خدمة إلكترونية جديدة لإصدار جوازات «المحتضنين»    1,200 مصطلح متخصص في النسخة الثانية من «معجم البيانات والذكاء الاصطناعي»    أمير القصيم يرعى تكريم 27 من الطلبة الأيتام من حفظة كتابه الله والمتفوقين دراسيا    «بوسيل» ضحية تعنيف.. أم خطة ممنهجة لتشويه تامر حسني ؟    هيئة الاتصالات ل«عكاظ»: 166 ملياراً حجم سوق التقنية في السعودية    المواقف السعودية ثابتة لم تتزحزح    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يرأس الوفد المشارك في قمة الذكاء الاصطناعي    3.1 مليار لمستفيدي "حساب المواطن"    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    «الإحصاء»: المملكة تتصدر مجموعة ال20 في مؤشر الأمان    نمو الإنتاج الصناعي و"غير النفطية"    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة مؤسس الجمهورية    السودان.. الجيش يحاصر "المنطقة المركزية"    روسيا تشترط تلبية مطالب بوتين للتسوية في أوكرانيا    4 يهددون صدارة «الدون» هدافي دوري روشن    بعد إقالة أروابارينا.. نجل يوردانيسكو يقترب من تدريب التعاون    انطلاق بطولة" موسم الرياض للبادل P1″ على ملاعب "بوليفارد سيتي"    لحساب الجولة ال 21 من دوري" يلو".. العدالة يواجه الزلفي.. والجبلين في اختبار العربي    أمير الشرقية يتسلّم شهادة تسجيل "القرية الشعبية" ضمن موسوعة غينيس    نائب أمير مكة يطلع على خطة "التجارة" لرمضان    حادث يودي بحياة معلمة بالمدينة المنورة    إلزام المطاعم بتنظيم حركة مرور مندوبي التوصيل    الإنسان قوام التنمية    زار" خيبر" واستقبل المواطنين.. أمير المدينة: القيادة مهتمة بتنمية المحافظات والارتقاء بمستوى الخدمات    الموافقة على تأسيس أول جمعية في مجال الميتاجينوم والميكروبيوم    رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون: منتدى الإعلام ينسجم مع الرؤية    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    منع بيع التبغ في الأكشاك والبقالات    "هاربن 2025": "أخضر الكرلنغ" يكتسح تايلاند مُسجلاً الفوز التاريخي الأول في الأسياد الشتوية    القادسية يجدد عقد المدرب الإسباني ميشيل جونزاليس حتى 2027    الاتفاق يؤكد غياب لاعبه "موسى ديمبيلي" حتى نهاية الموسم    حرس الحدود ينقذ مواطنًا تعطلت واسطته البحرية في عرض البحر    NASA تطلق مسبار باندورا قريبا    أُسرتا مفتي ومؤمنة تتلقيان التعازي في فقيدهما    انطلاق فعاليات معرض الكتاب بجازان.. اليوم    Google عن Deepseek تقنيات معروفة ولاتقدم علمي    إيلون ماسك: سأستعمر المريخ    زهرات كريهة الرائحة تتفتح بأستراليا    فصيلة الدم وعلاقتها بالشيخوخة    علاج مبتكر لتصلب الأذن الوسطى    السعودية.. ومزايدات القضية الفلسطينية    النمر العربي.. حماية وإعادة توطين    27 اكتتابا جديدا متوقعا في 2025    ثانوية الحرمين تحتفل بذكرى يوم التأسيس    بشراكة بين جمعية السينما ومركز "إثراء"..    «هيئة الأدب» تختتم مشاركتها في معرض نيودلهي للكتاب    هزيمة النصر مطلب    "مفوض الإفتاء بعسير": يستقبل آل جابر المُعين حديثًا    جمعية الكشافة السعودية تُشارك في اللقاء الكشفي الدولي العاشر    أمير الشرقية يكرم المشاركين في مبادرة «خدمتكم فخر»    تريليون ريال مشتريات النقد الأجنبي خلال 3 أشهر    الديموقراطية الأمريكية بين رئيس الإبادة ورئيس التهجير القسري    أمير جازان يستقبل مدير الدفاع المدني السابق و المعين حديثاً    فجر السعيد: أعتذر للعراق وأعتزل النقد السياسي    مستشفى دله النخيل بالرياض ينقذ مريضة من ورم في الرقبة ممتد للقفص الصدري    حسن التعامل    تخريج الدورة التأهيلية للفرد الأساسي للمجندات الدفعة السابعة بمعهد التدريب النسوي    شعبان.. محطة إيمانية للاستعداد لرمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة الخارجية للسودان تراهن على الوقت !. الخرطوم : حدود مفتوحة القاهرة : جسور مفتوحة واشنطن : شروط للتطبيع
نشر في الحياة يوم 02 - 05 - 1994

بعد مرور نحو خمس سنوات على تسلم حكومة الفريق عمر حسن البشير السلطة في الخرطوم في 30 حزيران - يونيو 1989 يقوّم سفير سوداني متقاعد لا ينتمي الى حزب، السياسة الخارجية لبلاده في عهد "ثورة الانقاذ" بعرض النتائج التي حصدتها فيقول: "انضم السودان الى الأمم المتحدة مباشرة بعد استقلاله مطلع العام 1956 وكان البلد ال 54 في لائحة البلدان المؤسسة للمنظمة الدولية. ودانته العام الماضي مئة دولة ودولتان في الأمم المتحدة من اصل 189 دولة. ومع هذا يتجرأ على ممارسة الزهو والخيلاء فيقول اعلامنا الرسمي: لقد ساندت السودان 11 "دولة أيدت مواقفه"!
