إنها الكويت. لم تمر عليها الحرب ولم يحتلها الجيش العراقي. كل شيء فيها طبيعي وعادي. منازلها التي يغلب عليها الابيض ولا يشوبه أسود الحرائق أو آثار الرصاص. أسواقها الراقية راقية، والشعبية شعبية، والسالمية تغص بالناس مساء الاربعاء وتضيق بأحيائها السيارات، هناك أمام سوبر ماركت السلطان الذي تجد فيه ما لا تجده في أكبر الاسواق الغربية، وفي "ليلى غاليري" المجمع التجاري. وقبل هذا وذاك، في المطار الذي ضربه الاحتلال ودمر منشآته وأحرق طائراته، لا يقع نظر الزائر على شيء من آثار الاحتلال. فأسطول الخطوط الكويتية التي احتفلت قبل اسبوعين بالذكرى الاربعين لتأسيسها عاد يملأ المدارج والاجواء بعد خطة بناء رعاها رئيس مجلس الادارة العضو المنتدب الدكتور أحمد حمد المشاري. وأرض المعارض التي ظل فيها أكبر تجمع لدبابات ومدافع بالمئات تركها العراقيون، لم يعد فيها شيء من مظاهر الحرب، لأن المتخصصين في علم النفس أشاروا بوجوب اقتلاعها لاقتلاع أي أثر تتركه في نفوس الكويتيين الذين عانوا طوال سبعة أشهر في ظل الاحتلال. حتى ان وزير الاعلام الشيخ سعود ناصر الصباح عبّر عن امتعاضه، في لقاء خاص اقتصر على رؤساء تحرير الصحف المحلية، من اخلاء هذه الارض التي كان يجب أن تظل متحفاً شاهداً لأهل البلد وزوارها على الغزو، على غرار المتاحف العسكرية الكثيرة في اوروبا تؤرخ للحربين العالميتين الاولى والثانية... ليعتبر من يجب أن يعتبر! ليس هذا فقط. تقرأ الصحف بصفحات وصفحات، وتقصد ديوانيات وديوانيات فتشعر بأن هذه المعارك التي كانت تخاض قبل التجربة المريرة لم يتغير فيها شيء، جولات بين الحكومة ومجلس الامة، بين الاسلاميين والعروبيين ومجموعة التجار... وبعض الذين يحنون برومانسية الى عبارات عن "الاستعمار والامبريالية"، بين صحف وصحف، ومطبوعات ومطبوعات، وبين تيار شاب يريد التغيير وتيار يتمسك بقديمه داخل "الاسرة". إنه النسيج نفسه من العلاقات، كأن شيئاً من القديم لم يتغير. وكتب أحمد الجارالله، رئيس تحرير "السياسة" افتتاحية، عشية سفر وفد نيابي في جولة على الولاياتالمتحدة وكندا وروسيا أثارت جدلاً ، مذكراً الكويتيين بأن الكويت "ليست دولة عظمى ولن تكون إلا ذاتها بحجمها الطبيعي على الخارطة، وبعدد سكانها الشديد التواضع وبمشاكلها التي على قد حجمها"... تظن للوهلة الاولى أن الكويتيين نسوا أشهر الشدة، وانهم على أبواب صدام على مستوى السلطات، خصوصا ان الانباء التي رشحت الى الخارج مع التعديل الوزاري الأخير لم تغفل التذكير بتجربة حل مجلس الامة عام 1986. ولكن سرعان ما يأتي الجواب قاطعاً من رئيس مجلس الامة السيد أحمد السعدون: "إن تقدير الجميع للظروف في الكويت لا يسمح بالصدام"، او انه لا يسمح بوصوله الى حد الازمة كما يردد كثيرون. بل ان السعدون يعترف صراحة ان "وضع الديموقراطية أفضل الآن بكثير مما كان في الماضي". معادلة ثلاثية صعبة ولكن وراء هذا الموزاييك من الألوان المضيئة في السوق والشارع، وبين سطور هذه الجلبة الصحافية الواسعة الحرية - وما أكثر الصحافيين أصحاب الزوايا - وفي الديوانيات التي تختصر كل الآراء والمواقف فلا يستطيع أحد أن ينفرد برأيه... سرعان ما يكتشف الزائر أن الكويت لم تخرج بعد من التجربة. فهي لا تقيم جغرافياً في مثلث صعب بين دول اقليمية ثلاث كبيرة بالمقاييس الديموغرافية والإقتصادية والعسكرية فحسب، بل تعيش داخل معادلة ثلاثية صعبة تحكمها عناصر محلية وخارجية اقليمية ودولية. والأمن رأس هذه المعادلة، والاقتصاد والديموقراطية أو السياسة ونظام الحكم بالمعنى الواسع ركناها. ولا يحتاج هذا المثلث الى عناء كثير ليكتشف المراقب أن هذه العناصر الثلاثة يشد كل منها في اتجاه لا يخدم الاتجاه الآخر. فالأمن يحتاج الى نفقات كبيرة، لكن الوضع الاقتصادي لا يسمح بإطلاق اليد في هذا المجال لأسباب عدة بينها نفقات حرب التحرير والعجز في الموازنة والديون وانخفاض اسعار النفط... بل هو يترك في المقابل تأثيرات ضاغطة على المجتمع لم يتعودها الكويتيون الذين لم يتعودوا الترشيد في الانفاق أو فرض ضرائب معينة. ويترك هذا انعكاسات على ممارسة الديموقراطية والعلاقة بين الناس والسلطات وما بين السلطات نفسها وما بين التيارات والحركات السياسية والدينية. وقد لخص الشيخ سعد العبدالله ولي العهد رئيس مجلس الوزراء هذه المعادلة بوضوح، في خطاب عشية التعديل الوزاري أوائل