انتهى انشغال الاوساط السياسية والشعبية باستحقاق الانتخاب الرئاسي بتمديد ولاية رئيس الجمهورية الياس الهراوي ثلاث سنوات اضافية. لكن التمديد شغل الاوساط بثلاث قضايا سياسية: 1 - الوضع الحكومي، حيث توقّع اللبنانيون ان يقدم رئيس الحكومة رفيق الحريري استقالة حكومته الى رئيس الجمهورية الممدد له في 24 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، موعد انتهاء الولاية الاولى او الاصلية، ويعود هذا التوقع الى كلام صريح للحريري قبل اسابيع، بأن حكومته ستستقيل فور انتهاء الاستحقاق الرئاسي وان كان بالتمديد للهراوي، لكن الحريري بدأ يتراجع عن كلامه بعد حصول التمديد، لا بل قبل حصوله وبعد تلقي المعنيين في لبنان "كلمة السر" في شأنه من سورية. لكن تراجع الحريري كان على نحو غير مباشر، ذلك ان الاوساط القريبة منه فضلاً عن حلفائه من النواب والوزراء راحوا يرجحون عدم حصول الاستقالة لسبب رئيسي واحد ولاسباب ثانوية عدة. الرئيسي هو ان تمديد ولاية الهراوي يعني انها مستمرة وتنتهي في 24 تشرين الاول اكتوبر 1998 الامر الذي يلغي السبب الاساسي الذي كان يفرض على الحريري الاستقالة وفقاً للدستور وهو انتهاء الولاية. أما الاسباب الثانوية فأبرزها ان البلد يحتاج الى التئام الجروح بعد معركة التمديد التي لم توفر سهامها احداً واي مساس بالوضع الحكومي حالياً من شأنه اعادة اجواء الخلافات على السلطة لا بين النظام ورافضيه فقط، وانما بين اهله والذين يفترض فيهم ان يكونوا حماته. وفي هذا المجال لن يستطيع من سيكلف تأليف الحكومة اشراك شخصيات او رموز من التيار الذي يرفض التركيبة كلها لاعتبارات مبدئية وداخلية وسورية، وهو لن يتمكن من ذلك في هذه المرحلة، اذ ان حكومة الاتحاد الوطني كما تسمى تحتاج الى تمهيد كبير والى ظروف ملائمة داخلياً وخارجياً غير متوافرة حالياً. كما انه سيواجه مشاكل في حال ضم الى الحكومة رموزاً من المعارضين من داخل النظام، لأن هذا الامر قد يقضي على التضامن الحكومي الذي ميز الحكومة الحالية. وغياب التضامن والتجانس يشل العمل ويقضي على الانتاجية ويربك الجميع. علماً ان الشخصية الوحيدة المرشحة لتأليف الحكومة هي رفيق الحريري رئيس الحكومة الحالية بسبب استمرار الحاجة اليه لبنانياً وسورياً، خصوصاً لجهة قدرته على حماية سعر صرف الليرة. والمعلومات التي توافرت عن الموضوع الحكومي من اكثر من مصدر سياسي أشارت الى أن كفة استمرار الحكومة الحالياً هي الراجحة وأن إبدالها قد يتم خلال فصل الربيع المقبل اي قبل الانتخابات النيابية التي ستجري خلال الصيف. علماً ان اوساطاً سياسية تتمنى أن يعود الحريري عن رفض تقديم الاستقالة حفاظاً على صدقيته امام الرأي العام اللبناني وافساحاً في المجال امام حكومة تضم على الاقل "التمديديين" او ممثلين عنهم وذلك لتحمل مسؤولية الايام الصعبة الآتية، اما الاحجام عن ذلك، في رأيها، فقد تكون له عواقب سلبية ربما تنعكس على الرئيس الهراوي وعلى البلد معاً. 