على المستوى الافريقي تحكم علاقات السودان بالدول الافريقية عوامل التوجس والريبة، ويغلب الحذر على ما عداه من مشاعر بين الخرطوم وغالبية العواصم الافريقية. ولا يستطيع السفير السوداني المتقاعد تفسير اهتمام مجموعة "ايغاد" دول المنظمة الحكومية لمكافحة التصحر والجفاف وتضم كينيا واوغندا واثيوبيا واريتريا وجيبوتي بملف جنوب السودان ومحاولة حل مشكلة الحرب الأهلية في بحر التفاوض، بأنه دليل على مساندة دول هذه المنظومة للحكومة السودانية بقدر ما يؤشر اهتمام "ايغاد" الى رغبة افريقية في معالجة الحالة السودانية خوفاً من انعكاساتها السلبية على بلدان الطوق المحيطة بالسودان.
على المستوى العربي عموماً يتوقف قادة المعارضة السودانية في الداخل، ومعهم عدد من اقطاب الحكومة السودانية، امام اصدار مجلس الجامعة العربية في 27 آذار مارس الماضي بياناً يساند وحدة التراب السوداني مفاده "ان حريق اكتوبر السوداني المندلع في جنوب الوطن بات يهدد بفعل رياح التدخلات الخارجية الأمن الاستراتيجي لمصر ودول أخرى في الجوار الاقليمي". ويرى هؤلاء ان بيان الجامعة ليس اعترافاً غير مباشر بموقف الحكومة السودانية وتسليفها مساندة هي في أمس الحاجة اليها، بقدر ما هو رسالة الى جهات دولية معروفة لتكف عن العبث في شؤون السودان "ذلك ان هذا البلد ليس ملكاً للجبهة الاسلامية القومية، ولا يجوز معاقبة البلدان بجريرة حكوماتها".
ووصف وزير الخارجية السوداني السيد حسين أبو صالح زيارة مادلين البرايت مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة للخرطوم في 29 آذار مارس الماضي بأنها "خطوة أولى مهمة لمعالجة المشكلات التي تعترض مسار العلاقات السودانية - الاميركية". وحدد ل "الوسط" هذه المشكلات كالآتي: "المزاعم الاميركية عن ضلوع السودان في مساندة الارهاب والتشجيع عليه، اتهام السودان بخرق مواثيق حقوق الانسان، الحرب الأهلية في الجنوب".
اما محادثات البرايت مع الرئيس البشير فعلق عليها أحد أبرز مستشاري الرئيس بالقول ل "الوسط": "على رغم مآخذنا على السياسة الاميركية والاضرار التي لحقت بنا بسبب تلك السياسة المعادية إلا ان الرئيس البشير قال للسيدة البرايت بوضوح شديد ان ليس هناك ما يمنع تطوير العلاقات وتحسينها بين بلدينا اذا كفت واشنطن عن رسم سياساتها حيال السودان استناداً الى تقارير غير صحيحة تعدها جهات اقليمية قد تتضرر من قيام علاقات طبيعية بين الخرطوم وواشنطن".
غير ان التفاؤل الذي ابداه وزير الخارجية السوداني بنتائج زيارة البرايت بددته تصريحات مصدر رفيع المستوى في السفارة الاميركية في الخرطوم قال ل "الوسط": "وضعت السيدة البرايت النقاط على الحروف في محادثاتها مع الرئيس البشير، اذ نقلت اليه اكثر الرسائل حدة موضحة ما ليس مقبولاً في ما يتصل بتسليم الاغاثة الى المتضررين في الجنوب، ومساندة الخرطوم للارهاب، وسجل السودان الضعيف في ما يخص حقوق مواطنيه".
