصورة في العراق وباتت الأزمة بين المكونات أشد وضوحاً. والبلاد تعيش بلا حكومة على رغم مرور سبعة شهور على الانتخابات النيابية. أما الدور الإيراني في الإقليم فسجّل تقدماً لافتاً. تغيّرت الصورة أيضاً في إسرائيل. حكومة يمينية متشددة تغتال فرص السلام يومياً بمواصلة الاستيطان. الآمال التي عُلِّقت على السيد الجديد للبيت الأبيض أُصيبت بما يشبه الانتكاسة. مشاكل كبيرة في الداخل والخارج معاً. تغيرت الصورة في لبنان. شكّل سعد الحريري حكومته في أعقاب انتخابات نيابية. زار الحريري دمشق خمس مرات، وأكد أن صفحة جديدة قد فتحت وأسقط ما سمّاه الاتهام السياسي السابق. لكن حكومة الحريري سرعان ما اصطدمت بالموضوع المتفجر الذي تشكّله المحكمة الدولية وقرارها الظني. وفي الأسابيع الماضية، بدا الحوار مجمداً بين الحريري ودمشق. عاشت سورية وسط العواصف على مدى ما يقرب العقد. وخرجت من العواصف مستعيدة دورها الإقليمي، خصوصاً في الملفات العراقيةواللبنانية والفلسطينية. وسجلت عودة الدفء الى العلاقة السورية - السعودية علامة فارقة في محاولات ترميم البيت العربي. كيف يقرأ الرئيس الأسد الوضع الراهن في الإقليم؟ وكيف تتعاطى دمشق مع الملفات الصعبة هنا وهناك؟ وما هي حال العلاقات السورية مع هذه الدولة او تلك؟ أسئلة حملناها الى الرئيس السوري، واتسع صدره للإجابة عنها. هنا الجزء الأول من الحوار الذي شارك فيه مدير مكتب"الحياة"في دمشق الزميل ابراهيم حميدي: أنا كصحافي عربي لديّ خوف من هشاشة الوضع العربي العام. ألا يوجد لدى سيادتكم قلق من هشاشة الوضع المحيط بسورية، خصوصاً في العراق؟ - بكل تأكيد. نحن في سورية نعتقد أنه إذا كان وضع الشخص غير هش، لكنه محاط بوضع هش، ويعيش في حالة انتظار كي يتغير الوضع الذي حوله، فهذا كلام غير واقعي. فعلياً الهشاشة التي تسأل عنها هي عملية معدية، بالتالي مهما كان وضعك جيداً كبلد، وأنت في حالة تفاعل مع مَن حولك، فالنتيجة ستكون أنك أنت ستصبح هشاً مثلهم. كل المشاكل الموجودة حولك، أمنية، طائفية، سياسية، لا استقرار بالمعنى العام، ستكون في بلدك عاجلاً أم آجلاً. لذلك، هذا القلق نحوّله إلى قلق إيجابي من خلال عمل فاعل. أنت لا تستطيع أن تنتظر داخل حدودك وتقول لا، أنا ليست لي علاقة. بل العكس أنت متأثر مباشرة، أمنك القومي يتأثر مباشرة، فأنت يجب أن تنطلق كي تساعد الحالة المحيطة بك، كي تتحول إلى حالة إما إيجابية وإما أقل ضرراً على الأقل، كي تخفف الخسائر. الحركة السورية تنطلق من القلق من الوضع المحيط بها. كان هناك انطباع أن بعض الدول يمتلك أوراقاً اكثر إذا كان الوضع هشاً حولها؟ - صحيح. هكذا كانت الرؤية. وهذا الكلام صحيح، لكننا دائماً كنا نقول مَثَلْ: العقرب أو الحية لا تضعهما في الجيب لأنه ليس معروفاً متى يلدغان. فلم تكن هذه الرؤية إلا من التجارب. لا توجد حالة لا استقرار تستطيع استخدامها لمصلحتك ضد غيرك. هذه أصبحت منتهية. أعتقد بأننا تعلمنا الدرس نحن كعرب، لكن هذا لا يكفي. هذه خطوة في طريق التعلم الطويل الذي نحن بحاجة إليه كعرب، ولكن، الخطوة التي تليها، كيف ستحل المشاكل؟ بالتالي أنت لم تتآمر على غيرك بحالة اللااستقرار، ولكن في ما بعد إذا لم تحل المشكلة نفسها، فكما قلت في البداية فستدفع ثمنها. إذا دخلنا في التفاصيل، هل تتوقعون حكومة عراقية قريباً؟ وهل تتوقعون حكومة برئاسة نوري المالكي قريباً؟ - أنا لا أستطيع أن أتوقع. أستطيع أن أتمنى، لست قارئ مستقبل، ولكن على الأقل هذه التمنيات، الإنسان أحياناً يحب أن يقول إنها تمنياته وهي توقعاته. ونحن كعرب، بما أن الجانب العاطفي لدينا دائماً يطغى، نحوّل أمنياتنا دائماً إلى توقعات. ولكن كي أكون دقيقاً، أقول أنا أتمنى أن تكون الحكومة قريباً، لأن كل فراغ اليوم سيكون ثمنه أكبر مع الوقت. برئاسة نوري المالكي أو غيره، كان تصوّرنا من يوم انتهاء الانتخابات أن على سورية أن تبني علاقات جيدة مع كل الأطراف العراقيين، لسببين: الأول لأنها تريد علاقة جيدة مع الحكومة العراقية المقبلة، أي حكومة كانت. ثانياً، إذا أردنا أن نساعد العراقيين في حال رغبوا، فلا بد أن تكون لدينا علاقات جيدة مع كل الأطراف، فمن غير الممكن أن نلعب دوراً إيجابياً في العراق، إذا كانت علاقتنا جيدة مع طرف وسيئة مع طرف آخر. لذلك، نقول إن المشكلة ليست في مَن يكون رئيس الحكومة. المشكلة الأساسية كيف تشكَّل الحكومة، أي حكومة وحدة وطنية تضم كل القوى، وما هو برنامج حكومة الوحدة الوطنية تجاه استقلال العراق وخروج القوات الأجنبية، تجاه العلاقة مع دول الجوار، وطبعاً قبل الأولى والثانية، تجاه العلاقة بين القوى العراقية الموجودة على الساحة. بالتالي، على حكومة الوحدة الوطنية أن تترجِم تركيبتها إلى وحدة وطنية على المستوى الشعبي. العراق كان لاعباً على مستوى المنطقة. بعد سقوط نظام صدام حسين، تحوّل إلى ملعب للتجاذبات الإقليمية، هل يمكن أن نشهد عراقاً لديه الحد الضروري من القرار والاستقلال؟ أم هذه مرحلة انقضت؟ - من تجاربنا خلال العقود الماضية، كل ملعب يوجد فيه الأميركيون، يتحول إلى فوضى، وكل التجارب تثبت ذلك. هل الوضع في أفغانستان مثلاً مستقر؟ هل الوضع في الصومال كان مستقراً عندما تدخلوا؟ هل جاؤوا بالاستقرار إلى لبنان عام 1983؟ لا يوجد مكان دخلوا إليه إلا وخلقوا فوضى، كي نكون واضحين في هذه النقطة، فهذا الجانب طبيعي. هم يتحملون مسؤولية الفوضى. الجانب الآخر، الصدمة التي حصلت بالغزو أيضاً صدمة أخرى تخلق نوعاً من الفراغ على المستويين الرسمي والشعبي، فهذا الفراغ يُملأ بأشياء ربما تكون جيدة، وقد تكون سيئة. في حالة العراق مُلئ بالأشياء السيئة كون طابعها الأساسي كان الطابع الطائفي، ومع ذلك، أقول إنه حتى العراق بمشاكله الكثيرة أثبت حتى هذه اللحظة، الشعب العراقي في شكل عام، أنه ليس طائفياً، أي