«وطن 95».. تعزيز جاهزية القطاعات الأمنية    مشيداً بدعم القيادة للمستهدفات الوطنية..الراجحي: 8 مليارات ريال تمويلات بنك التنمية الاجتماعية    500 مليون ريال استثماراً لوجستياً    مشلول صيني يحول غرفته إلى مركز تقني    الاحتلال يواصل خروقاته بالضفة والقدس    كييف تنفي بشكل قاطع الاتهامات الروسية.. الكرملين يرفض تقديم أدلة على هجوم استهدف بوتين    اليمن يلغي اتفاقية الدفاع المشترك مع الإمارات    "السنغال والكونغو الديمقراطية وبنين" إلى ثمن نهائي أمم أفريقيا    في " روشن".. ضمك يزيد أوجاع الأخدود    أمم إفريقيا.. تونس وتنزانيا تتعادلان وتكملان عقد ثمن النهائي    مجلس الوزراء: المملكة لن تتردد في اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لمواجهة أي مساس أو تهديد لأمنها    والد الفريق محمد البسامي إلى رحمة الله    رياض الخولي بوجهين في رمضان    أطلقتها الوزارة في حائل ضمن مسار المناطق.. «خيمة الإعلام» تطور مهارات الكوادر الوطنية    التحالف يوضح : السفينتان دخلتا ميناء المكلا دون تصريح من حكومة اليمن أو قيادة التحالف    131 مليارا أرباح قطاع التجزئة في عام    تطبيق نظام الشرائح على ضريبة المشروبات المحلاة    شتاء البر    خسارة ثقيلة للأهلي أمام المقاولون العرب في كأس رابطة المحترفين المصرية    الميزة الفنية للاتحاد    الاتحاد وانتصارات الدوري والنخبة    «كهف الملح» من حلم القصب لواقع الاستجمام    «تهامة عسير» .. دعم السياحة البيئية    ضبط شخص بمنطقة مكة لترويجه (22,200) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    تعرف على مستجدات لائحة تقويم الطالب وأدلتها التنظيمية    المملكة تضخ مليونًا و401 ألف لتر ماء بمحافظة الحديدة خلال أسبوع    انفجار الإطار والسرعة الزائدة ساهما بحادث جوشوا    إذاعة القرآن.. نصف قرن من بث الطمأنينة    «مساء الحِجر».. تاريخ العُلا    «جدة التاريخية».. وجهة سياحية جاذبة    منصات النحت    اعتراف خارج القانون.. ومخاطر تتجاوز الصومال    الصين تنتقد صفقة الأسلحة الأمريكية لتايوان    سر غياب روبن نيفيز عن قائمة الهلال أمام الخلود    الأهلي يفقد روجر إيبانيز أمام النصر    محافظ ضمد يزور جمعية دفء لرعاية الأيتام ويشيد بجهودها المتميزة    الشؤون الإسلامية بجازان تختتم الجولة الدعوية بمحافظة ضمد ومركز الشقيري    مدير تعليم الطائف يثمن جهود المدارس في رفع نواتج التعلّم    أمير الرياض يعزي مدير الأمن العام في وفاة والده    هل المشكلة في عدد السكان أم في إدارة الإنسان    مبادرة رافد الحرمين تستأنف عامها الثَّالث بتدريب المراقبين الميدانيين    غزال ما ينصادي    قائد الأمن البيئي يتفقد محمية الملك سلمان    جيل الطيبين    حين يغيب الانتماء.. يسقط كل شيء    "الرياض الصحي" يدشّن "ملتقى القيادة والابتكار"    سماعات الأذن.. التلف التدريجي    «الهيئة»أصدرت معايير المستفيد الحقيقي.. تعزيز الحوكمة والشفافية لحماية الأوقاف    ولادة مها عربي جديد بمتنزه القصيم الوطني    رجل الأمن ريان عسيري يروي كواليس الموقف الإنساني في المسجد الحرام    التحدث أثناء القيادة يضعف دقة العين    نجل مسؤول يقتل والده وينتحر    الدردشة مع ال AI تعمق الأوهام والهذيان    انخفاض حرارة الجسم ومخاطره القلبية    القطرات توقف تنظيم الأنف    «ريان».. عين الرعاية وساعد الأمن    دغدغة المشاعر بين النخوة والإنسانية والتمرد    القيادة تعزي رئيس المجلس الرئاسي الليبي في وفاة رئيس الأركان العامة للجيش الليبي ومرافقيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تكتشف آسيا الوسطى . الاوزبيك أقلية في عاصمتهم وفي بخارى بقايا من الاسكندر وعمر الخيام
نشر في الحياة يوم 13 - 11 - 1995

ربما كانت طشقند بوابة آسيا الوسطى... لكنها بوابة تنغلق سريعاً وراءنا فالمدينة التي دمرها الزلزال في العام 1966 أعيد بناؤها وفقاً لأسوأ طراز اشتراكي يمكن أن يتصوره المهندسون السوفيات في الستينات: الجادات أعرض أربع مرات من جادة الشانزيليزيه لكنها فارغة. وساحة الاستقلال التي كان يطلق عليها سابقاً ساحة لينين هي بدورها ساحة عملاقة وفارغة. وكل ما في طشقند ينسي الزائر أنها عاصمة جمهورية آسيوية يبلغ عدد سكانها 20 مليون نسمة سبعون في المئة منهم من الاوزبيك... ان الروس انطلاقاً من طشقند التي اجتاحها الجيش القيصري في العام 1865 استعمروا آسيا الوسطى... وهذا ما يلمس لمس اليد فالاوزبيك أقلية في عاصمتهم ولا يتجاوز عددهم 40 في المئة من أصل مليوني نسمة في العاصمة بينهم نصف مليون من الروس والاوكرانيين.