وعلق أبو صالح على اتهام بلاده بمساندة الارهاب وخرق حقوق الانسان قال: "مللنا وأصبنا بالضجر من هذه الاتهامات. يعرف الجميع أين هي الجماعات الارهابية التي تمارس العنف. تعلم واشنطن اين يوجد حزب الله اللبناني وجماعة أبو نضال. اما حقوق الانسان فسجل السودان أفضل مئة مرة من سجل الولايات المتحدة في ما يخص حقوق الانسان. بلادنا مفتوحة لمن يريد التثبت مما نقول".
العلاقات مع أميركا
"العلاقات السودانية - الاميركية ليست جيدة على الاطلاق"، يقول لورنس بنديكت القائم بالأعمال في السفارة الاميركية في الخرطوم. ويعزو أسباب تدهورها الى "دعم السودان الارهاب الدولي ومساندته بكل الامكانات حرب الجنوب التي تحولت الى ما يشبه حرب الاستنزاف وتتسبب في مشاكل معقدة لمئات الآلاف من الجنوبيين، حقوق الانسان التي تشكل المجال الأوسع لتوجيه الانتقادات الى الحكومة السودانية". وساق ل "الوسط" عدداً من الأدلة، قال: "الا يكفي الاشارة الى التسهيلات الكبرى التي يقدمها السودان الى منظمات ارهابية مثل جماعة أبو نضال وحماس والجهاد الفلسطيني؟ كل هذه المنظمات افتتحت مكاتب لها في الخرطوم وتحظى بتسهيلات تمكنها من مواصلة عملياتها الارهابية في مناطق أخرى. بالأمس انفجرت عبوات ناسفة في اسرائيل، قامت بها منظمة لها وجود منظم وعلني في الخرطوم. اما الحدود السودانية فمفتوحة أمام من يود الدخول. وكل المجموعات الارهابية تستطيع الدخول، وليس ضرورياً ان تعلم الحكومة السودانية بذلك. ان الغاء نظام التأشيرة للعرب والمسلمين حوّل السودان جنة وملاذاً آمناً لمجموعات يشكل وجودها في الخرطوم مصدر قلق دائم لنا، ويعود بالضرر البالغ على الحكومة السودانية".
اما موضوع معسكرات التدريب في الخرطوم فيقول بنديكت: "نحن لم نتحدث عن معسكرات تدريب تستخدمها هذه الجماعات. ان التدريب على صنع متفجرة وزرعها لا يحتاج الى معسكر". ويرد أبو صالح على مثل هذا الاتهام فيتساءل: "ما هو التعريف الحقيقي لمفهوم الارهاب؟ الجماعات التي تلصق بها صفة الارهاب انما هي مجموعات مناضلة لنيل استقلالها على ترابها الوطني بالطرق التي ترى انها تمكنها من ذلك. السودان بلد مستقل وصاحب سيادة ولا نستطيع قبول نصائح الآخرين عن السبل المثلى لرسم سياستنا الخارجية. نحن نرحب بدور فعّال للادارة الاميركية لحل مشكلة الجنوب شرط احترام قرارنا الوطني وعدم التدخل في شؤوننا. ان المساعدات الجمة للمتمردين أدت الى تحول التمرد في الجنوب حرب استنزاف يتحسر السيد بنديكت على ما تسببه للسكان المدنيين من كوارث. نحن نعلم ان عدداً من دول منظومة "ياف" يدعم حركة التمرد. وحادث الطائرة المحملة بالأسلحة من اسرائيل الى المتمردين كشفت خبايا خطيرة. مع هذا لم نرفض وساطة "ايغاد" ونصر على متابعتها حتى النهاية".
ويرى الدكتور علي الحاج، وزير الحكم الاتحادي المشرف المباشر على ملف المفاوضات الخاصة بالجنوب "ان الولايات المتحدة تناصب السودان العداء بسبب توجهه الحضاري الاسلامي". ويرفض بنديكت هذا التفسير ويعتبره "تبسيطاً غير دقيق للحقيقة"، يقول: "قد تكون هناك جهات عدة في الغرب لا تنظر بارتياح شديد الى التجربة السودانية، اما نحن فلسنا في وارد مطالبة السودان أو أي بلد آخر باعتماد نظام سياسي يقلد النظم السياسية المتبعة في اميركا أو بريطانيا. نحن لسناد ضد ان يكون الاسلام ملهماً أساسياً لنظام الحكم شريطة ان نحترم حقوق الانسان، وحقوق غير المسلمين في التعدد والاختلاف. وقبول فكرة الاختلاف والتعدد في اطار الوحدة الوطنية يشكل المنطلق الحقيقي لحل مشكلة جنوب السودان".
