بطلة المسلسل المكسيكي "ماريا مرسيدس" الذي أخلى شوارع لبنان من السيارات عند عرضه لن تحظى بالتعاطف الباكي نفسه إذا خرجت من الشاشة. بطلات المسلسلات المصرية يعرفن المجد نفسه إذ يسهل التماهي مع شخصية وهمية تثير الجانب الطيب فينا والشفقة على الذات وإن خالفت أحياناً المعايير الأخلاقية التي تحكم حياتنا. التساؤل عن أسباب قسوتنا تجاه الأشخاص الحقيقيين، سواء كنا نعرفهم أو لا، غير مجدٍ، والجواب معروف. ولا يتعلق الأمر بمستوى ثقافي معيّن أو خفة أو سهولة، فمن الذين يتابعون أمثال هذا المسلسل في الغرب وهو النموذج الحضاري أكاديميون لا يشك أحد في ذكائهم وجديتهم إلا بعد اكتشاف اهتمامهم بالأعمال الفنية الشعبية. حديث الصحافة الانكليزية عن كثرة الأفلام الباكية في هذا الموسم واستغلالها الجمهور عاطفياً قد لا يكون أكثر من ملاحظة لأن هذا لا يرفض بالضرورة هذا الاستغلال أو يعتبره رخيصاً. نقاد كثر اعتبروا أداء سير أنطوني هوبكنز في "شادولاندز" الأفضل له وتوقفوا عند مشهد بكائه على سرير جوي غريشام التي توفيت بعد اصابتها بالسرطان. هذا الرجل البارد يعترف بأنه يكره الدموع لأنها غادرة وتفقده السيطرة، لكن بعض دموعه كان حقيقياً لأنه فكّر أثناء التصوير في زوجته الحقيقية وما قاسته منه طوال زواجهما. والشاعر سي. أس. لويس الذي يتحدث الفيلم عن حياته تساءل بعد موت زوجته عما إذا كان هناك أبشع من وجه رجل شوّهه البكاء ونفخه. نندم بعد البكاء لأنه يحط من قدرنا وكرامتنا ويوحي قصورنا وعجزنا، لكن ألا نمنحه فائدة الشك على الأقل؟ إنه أسهل بالطبع من الضحك، وهو يمنحنا فرصة التحرر من الانفعالات المضغوطة والعودة المريحة الى البساطة والصدق بصرف النظر عن تعقيدات المكانة ومتطلبات القوة والرجولة. "إبك مثل النساء مِلكاً مضاعاً لم تدافع عنه دفاع الرجال" قالت الأم لابنها، آخر أمراء بني الأحمر في الأندلس في 1492. عيّرته بشبهه بها وأدانت جنسها علماً ان البكاء علاج نفسي وان النساء أكثر احتمالاً وأطول عمراً من الرجال، وعلى الدراسات المتناقضة أبداً أن تعلمنا بما إذا كان للبكاء فضل في ذلك. بعض الأوروبيين لم يأنف البكاء في القرن التاسع عشر وموت نل الصغيرة في The old curiosity shop لتشارلز ديكنز أبكى رجالاً بينهم النائب دانييل أوكونل الذي رمى الكتاب من نافذة القطار وصاح: "ما كان يجب أن يقتلها". البكاء اليوم عيب كما كان في المجتمعات البدائية، لكنه "طبيعي" وسهل عند النساء فيما دمعة الرجل غالية ومؤثرة لما فيها من ايحاء بعظمة الأمر وتنازل القوي. نسلك كما لو كانت الدموع خسارة تضاف الى الخسارة، وهي دفاع نعرف حدوده وكثيراً ما ننهيه بالضحك العفوي والعصبي. انطوني هوبكنز رشح لجائزة أوسكار ثانية ولم تؤذه الدموع على الرغم من أنه لم ينلها. زميله توم هانكس تحدث بصوت متهدج بعد فوزه ولو بكى لكانت عبراته حدثاً أهم من التمثال الصغير في لحظات الصدق تلك التي يصعب التمثيل فيها.