لمسة من الحلم
ما هي المعالم التي يمكن زيارتها في طشقند؟ لا شيء باستثناء التمثال الذي يشير الى بؤرة زلزال 1966. وماذا عن آسيا؟ تبدو في ما يشبه المعجزة انها اعتصمت في سوق طشقند. فالسوق قرية قائمة بحد ذاتها وهي تتوزع على فروع عدة: سوق التوابل، سوق الخضار، سوق الفواكه، وسوق الأزهار حيث تستيقظ صور بديعة كانت تنام في مخيلتنا.
سلطات طشقند لا تحترم تراث الماضي، فمن المدينة القديمة التي تعود الى القرن التاسع عشر لم يبق سوى حي بائس حول المعهد الاسلامي العالي في براق خانة، الذي لا يزوره أحد. وهذا الصرح الذي تم ترميمه في العام 1956 يضم مكاتب مفتي طشقند. إلا أن ما يلفت النظر هو قصر بولوفتسيف القديم الذي شيد في أواخر القرن الماضي وساهم في تشييده حرفيون اوزبيك تقليديون فأضفوا على متحفه الصغير الذي يضم مجموعة من المجوهرات والمطرزات لمسة من الحلم تذكرنا ببقايا عالم في طريقه الى النسيان. ان احلال تمثال تاميرلان محل تمثال ماركس وابدال الاسماء الروسية في شوارع العاصمة بأسماء أوزبكية لا يعيد الى الى هذه المدينة سحرها القديم وهو سحر في حالة غيبوبة تامة...
سمرقند
في اوائل الثلاثينات كان المسافرون القلائل الذين يعرِّجون على سمرقند يجدون غرفة في معهد تيلا قاري الاسلامي العالي.. وكان ذلك كما يذكر الكاتب السويسري الشهير ايلا مايار حلم العمر بالنسبة اليهم. اما اليوم فعلينا أن نرضى بوسائل الراحة النسبية جداً التي يوفرها فندق اوزبكستان. أما ساحة ريجيستان ساحة الرمل فهي مغلقة في وجه السياح من ساعة الاصيل الى التاسعة من صباح اليوم التالي اذ من غير المسموح أن تشاهد القمر وهو يلعب لعبة "الغميضة" مع مآذن المعهد الاسلامي العالي، كما أنه من غير المسموح أيضاً ان ترى قباب الصروح الثلاثة وهي تغتسل بأضواء الفجر الأولى.
أقدم معهد اسلامي عالٍ بناه أولوغ بك حفيد تامرلان بين 1417 و1420... وكانت حجراته التي غدت حالياً خالية تستقبل الطلاب في أكبر جامعة من جامعات آسيا الوسطى حيث كانت تدرس الفلسفة والعلوم على اختلاف أنواعها ولا سيما علم الفلك.
في العام 1908 عثر عالم الأثريات الروسي فياتكين على مرصد أولوغ بك وكشف النقاب عن أساسات آلة ارتفاع الأجرام السماوية التي يبلغ شعاعها أربعين متراً والتي استخدمت لتحديد مدار السنة ب 365 يوماً مع فارق لا يتجاوز عشرات الثواني تقريباً.