الشهر الجاري، عندما أعلن أن ركائز العمل في المرحلة المقبلة هي حماية الوطن وسيادته واستقلاله وتعزيز الأمن الداخلي وإزالة آثار العدوان، وانعاش الاقتصاد، ومعالجة مشكلة التركيبة السكانية والارتقاء بالخدمات العامة، كل ذلك بالتعاون بين الحكومة ومجلس الأمة. وتحدث عن ممارسات استغلت جو الحرية وأشاعت التوتر، وعن تجمعات توشك أن تصير أحزاباً تبث الفرقة وتهدد الوحدة. وانتقد فوضى الصحافة. أمن الداخل وأمن الحدود الأمن الأمن هو الهاجس الأول والأخير. إنه حاضر في الاقتصاد وحركة السوق، وفي السياسة وتشعباتها المحلية والخارجية. إنه القلق المقيم في العمق. وللقلق ما يبرره. قال الشيخ سعد العبدالله، في لقاء خاص حضرته "الوسط"، إنه لا يلوم الكويتي على قلقه نتيجة موقف العراق، فالقرارات الدولية لم ينفذ النظام في بغداد الاساسي منها، "لذلك لا يزال العدوان موجوداً، والعراق لا يزال يبني قواته المسلحة". وهناك المتسللون الذين يدخلون البلد بهدف التخريب على الوحدة وإثارة الفتن، فضلاً عن قضية ترسيم الحدود اذ ترفض بغداد الاعتراف بسيادة الكويت وبالترسيم الدولي. وهناك الأسرى والمعتقلون في السجون العراقية، وبعض الدعوات الاقليمية والدولية الى رفع الحصار عن العراق أو اعادة النظر فيه... ولا تنتهي قائمة أسباب القلق التي تترك آثارها في "تصدير" الكويتي حساباته الخاصة الى الخارج، وعدم اطمئنان المستثمر الى ماله ومستقبل هذا المال، وركود السوق. وتندرج في باب الأمن مسائل كثيرة، من بناء الجيش وتسليحه، الى تسوير الحدود وضبط الأمن الداخلي ومعضلة التركيبة السكانية، والاتفاقات الدفاعية مع دول خارجية عدة، والقوات الخليجية المشتركة. وزير الدفاع الجديد، وزير الداخلية قبل التعديل الوزاري الأخير، الشيخ أحمد الحمود أكد في لقاء خاص، أن الكويت استعادت 70 في المئة من قدراتها الدفاعية، وأن الجيش يستعيد عافيته سريعاً، وأن "لا جيش يمكن أن يدافع عن البلد أولاً غير الجيش الكويتي، لأن الكويتيين هم خط الدفاع الأول عن بلدهم في صد أي عدوان تتعرض له الى حين وصول المساعدات الخارجية من الدول الشقيقة والصديقة". وقال إن بلاده تعتمد في استراتيجيتها الدفاعية على أشقائها في مجلس التعاون قوات درع الجزيرة وعلى الدول الصديقة، آخذة في الاعتبار المستجدات التي طرأت على الوضع في المنطقة إثر الغزو. وتحدث الشيخ أحمد الحمود عن السور الرابع الذي تقيمه الكويت على حدودها مع العراق،استناداً الى الترسيم الدولي للحدود. وأكد ان السور ساهم الى حد كبير في تراجع الانتهاكات العراقية التي كانت تحدث في الماضي، وخفف كثيراً من عمليات تسلل المخربين والمهربين الذين كانوا ينقلون في سياراتهم كل ما يساعدهم على العبث بالأمن الداخلي. لكنه لفت الى "بعض عمليات تسلل عسكريين وارسال أشخاص من جنسيات مختلفة للتخريب في الداخل". وشدد على أن قواته تواصل مراقبة القوات العراقية المتمركزة في منطقة الناصرية "وعندما نشعر بأنهم سيتحركون الى خط معين سنتدخل". وأضاف أن المرحلة الأولى في بناء السور انتهت، وتضمنت حفر خندق ثم إقامة سور رملي على طول الحدود يمتد مسافة 207 كلم، من أم قصر الى منطقة العبيد على الحدود مع السعودية، وأن المرحلة الثانية ستشمل بناء 20 مركز مراقبة، والثالثة زرع أجهزة تقنية وآلية عالية لمراقبة الحدود. ويذكر ان السور سمي الرابع لأن الكويتيين سوروا عاصمتهم عبر التاريخ بثلاثة اسوار على فترات تاريخية متعاقبة. السور الرابع ونظمت لنا وزارة الدفاع رحلة الى الحدود، قبل اقفال المنطقة في وجه الصحافيين الاسبوع الماضي عشية بدء تنفيذ المرحلة الثانية من المشروع. لا شيء على طول الطريق من الكويت الى أم قصر يوحي بحشود أو أجواء حربية... الى أن وصلنا الى المنطقة التي تخضع لمراقبة قوات الاممالمتحدة. استقبلنا ضابط كويتي في استراحة مكشوفة قريبة من مقر القوات الدولية، تطل على ميناء أم قصر. وبعد استراحة قصيرة سمح لنا بالصعود الى مركز مراقبة بالمنظار تشاهد منه الزوارق العراقية في خور عبد الله. قال الضابط: "يقال انهم صيادون ونعرف انهم ليسوا كذلك، انهم رجال مخابرات واستطلاع، والمهم انهم في مياههم الاقليمية ومهمتنا أن نحول دون نزولهم الى الشاطىء الكويتي". ... كنا نستمع عندما دوى صوت انفجارين كبيرين. صمت الجميع لثوان تابع بعدها الضابط الكويتي: "إنها ألغام من بقايا الحرب تفجرها فرقة