راسبوتين!
الحدود المفتوحة التي "حولت السودان الى ملاذ آمن لكل مطارد في وطنه عقاباً له لأنه اختار الاسلام عقيدة ونهج حياة نعرف سلبياتها وحسناتها في آن"، يقول الدكتور نافع احمد نافع، "راسبوتين السودان"، كما قدمه الى "الوسط" الدكتور غازي صلاح الدين، وزير الدولة في رئاسة الجمهورية السودانية. وأضاف نافع: "انا اعرف ان عدداً كبيراً من المسلمين الذين يتوافدون على الخرطوم يعملون لدى أجهزة الأمن في بلدانهم ويدعون أمامنا انهم يعارضون حكوماتهم. مع هذا نحن راضون ولا نوصد أبوابنا. هل تعرفين لماذا؟ نحن أمة تتدفق عليها أمواج بشرية من اللاجئين من دول الجوار. وحرصاً منا على عدم الاخلال بالتوازن الدقيق في بلادنا من جراء ظاهرة اللجوء البشري قبلنا بسياسة فتح الأبواب لاخواننا العرب والمسلمين بهدف اقامة التوازن. نحن محاطون بتسع دول افريقية ذات غالبية غير مسلمة او وثنية. وبسبب عدم الاستقرار السياسي في عدد من الدول المحيطة تتدفق أمواج الهجرات البشرية عبر حدودنا التي يستحيل ضبطها مع هذه الدول نظراً الى الطبيعة القبلية الغالبة على مجتمعات هذه البلدان، وظاهرة التداخل القبلي عبر الحدود السياسية للبلدان الافريقية".
اما السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المحظور فله وجهة نظر مختلفة. وقال لپ"الوسط": "نحن حرصنا على حرية القرار الوطني. وكان توجهنا العام اسلامياً. ولم يؤدِ ذلك الى حال الجفاء القائمة حالياً بين واشنطن والخرطوم. الغينا مناورات النجم الساطع مع الولايات المتحدة وانهينا التسهيلات الممنوحة لقوات التدخل السريع في صورة مستودعات في بورتسودان. ومع هذا حافظنا على علاقات طبيعية مع واشنطن على رغم الحذر الذي تسبب فيه حرصنا على اقامة علاقات طيبة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية ومع ليبيا. ان هذه الحكومة استعدت اهلها قبل ان تستعدي الولايات المتحدة وغالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. ان سياسات النظام السوداني واعلامه القصير النظر جعلت سياساته الافريقية مرتبطة بسلوك النظام ازاء مشكلة التمرد في الجنوب. اذا قلنا في الخرطوم اننا نجاهد في الجنوب تحت راية لا اله الا الله، ومن نواجههم هم اخوتنا وابناؤنا، فإننا نكون استعدينا المحيط الافريقي المسيحي المجاور لنا: اريتريا وكينيا واوغندا وزائير وافريقيا الوسطى. واذا استعدينا هذه الدول كيف نستغرب ان تصبح عدوة لنا وتقدم العون الى العقيد قرنق ورفاقه، فيما نحن نرسل كتائب المجاهدين وقوات الدفاع الشعبي الى جنوب الوطن تحت راية الجهاد. الجهاد ضد من؟ لا سبيل للتخلص من العزلة التي يعيشها السودان اقليمياً ودولياً الا باحداث اصلاح جذري".
ويتساءل الوزير صلاح الدين: "من يصدقني اذا قلت انني لم اذهب الى طهران حتى الآن، لا انا ولا الدكتور نافع؟ توجه الينا الاتهامات بأننا تأثرنا بالنموذج الايراني وأن التجربة الحضارية في بلادنا تسير على خطى التجربة الايرانية".
وردت "الوسط" ان ثمة من يعتقد بأن سياسة "التأصيل" والحفاظ على "الهوية الاسلامية بتطبيق سياسة الحدود المفتوحة" عادت على السودان بنتائج سلبية اقلها عزلة دولية مبعثها الخوف والريبة. فعلق الدكتور نافع: هذا شيء جميل ان يخافك ويخشاك الآخرون"!
