قد تكون النسوية هي الاكثر انفتاحاً على الآخر بين المدارس الفكرية المعاصرة. فهذا التيار يفسح في المجال بين رموزه لوجوه وأسماء من الشمال والجنوب على حد سواء. وحضور هؤلاء "الاجنبيات" في قلب النقاش النسوي لايغنيه وحسب، بل يدفعه الى الامعان في المساءلة واعادة النظر في الموضوعات التي تقاربها. وهنا قد يكمن سر التطور الذي تثابر عليه النسوية بينما تكاد المدارس الاخرى تراوح في مكانها. ولئن ذاعت شهرة كاتبات عربيات في غير دولة اجنبية، فإن فاطمة المرنيسي قد تكون أكثرهن زخماً وقدرة على تقديم المساهمة النسوية العربية بصوت أكاديمي متمكن من ادواته، حظي باهتمام مرموق داخل الوطن العربي وخارجه على حدّ سواء. لكن الحفاوة التي استقبل بها كتابها الجديد الصادر أخيراً في الولاياتالمتحدة بعنوان "أحلام التجاوز"، تختلف عن تلك التي حظيت بها كتبها الخمسة السابقة. فهو مغاير نمطياً لنتاجها المألوف، يلجأ في التعبير الخطاب النسوي الى سرد قصصي يستقي بعض جوانب مادته الاساسية من السيرة الذاتية للمؤلفة. وحكايات الكتاب التي تنتسب فنياً الى القص العربي بعناصره التقليدية، تبدو ميداناً تزج فيه المرنيسي بصور ومقاطع حوارية لها طعم المرارة التي تذوقتها المرأة في مجتمعات غارقة في الذكورية. والمادة السردية تأخذ أحياناً شكل المقاربة العجلى التي تلمّح الى الفكرة دون أن تتوقف عندها طويلاً. "معرفةالحدود" التي ترسم الخط الفاصل بين الرجل والمرأة هي، بتعبير احدى الشخصيات، النعمة التي تتمتع بها المرأة المتعلمة. وحين يتنامى الى ساكنات "العالم المقفل" ان النازيين في أوروبا، أو "بلاد الثلج"، يرسمون نجمة صفراء على كل يهودي بغرض تمييزه، تشعر النسوة أن مجتمعهن التقليدي ليس أشد حرصاً على المساواة بين أفراده. وهذا "العالم المقفل" كما يبدو من كتابات المرنيسي، مغاير تماماً في الواقع لصورته في كتابات غربية عن "الحريم" قوامها خيال مفرط لأناس ظنوا ان القصر المنيف الذي امتلأ بالجواري أيام السلطنة العثمانية لايزال شائعا في الشرق كنموذج وحيد للمكان "المسور" الذي تقطنه المرأة. للتدليل على الفجوة بين النموذجين المعاصر والمتخيل أطلقت المرنيسي على الاول تسمية "المحلي"، فيما نعتت الآخر بال "الامبريالي". وفي بحثهن عن الخلاص، تغذ نساء القصة الخطى على طريق شهرزاد، فيطمحن الى مجابهة الحياة وعنفها الوجودي بالحكاية المتخيلة. الا ان المرأة قد تقضي عمرها كله في تعلم فن السرد، وبناء عوالمه الموهومة، للنجاة من سيف شهريار، كما تغمغم الام رداً على سؤال ابنتها المتعطشة الى اتقان لعبة الحكي كوسيلة للخلاص. وعلى رغم اختلاف الادوات الفنية بين جديد المرنيسي وقديمها، فإن القارئ يقع على المهارة نفسها في وضع النقاط على الحروف، دون مداورة أو تجميل أو محاباة. كما أن النقد الذي توجهه هذه الكاتبة المغربية المتميّزة الى المجتمع الشرقي، لا يعمي بصر القارئ الغربي ولا يطمس حقيقة أساسية، هي أن عيوب هذا المجتمع لاتنتسب الى الجوهري الاصيل، بل هي طارئة ستذهب بذهاب العوامل التي تعمل على بقائها.