خاصة من القوات الدولية. الأرض هنا لا يزال فيها الكثير من الألغام". انتظرنا بضع دقائق الى أن حضر المسؤول الاعلامي في القوات الدولية الكولونيل النيجيري تيللا، واصطحبنا الى مقر قواته على الشاطىء. وزع خريطة للحدود تبرز المواقع الاساسية ومنطقة عمل القوات الدولية. قال: "منطقتنا عرضها 15 كلم، 5 كلم من أراضي الكويت و10 كلم من الاراضي العراقية". صعدنا مع الكولونيل الى مركز مراقبة دولي يطل على ميناء أم قصر حيث كان ضابط صيني يتولى بالمنظار مراقبة حركة الزوراق العراقية في الخور. وكان تيللا يجيب عن كل الاسئلة ويعفي نفسه من الرد على تلك التي تمس السياسة، وان من بعيد، مكرراً عبارة: "نحن طرف محايد". وفهمنا منه ان القوة البنغالية في المنطقة مسلحة ويسمح لها بالرد على أي اعتداء. قف هنا الحدود اصطحبنا الكولونيل النيجيري الى الطرف الجنوبي من الميناء. تقدم الى الرصيف البحري وتبعناه... لكنه ما أن وصل الى منتصفه حتى صاح فجأة: "لا تتقدم. قف. من هنا، من هذه النقطة في الرصيف الى البحر تدخل أرضاً عراقية، وهذا ليس مسموحاً به. في الجانب الكويتي انت حر ما دمت تأتي الى هنا بإذن من السلطات الكويتية". الرصيف إذن نصفه المتصل بالبر ملك للكويت ونصفه البحري ملك للعراق. هذا ما قضى به الترسيم الدولي النهائي للحدود بين البلدين. وكانت على بعد 500 متر تقريباً سفن عراقية في الميناء ورافعات على الارصفة الاخرى المقابلة، وجلبة عمل وضوضاء. من هنا، من موقع الرصيف على البحر يبدأ الخندق والسور الكويتيان. عرض الخندق نحو أربعة أمتار وعمقه نحو ثلاثة، ويقع شمال السور الرملي من الجهة الشمالية المقابلة للعراق. كانت هناك شاحنة نقل كبيرة تلقي زيتاً نفطياً أشبه بالزفت على رمال السور لتشكل طبقة تمنع الريح من التلاعب بالرمل وإزالته. واضح تماماً أن لا قيمة عسكرية دفاعية كبيرة لهذا المشروع، ولا يشكل عقبة تذكر أمام تقدم أي جيش. لكنه من ناحية أخرى ذو فعالية كبيرة في منع المتسللين أو المهربين والمخربين من اختراق الحدود في سيارات أو شاحنات. بعبارة أخرى انه يشكل عائقاً أساسياً أمام نقل أي معدات أو أسلحة وما شابه في أي وسيلة نقل عادية سيارة كانت أم شاحنة. وأعلنت السلطات الكويتية الاسبوع الماضي أن الاسابيع الثلاثة الاخيرة لم تشهد أي عمليات تسلل. انتقلنا من الميناء الى نقطة مقابلة لصفوان العراقية التي شهدت توقيع وقف اطلاق النار بين العراق وقوات التحالف بعد تحرير الكويت. هنا ثمة طريق تقطع الخندق والسور. تقدمنا منها شمالاً حتى أصبحنا على بعد نحو عشرين متراً فقط من موقع عسكري عراقي. هنا خلف السور منازل متواضعة مهدمة، كانت مزارع بناها العراقيون أثناء الحرب مع ايران، وعاد بعضها الى الجانب الكويتي بعد الترسيم. كل شيء طبيعي وهادىء. كنا نراقب المنطقة عندما عبرت سيارتان للأمم المتحدة الطريق الى الجهة العراقية، حيث لها مقر أيضاً مماثل للمقر في الكويت. "المنطقة مأهولة بالسكان من أم قصر الى صفوان"، قال مرافق كويتي، "والمشكلة أن الموقع العسكري هنا هو الأقرب الى السور. كانوا أقرب وتدخلت القوات الدولية وأعادتهم أمتاراً الى الوراء لكنهم ما زالوا في نقطة لا يسمح فيها الوجود العسكري عند أي حدود دولية. والمشكلة ان البلدة العراقية، كما تشاهدون تحاذي الحدود تماماً، فيما العراق يرفض الاعتراف بالترسيم ويدعي انه اقتطع اراضي ومنحها للكويت". انظر الخريطة الدولية للحدود التي تعتمدها بعثة الاممالمتحدة للمراقبة في العراقوالكويت. مركز البحوث والدراسات ولا تعوز الكويتيين الوثائق وكتب التاريخ للرد على مقولات العراق. فمن الحدود عدنا مباشرة الى العاصمة الكويتية، الى "مركز البحوث والدراسات الكويتية" الذي يشرف عليه الوزير السابق الدكتور عبد الله يوسف الغنيم الذي قدم لنا شرحاً وافياً عن المركز ونشاطاته وأهدافه. في تعريف مكتوب للمركز ان الحكومة الكويتية "شكلت في مقرها الموقت في الطائف خلال العدوان العراقي لجنة لجمع الوثائق والدراسات المتعلقة بتاريخ الكويت ووجودها وحدودها لمواجهة ادعاءات العدوان العراقي في إنكار هوية الكويت وتاريخها وكيانها المستقل"... وتطورت الفكرة بعد التحرير وصدر مرسوم في 26 أيلول سبتمبر 1992 بإنشاء "مركز البحوث والدراسات الكويتية" يلحق بمجلس الوزراء ويشرف عليه وزير الدولة لشؤون المجلس. ومن أهداف المركز ومسؤولياته "العمل على أن