"المشاهق"في المحكية السعودية هي المرحلة التي تلي بكاءً مراً وحقيقياً، وفيها يكثر الشهيق بعد أن حبس البكاء الأنفاس، ولم يتبق من الدموع ما يكفي لتكملة"البكوة"وهو كان ينتشر عند الصغار أكثر، ثم النساء، وأخيراً"الخناشير"الذين نادراً ما يغسلون أرواحهم بالبكاء، لكنه أخيراً بات ينتشر عند الآباء أكثر في كل مرة يزورون السوق لشراء المواد الغذائية، أو الصيدلية لشراء الدواء، أو عندما يرون صورة مستنزف أموالهم تتصدر صفحة عقارية! وبعد موجة الغرام التركي في الدراما بات الكثيرون يدلفون إلى بيوتهم ويجدون أمهاتهم أو زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم"يشاهقون"تأثراً بمقطع من المسلسل، ولم أتابع هذه المسلسلات لكني تابعت مسلسل ارتفاع استهلاك المناديل، وبالتالي أسعارها وخمنت أن السبب هو أن مستثمراً تركياً انشأ مصنعاً جديداً وانفق موازنة التسويق في إنتاج مسلسلات حزن من ألف حلقة ومنحها للفضائيات مجاناً! أيضاً لم استبعد نظرية المؤامرة، فبعد أن كانت الجدات يدعون على إسرائيل، بات بعضهن من فرط الحماسة والتأثر يوجهن دعواتهن على الأشرار في المسلسل. وبهذا التغير لا بد أن تتغير أغنية راشد الماجد إلى"المشاهق راح"على اعتبار أن مسببات البكاء باتت فضائية صرفة، وصارت الدمعة رخيصة فقيمتها مقطع في مسلسل"مدبلج"ولا اعرف كيف تتفاعل النسوة مع شيء يقدم لهن بثقافة كلامية تختلف عن الثقافة التي يرينها أمامهن، ربما لأن الإنتاج الدرامي التركي ارخص أو لأن الجمال التركي أعيد اكتشافه، أو لعل تركيا تعمل خطة بديلة لعدم انضمامها للاتحاد الأوروبي وستنضم لاتحاد الفضائيات المملوكة لخليجيين، وإجمالاً يمكن القول إن هذه الموضة الدرامية هي ما يطلبه"المشاهقون"! عادة يدفع المشاهير الضريبة وفي حال هذه المسلسلات دفع الجمهور للمشاهير ضريبة"الشهقة"وحققوا مكسباً مزدوجاً، فالحجوزات إلى تركيا ومن كل المحطات الخليجية"فول بوكتد"وهذا ربما يقودنا إلى اشتراك مستثمري السياحة مع راعي المناديل الذي لم يؤشر لأحد ويقول انه"ماشي"لكن الجميع أشار إليه بأصابع الإعجاب. وعوداً على الشهقة، ففي الماضي يشاهق الطفل يوماً كاملاً للحصول على حلاوة مصاص، واليوم بقيت الشهقة وتحولت الحلاوة إلى سيارة دفع رباعي من نوع همر، ولعل من ايجابيات الغلاء أن قام مصنعو الألعاب بصنع عينات لسيارات الهمر، واللكزس، يمنحها الآباء لأبنائهم تصبيرة حتى ينحسر الغلاء بعد عقدين من الزمن بحسب تقديرات صاحب محل البقالة المجاورة لمنزلنا، وللمعلومة فقط فإن بعض تقديراته الاقتصادية أدق كثيراً من جهات يفترض أن لها علاقة بالاقتصاد والتضخم، والدليل انه يرفع الأسعار قبل أن ترتفع حقيقة في الأسواق"العالمية"! المرأة محترفة"مشاهق"وهو من فطرتها، ويمكن أن تكون محال التجميل وعياداته وصالونات بيروت وباريس قد أوجدت تسريحة خاصة للمشاهقات وهي نسخة مطورة من تسريحة ومكياج العزاء التي قرأنا عنها في المجلات والصحف، وتسريحة الشهقة ينبغي أن تعكس الحال النفسية السيئة التي تعاني منها المرأة لأن"سي السيد"نسي تاريخ ذكرى الزواج لابنة أخت زوجته! وأخيراً فكما تغيرت الابتسامات والضحكات وبهت معظمها، لا بد أن يتغير"المشاهق"بدوره فلقد فقد مثلاً تلك الشهقة الأخيرة الطويلة المتقطعة التي تقطع نياط القلب وأصبحت رسالة جوال أو رنة منه تنسي الباكية والباكي ما كان يبكي من أجله، وهنا لا أود إشراك شركات الاتصالات في الموضوع حتى لا اتهم بأني من المحللين الماليين الذين اعتقد أن الخطأ ليس في أرقامهم، بل في نطق اسمهم، فالمفروض أن ينطق بفتح اللامين لا بكسرهما لان الواقع يقول بذلك! [email protected]