مسرحية "فاميليا" التونسية من أهم العروض العربية التي قدمت خلال الاشهر الاخيرة. وقيام "مسرح بيروت" باستضافتها ابتداءً من 11 شباط فبراير، مبادرة ايجابية من شأنها أن تحمل الى المدينة شيئاً من الحيوية التي تفتقدها، وأن تعيد الى الخشبة اللبنانية بعض البريق الذي هجرها منذ زمن لم يعد بالقصير. سبق أن تناولنا مراراً فوق هذه الصفحات، العمل الذي يحمل توقيع المسرحي الفاضل الجعايبي، عن نص اشترك في كتابته مع الفنانة التونسية ورفيقة دربه جليلة بكار. "فاميليا" مقطوعة مسرحية لرباعي مؤدين، يضم بعض ألمع ممثلي وممثلات المسرح التونسي: بالاضافة الى بكار، هناك فاطمة بن سعيدان، صباح بوزويتة، وكمال التواتي. والعمل يشكل محطة أساسية في مسيرة المخرج المتحدر من تجربة "المسرح الجديد"، على مستوى الكتابة المشهدية، والتماسك الدرامي، والنضج السينوغرافي والاخراجي. تقوم "فاميليا" ظاهرياً على حبكة بوليسية عمادها التشويق والاثارة. لكن المسرحية تستعيد في العمق مشاغل فكرية وجمالية طالما تمحورت حولها أعمال الجعايبي، اذ نقع عليها بأشكال مختلفة في "عرب" و"العوادة" و"كوميديا"... مع تجربته الجديدة، يبلغ الفاضل درجة من النقاء و"الاسلبة"، ويتصفّى أسلوبه ليبلغ حالة من التعبيرية المتقشفة، التي تحول المسرح الى حلبة صراع عنيف، يكشف أعماق النفس البشرية. المسرح اللبناني في حالة ركود مقلق، وأغلب الرواد لم يقدموا تجربة استثنائية منذ زمن، ولا شك أن جمهور المسرح نفسه في بيروت، تقلص أو تغير حسب معطيات لا نملكها بدقة. فهل يحمل الفاضل الجعايبي ورفاقه من جديد، عدوى الطليعية الى المدينة التي كانت ذات يوم العاصمة الاولى للمسرح العربي؟