يكون مصدراً وطنياً للعلم والمعرفة بتاريخ دولة الكويت، وشؤونها السياسية والاجتماعية والتراثية وإعداد البحوث العلمية المتعمقة المتصلة بذلك ... وجمع وتوثيق الوثائق والدراسات المتعلقة بالعدوان العراقي على دولة الكويت...". ونشر المركز بالفعل عشرات الكتب والوثائق والخرائط. وقدم لنا الدكتور الغنيم عرضاً بالصور لتاريخ الكويت، ركز على أن الترسيم الجديد للحدود لم يمنح بلاده أرضاً عراقية، بل حرمها من امكان إقامة ميناء في آخر نقطة من حدودها الشمالية، عند أم قصر وجزيرة وربة، "ذلك ان اللجنة التي تولت الترسيم لم تقسم المياه بين العراقوالكويت مناصفة في المناطق الضيقة، كما القاعدة المتبعة عندما تكون سواحل بلدين متقاربة لا تسمح بتحديد المياه الاقليمية ب 12 ميلا بحريا لكل منهما. وهكذا كان نصيب العراق في البحر المقابل لوربة أكثر من نصيب الكويت ليتاح لسفنه العبور في هذا المضيق الى موانىء أم قصر والبكر والفاو والزبير وقناة البصرة حيث المياه أعمق مما هي في قناة السويس. وهكذا فان المياه في الجانب الكويتي ضحلة لقربها من الشاطىء ولا تسمح باستغلالها للابحار أو اقامة اي ميناء". وأكد "ان الحدود الكويتية البحرية تراجعت جنوباً في الترسيم على طول 90 كلم، ولم يعتمد خط الوسط بين البلدين... ومع ذلك قبلنا لنحول مستقبلاً دون نشوء أي مشكلة بين البلدين". وأوضح "أن ليس صحيحاً ان الواجهة البحرية للعراق تقتصر على 70 كلم.، بل ان مجموع الواجهة مع الممرات الاخرى نحو 300 كلم". انظر الخريطة في مكان آخر. وقدم الغنيم ومساعدوه شرحاً وافياً مستندين الى كتب رحالة وخرائط منذ القرن السابع عشر عن تاريخ الكويت وحدودها في ذلك الزمن. وشرح ما عاناه الكويتيون أثناء الاحتلال، من خلال عشرات ومئات الرسائل المتبادلة بين القادة العراقيين في بغدادوالكويت ابان الغزو. الاسرى والمعتقلون والمفقودون ومركز البحوث ليس الهيئة الوحيدة التي تعنى بما خلفه الغزو العراقي، فهناك هيئة أخرى تهتم بشؤون الاسرى والمعتقلين في السجون العراقية. وهي في الواقع شجون لا تغيب عن بال الكويتيين. في الديوان الأميري، في الشارع، في المتجر.، في الادارات الرسمية والخاصة، في كل مكان شعار واحد يوحد جميع الكويتيين "لن ننساكم". الشيخ سالم الصباح رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الاسرى والمفقودين الذي يحمل هذه القضية في الداخل والى الخارج في جولات وجولات، قال في لقاء صحافي حضرته "الوسط" مع عدد من أعضاء اللجنة وأهالي الاسرى، في "مبرة صباح السالم" بضاحية صباح السالم، ان النظام العراقي يستثني قضية الاسرى من مجالات تعاونه مع الاممالمتحدة لتطبيق القرارات الدولية، وينكر وجود هؤلاء في سجونه "علماً ان دلائل مادية كثيرة تشير الى اعتقاله هؤلاء واحتفاظه بهم في سجونه. وبين الدلائل شهود عيان كويتيون وذوو معتقلين أخذ الجنود العراقيون اولادهم من منازلهم. وبينها أوراق وأوامر اعتقال خلفتها القوات العراقية وراءها في الكويت بعد التحرير، فضلاً عن أسرى اوروبيين وغيرهم اطلقوا وأكدوا وجود الاسرى". وتحدث الشيخ سالم عن الوساطات لحل هذه المشكلة، من دور الملك الحسن الثاني الى تدخل الجامعة العربية، "لكن العراق لا يبدي أي تعاون في هذا المجال لا مع هذه الوساطات ولا مع الهيئات الدولية كالصليب الاحمر". وأشار الى ان هذا القضية "تثير أعصاب المسؤولين العراقيين"، وان الرئيس صدام حسين طرح على موفد العاهل المغربي الهادي بو طالب تشكيل لجنة من العراق والمغرب وقطر وأعضاء في مجلس الامة الكويتي "كأنه لا يعترف بسيادة الكويت ولا يريد التعامل مع حكومتها. لكن مجلس الامة كان قمة الوطنية فدُفنت الفكرة". وتابع ان العراق اقترح على الصليب الاحمر اربع نقاط هي: "أن تسمي الكويت السجون التي يعتقل فيها مواطنوها، ان يمهل الصليب الاحمر السلطات العراقية ثلاثة أيام قبل دخول أي سجن، ألا يسمح لهذه الهيئة الدولية بمعاودة زيارة أي سجن تزوره سابقاً، ألا ينفرد الصليب الاحمر بأي سجين في معتقله لئلا يتكلم عن باقي السجناء... وواضح من هذه الشروط ان بغداد تريد التملص والخلوص الى نتيجة مفادها ان لا أسرى ولا معتقلون". لكن اللجنة الكويتية الشديدة التنظيم فاجأت الصليب الاحمر بملفات كاملة لا ينقصها شيء عن كل سجين ومعتقل، وكيف اعتقل، أي انها وضعت "سيرة" مؤرخة ومفصلة لكل السجناء وعددهم 624، ولن تتخلى