وتطرق المهدي الى هذه السياسة في لقاء مع "الوسط"، قال: "جمع الدكتور حسن الترابي حوله كل اشكال جماعات التطرف والعنف بقصد استخدامها ورقة ضاغطة لتطوير علاقات السودان مع الغرب من منطلق انه يستطيع ممارسة التأثير والاقناع على هذه الجماعات. وما تحقق الى الآن يثبت ان الجبهة الاسلامية حصدت خلاف ما تمنت: استغلت هذه الجماعات السودان لخدمة مصالحها الخاصة. فخلال انعقاد الدورة الثانية للمؤتمر الشعبي العربي الاسلامي - في الأسبوع الأول من كانون الاول ديسمبر الماضي - زارتني كل الوفود التي لبت الدعوة فحضرت الى الخرطوم. وصعد ممثلو جماعات العنف والتطرف الى المنابر واستغلوا المناسبة بهدف الدعاية لقضاياهم. ولم يحقق السودان فائدة واحدة متواضعة من هذا الملتقى الذي بلغت نفقاته مليارات الجنيهات. حتى الوفود التي لبت الدعوة كانت متواضعة المستوى، وتمثلت هذه الجماعات بالشخصيات التي ترأس مكاتبها في الخرطوم. فبرهان الدين رباني كان يزور القاهرة حين عقد المؤتمر وتمثلت جماعته بقيادات من الدرجة السابعة"!
اريتريا
وواجهت "سياسة الحدود السودانية المفتوحة" حملة اتهامات وجهها الرئيس الاريتري اسياس افورقي، مطلع العام الحالي، عندما أعلن ان جماعات متطرفة شنت هجمات مكثفة على قرى ونواحٍ داخل بلاده منطلقة من الأراضي السودانية. وتزامنت اتهاماته مع اشاعات سرت في اوساط اجهزة الاعلام القريبة من السلطة في نيروبي. اذ جاء في تقرير اخباري نشرته صحيفة "ستانورد" الكينية، في 19 كانون الثاني يناير الماضي، ان مخططاً سرياً ستنفذه جهات رسمية سودانية لزعزعة الأمن والاستقرار في كينيا. ورد الوزير ابو صالح على هذه الاتهامات، قال لپ"الوسط": "لم يدر في اذهاننا ان يعمد اسياس افورقي الى اتهامنا زوراً بهذا الأسلوب المكشوف بعد كل ما قدمه السودان من تضحيات ومساندة الى الشعب الاريتري الشقيق حتى نال استقلاله. عندنا 700 ألف لاجئ اريتري يقيمون داخل معسكرات، ويحملون بطاقات مسجلة لدى المفوضية العليا للاجئين. ولدينا قرابة 200 ألف لاجئ اريتري غير مسجلين لدى الأمم المتحدة، الى جانب عشرات آلاف يقيمون بصفة عادية في بلادنا ويعملون ونتقاسم معهم لقمة الخبز. واذا شنت مجموعة هجمات على قرى داخل الحدود الاريترية، فإن على افورقي ألا يحملنا المسؤولية الأولى في ذلك. نحن لا نستطيع ضبط تحركات هؤلاء ورصد ما يقومون به. الحل النهائي ينبغي ان يبدأ بالاعداد لترحيل هؤلاء اللاجئين واعادة توطينهم في قراهم. لقد ابرم اتفاق ثلاثي بين السودان واريتريا والولايات المتحدة، لم ينفذ الى الآن. نحن نتحمل 60 في المئة من نفقات اللاجئين. ومع ذلك تطلب منا اريتريا ان نتحمل مسؤولية ما يقوم به مواطنوها عبر حدودنا المشتركة! هؤلاء هم رعاياها فلتسعى الى ترحيلهم واعادة توطينهم. نحن لا نحتاج الى هؤلاء. لدينا فائض من مواطنينا، اضافة الى ملايين اللاجئين. وعلى رغم ذلك ان ما بيننا وبين الشعب الاريتري من صلات يساعد على معالجة هذه الأزمة الطارئة. اما ما نسب الينا من اعمال في كينيا فهو لغط وهواجس غير معقولة. ولا مصلحة لنا في زعزعة الاستقرار داخل بلد شقيق وجار. ثمة من يسعى الى نسف علاقاتنا مع دول مجموعة ايغاد لتعطيل حل مشكلة جنوب السودان".
عن علاقة اوغندا بملف الجنوب السوداني قال الدكتور علي الحاج ل "الوسط": "نحن نعلم بعمق علاقة الصداقة القائمة بين الرئيس يوري موسيفيني والعقيد جون قرنق. مع هذا قبلنا وساطة موسيفيني في لجنة ايغاد. ومع جولة المفاوضات الاولى برعاية ايغاد في نيروبي انكشفت فضيحة طائرة الاسلحة المرسلة الى قرنق من اسرائيل عبر اوغندا".
