الى أي مدى يحق للأهل ان يقرروا بأنفسهم الصحبة الملائمة لأطفالهم؟ ولماذا يعتقدون دائماً أنهم الأقدر على حماية أولادهم من أثر العشرة غير الملائمة؟ كثيراً ما يتساءل البعض ما اذا دافعه الى رفض معاشرة طفله رفيقاً معيناً مجرد اختلاف هذا في وجه أو أكثر عن العائلة. فكثيرون يتمسكون بأحكام مسبقة عن "نوع" محدد من الناس ولا يترك الفروق الفردية والتجربة تأخذان مجراهما. علم النفس تحدث عن خوف البعض من الاختلاف الذي يهدد معتقدات وعادات فرد او جماعة، ويصر المربون على انه ليس من العدل ان ندين الآخرين قبل ان نسمح لهم بالدفاع عن أنفسهم أقله. قد يعترض بعض الأهل على معاشرة طفله رفاقاً من طبقة اجتماعية اعلى أو أدنى من طبقته، او على طريقة قضاء هؤلاء الوقت أو انفاق المال، أو على سلوك معين لدى أهل هؤلاء الرفاق يطول تأثيره الى أولادهم. والواضح ان الدافع الى كل ذلك الرغبة في حماية الاطفال من خبرة محددة يخشى الأهل ان تؤثر سلباً عليهم بطريقة او أخرى. وتقول سيدة ان طفلها الذي يبلغ الخامسة عاد من زيارة رفيق له في المدرسة ليطالب بقطار كبير يستطيع ان يقوده بنفسه، فأفهمته ان غرفته لا تتسع لقطار بهذا الحجم وانه يستطيع ان يتسلى بألعاب كثيرة يملكها وانفق الأهل مبالغ كبيرة لشرائها. وتضيف: "لست من النوع الذي ينبهر بممتلكات الآخرين، وأود ان ينظر أطفالي الى مقتنيات غيرهم من دون حسد. لكنني لا أنسى الطريقة التي نظرت بها أم الطفل الى بيتنا وأثاثه عندما دعوناه الى قضاء بعض الوقت في منزلنا. جالت البيت كله في فضول وعجب واضحين أثارا حنقي وجعلاني أقرر ان اتحفظ في علاقتي بها. لا يزال الطفلان يتبادلان الدعوات من حين الى آخر، فأنا لا أريد ان أحرم ابني صحبة يتمتع بها حتى الآن، إلا أنني أحصر العلاقة في حدها الأدنى لجهة الكم". ما أغضب هذه السيدة هو الشعور بالدونية الطبقية الذي أثارته أم الرفيق الغني في نفسها وخوفها من انتقال الشعور نفسه الى طفلها عندما يكبر قليلاً ويدرك اختلاف رفيقه عنه وتفوقه في القدرة على امتلاك ما يرغب به. سيدة اخرى تقول ان ما يقلقها في معاشرة طفليها صديقاً غنياً هو "المادية البارزة في الألعاب الرائعة التي يملكها. انهما يحبان اللعب معه، وأنا أسمح لهما بدعوته الى منزلنا على مضض لأنه يختلف عنا كثيراً. أخشى انه ليس الصديق الملائم لهما لأنهما لا يشعران بالمساواة معه". هل يحق للأهل؟ لا يناقش أحد صواب هذا القلق عندما يتعلق بسلامة الطفل أو بانحراف من يعاشرهم، لكن هل يحق للأهل ان يحرموا أطفالهم الرفاق الذين يحتاجون اليهم بحجة انهم "ليسوا من أمثالنا" فقط؟ تقول سيدة ان رفيقاً لابنها، وكلاهما في السادسة، خطف السكين عن المائدة وهما يأكلان وهدده بها: "أثار ذعري، وما عدت سمحت لطفلي بالذهاب الى بيته كما لم أدعه ثانية بالطبع. بالاضافة الى ذلك كان عبوساً سريع الملل لا يحب الألعاب التربوية او المسلية أو حتى مشاهدة التلفزيون. انتظرت مجيء أمه بفارغ الصبر لكي تأخذه وتريحني من مراقبته". سيدة اخرى دعت رفيقين لابنها واذا بهما يحولان البيت ساحة معركة ويكسران بعض أغراض البيت: "كانا من النوع الذي لا يستطيع ان يهدأ دقيقتين متتاليتين، وأحدهما حدّث ابني عن أفلام حضرها مثل "روبو كوبر" وغيره من أفلام العنف وهي لا تصلح لأطفال في السابعة. اضافة الى ان لغته لم تعجبني، فبعض العبارات التي يقولها بكل بساطة ممنوعة في بيتنا". هذه السيدة مهندسة تعلّم طفلها في مدرسة يؤمها خليط من أولاد أهل تكنوقراط وعصاميين صنعوا ثروتهم بأيديهم. تذكر ان عدداً كبيراً من الاطفال في المدرسة يملك لعبة الپ"Game Boy" الالكترونية التي يبلغ ثمنها نحو 150 دولاراً والتي يباع كل شريط لها بأكثر من 50 دولاراً. تقول: "أهل هؤلاء الاطفال من الطبقة العاملة، ولا أفهم كيف يستطيعون انفاق هذه المبالغ الكبيرة على ألعاب من هذا النوع. أفضل شراء الموسوعات لأطفالي بدلاً من الألعاب، وأود ان يدركوا ان المرء يتعب في الحصول على المال لكي يفكروا جيداً قبل ان يقرروا طريقة انفاقه". التمسك بالمظهر ويتمسك الأهل أحياناً بالحرص على المظهر اللائق و"المقبول" عندهم ولو شاعت عادات لا تدخل في هذا الاطار بالنسبة لهم. طفل في الخامسة يذهب الى مدرسة انكليزية رأى رفيقه يرتدي قرطاً في أذنه فطلب من أمه ان تسمح له بثقب أذنه وارتداء قرط. قالت له ان الاقراط للفتيات فأجاب أن كثيراً من الشبان يلبسها. تقول: "أستطيع ان أرفض طلبه ما دام ذلك في مقدوري، ولكن ماذا سأفعل عندما يصبح في الخامسة عشرة؟". ويطلب بعض الامهات من الاخريات ان يبدين قدراً من الاهتمام بصحة أطفالهن والقواعد المتعلقة بأعمارهم. وتتذمر سيدة من أم صديق لطفلها دعته الى قضاء يومين في منزلها وتركت الولدين، وكلاهما في السابعة، يسهران حتى منتصف الليل وهما يأكلان الحلوى ويشاهدان افلام الفيديو. سيدة اخرى ذكرت ان طفلها الذي يبلغ السادسة يسخر من جسد شقيقته المراهقة بعبارات غريبة عن جو البيت. وهي اكتشفت صدفة ان بعض رفاق صفه، وهم في السن نفسه، يتحدثون عن الجنس والشذوذ "كما يتحدثون عن الرسوم المتحركة وأنواع البسكويت والشوكولا. شعرت بعجزي عن حمايته من خطر المعرفة المبكرة لما يدعوه الغرب "حقائق الحياة" لأنها تشوه النظرة الى الأمور". ثمة أهل يحرصون على النظر الى الامور بعقل منفتح، ويخشون ان يكون الدافع الى حذرهم ازاء رفاق أطفالهم المبالغة في حمايتهم والتحامل على الآخرين انطلاقاً من اعتقاد كل منا انه على صواب والآخرين مخطئون. تقول المهندسة التي أتينا على ذكرها ان طفلها يتمتع برفقة أولاد الأهل العاملين أمثالها وزوجها كالمحاسبين والمعلمين، وانها تجد عبارة "أمثالنا من الناس" تعسفية وسخيفة، ولكن لها اساس من الصحة للأسف. الطريقة الوحيدة يقول علماء النفس ان اصرار الاهل على الرفقة الملائمة لأطفالهم قد يدمر علاقة هؤلاء بنظرائهم، وان الطريقة الوحيدة لتأمينها هي العيش في منطقة متشابهة السكان لجهة الطبقة الاجتماعية والطموحات، ولكن هل هذا ممكن؟ لا يمكن فرز المناطق بهذه الطريقة، وحتى المبنى الواحد يضم اشخاصاً يختلفون بعضهم عن بعض في اكثر من وجه. ولو سلمنا جدلاً بأن العائلة عاشت في بيئة اجتماعية متجانسة فإنها لن تستطيع تأمين العنصر نفسه في المدرسة التي تحوي خليطاً من بيئات اجتماعية متفاوتة. ان الاختلاف ليس مبرراً لرفض الآخرين، ويمكن للأم التحكم بعلاقة أطفالها بأترابهم باستبعادها من تعرف جدية تأثيره السلبي على نموهم ومعرفتهم وتغيير نمط العلاقة بغيرهم. فهي تستطيع ان تعتذر عن تلبية طفلها الدعوة الى المبيت عند صديقه وتدعو هذا الى قضاء الليل عندهم، وهكذا تراقب ما يأكلانه وتحدد وقت النوم بنفسها. لا بد للصغار من رفاق يلعبون معهم، وان دفع الطفل الى الاعتقاد انه أفضل من غيره يؤذيه هو أولاً، كما ان سجنه في البيت لابعاده عن جو العالم "القذر" هو أفضل طريقة لجعله متمرداً. وفي المقابل على الأهل التمسك بمعتقداتهم اذا وجدوا أنفسهم لا يستطيعون القبول بطريقة اخرى في التربية بعد التفكير جيداً في موقف ما. فنحن نعرف مثلاً ان الرجال كانوا يرتدون الاقراط، وما زالوا في بعض القبائل، الا اننا لا نستطيع السماح لطفلنا بأن يرتدي قرطاً، ويجب ان يفهم ذلك ولو لم يقتنع بوجهة نظرنا. أظهرت الابحاث خلال الأعوام العشرين الماضية ان الطفل أذكى وأقوى مما نعتقد، ويقول البروفسور اندرو بولارد من كلية البوليتكنيك في جامعة بريستول البريطانية ان "البالغين يعتقدون ان الطفولة هي مرحلة البراءة والضعف، ولكنهم لا يقدرون أطفالهم بذلك حق قدرهم. لقد أظهر بحث ان الطفل لا يتلقى ما يشاهده على التلفزيون في سلبية مطلقة بل انه يقوّم ما يراه ويحكم عليه. الأمر نفسه ينطبق على العلاقات فهي صورة مصغرة عن العالم يتعلم الطفل خلالها كيف يكوّن الصداقات ويفسخها ويحكم على الآخرين، وعلى الأهل السماح لطفلهم باكتساب هذه الخبرة". ويذكر بولارد ان للأهل الحق في التدخل لحماية أطفالهم من خطر معين "لكن كثيراً ما يتدخلّون قبل ان تبدر أي اشارة الى خطر حقيقي أو موهوم فيعمد بعض الأطفال الى اخفاء صداقتهم بالاشخاص الذين لا يرغب الأهل بهم". كثيراً ما يكمن الحرمان وراء الرغبة في تدمير ممتلكات الغير أو مهاجمتهم بشكل أو بآخر. وتذكر سيدة انحدرت طبقتها الاجتماعية بعد طلاقها ان اطفال الحي يحبون ابنها كثيراً ويسألون عنه باستمرار لكي يلعبوا معه في الشارع، ولكنهم يحطمون احياناً زجاج السيارات أو يرشقون المارة بالحجارة. وهي ليست قلقة لانها تعتقد ان الطفل المحروم الذي لا يملك لعبة سيترجم غضبه بالاعتداء على الآخرين من دون ان يكون منحرفاً بالضرورة. وعلى رغم ان ابنها اكتسب عادة سرقة مصابيح السيارات المهجورة غالباً فإنها تخفف من اهمية ذلك: "كل منا فعل ذلك على طريقته. هناك اناس اثرياء مصابون بداء السرقة كليبتومانيا بالرغم من كل اموالهم. وأذكر انني كنت اسرق وشقيقتي الحلوى من الحانوت" هذه السيدة اكثر احتمالاً من غيرها لاخطاء قد تتحول جنحاً في المستقبل، وربما كان لهبوطها في السلم الاجتماعي اثر في ذلك. وينصح علماء النفس الاهل الذين يكتسب أطفالهم عادة كهذه بمكافحتها بحزم ورفض كل تبرير يقدمه الطفل خوفاً من أثرها في المستقبل.