عن ملاحقة القضية في المحافل الدولية باعتبارها جزءاً من القرارت الدولية التي يجب ان ينفذها العراق في اطار الشروط الموضوعة لرفع الحصار عنه. وشدد الشيخ سالم على ان الاسرى أحياء "لأن طارق عزيز اعلن في الاممالمتحدة صراحة ان العراق سيتعاون في هذه القضية". وأكد اخيراً "ان أمن الخليج واستقراره يظلان مرهونين بقيام نظام برلماني ديموقراطي في العراق تتمثل فيه كل فئات الشعب". وأوضح بعض اعضاء اللجنة، في اللقاء الذي حضره الدكتور الغنيم، "ان البحث جار لوضع ملفات تتضمن اسماء كل القادة العراقيين الذين دخلوا الكويت اثناء الغزو ومارسوا ما مارسوا لملاحقتهم مستقبلاً كمجرمي حرب". الشيخ سعد: أسس التعامل وللتدليل على أهمية قضية الاسرى، وضعتها الحكومة الكويتية، بتفاهم تام مع مجلس الامة، في أسس تعاملها وإعادة تطبيع علاقاتها مع بعض "دول الضد"، أي الدول التي لم تقف مع الكويت في محنتها. وقال الشيخ سعد العبدالله في لقاء معه في الديوان الاميري، ان "لا شروط تعجيزية" لاعادة التطبيع مع دول المغرب العربي التي زارها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الاحمد أخيراً للمرة الاولى منذ التحرير. وحدد ما سماه اسساً لعلاقات التعاون هي "ان تؤكد هذه الدول على وجوب تطبيق العراق القرارات الدولية ولا سيما منها القرار 833 الخاص بترسيم الحدود، وان تعمل على اطلاق الاسرى والمعتقلين". وتمنى على "الاشقاء ان يترجموا اقوالهم افعالا في دعم الكويت". وميز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بين موقف دولة ودولة من "دول الضد". صحيح ان الكويتيين لم ينسوا ويعارضون أي تطبيع مع أطراف يعتبرون انها كانت الى جانب النظام العراقي، مثل منظمة التحرير والاردن واليمن، لكنهم بدأوا يبتعدون تدريجاً عن التشدد الذي ساد إثر التحرير ولم يوفر أحيانا ساحتهم الداخلية. لذلك دعا الشيخ سعد في خطابه الاخير الى "ازالة آثار العدوان، فنتجاوز الماضي ونحمي مجتمعنا من النزعات والتيارات التي تنذر بتفكيكه فئات متناحرة، ونقي اسرنا من الضغائن والاحقاد والتشفي وحب الانتقام، وأن يكون العمل السياسي بالقيم والاخلاق بعيدا عن الاهواء والمصالح الخاصة". لكن الشيخ سعد تساءل أمامنا في اللقاء عن "موقف بعضهم من الكويت اثناء الغزو" تاركاً "للتاريخ ان يكشف اسباب هذه المواقف، علماً ان الكويت لم تتوان عن خدمة كل القضايا العربية والاسلامية بكل انواع الدعم". وقال ولي العهد: "تعلمنا دروساً كثيرة في الثاني من آب اغسطس. العدوان كان سيتوسع، وهو لا يزال موجوداً فالعراق يعمل ليلاً نهاراً لبناء قواته المسلحة وتفكيك وحدة مجلس التعاون الخليجي. ولا أعرف سبب تعاون بعض الاشقاء مع العراق. لأن العراق اذا نجح في التوسع فان الجميع سيدفعون الثمن". وأشاد بموقف السعودية وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز. كانت إشارة تلميح الى موقف قطر من دون تسميتها، خصوصا ان الاعلام الكويتي انتقد ما يسميه الكويتيون محاولة انفتاح الدوحة على بغداد. لكن للشيخ ناصر المحمد الاحمد وزير الديوان الاميري، صاحب "الديوانية الصباحية" كل اربعاء رأياً آخر في الاوضاع، فهو أشار في لقاء مع "الوسط" الى المتغيرات التي طرأت على العالم، وأكد بديبلوماسية ان الموقف الخليجي واحد. وقال في اشارة الى النظام في بغداد: "ان الديكتاتور جبان بطبعه ويخاف أكثر مما يخيف"، وأكد سلامة الموقف الدولي من الحصار المفروض على العراق حتى ينفذ القرارات الدولية. وأكد الشيخ سعد في هذا المجال ان العلاقات بين الكويتوالولاياتالمتحدة جيدة، وان الدول الاخرى تتفهم سبب اصرار الكويت على الحصار. وتحدث عما سماه "الخلط" بين حصار النظام وحصار الشعب العراقي، وقال "ان هذا الشعب عانى ويعاني من ظلم النظام الذي كان السبب في الحصار. ان الاممالمتحدة لم تفرض حظرا على المواد الغذائية والطبية عن العراق، لكن النظام في بغداد هو الذي يرفض بيع الكمية التي حددت له من النفط لتأمين هذه المواد". وعندما تسأله عن التضامن العربي يرد بسرعة: "ان الوضع العربي مهلهل نتيجة العدوان العراقي، وان الكويت لم تتأخر عبر تاريخها عن أي مسعى يهدف الى حل الخلافات العربية". ولفت الى ان العلاقات مع ايران "طيبة"، متابعاً: "لا نريد لأي دولة أن تتدخل في شؤون الكويت أو شؤون دول مجلس التعاون الداخلية". ولم ينس التعبير عن أسفه لما يحدث