ليس مهيأً للطائفية. طبعاً هناك قوى طائفية تحاول تكريس الطائفية كي يكون لها موقع، ولكن في غياب الطائفية ينتهي دور هذه القوى، فهي تحاول أن تكرس الطائفية لتحافظ على مستقبلها السياسي. حتى هذه اللحظة، أعتقد بأن في هذا الملعب بوادر إيجابية كثيرة للمستقبل شرط أن نساعده وأن تكون لديه الإرادة، على كل المستويات، ليمنع الطائفية، وليفكر دائماً بتقليص دور قوات الاحتلال إلى أن تخرج، وكي يفتح علاقات جيدة، كما قلت، مع دول الجوار. أريد أن أكون صريحاً. هناك انطباع عربي بأن العراق فَقَدَ حصانته كدولة أمام الدور الإيراني الذي يتحول جزءاً من النسيج العراقي. كيف تنظر سورية الى هذا الأمر؟ - عندما نغيب، نحن كعرب، عن دورنا في الساحة العربية، لا يجوز أن ننتقد أي دور آخر، من دون استثناء. هذا جانب. الجانب الثاني، هل الدور الإيراني مشكلة، والدور الأميركي ليس مشكلة؟ ربما يشكل الاثنان مشكلة؟ - أي دور غريب، هو أمر غير إيجابي. الدور الأساسي هو الدور العراقي. ولكن عندما يضعف الدور، كما قلنا لأسباب معينة، الأميركي موجود، وفي حالة فراغ خلقت بعد الحرب، بعد الغزو. سنكون موضوعيين: ليس باستطاعتنا أن نقول ان هناك مشكلة سببها العراقي، العراقي يجب أن يحاول تجاوز هذه المرحلة. ولكن عندما نقول الآخرين من الخارج، ليس باستطاعتنا أن نتكلم عن أحد، والأميركي هو الذي خلق كل المشكلة في العراق. أولاً نتحدث عن الأميركي، ثانياً نتحدث عن غيابنا، ثالثاً نتحدث عن أي أحد آخر، إذا أردنا أن ننتقد أي دور. ماذا لو أراد التركي أن يلعب دوراً، هل نغضب أم لأنها إيران؟ نحن ننسق مع تركيا، لماذا نسمع عن مشكلة في الدور الإيراني ولا نسمع شيئاً عن الدور التركي، مع أن تركيا لها مصلحة كإيران وكسورية في الوضع العراقي، سلباً وإيجاباً. يجب أن نكون موضوعيين ومتوازنين. "كلام واضح"مع المالكي على ماذا اتفقتم مع نوري المالكي؟ - اتفقنا على أن تكون العلاقة جيدة بين سورية والعراق، وأن نطوي صفحة الماضي التي حصلت العام الماضي. هذا بالنسبة الى العلاقة السورية - العراقية. بالنسبة الى الوضع داخل العراق، اتفقنا على توضيح الموقف السوري، أولاً أوضحناه، لأن الكثير من القوى السياسية في العراق في الأشهر الماضية حاولت أن تترجم موقف سورية أو أن تفسره، سواء كان هناك موقف أم لم يكن، بأن سورية تقف مع أطراف معينين أو ضد أطراف معينين. كان موقفنا واضحاً بما أن اللائحة الأخيرة أو القائمة الأخيرة لم نتواصل معها في شكل مباشر كقائمة المالكي، بأننا على مسافة متساوية من الجميع، وأن سورية مستعدة للمساهمة، والمساعدة في الربط بين القوى العراقية من أجل تشكيل الحكومة في المدى القريب. هذه هي النقاط التي تكلمنا بها بالتفصيل، بالإضافة طبعاً إلى العلاقات الثنائية. إن أردتُ أن أكون صريحاً أكثر، هل تم الاتفاق على إشراك المكوِّن السنّي العربي بنسبة تسمح بترميم العلاقات داخل المجتمع العراقي؟ - كان كلامنا واضحاً. أولاً الحكومة، عندما تكون حكومة وحدة وطنية، يجب أن تشمل كل المكوّنات، وبشرط أساسي هو ألاّ يكون أي مكوّن عبارة عن ديكور، بل أن يكون شريكاً. وهذا يشمل بالدرجة الأولى المكون السنّي، رغم أننا لا نحب التحدث بهذا المنطق في سورية. ولكن ضمن المصطلحات المتداولة الآن في العراق هذا الكلام أساسي. يجب أن يكون المكوّن السنّي شريكاً حقيقياً كي تنجح الحكومة، وهذا الكلام تحدثنا به مع كل القوى العراقية من دون استثناء. هل في هذا السياق، ما يُحكى عن رغبة سورية وتركية في إضعاف دور الأكراد في العراق، وعن أن الدور الذي لعبوه سابقاً كان كبيراً لا يتناسب مع حجمهم؟ - لا. نحن ضد كل القوى الانفصالية في العراق، وفي أي اتجاه كانت. نحن ضد تفتيت العراق. قلقنا الأساسي بعد الغزو هو وحدة العراق، هو الرقم واحد، وحدة العراق وعروبته، كل العناوين الأخرى عناوين فرعية، أو تفاصيل. إذا لم نحُل هذين العنوانين، لا شيء يُحل. فالعمل على موضوع القوى الانفصالية وهي موجودة في أكثر من طرف كما أعتقد، ليس فقط لدى الأكراد، نحن وقفنا ضد كل فكر انفصالي، وذلك خلال كل ما فعلناه نحن وتركياوإيران. الدور الايراني التشديد على عروبة العراق، ألا يخلق بعض الصعوبة في التعامل مع الدور الإيراني فيه؟ - لا. نحن لم نرَ مشكلة حتى الآن في هذا الاتجاه. لا نستطيع أن نطلب من إيران أن تكون دولة عربية، هي دولة لها قوميتها، علينا أن نحترم قوميتها، وهي تحترم قوميتنا. هذه هي علاقة سورية مع إيران. هل تجاوزت إيران قومية سورية؟ نحن نُتَّهم بأننا نبالغ في التمسك بالقومية... ودائماً علاقتنا جيدة بإيران، ولو كانت هناك مشكلة لإيران مع العروبة، لكانت هناك مشكلة بين سورية وإيران. لم تكن هناك أبداً مشكلة. لكن المشكلة أننا نحن كعرب، دائماً نفسر تقصيرنا بطريقة نظرية معينة، بمعنى أنني بتقصيري أرمي المسؤولية على نظرة الآخرين لعروبة العراق أو وحدته. المشكلة في العراق بالنسبة الى موضوع العروبة هي غياب الدور العربي، هذه هي المشكلة الأولى. إذا أردت أن أنتقد، أنتقد إيران أو تركيا، أستطيع أن أنتقد أياً كان، ربما أنتقد نفسي في هذه الحالة، الأخطاء موجودة دائماً في أي أداء. لكنني لا أستطيع أن أتحدث عن أي دور قبل أن ننتقل إلى الدور العربي نفسه. هل نستطيع أن نتكلم عن تطابق سوري - إيراني مثلاً في العراق؟ - لا، لا يوجد أي تطابق بين أي دولتين، في أي قضية، ولو كان هناك تطابق لما التقينا في شكل متكرر أنا والمسؤولون الإيرانيون في قمتين خلال فترة قصيرة. هل يمكن أن نتحدث عن تطابق سوري - إيراني في لبنان؟ - لا نستطيع أن نقارن، فالعلاقة الجغرافية بين سورية ولبنان ليست كالعلاقة الجغرافية بين العراقوإيران، الوضع يختلف. في لبنان لا تدخل إيران في التفاصيل بل في العموميات، فهي مثلاً يهمها دور المقاومة، وهذا هو موقف سورية، وفي هذا الإطار نستطيع أن نقول نعم هناك تطابق. بالنسبة الى ما نطرحه عن ضرورة أن تكون العلاقة جيدة بين القوى اللبنانية، والحوار اللبناني والاستقرار اللبناني، بالنسبة الى هذه المصطلحات هناك تطابق، لكن الفرق أن سورية تعرف التفاصيل اللبنانية أكثر من إيران في السنوات والعقود التي مرت. فلا نستطيع أن نقارن. أنا كعربي عندما شاهدت الرئيس محمود أحمدي نجاد في لبنان وفي جنوبه، خالجني شعور وكأن الشرق الأوسط الجديد يقوم، وهو مناقض للشرق الأوسط الذي اقترحته كوندوليزا رايس. أي شرق أوسط بدور إيراني كبير؟ دور تركي يحاول أن يعدل بعض حجم الدور الإيراني؟ والعنصر العربي فيه ضعيف، ويكاد أن يقتصر على المشاركة السورية بعلاقتها مع إيران؟ هل الضعف العربي هو من ملامح الشرق الأوسط الجديد؟ - قبل الشرق الأوسط الجديد، متى كان الوضع العربي جيداً بمعنى الجيد؟ منذ السبعينات، منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، الوضع العربي في تراجع، فنحن لا نربطه بالشرق الأوسط الجديد. لكن التبعات التي حصلت مع الإدارة الأميركية السابقة خلقت الأزمات على مستوى العالم بخاصة في الشرق الأوسط. ظهرت فداحة هذا الضعف العربي، أي أنك في الأوقات العادية لا تشعر بها، الفرق أننا رأيناها الآن، رأينا التفاصيل، رأيناها على المحك، بالأزمات الموجودة، هذا هو الضعف العربي الموجود. نعم هناك شرق أوسط جديد في مقابل هذه الصورة السوداوية. تحدثت عنها في خطابي عام 2006 بعد أيام عدة تقريباً من العدوان الإسرائيلي على لبنان، بدأت في الكلمة: نحن الآن أمام الشرق الأوسط الجديد، ولكن ليس الشرق الأوسط الجديد الذي يتحدثون عنه. في المقابل هناك شرق أوسط جديد، هناك وعي أكثر على المستوى الشعبي، هناك تمسك بالمقاومة أكثر، ووعي لضرورة العلاقة الجيدة بيننا وبين القوميات الأخرى في منطقتنا. المنطقة العربية ليست حكراً على العرب، نحن منطقة متنوعة، لدينا جيران وتفاعلنا في كل مراحل حياتنا مع كل هذه القوميات. حتى لو اختلفنا، الوعي موجود. وحتى لو اختلفت معهم لا بد من الحوار، وأنا دائماً أؤكد هذه النقطة. نحن لا نقول ان أحداً لا يخطئ، أو إن هناك أحداً معصوماً عن الخطأ، ولكن أحاوره. لديّ انطباع بأن العلاقة مثلاً مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أسهل من العلاقة مع أحمدي نجاد. وأن التفاوض مع الأتراك أسهل منه مع الإيرانيين. أنا أتكلم كصحافي، هل انطباعي صحيح؟ - من وجهة نظرك يمكن أن يكون صحيحاً. بالنسبة إلينا في سورية غير صحيح. بالنسبة إلينا الحوار مع الإيراني ومع التركي سهل جداً، لأننا نفكر بالمنطق ذاته على رغم اختلاف الزوايا الجغرافية، وإلا كيف تمكنت سورية من بناء علاقة جيدة، بل ممتازة، مع تركيا خلال سنوات قليلة، وممتازة مع إيران أيضاً، موجودة في الأساس. لا نرى فرقاً. هل من الطبيعي أن يكون بين سورية وإيرانوتركيا هذا النوع من العلاقات، وأن تكون العلاقات السورية - المصرية على هذا النحو؟ - لا، غير طبيعي. كلامك صحيح، وهذا هو الفرق. هذه هي السهولة التي تحدثت عنها، العلاقة العربية - العربية كما يبدو أكثر صعوبة من العلاقة العربية مع غير العرب. لذلك كلامك صحيح، هذا غير طبيعي، ونحن نقر بذلك. هل العلاقة السورية - المصرية على المستوى الرئاسي تعاني حساسية شخصية؟ - بالنسبة إليّ، لا. أنا لم أطلب شيئاً من مصر، لا أريد شيئاً من مصر. إذا كنا نختلف سياسياً، فهذا ليس جديداً. نحن في الأساس وقفنا مثلاً ضد كامب ديفيد، ولم نغيِّر موقفنا في أي لحظة، فنحن في سورية نقول: لنفصل العلاقة الشخصية أولاً عن علاقة البلدين، لنفصل العلاقة السياسية عن العلاقة الاقتصادية، وكان لدينا وزراء سوريون في مصر أخيراً، وسيزورنا الآن وفد مصري، ونعمل لانعقاد اللجنة المشتركة. أما على المستوى السياسي، فهناك اختلاف كبير في الآراء. بالنسبة إلينا في سورية ليس مشكلة، ربما يكون لدى بعض المسؤولين في مصر مشكلة، ولا أستطيع أن أعطي الإجابة نيابة عنهم. هل هناك جهود سعودية لتحسين العلاقات السورية - المصرية؟ - كانت هناك محاولة واضحة عندما التقينا في القمة الرباعية مع أمير الكويت والرئيس مبارك والملك عبدالله بن عبدالعزيز في الرياض، بعدها لم تكن هناك أية محاولة أخرى. هل كانت العقدة لبنان، أم المصالحة الفلسطينية أيضاً؟ - ولا واحدة، لا نعرف. الغريب أننا في سورية لا نعرف ما هي المشكلة، لذلك قلت لك أنا لا أريد شيئاً من مصر، وكي تكتمل الصورة لا بد أن تسأل الإخوة فيها ماذا تريدون من سورية؟ عندها تحصل على الجواب. قلتم في تصريح: لم أتلقَّ دعوة لزيارة مصر. هل المشكلة في الدعوة؟ - لا. قالوا هل تحتاج زيارة مصر إلى دعوة؟ قلت نعم نحتاج إلى دعوة. هكذا كان الجواب. طبعاً تحتاج إلى دعوة لأن هناك انقطاعاً في العلاقات. أنا لم أستقبل مسؤولاً مصرياً منذ نحو خمس سنوات كما أظن، فإطلاق العلاقة بحاجة الى بعض المبادرات، أحياناً قد تبدو شكلية لكنها ضرورية في العلاقات السياسية والديٍبلوماسية. قمة الرياض الأخيرة بينكم وبين خادم الحرمين الشريفين، أثارت تساؤلات. قمة سريعة وجاءت بعد زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى لبنان. هل كانت للتطمين إلى أوضاع الإقليم، إلى أوضاع لبنان؟ - لا. كان العنوان الأكبر هو موضوع العراق، في القمة الأخيرة مع الملك عبدالله، وأتى توقيتها بعد لقاءات بيننا وبين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، ورئيس الوزراء أردوغان، ولقاءين بيني وبين الرئيس أحمدي نجاد. هذه الدول، بالإضافة إلى رئيس الوزراء العراقي، يجمعها في شكل أساسي موضوع العراق، ولديها قلق من هذا الموضوع. في العراق، كانت هناك ديناميكية سريعة أخيراً، في الأشهر الأخيرة، بخاصة بعد الانتخابات. تحالفات وتصريحات وأحياناً صورة ضبابية بالنسبة إلينا، إما لا نستطيع أن