اما موضوع المخططات لزعزعة الاستقرار في كينيا، فعلق عليه وزير الخارجية السوداني: "كينيا تدرك خطورة استمرار الحرب من دون حل في جنوب السودان. وتعلم يقيناً ان الخرطوم لا تتواطأ ضد استقرار جيرانها، ذلك ان عدم الاستقرار في كينيا يهدد الامن والسلامة في السودان والمنطقة بأسرها. لذا استضافت نيروبي جولتي مفاوضات لحل مشكلة التمرد في الجنوب.
مصر
ان سياسة "الحدود المفتوحة" واعتماد مضادات الترويع" من خلال الامساك بورقة الجماعات المتطرفة قد يكونان في اساس الجفاء المتواصل بين القاهرة والخرطوم، حتى تحول ملف مثلث حلايب الحدودي الى ما يشبه المؤشر لقياس درجة الحرارة والبرودة بين البلدين. مع هذا يلاحظ ان القاهرة التي تقيم فيها قيادات المعارضة السودانية حرصت على عدم منح هذه القيادات صفة اعتبارية معينة تميزهم عن مئات الآلاف من المواطنين السودانيين المقيمين في مصر والذين يتمتعون بحرية العمل والاقامة اسوة بغيرهم من المصريين. فعلى سبيل المثال لم يستقبل مسؤول مصري رفيع المستوى الى الآن السيد محمد عثمان الميرغني، زعيم الحزب الاتحادي الديموقراطي المقيم في القاهرة معظم الوقت على رغم الاستقبالات التي يحظى بها الميرغني في عواصم عربية اخرى. ومنعت القاهرة المعارضة السودانية من تشغيل محطة اذاعة باتت جاهزة للبث منذ مطلع العام الماضي. وعقد اكثر من اجتماع قمة افريقي في العاصمة المصرية ولم يحصل العقيد جون قرنق، على رغم الحاحه، على تأشيرة للمشاركة في القمم الافريقية، ولو بصفة مراقب. والحاح قرنق على زيارة العاصمة المصرية تفوقه بكثير رغبة زميله رياك مشار، زعيم "الحركة الشعبية المتحدة لتحرير السودان" لمخاطبة المسؤولين المصريين "ومناقشتهم في المسافة التي يحرصون على ابقائها بينهم وبيننا".
وكان مشار كشف في لقاء خاص مع "الوسط" في لندن، مطلع العام الحالي انه وسّط الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر لاقناع المصريين بفتح حوار معه غير انه لم يوفق. وحاول التوسط لدى الدكتور بطرس غالي الأمين العام للأمم المتحدة "حتى تقبل القاهرة بأن تمنحنا فرصة لعرض وجهة نظرنا. غير اننا لم نوفق في ذلك". في المقابل يلاحظ المراقبون ان كل اللقاءات والندوات التي ينظمها "التجمع الوطني الديموقراطي" المعارض للحكومة السودانية، تعقد خارج الأراضي المصرية. ذلك ان مصر ابقت على سياسة "الجسور المفتوحة" مع السودان على رغم سياسة "الحدود المفتوحة" التي اعتمدتها الخرطوم. وردت في الوقت المناسب على سياسة "الترويع" التي ينظر لها الدكتور نافع، حين مكنت مجلس الجامعة العربية من اصدار بيانه المؤيد لوحدة التراب السوداني في 27 آذار الماضي. وقبل صدور هذا البيان الذي شكل أول اختراق ديبلوماسي عربي للسودان منذ حرب الخليج الثانية، كان وزير الخارجية المصري السيد عمرو موسى صرح في 26 شباط فبراير الماضي بأن القاهرة "لا يمكن ان تقبل باستمرار المساعي القائمة لفصل جنوب السودان. فالقاهرة ابلغت جهات معنية رفضها القاطع هذه المساعي". واوضح ان الخرطوم والقاهرة تنسقان للحيلولة دون فصل الجنوب "لأن فيه مساساً بالأمن الاستراتيجي لمصر والسودان معاً".
موقف مصري ثابت
وقال مصدر ديبلوماسي مصري رفيع المستوى في الخرطوم ل "الوسط" ان موقف بلاده في قضية الجنوب "لم يتبدل لحظة واحدة، فالقاهرة تساند وحدة السودان وكل البلدان العربية، بالمقدار نفسه الذي تساند به وحدة العراق. وهذا الموقف المساند ثابت لا يتبدل بتبدل مزاج العلاقات الثنائية".