اختصار المتعة
أما معهد النمور الاسلامي العالي شيردور الذي بني بعد حوالي قرنين 1619 - 1635 فقد تم تزيينه بزخارف "باروكية" مذهلة من النادر أن نقع على ما يشبهها في صرح من الصروح الدينية فوق أرض الاسلام: ظبيتان يطاردهما نمران ووراءهم ترتفع شمس لها وجه انسان... ويود المرء أن يقضي أياماً وهو يتنزه في فناء المعاهد الاسلامية العالية الثلاثة وأن يداعب بنظره وبيده قطع الرخام والمربعات الخزفية التي تبهر الأعين بتراثها وتنوعها... لكن وكالة السفر التي أعدت لنا الرحلة لا تلحظ سوى ليلة واحدة في سمرقند... ولذا يلح علينا الدليل بأن نختصر متعة التأمل اذ يتوجب علينا أيضاً أن نزور ضريح تامرلان اضافة الى أضرحة شاكي زيندا التي تتوالى على جانبي ممر في مقبرة هائلة تغطي تلة متاخمة لخرائب افراسياب... وأضرحة شاكي زيندا التي ترقى الى القرن الرابع عشر لا توحي بأجواء جنائزية بل تبهر الأنظار وتولد في نفسك انطباعاً بأنك تتسكع في أحد شوارع سمرقند.
وأين تقع على الاوزبك؟ انهض باكراً وتنازل عن وجبة الفطور التي هي من حقك، وتوجه الى السوق القديم في سمرقند. على شرفة "تشاي خانة" مقهى الشاي ثمة مقاعد خشبية تنتظر الزبائن... ادخل واشتر ببعض الروبلات ابريقاً للشاي، وابتع من السوق طلمبات ساخنة وجبناً أو لبناً رائباً واستمتع بأطيب وجبة فطور أمام اطلال مسجد بيبي خانوم الذي يشرف على ساحة السوق.
سمرقند على غرار طشقند مدينة روسية جداً 30$ من سكانها روس وفي السوق تقع أخيراً على أكثر من مئة جنسية آسيوية تعيش أيضاً في هذه المدينة التي لاسمها وقع السحر. الاوزبك 40$ الطاجيك 6$ التتار 5$ اضافة الى كوريين جاء بهم ستالين الى سمرقند. ولكل من هذه الجنسيات اختصاصها في السوق. فهذه تبيع الخيار المخلل، وتينك الجزر، وتلك الجبن، وأخرى تبيع القلانس التي يعتمرها الاوزبك. وإذا حالفك الحظ ستلتقي الموسيقي الأعمى الذي يسكب في الناي أنينه وشكواه وفي لحظة من الزمن ينسى التجار والزبائن مشاغلهم واهتماماتهم ويتحلقون حول الموسيقي الذي تحملهم أنغامه الى حقبة من الزمن ليست ببعيدة كانت فيها تركستان قبائل تهيم على وجهها في الفيافي.
بخارى
سمرقند احتلها الاسكندر، أما بخارى فقد اختطفتها جحافل جنكيزخان الذي علق جياده في مساجد مدينة ابن سينا قبل أن يجعلها طعاماً للنيران. وقد بقي لنا من تلك الحقبة برج الموت ومئذنة خاليان التي شيدت في العام 1127. وظل أمراء بخارى حتى نهاية القرن الماضي يقذفون من أعالي برج الموت على ارتفاع 46 متراً الرجال المحكوم عليهم بالاعدام والنساء الزانيات. ويعتبر ضريح Sounanides الذي شيد في القرن العاشر بالآجر المشوي تحفة من تحف الهندسة المعمارية.
وبخارى مدينة متحف يضيع المرء طوعاً في متاهات أروقتها وقنواتها، الى كونها مدينة حية تلتقي فيها الاوزبيك والطاجيك والكازاك والتركمان والقرغيز والتتار حتى لكأنها وجدت من أجلهم. ليابي حاووز هو قلب المدينة حيث يشرب البخاريون المسنون الشاي فوق طاولات أسرَّة تتفيأ ظلال الجدران العالية حول حوض واسع يقوم في وسط الساحة، غير آبهين ظاهرياً لجمال المعالم الأثرية التي تحيط بهم كمدرسة كوكيلتاك 1568 ومدرسة ندير ديوان بيفي 1622 التي تزين واجهتها صور طيور جميلة.
الاختلاط النادر
وهؤلاء المسنون يثرثرون بلا انقطاع أو يلعبون الشطرنج دون أن يبدو عليهم أنهم يرون السياح الذين يلتقطون صوراً لهم أو الروس الذين يمرون في محاذاتهم. والواقع أن هاتين المجموعتين تجهل الواحدة منهما الأخرى كلياً ولا تختلطان أبداً.
