فجّرت قمة كورفو تناقضات بناء المشروع الأوروبي، ومرة أخرى انعزلت بريطانيا داخل شركائها الأوروبيين، وتأكدت معادلة "واحد ضد 11". ويحفل تاريخ العلاقات البريطانية - الأوروبية بالأزمات لا سيما منذ عام 1991، مع إقرار معاهدة ماستريخت، ثم مع المناقشات العاصفة التي رافقت تصديقها في مجلس العموم البريطاني. ولم ينفع في ذلك ما أعلنه رئيس الوزراء جون ميجور من أنه سيضع "بريطانيا في قلب المشروع الأوروبي"، وبعد ان "أعفى" بلاده في ماستريخت من الانخراط في الجانب الاجتماعي ومن الانتقال في أواخر القرن الى العملة الموحدة ايكو، ثم بعد ان كاد يغرق الاتحاد الأوروبي في أزمة دستورية شاملة في آذار مارس الماضي من خلال فرض مراجعة دستورية تتعلق بعملية التوسيع، وضع فيتو في كورفو على رئيس الوزراء البلجيكي جان - لوك دوهان، كرئيس مقبل للمفوضية الأوروبية. وترفض لندن اختيار دوهان ليس لأنه من المدافعين عن تصور فيديرالي بل كذلك لأنه مرشح الثنائي ميتران - كول، ما يعني العودة الى سياسة المحاور التقليدية داخل المجموعة الأوروبية، وعودة بريطانيا الى مقاومة المبادرات المشتركة التي يطلقها تباعاً محور باريس - بون، للدفع بمشروع البناء الأوروبي الى مشروع سياسي. في أي حال يجب حسم هذه المسألة قبل 19 تموز يوليو الجاري لدى استهلال البرلمان الأوروبي الجديد ولايته الدستورية في ستراسبورغ. ويبدو أن المستشار كول، الرئيس المقبل للاتحاد الأوروبي، مصمم على ذلك، حتى على حساب أزمة مفتوحة مع بريطانيا. وميجور كذلك، حسب تصريحاته في كورفو، ولهجة وسائل الاعلام البريطانية، غير مستعد لتقديم تنازل خلال انعقاد القمة الطارئة في بروكسيل. بالطبع يدافع ميجور عن مشروع أوروبي أقرب الى السوق الحرة والمجال الاقتصادي والتجاري المفتوح، منه الى اتحاد اقتصادي ونقدي متماسك، أو الى تصور موحد في مجال السياسة الخارجية والأمن المشترك. لكن هناك على ما يبدو، أسباب داخلية بريطانية ذات علاقة مباشرة بالنزاع داخل حزب المحافظين والدور المتصاعد الذي يلعبه فيه الجناح الثاتشري. وإذا كان دوهان أعلن استمراره في السباق، فإن المشاورات مستمرة بين عواصم الاتحاد الأوروبي، لتجنب مأزق "مصيري" في منتصف الشهر المقبل في بروكسيل. ومن بين السيناريوهات المطروحة "اقناع" ميجور بالموافقة على دوهان، أو عودة رود لوبيرز الى الواجهة، لا سيما انه كان في الأساس مرشح جاك ديلور. أو طرح اسم ثالث، مثل المفوض السابق اتيان دافينيون أو شخصية سياسية بارزة على المستوى الأوروبي كرئيس الوزراء الاسباني فيليبي غونزاليس أو وزير الخارجية الألماني السابق هانز ديتريش غينشر. فمن سيكون الرابح، في مواجهة من الوزن الثقيل، بين المستشار المتفائل هلموت كول ورئيس الوزراء المتشائم جون ميجور؟