نفسر دلالاتها، وإما أننا أحياناً لا نلتقط الدلالات. لذلك كان هناك حوار مكثف بيننا في شكل أن يفسر ما الذي يحصل في العراق. فكانت زيارتي السعودية في هذا الإطار، أي أن ما استنتجناه من حواراتنا مع الأتراك والإيرانيين ومع رئيس الوزراء المالكي، بالإضافة الى لقاءاتنا مع القوى العراقية الأخرى، أردنا أن نتبادل فيه وجهات النظر مع السعوديين، فعقدت قمة أنا والملك عبدالله، طبعاً كانت مغلقة، كي نعطيهم تحليلاتنا ونسمع منهم تحليلاتهم للوضع في العراق. كيف تصف العلاقات السورية - السعودية؟ - جيدة ومستقرة وخاصة. مرت بظروف صعبة، لكنها على المستوى الثنائي لم تتأثر في شكل كبير. هل صارت محصنة ضد الانتكاسات؟ - إن شاء الله، نتمنى ذلك، كل انتكاسة تعلّمك دروساً، وكل انتكاسة ستنفعك لأن تحصنها العلاقة أكثر. هناك جانب شخصي أيضاً في هذه العلاقة. - هذا الجانب كان الضمانة الأساسية لهذه العلاقة، والعلاقة المباشرة بيني وبين الملك عبدالله، هي الضمانة الأساسية لها. حين يلتقي ملك السعودية ورئيس سورية في هذه الفترة، هل يقتصر الحديث على موضوع؟ - لا. أقصد أن الهدف أو الدافع الأساسي لهذه القمة هو العراق، طبعاً الموضوع اللبناني يمر، ربما الفلسطيني، كله يمر. لكن هدف الزيارة والجزء الأكبر، أو دعنا نقل نحو 80 في المئة كان حول الموضوع العراقي، لكننا تحدثنا في كل شيء. هل افهم انه توجد محاولة لفصل العلاقة السورية - السعودية عن الموضوع اللبناني؟ - لا. الفصل غير موضوعي. نحن في العلاقات مع الدول العربية بحاجة الى شيئين: بحاجة الى العلاقة معهم في شكل مباشر، والتي فيها علاقات ثنائية وتنسيق في مختلف المجالات، وفيها الجانب الآخر وهو كيف نعكس هذه العلاقة على القضايا الموجودة، سواء عن حسن نية بأننا نريد أن نحسّن الوضع العربي بهذا الكلام العام، أو من خلال قضايا توجِد قلقاً. لنا مصلحة في التنسيق مع هذه الدول تجاه هذه القضايا. على سبيل المثال، عندما قلت ان هناك قلقاً من الوضع في العراق، من تفتيته أو ما شابه، أو من الحالة الطائفية الموجودة، من الطبيعي أن أسعى الى تحالفات كي نتعاون على حل هذه المشكلة. الشيء نفسه في موضوع لبنان، أي أن لنا مصلحة في التنسيق السوري - السعودي، وليست لنا مصلحة في فصل العلاقة عن الموضوع اللبناني. هل بُحِثت في قمة الرياض، إعادة الاتصال بينكم وبين رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري؟ - لا توجد مشكلة الآن بيني وبين الرئيس الحريري، أي لا يوجد نوع من الجفاء. لكنني أعتقد بأن المشكلة أنهم ربما توقعوا في لبنان أن سورية ستتدخل في كل مشكلة كي تدخل في التفاصيل. أنا كنت واضحاً مع كل من التقيتهم في لبنان بمن فيهم الرئيس الحريري، بأننا نحن في سورية ليست لدينا رغبة في الدخول في التفاصيل اللبنانية، وبخاصة عندما نرى أن لا رغبة لبنانية في الحل، هذا من جانب. من الجانب الآخر، لا شك في أن