في اليمن، كما لم ينس التذكير بموقف صنعاء، قال: "تألمنا كثيراً للموقف الرسمي اليمني فهم لم يستنكروا الاحتلال وسكتوا وساعدوا وتعاونوا مع العراق، وهذا ما أوجد ألماً في نفوس الكويتيين". وكرر موقف الكويت من القضية الفلسطينية "فهي مع أي صيغة يوافق عليها الشعب الفلسطيني تعيد اليه أرضه السليبة وجميع حقوقه". ورفض التعليق على اجتماعات لجنتي المياه والتسلح المنبثقتين من المفاوضات المتعددة في مسقطوالدوحة. بين السياسي والاقتصادي والحديث عن "الهم العراقي" بجوانبه السياسية المحلية والخارجية والامنية في الكويت لا ينتهي. ولا يوازيه هم آخر وإن بدا لبعض المتابعين ان السياسة الداخلية في هذا البلد عادت الى مشاحناتها السابقة الى حد الصدام. فالشيخ سعد أكد لنا انه مرتاح مع الوزراء بعد التعديل كما كانت الحال قبل التعديل، وان التعاون قائم مع مجلس الامة، وان الخلاف مهما ارتقى لن يصل الى حد الصدام "فنحن في سفينة واحدة ويجب ان نصل الى بر الامان". ومثل هذا تسمعه من النواب على اختلاف مشاربهم واتجاهاتهم. وأكد السعدون رئيس مجلس الامة الذي قصدناه في ديوانيته ثم في مكتبه في البرلمان، "ان الخلاف مع الحكومة على مدى الديموقراطية مستمر منذ اعلان الدستور عام 1962، لكن الوضع الآن أفضل بكثير، فهناك قضايا عدة لم يكن يسمح للمجلس بأن يتحدث فيها مثل الاموال العامة التي اصبحت تحت رقابة المجلس، كما ان الكلام على الديموقراطية بعد التحرير في الداخل والخارج عوامل ساعدت على هذا الجو". وخلص الى "ان تقدير الجميع للظروف في الكويت لا يسمح بالصدام". وأشار الى "اتفاق" السلطتين الاشتراعية والتنفيذية على السياسة الخارجية وعنوانها "فتح الجسور ضمن سقف معين مع دول الضد خصوصا في المغرب العربي"، وكسب المزيد من الاصدقاء. ونوه بزيارة الشيخ صباح الاحمد للدول المغاربية. ولاحظ السعدون "ان مجلس التعاون الخليجي لم يؤد كل ما يجب، وان المواطن الخليجي لا يشعر بما قدم، ذلك ان خطواته بطيئة بعد 14 عاماً على انشائه". وقال انه دعا نظراءه في مجالس الشورى في دول المجلس الى عقد لقاء للبحث في أوضاع المجلس والتطورات في المنطقة، "اننا نريد أن يعود الوضع فيه الى ما كان أيام الاحتلال العراقي، فالكلام على مزيد من التلاحم بين اعضائه تبخر بعد التحرير. هناك خلل ولا أريد أن انتقد أي دولة. شعرت الناس ايام المحنة بالمشاركة في المأساة، لذلك ان ما يجمع بينها أقوى مما يقال عن الخلافات". الى هنا يبدو ان اللاعبين في الساحة الداخلية يعرفون حدود اللعبة وسقفها، ويلتزمون خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه. ولكن تحت هذا الخط تدور "مواجهات" تبدو طبيعية في أي نظام ديموقراطي، بين الحكومة ومجلس الأمة، بين الليبيراليين والاسلاميين، بين صحيفة وصحيفة. سألنا الشيخ سعد، رئيس الحكومة، لماذا لا يحضر جلسات مجلس الأمة، فأجاب مبتسماً: "انكم تدخلون في الخصوصيات" وسكت في انتظار سؤال آخر مكتفياً بالقول ان التعاون قائم بين السلطتين وان الاختلاف "لن يرتقي". لكن نائباً بارزاً التقته "الوسط" رجّح أسباباً لانقطاع رئيس الحكومة عن الجلسات النيابية، ملاحظاً ان غيابه بدأ بعدما قامت في المجلس ضجة عن "خطة أو مؤامرة للاساءة الى النواب" عندما تعرض أحد زملائهم لمشكلة مع الشرطة وتعارك مع أحد الضباط. وأشار أيضاً الى تضايق الشيخ سعد من الاكثار من طرح قضية الاستثمارات ومن الصراع الذي رافق احالة الشيخ علي الخليفة الصباح على القضاء في قضية الناقلات. ليست هذه وجوه "الصدام" او الاختلاف، فالسعدون يقول ان طبيعة "الصدام" تقررها أو تفرضها القضايا التي يناقشها مجلس الأمة ومدى سخونتها. ولكن تسمع ان هناك دائماً حلاً وسطاً وصيغة اتفاق وتوافق. علماً ان تعارض الآراء دخل صفوف الحكومة قبل التعديل الأخير، بل كان أحد اسباب التعديل الذي فرضت الظروف الا يلبي طموحات رئيسها. ويعتقد رئيس مجلس الأمة ونواب آخرون ان الحكومة الحالية لا تمثل تغييراً عن السابقة، وان تبدلت مقاعد أو خسر المجلس وزيراً نائباً. ما يعني ان التضامن الكامل في الحكومة ليس من النوع الذي كانت الحكومات الكويتية السابقة تعرفه. فضلاً عن ان الوزراء - ولا سيما النواب منهم - ينتمون الى تيارات مختلفة لا تلتقي برامجها ليشكل هؤلاء برنامجاً واحداً موحداً في وجه برنامج رئيس الحكومة مثلاً. ومثل هذا الأمر يعرقل الى حد ما نتاج