اما الاسباب التي حملت القاهرة على اعادة التذكير بموقفها الاستراتيجي من جنوب السودان، على رغم الجفوة القائمة بين البلدين فتحدّث عنها الى "الوسط" الدكتور حسن جاد الحق السفير المصري لدى الخرطوم: "أياً كان حجم الخلافات بين مصر والسودان، فان التزام مصر مساندة وحدة التراب السوداني لا يتبدل. هذا الموقف يستند الى سياسة مبدئية اعلنتها القاهرة في اكثر من موقع، سواء على لسان الرئيس مبارك أو على لسان الوزير عمرو موسى. والحفاظ على وحدة السودان ليس مجاملة ولا من قبيل التودد، انه موقف ثابت بمعزل عن الحكومة القائمة في الخرطوم. وقد يخال كثيرون - وقد يكون بينهم ساسة سودانيون - ان العلاقات غير الطبيعية حالياً بين القاهرة والخرطوم قد تدفع مصر الى تجاهل اي توجه معادٍ يستهدف وحدة السودان. لذا قررت الحكومة المصرية اعادة التذكير بثوابت سياساتها الاقليمية خصوصاً حيال السودان. فنحن في عالم يسعى الى التوحد. ومهما تدهورت العلاقات بين القاهرة والخرطوم لا يمكن ان تقبل مصر بأي توجه لفصل جنوب السودان، لا بل ستتصدى لأي محاولة للتطاول على وحدة السودان. ونحن نذكر العالم كله بهذه السياسة الثابتة لئلا يظن احدهم انه يسهل تقطيع اوصال السودان ما دامت الجفوة قائمة بينه وبين مصر".
والتنسيق الذي تحدث عنه وزير الخارجية المصري، ولم يحدد حيثياته ومواصفاته. قال عنه السفير جاد الحق: "التنسيق متواصل منذ تسلمت مهماتي في السودان قبل ثلاث سنوات، ومن قال انه انقطع لحظة واحدة؟ عدم تطوير هذا التنسيق لا يعني انه ليس قائماً في الاساس. نحن نشجع اي جهد لحل مشكلة جنوب السودان، ونطالب القوى الاقليمية والدولية ببذل الجهود لانجاح الوساطات القائمة". ورفض الحديث عن اسباب الخلاف بين القاهرة والسودان "لأن الحديث عن المشاكل يؤدي الى تفاقمها والافضل ان نتحدث عن امكانات تطوير العلاقات".
وفي المجال نفسه قال وزير الخارجية السوداني ل "الوسط": "الهواجس التي كانت قائمة لدى اخواننا في مصر غير مبررة. لا نريد لانفسنا كحكومة ان ينسب الينا اننا عشنا حقبة لم تكن فيها العلاقات طيبة مع القاهرة. اما حلايب فمشكلة تبرز كلما اتسعت فجوة العداء بين البلدين". ورحّب بموقف القاهرة المساند لبلاده وتمنى "ان يترجم الموقف المصري الى مواقف عملية تعزز التنسيق لانجاح التضامن العربي". وقال الدكتور علي: "نتمنى ان يتحول موقف القاهرة الاعلامي المؤيد للسودان ووحدته الى موقف سياسي متقدم. وصدور بيان الجامعة العربية مسألة طيبة. الا ان عدداً من الدول العربية يمنح المتمردين المساعدات والمساندة والقاهرة تعلم ذلك. ونأمل بأن تقف الجامعة العربية موقفاً اكثر ايجابية وأبعد بكثير من حدود المساندة اللفظية".
وسألت "الوسط" الوزير علي الحاج هل يرغب في شطب كلمة "اعلامي" واستخدام وصف آخر للموقف المصري حرصاً على التحسن الذي طرأ على العلاقة بين البلدين بعد صدور بيان الجامعة، فرفض قائلاً: "هو موقف مساندة اعلامي مش كده"؟ واجبته: "انت الجهة المخول اليها اختيار وصف مناسب للموقف المصري". وانتهى اللقاء مع الحاج، وفي الذاكرة سؤال لديبلوماسي عربي قال لپ"الوسط" في نهاية جولتها في السودان: "هل استطعتم تحديد مرجعية معينة في هذا البلد يمكن الاشارة اليها"؟
وعلق الوزير صلاح الدين على احتمالات ما يتردد عن مصالحة وطنية في السودان وحظوظها من النجاح، فتساءل: "اي مصالحة؟ انتهى زمن المصالحات الثنائية والجماعية. السودان تحكمه اجهزة لا افراد. انتهى زمن الاشخاص".