فالوطنيون أوزبك وتركمان يلتحقون بمدارس وطنية حيث يتم التعليم باللغة المحلية باستثناء أربع أو خمس حصص باللغة الروسية اسبوعياً. أما الروس فانهم يذهبون الى مدارس روسية ولا يتلقون في الاسبوع الا أربع أو خمس حصص باللغة الاوزبكية أو الطاجيكية. والوطنيون والروس يعيشون في أحياء مختلفة، وليس بينهم حياة اجتماعية مشتركة اما الزيجات المختلطة فنادرة جداً. وفي جميع أنحاء تركستان يحتقر الروس التقاليد المحلية أما بقاؤهم حيث هم فمرده الى تعذر عودتهم الى روسيا نظراً الى عدم توافر المسكن والعمل.
بين الحاضر والماضي
رداً على سؤال يتناول الثقافة المحلية قالت مناضلة روسية قديمة في الحزب الشيوعي السابق: "عن أي ثقافة تتحدث؟ قبل مجيئنا الى هنا كان الناس يعيشون في وضع بالغ السوء. والقبائل كانت تقضي وقتها في التذابح والاقتتال". ولحسن الحظ، نجا بعض مظاهر الفن الشعبي الاوزبكي من محدلة الاستعمارين الروسي والسوفياتي فثمة فرقة فولكلور رسمية حافظت على تقاليد الرقص، ويمكننا أن نلاحظ فن التطريز في أحد مشاغل بخارى وبدائع النحاس في خان للقوافل أعيد ترميمه وتحول مركزاً للأشغال الحرفية. الا أن ذلك كله يتم توجيهه وتأطيره بواسطة نظام الرئيس كريموف الجديد.
مفاجآت تركمانستان
دجردجاو التي كانت نقطة على الخريطة خرجت من العدم بعد بناء الجسر الحديد على أموداريا في أواخر الثمانينات من القرن الماضي هي اليوم المركز الصناعي الرئيسي في جمهورية تركمانيا تركمانستان والمدينة التي تحتل المرتبة الرابعة عشرة بين المدن الأكثر تلوثاً في الاتحاد السوفياتي السابق.
ومع أن المداخن التي تنفث سمومها في سماء المدينة لا تغري بالسياحة، فإن المرء لا يمكنه أن يقاوم اغراء زيارة الى متحفها البلدي الصغير حيث نقع في الطابق الأرضي على حيوانات مصبَّرة انقرضت من الفيافي الصحراوية التي تبلغ مساحتها 75 في المئة من مساحة الجمهورية، ومن الجبال التي تحتل ما تبقى من مساحة... وحيث نكوَّن فكرة عن نمط العيش لدى البدو الرحل التركمان قبل أن تفرض عليهم الأممية انتقالاً قسرياً من البداوة الى الحضارة... ان اخضاع التركمان "للحمر" أزهق من الأرواح ما يفوق الضحايا التي خلّفها الغزو الروسي قبل خمسين سنة.
أما الطابق الأول من المتحف فإنه يجسِّد هذا الحاضر الذي يتباهى به سكان دجردجاو عبر لافتات عن الصناعات الرئيسية في المدينة وعن التاريخ المعاصر منذ نهاية الاقطاع، وعن ملحمة الأبطال الأوائل للثورة البولشفية وللأبطال الذين جاؤوا من بعد.. ان هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 170 ألف نسمة دفعت ثمناً باهظاً جداً في الحرب العالمية الثانية اذ سقط لها في الجبهة 12 ألف مقاتل.
ولم تجف ضريبة الدم بعد، فحرب أفغانستان كان لها شهداؤها أيضاً وقد خلّفت ما يزيد على عشرين صورة فوتوغرافية على جدران المتحف الصغير.
وبما أن دجردجاو مدينة صناعية فلنعرّج على مصنع ضخم لانتاج فرو الاستراكان - في الاتحاد السوفياتي السابق ثلاثة مصانع من هذا النوع - فزيارته تبدو مسبقاً أكثر اغراء من زيارة مجمع الصناعات الكيماوية... في كل مكان جداريات تمثل عمالاً يرفعون شعارات حماسية: "روح المبادرة والمسؤولية وقهر النفس هي دستور حياتنا".