السلطة التنفيذية فلا يكون عند المستوى المطلوب، ان لم يعطل أحياناً دورها في قضايا عدة. ويردد الكويتيون انهم كانوا يتوقعون مثلاً تغيير وزير العدل العنجري الذي وقف مع النواب في قضية الاختلاسات في الاستثمارات واحالة المسؤولين على القضاء، وهو شخصية مستقلة تحظى باحترام معظم التيارات. لكن الشيخ سعد ابقاه في وزارة العدل، بعدما كانت القضية تطورت، وسجل ولي العهد نقطة لمصلحته في الجدل الدائر. فالمعروف ان النواب، ومعهم وزير العدل، أصروا على تقديم الشيخ علي الخليفة الصباح وزير النفط السابق والمسؤول عن استثمارات الكويت في القطاعات النفطية على القضاء وأصدر الشيخ سعد بالفعل قراراً بإحالته على المحكمة ليخضع لقانون محاكمة الوزراء الذي كانت الحكومة اصدرته، أيام حل مجلس الأمة، ويعتبر النواب ان فيه "ثغرات"، لذلك تحركوا والغوه استناداً الى الدستور معتبرين ان للمجلس الحق في اعادة النظر في أي قانون تصدره الحكومة اثناء الاجازة النيابية، وان المجلس كان في "اجازة قسرية" ايام حله. وهكذا طويت الاحالة الاولى وكلفت محكمة عادية النظر في القضية، لكن محامي الدفاع استطاع استصدار حكم بأن لا صلاحية لهذه المحكمة للنظر في القضية وهكذا نقلت الى المحكمة الدستورية التي سيتوقف على قرارها مصير عدد من القوانين التي الغاها مجلس الأمة، لذلك فان القضية مرشحة لنوع من شد الحبال المتوترة، ما دام التغيير الوزاري لم يبدل كثيراً في الوضع. هبوط الحماسة في أي حال، ان مثل هذا الجدل قائم وتطاول سهامه الحكومة والمجلس، خصوصاً في الديوانيات "التي تؤثر في صنع القرار الكويتي" كما قال السعدون، ذلك انها تختصر كل الاتجاهات وقد تباعد بينها او تقارب، من هنا لا يخاف رئيس البرلمان على "مجتمع تتاح فيه حرية التعبير"، كما ان "الانتقادات ضرورية للمجلس والحكومة لمعرفة اتجاه الرأي العام". ويلاحظ رئيس مجلس الامة ان الرأي العام كان يبالغ في توقعاته من البرلمان، خصوصاً في قضية الاستثمارات ومسائل اخرى، لذلك يرى نائب بارز ان الممارسة السياسية في الشارع هبطت بعد الانتخابات البرلمانية، ذلك ان المواطنين كانوا ينتظرون انجازات اكثر. لكنه أكد ان ملف الاستثمارات "لن يقفل من دون عقوبات". وفي مواجهة المشكلة القانونية التي خلقها قانون محاكمة الوزراء بدأ النواب يستعدون لمناقشة قضية ساخنة أخرى هي استقلال القضاء عن باقي السلطات. ويرى هذا النائب، ومراقبون سياسيون، ان الاسلاميين لم يضعف موقعهم، كما هو ظاهر حتى الآن، بعد التغيير الوزاري الأخير، "علماً أنهم اقاموا ضجة لا يمكن ان تغطي الامتيازات التي حصلوا عليها من وظائف ومصالح، ذلك ان الحكومة تحالفت معهم - الى حد ما - لمواجهة التجار والقوميين والليبراليين". وأكد النائب، وهو من اركان "المنبر الديموقراطي" "ان التحالف بين الحكومة والاسلاميين لا يزال قائماً، لكن ثمة اطرافاً في السلطة بدأت تتخوف منهم، لذلك تحاول الحكومة الآن ضبط التبرعات غير المرخصة التي ينظمونها لدعم حركات اسلامية في الخارج". ولاحظ في هذا المجال انزعاجاً مصرياً واميركياً من هذه التبرعات. وأشار الى ان الحكومة "اكثر ليبيرالية وتقدماً من الاسلاميين، وهناك وزراء يتحدونهم علناً، كوزير التجارة ووزير النفط. مع ذلك يعتقد انه لم يظهر الى الآن ما يؤكد ان الاسلاميين ضعفت مواقعهم في التغيير الوزاري. لكنه تساءل: "هل بدأت الحكومة تخافهم فعلاً وهي ترى ان حجمهم يتنامى وشروطهم تتزايد؟" ومثلما تسمع في اروقة البرلمان انتقادات للاسلاميين، تسمع في الديوانيات عن بعض الممارسات المتشددة دينياً والتي لم يتعودها الكويتيون، لذلك ترى بعضهم يؤكد التمسك ب "الحرية الشخصية". وتمتلىء الصحف بمقالات جريئة تنتقدهم بشدة. يترسخ بعد كل هذا ان فكرة حل مجلس الأمة والدعوة الى انتخابات جديدة لم تلق قبولاً، على رغم "ان جهات في السلطة كانت ترغب في ذلك" على حد تعبير النائب، الا ان الامر بدا صعباً اذ ليس هناك مبرر مقنع يوجب اللجوء الى مثل هذه الخطوة. الديون ويعترف النواب بأنهم اخطأوا ايضاً في اقرار القانون الخاص بحلّ مشكلة الديون لوجود ثغرات فيه، لذلك ستشكّل اعادة النظر فيه محطة ساخنة. ويذكر ان القانون نص على طريقتين لسداد المدينون ما يترتب عليهم: الاولى بدأ تنفيذها الشهر الرابع من هذه السنة وتقضي بأن يدفعوا بالتقسيط. والثانية تنص على سداد مخفض للذين يرغبون في التسديد فوراً على ان يبدأ الدفع في الشهر التاسع من السنة المقبلة 1995. ولوحظ ان معظم المدينين اتجه الى اعتماد "التسوية الثانية" من اجل كسب الوقت لعل ظروفاً واوضاعاً تتغير! وهنا لبّ المشكلة - كما يرى كثيرون - فماذا لو حان موعد التسديد الفوري في ايلول سبتمبر 1995 وعجز المدينون او تظاهروا بالعجز وامتنعوا عن الدفع؟ ستكون كارثة الافلاسات الجماعية التي قد تخلق مشكلة كبيرة اذا كان عدد المفلسين مرتفعاً. وقال رجل أعمال كويتي كبير ل "الوسط" ان هذه الديون تبلغ نحو 4,5 بليون دولار بعضها من ذيول انهيار سوق المناخ مقسمة كالآتي: بليون في قطاع العقار، وبليون في قطاع التجارة، وبليون في المقاولات، و4,2 ديوناً شخصية. ولفت الى ان البنوك باعت ديونها الى الدولة. ولاحظ ظاهرة اخرى هي تسليف المصارف انفسها! وظاهرة ثالثة هي ان الجمعيات العمومية للبنوك تعفي في نهاية جلساتها مجالس الادارة من أي مسؤوليات قانونية، "وهذا لا يجوز اذ يجب محاسبة المجالس على اخطائها وغير أخطائها اذا أساء بعضها التصرف بأموال المودعين". وعندما سألته "الوسط" لماذا لا يطالب أعضاء الجمعيات العمومية بتغيير هذا الاسلوب، أجاب: "كل من يتكلم مسائلاً أو مطالباً بالتغيير يدرج في اللائحة السوداء!" والى هذه الديون الداخلية هناك الديون الخارجية المترتبة على الدولة من جراء الغزو العراقي وتبلغ نحو 5-6 بلايين دولار. فضلاً عن العجز في الموازنة نتيجة انخفاض اسعار النفط. كما ان سياسة التوظيف المستمرة ترهق الخزينة، وثمة جدل حول جدوى الاستمرار في التوظيف وسياسة ترشيد الانفاق... مثل الجدل القائم حول تدفق العمالة الاجنبية الذي يخل اخلالاً كبيراً بالتركيبة السكانية انظر اللوحة البيانية لاعداد الاجانب في الكويت. واستغرب مصدر سياسي أن يبدي أعضاء مجلس الامة حرصا على المال العام ومراقبته في حين يبدون كأنهم يقاومون سياسة ترشيد الانفاق. والمسألة هنا واضحة: النواب مهتمون بالانفاق في كل مجالات الخدمات والمشاريع لكسب رضا التجار والناخبين، مثلما لا تناسب أهل السوق لأنها تنعكس سلباً على تجاراتهم. ويعني ذلك في نهاية الأمر ان الممارسة الديموقراطية تتعارض مع الترشيد في الانفاق الى حد ما. وهذا وجه آخر من وجوه الصراع بين السلطتين التنفيذية والاشتراعية... وبين أركان "المثلث الصعب". ويزيد في تعقيد المشكلة هذا التداخل بين السلطتين. فما ساد قبل الغزو هو ان تشكل الحكومة من خارج البرلمان على ان تضم نائباً او اثنين، وألا يتجاوز عدد أعضائها ثلث اعضاء مجلس الامة 50 عضواً، ذلك أن الوزراء يصبحون تلقائياً أعضاء في البرلمان. أي ان الحكومة لا يتجاوز اعضاؤها عادة ال 16 وزيرا يشكلون كتلة تقف الى جانب رئيس الوزراء ما يعطيه كتلة برلمانية قادرة على الوقوف في وجه المجلس، خصوصاً اذا اضيف عدد من النواب الموالين الى صفوفها. لذلك كان التضامن في الوزارات السابقة أفضل منه الآن، بعدما ارتفع عدد النواب الموزرين 6 نواب في الوزارة الاخيرة انخفضوا الى 5 بعد التعديل ويذكر الكويتيون ان وزراء وقفوا في وجه رئيسهم في قضايا معينة، منها مثلاً معارضة وزير العدل الحالي التوجه الغالب في الحكومة في قضية الاستثمارات، ووقوف وزير النفط السابق علي البغلي موقفا مماثلا قبل ان يخرجه التعديل ليعود نائباً... وكاتباً معارضاً في احدى الصحف. كما ان النواب الوزراء يمثلون كتلا مختلفة في المجلس لذلك لا يلتقون على برامج واحدة... ولا يخلو العمل الحكومي تالياً من شد وجذب. ... وهكذا تتداخل عناصر "المثلث الصعب" السياسي والاقتصادي والامني، وتظل الكويت أسيرة هذا التداخل. واذا كانت قادرة على تجاوز صعوبات كثيرة ولا يزال أمامها الكثير، فان المستقبل يظل الى حد كبير رهناً بمستقبل النظام في العراق، بمستقبل الخصم الجاثم شمالاً، ويشعر الزائر بثقله عندما تتكرر عبارات في صفوف المسؤولين والمواطنين العاديين ان الحصار باقٍ وان التحالف الدولي متماسك. علما ان الانباء عن تحرك فرنسا والصين وروسيا وغيرها لاعادة النظر في العقوبات تقلق الكويتيين وان كانوا يؤمنون بأن موقف الولاياتالمتحدة كاف لتعطيل أي خطوة في هذا الاتجاه باستخدام الفيتو في مجلس الامن... ولكن ثمة من يتساءل: هل يظل الموقف الدولي، وحتى الاميركي، على حاله اذا قرر النظام العراقي اعلان رغبته في ركوب قطار التسوية في الشرق الاوسط بكل ما يعنيه من تطبيع مع اسرائيل؟