سورية اتُّهمت كثيراً بموضوع التدخل في لبنان، فعندما يتفق اللبنانيون على دور سوري، نحن جاهزون. من جانب آخر، وهو الأهم، نحن لا نريد التدخل إلا إذا كان هناك حلٌ كبير. فربما كل هذه التفاصيل خلقت نوعاً من الجفاء وكأن سورية ابتعدت. نحن فعلاً لم نبتعد، لكن تطور الأحداث في لبنان أظهر أننا ابتعدنا، لأننا لا نريد الدخول في التفاصيل. ولكن، لا توجد مشكلة بيني وبين الرئيس الحريري. الكيمياء... والمؤسسات خمس زيارات للرئيس الحريري الى دمشق، وكلام عن بناء علاقة شخصية، وكان هناك حديث عن الكيمياء والاتصال، حتى في الصحف المؤيدة، أو المتعاطفة مع سورية. هل تتوقف الكيمياء فجأة؟ - هذه الكيمياء شخصية، نحن من جيل واحد، ربما لدينا اهتمامات متشابهة. فالعلاقة على المستوى الشخصي بُنيت، وكان ذلك واضحاً من شكل الزيارات، بعد اللقاءات الرسمية تكون هناك دائماً وجبة غداء، عشاء، أي جلسة أصدقاء، لكن العلاقة بين الدول لا تُبنى على الجانب الشخصي فقط. هذا الجانب يساعد في العلاقة بين الدول والتي تبنى على العلاقة الرسمية، السياسية. العلاقة السياسية هي التي بحاجة إلى تطوير بين سورية ولبنان، وهذه تعتمد على العلاقة المؤسساتية، وهذا الذي اتفقنا عليه. هذه العلاقة المؤسساتية، باعتقادي، تسير في شكل جيد، سقفها هو العلاقة اللبنانية- اللبنانية، عندما تكون هناك مشكلة في لبنان، سيكون لدينا سقف لا نستطيع أن نتجاوزه في هذه العلاقة. الكلام الذي قاله الرئيس سعد الحريري والتراجع عن الاتهام السياسي لسورية، نُظر إليه وكأنه خطوة كبيرة، أي بالنسبة الى الحريري، خصوصاً أمام جمهوره، وكأنه قدمها. هناك بعض الشعور في بعض الأوساط بأنه عومل بشيء من القسوة بعد ما قدمه، خصوصاً بموضوع المذكرات القضائية السورية؟ - أولاً عندما أعلن في جريدة"الشرق الأوسط"هذا الكلام، اتصلتُ به مباشرة في اليوم التالي، كي أثني على ما قاله. عندما بدأ الهجوم، وصلني من الرئيس ميشال سليمان أن هناك شعوراً يتطابق مع ما تقوله، فاتصلت في اليوم ذاته بالرئيس الحريري كي أقول له أنني فهمت أنه حولك أنت أو ربما أنت لديك هذا الانطباع، لا، هذا الكلام غير صحيح، نحن العلاقة بيننا وبينكم مؤسساتية، والعلاقة تعني وزيراً لوزير، ومسؤولاً لنظيره، وهكذا. كل التفاصيل اللبنانية لم ندخل فيها، بكل وضوح، هذه التفاصيل لبنانية. يقال هذا قريب من سورية، محسوب على سورية، بعيد عنها، نحن خارج هذه التفاصيل. أما بالنسبة الى المذكرات القضائية، فأنا منذ اللقاء الأول مع الرئيس الحريري، في أول مرة زار فيها سورية، كنت واضحاً بأن هذه الأمور التي تحدث، وهي بدأت طبعاً قبل زيارته الأولى لسورية، أصبحت في القضاء. ومهما أخّر القضاء الموضوع، في النهاية لا بد أن يُصدر حكماً، أي أنه يوجد إجراء قضائي لا يمكن إخفاؤه. فهذا كان ضمن العملية التي بدأت قبل العلاقة مع الرئيس الحريري، واستمرت. كان لا بد أن تنتهي