2 - قانون الانتخاب، وفي هذا المجال أكد الرئيس الهراوي في رسالته الى اللبنانيين لمناسبة تمديد ولايته انه "على أبواب ارسال قانون انتخابات نيابية يلائم الجميع في ما يتعلق بسلامة التمثيل الشعبي..." علماً ان نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام كان شدد امام رئيسي مجلس النواب والحكومة في اعقاب اختلافهما الحاد قبل فترة على امور عدة ابرزها قانون الانتخاب، على ضرورة أن يعامل القانون الجديد كل اللبنانيون بمساواة وعدل ويحقق التوازن في ما بينهم لا سيما من حيث تقسيم الدوائر الانتخابية. لا بد ان يعتبر اللنبانيون القانون الجديد أحد اهم انجازات عهد الرئيس الهراوي، لأن القانون "الاعرج" الذي جرت بموجبه الانتخابات النيابية الماضية قبل نيف وثلاث سنوات كان احد اهم اسباب المقاطعة المسيحية الشاملة لها وبعض المقاطعة الاسلامية، وكان تالياً من ابرز العوامل التي ادت الى الشك محلياً واقليمياً في مدى صحة تمثيل مجلس النواب الحالي للشعب اللبناني. والسؤال الذي يطرح في هذا المجال هو: هل سيحظى اللبنانيون بقانون عادل ومتوازن؟ والجواب الصريح عن ذلك كما تعطيه اوساط سياسية مطلعة هو انها لا تعرف. ذلك ان الخلافات على أشدها على تقسيم الدوائر. فهناك سياسيون يسعون الى دوائر صغرى مثل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط والرئيس رفيق الحريري وهناك غيرهم يسعى الى دوائر اكبر تتعدى المحافظة الحالية مثل الرئيس بري، وهناك حائرون ومعظمهم من المسيحيين. والمعلومات المتوافرة على هذا الصعيد لا تبشر كثيراً، ذلك ان دمشق المعنية مباشرة بلبنان تريد ان لا يمس قانون الانتخاب الجديد مصالح حلفائها الذين قد يهددهم توزيع معين للدوائر، وابرز هؤلاء الهراوي وبري وجنبلاط وحسين الحسيني وميشال المر. وترجمة هذه الارادة على نحو عملي قد يعني ان قانون الانتخاب المرتقب قد يكون عجيباً غريباً الاّ إذا طغت في آخر لحظة الاهتمامات الوطنية عند الجميع على الاهتمامات والمصالح الخاصة والفئوية. 3 - تعديل الدستور، حيث أكد الهراوي انه سيقترح التعديلات الضرورية بهدف ازالة بعض الثغرات التي انكشفت خلال الممارسة، وقد أحدث كلامه هذا ردود فعل كثيرة لأن مطلب التعديل رفضه الهراوي قبل اليوم كما طالبت به جهات مسيحية عدة بهدف تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية التي قلصها اتفاق الطائف الى حد كبير، كما طالبت به جهات اسلامية وتحديداً سنية، بهدف الحؤول دون طغيان السلطة الاشتراعية على السلطة التنفيذية لا سيما على مجلس الوزراء. طبعاً لم يخض الهراوي في تفاصيل التعديلات التي سيقترحها كما ان الاوساط السياسية اللبنانية تحاشت اتخاذ اي موقف نقدي او هجومي خشية ان تكون ضد موقف تم الاتفاق عليه بين الهراوي ودمشق، الاّ أن معظم هذه الاوساط، سواء من المدافعين عن صلاحيات السلطة الاشتراعية او من المتذمرين من هيمنتها على السلطة التنفيذية، ركز على أن التعديلات المرتقبة لن تطال البنود الميثاقية مثل مدة ولاية رئيس مجلس النواب او مثل عدم تمتع السلطة التنفيذية بحق حل مجلس النواب الاّ في حالة صعبة التحقيق لا بل مستحيلة. وفي اي حال ترى الاوساط السياسية المطلعة ان المطلوب في الولاية الممددة ايجاد حل نهائي ل "الترويكا" التي هي اساساً غير دستورية وعطلت التعاون بين المؤسسات الدستورية الثلاث. هل ينجح الرئيس الهراوي في تنفيذ مضمون الرسالة التي وجهها الى اللبنانيين؟ لا بد من الانتظار لمعرفة ذلك. علماً أن اللبنانيين يبدون مشككين ليس في رغبة في النجاح وانما في تجاوب الآخرين معها ومدى تقبل القواعد الشعبية الطائفية والمذهبية لأي تغيير جدي.