وجود رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين في واشنطن هذا الاسبوع يعيد شيئاً من الإهتمام إلى موضوع التسوية في الشرق الأوسط ومحاولة تهدئة العاصفة التي ضربتها إثر مجزرة الخليل وإيجاد مخرج يسمح باستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين. كانت زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي للولايات المتحدة مقررة قبل وقوع المجزرة. وكان هدف رابين استكمال عملية تطويق نتائج قمة جنيف بين الرئيسين بيل كلينتون وحافظ الأسد، بمنع تطور العلاقات الاميركية - السورية والحيلولة دون العودة الى صيغة مدريد لتظل اسرائيل المرجع الأول في المفاوضات الثنائية. لكن ما حدث في الخليل وردود الفعل الفلسطينية والمواقف التي اتخذتها منظمة التحرير، وتفاعلات فضيحة "وايت ووتر" والتحقيقات التي لن توفر الرئيس الأميركي وزوجته في هذا المجال... كلها تطورات بدلت الأجواء والظروف في أميركا والشرق الأوسط، ووضعت الثلاثي كلينتون - رابين - عرفات في وضع يكاد يكون مشابهاً. للمرة الأولى يدخل رابين البيت الأبيض جريحاً مكبلاً بجريمة المستوطنين في الخليل طلباً لحل ينقذ العملية السلمية من الانهيار أو على الأقل يعيد تنشيطها لئلا تظل عرضة لنار الاصوليين اليهود، ولا يساهم في الوقت ذاته في تقويض شعبيته وتعزيز خصومه في تكتل ليكود والاحزاب الدينية المتطرفة. أي أنه يسعى الى تخفيف الضغوط وايجاد صيغة لتحقيق المطالب التي رفعها الفلسطينيون بعد مجزرة الخليل، من الحماية الدولية لأهالي الأراضي المحتلة الى إجلاء المستوطنين منها وتجريدهم من السلاح. للمرة الاولى يطلب رابين تسوية تحافظ على رأسه ورأس نده في المفاوضات، من زعيم أميركي يبدو هو الآخر جريحاً مكبلاً بفضيحة "وايت ووتر" التي قد تتطور الى ما تحمد عقباه، ان لم يكن سريعاً في المدى المنظور ففي المدى الذي تفتح في أبواب معركة الرئاسة الأولى في الولاياتالمتحدة. ويشعر الرئيس الأميركي الذي يحتاج هو الآخر الى مساعدة في الداخل، بالحاجة الى تحقيق خطوة تعيد تحريك عملية السلام في الشرق الأوسط، الساحة الخارجية الوحيدة التي أظهرت الادارة الأميركية أنها حققت فيها شيئاً من "الانجاز"، في مواجهة اخفاقات لا تحصى من البوسنة غرباً الى اليابان شرقاً مروراً بكوريا... وسيشعر بالحاجة الى تقديم عون الى القيادة الفلسطينية لا "يحرق" رابين في الداخل الاسرائيلي، وعون الى حكومة حزب العمل الاسرائيلي لا "يحرق" عرفات أيضاً في الداخل والخارج الفلسطينيين. وهذه مهمة ليست بالسهلة على رئيس يشعر بأن نار الداخل الأميركي باتت في البيت الأبيض، وبأن تأجيجها يهدد بانصرافه عن مسيرة السلام لتوفير سلامه أولاً. ويعني الوصول الى مثل هذا الموقف تحويل المسيرة الى أهل المنطقة، أي الى الاسرائيليين، الطرف المعتدي والأقوى. وهذا ما يرفضه العرب. أما وضع الرئيس الفلسطيني فليس أفضل حالاً. فالاتفاق على نقل المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية الى واشنطن إثر المجزرة جاء بناءً على طلب فلسطيني يستهدف عوناً أميركياً بالضغط على اسرائيل لتقديم بعض التنازلات فيتحرر عرفات من بعض الضغوط التي مارسها ويمارسها فلسطينيون ووصل التعبير عنها الى حد إحراق دمية تمثله. وهو أمر قد يؤشر الى محرقة سياسية للزعامة الفلسطينية اذا استمرت الأحوال على حالها. وهذ ما لا يرغب فيه الجانب الأميركي وحتى الجانب الاسرائيلي. فضلاً عن أن التقدم في أي مسار من المسارات العربية - الاسرائيلية سيظل مرتبطاً بالتقدم على المسار الفلسطيني، أي أن التقدم المتوقع على الجبهة السورية هذا الربيع قد يتأخر ما لم تستعد الجبهة الفلسطينية زخمها. من يساعد من؟ كلينتون ورابين وعرفات، ثلاثتهم يحتاجون الى مساعدة متبادلة، فهل يستطيعون التوصل الى تجاوز المرحلة الصعبة بتسوية شبيهة بتلك التي اعتمدت لحل مشكلة المبعدين، تسوية لا تبعد الرئيس الأميركي عن عملية السلام وتغرقه في "وايت ووتر"، وتساعد رابين وعرفات على التخلص من رمال المعارضين والأصوليين هنا وهناك فلا يغرقان؟