"حدود مفتوحة" وسياسة "ترويع" وحكم اجهزة والسودان يقف على مفترق طرق خطرة تتطلب منه حشد اكبر عدد من الاصدقاء بعدما عزّ زمن الاصدقاء واستفحل زمن العزلة. و"صحح" وزير الخارجية السوداني ما حملته "الوسط" اليه من انطباعات، قال: "نحن نقيم علاقات جيدة مع دولة الامارات العربية المتحدة وقطر وسلطنة عمان. الشيخ الترابي لبى دعوة رسمية وجهتها اليه الحكومة القطرية في رمضان الماضي. وانا زرت عمان والامارات وثمة انفراجات اخرى قريبة. ليس صحيحاً اننا نعاني من العزلة عربياً. نحن نريد الحفاظ على استقلال قرارنا الوطني. وبعض الجهات الاقليمية لا يقبل ذلك على قاعدة ان السودان المستقل القرار والارادة يخل بالموازنات الاقليمية. وكل ما يقال عن موقفنا من حرب الخليج الثانية مجرد ذرائع. وعلى رغم ذلك رحبنا بموقف الجامعة العربية المساند للوحدة السودانية، ورأينا فيه بداية لعودة التضامن العربي".
وتلاحظ "الوسط" ان كبار المنظرين للتجربة السودانية "ذات التوجه الحضاري" يراهنون على عامل الوقت، انطلاقاً من حتمية قبول تجربتهم بكل خصوصيتها "كأمر واقع". لكن الرجل الثاني في السفارة الاميركية في الخرطوم يقول: "هذه اقوى حكومة عرفها السودان منذ الاستقلال على رغم المشاكل الضخمة التي تواجهها". ولا يفصح لورنس بنديكت عن مقومات قوة الحكومة الحالية. وعندما سألته "الوسط" عن رأيه في البديل، "التجمع الوطني الديموقراطي"، اجاب: "عن اي معارضة تتحدثين؟ ان احد ابرز معاناة المواطن السوداني عدم وجود البديل المناسب لحكم البلد في حال سقوط الحكومة الحالية". ورأي الصادق المهدي في المعارضة لا يختلف كثيراً عما يقوله الديبلوماسي الاميركي، فهو يصف التجمع بأنه "مجرد لافتة، وغالبية قياداته منقطعة في الخارج عن جماهيريها في الداخل". ولا يرى رئيس الوزراء السابق المخرج الصحيح من مشاكل السودان الا في سيناريو على الطريقة الساندينية في نيكاراغوا: "مصالحة وطنية شاملة تشارك فيها كل الاطراف، تسفر عن تشكيل حكومة انتقالية تتولى اجراء انتخابات عامة في البلاد وتسلم السلطة الى ممثلي الشعب في حضور مراقبين حياديين يختارهم الجميع".
وتشاطر كل قيادات السودان غير المشاركة في السلطة، ومعها المثقفون في الداخل، الصادق المهدي في تصوره لاسلوب الحل السانديني لتقويم "السلبيات والكبائر" التي وقعت في محظوراتها "التجربة الحضارية السودانية". واكثر ما يؤلم المواطن السوداني المكافح لنيل خبز يومه اداء المعارضة الخارجية، وهي تلح على الاسرة الدولية كي تطبق حصارها الاقتصادي غير المعلن على السودان. "الحكومة لن تجوع، وقادة الجبهة يتدبرون امورهم، نحن الذين ستجلد ظهورنا سياط الحظر الدولي. هل يعتقد قادة التجمع الوطني الديموقراطي اننا لا نعرف ما يجري في الخارج؟ نحن نعرف كل ما يقومون به من ممارسات تبعدنا عنهم". المعارضة السودانية في الخارج اذا كانت "لافتة" كما يقول شيخ المعارضين المرابط في منزله في ام درمان، فان هذه اللافتة نجحت في تأليب الرأي العام الدولي على الحكومة السودانية من خلال كشف ما يجري في الداخل، ولكن هل هي لافتة تؤشر الى الاتجاه الصحيح؟ وهل يصدق المواطن العادي ما تقوله هذه اللافتة؟
المساعدات الاميركية للسودان
توفقت عام 1990 عدا معونات الاغاثة
السنة المبلغ بالجنية السوداني
قروض العون الاميركية
للائتمان / سلع زراعية
86/87 71.3
88/89 202.5
89/90 8.8
الوكالة الاميركية للتنمية
86/87 22.7
88/89 17.1
89/90 37.3
المساعدات من السوق الاوروبية المشتركة للسودان
توقفت في تشرين الاول اكتوبر 1989
السنة المبلغ باليكيو ecu
1989/1990 256.2 مليون
المعلومات عن بنك السودان وعن "السودان وصندوق النقد الدولي" الدكتور محمد هاشم عوض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.