هذا المصنع ينتج نصف مليون قطعة فرو في العام. وفرو الاستراكان يصنع من جلد خرفان تدعى كاراكول وتعيش في آسيا الوسطى. وللحصول على هذه الفراء ذات الوبر المجعَّد المميز تنحر الخرفان بعد ولادتها بفترة لا تتجاوز ثلاثة أيام. الا أن الفرو الأغلى ويعرف ب "كراكولتشا" يستخرج من الخرفان التي تقتل في أحشاء النعاج قبل خمسة عشر يوماً من ولادتها... وحتى الآن لم تثر ثائرة جمعيات الدفاع عن الحيوان في الغرب ضد هذه الممارسة البشعة. في مطلع الصيف تصل قطع الجلد بالآلاف يومياً من مختلف الكولخوزات والسوفخوزات في الجمهورية فتجفف في فناء المصنع الكبير. لا بد لمن يعرفون أثمان فراء الاستراكان من رؤية هذا المشهد... فالأسعار تتضخم عبر الوسطاء على اعتبار أن سعر تسليم قطعة الفرو في المصنع لا يتجاوز عدة روبلات. وثمة ما لا يقل عن 400 صنف من الفراء موزعة تبعاً للون والعمر والقياس.
تمتلك دجردجاو موارد وثروات عدة وزيارة الكولخوزات تتيح لنا أن نلمس لمس اليد النجاحات التي حققتها الزراعة بعد اعتماد طريقة جديدة تسمح بتأجير الأراضي للمزارعين الذين يقومون باستثمارها مع أفراد عائلاتهم دون قيود قاسية تفرض عليهم.
بين الاسكندر وعمر الخيام
وبعد أربع ساعات من السفر وسط صحراء زرعت بأشجار الأثل ها نحن قد وصلنا أخيراً الى ماري على مقربة من ميرف وهي محطة هامة على طريق الحرير احتلها الاسكندر الكبير وكان يعتقد أنها المدينة التي بناها ديونوسيوس إله الخمر. لم يبق من ميرف اليوم سوى أطلال ضخمة للقلاع الخمس التي بناها من تعاقبوا على حكم هذا الموقع منذ الألف الأول قبل الميلاد حتى الغزو الروسي.
وقد عرفت ميرف أكثر من عصر ذهبي ففي أواخر القرن الحادي عشر وخلال القرن الثاني عشر أي قبل غزوات المغول، كانت مدينة يعيش فيها مئات الآلاف من الناس وكان من الصعب أن نحصي مدارسها وخاناتها وأسواقها وحماماتها ومكتباتها - إحدى المكتبات كانت تضم 120 ألف مجلد - وقد عاش عمر الخيام فترة من الزمن في هذه المدينة وعمل في مرصدها.
من هذه الحقبة الذهبية لم يبق سوى متحف السلطان سنجار وهو صرح شاهق يبلغ ارتفاعه 40 متراً ومتحف محمد بن زيدان الذي تفنن المهندسون في بنائه فاستخدموا الآجر المشوي بأشكال متنوعة مثلثات، متوازيات الأضلاع، مربعات ونجحوا في اقامة زخارف هندسية مذهلة بتراثها وخيالها المبدع وراح أحفادهم بعد قرنين من الزمن يستلهمون تلك الزخارف مخلفين قطعاً من الفسيفساء تبهر الأنظار...
أما قلعتا "كيزخالا" و"جيغوين" اللتان شيدتا في فترة لاحقة فانهما على الرغم من اصابتهما بأضرار جسيمة، تعطيان فكرة واضحة عن فن العمارة الحربية في آسيا الوسطى نهاية القرون الوسيطة.
الأعراس وبرج الموت
ولكن ماذا عن مدينة ماري حالياً؟ لا يمكننا الا أن نشير الى برج الموت فيها حيث يقف الأعراس التركمان الجدد كل سبت لالتقاط الصورة التذكارية، فجأة، وسط عائلة تركمانية ترتدي ملابس أوروبية، تظهر العروس فاتنة بثوبها التركماني المطرز وقد غطت رأسها بخمار رصعت أطرافه بقطع نقود صغيرة وزينت أصابعها بالخواتم ومعصميها بالأساور. وهذه الحلى لا يجوز اعتبارها من مخلفات الماضي الفولكلورية ففي سوق تيكيتكا على تخوم مدينة ماري صباح كل أحد تبسط مئات القرويات القادمات من الكولخوزات على الأرصفة مجموعة من الفساتين والزنانير والجلابيب الموشاة ببراعة نادرة...
إن ستين سنة من التأميم ومن زراعة القطن المكثفة لم تستطع ان تبدّل شيئاً من طبائع التركمان. ورغم محاولات المستعمرين المستميتة لتدمير البنى التقليدية للمجتمع التركماني بصورة منهجية، فإن التركمان والاوزبيك حافظوا على نمط عيش مميز. وفي القرى لم ينس الشعراء والموسيقيون ينابيعهم... فآسيا الوسطى لم تفقد أصالتها.. وعلى كل منا أن يكتشف هذه الأصالة من زاويته الخاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.