تميزت معارك كابول هذه المرة عن سابقاتها من مواجهات الصراع على السلطة بين فصائل المجاهدين بأشياء عدة بينها انها كانت الاعنف في دمويتها منذ وصول المجاهدين الى السلطة في نيسان ابريل 1992 اذ حصدت هذه المعارك التي اندلعت مع بداية العام الجديد نحو ألف قتيل و16 ألف جريح آخرين، وكشفت المعارك عن وجود "سلاح استراتيجي" لا يزال في جعبة المحارب الافغاني ويتمثل باقفال الطرق الرئيسية للامدادات الى العاصمة والتي تقوم بتزويدها بالمواد الأساسية، وزاد من الخناق عدم التوصل الى اي هدنة حقيقية منذ تفجر المعارك. وحتى الآن فرئيس الوزراء الافغاني المعارض قلب الدين حكمتيار ظهرت قوته هذه المرة عن طريق نجاحه في كسب تأييد قوة عسكرية حقيقية في البلد كانت تعد من أشد خصومه وهي الميليشيات الاوزبكية بزعامة الجنرال عبدالرشيد دوستم ما أدى الى تشدده وتمسكه بمطالبه القاضية بالتنحي غير المشروط للرئيس الافغاني برهان الدين رباني الذي يرفض ذلك بتاتاً ما لم يتم فترة ولايته المتبقية وهي حوالى أربعة اشهر. منذ دخول الجنرال احمد شاه مسعود وزير الدفاع السابق ورجل الرئيس القوي مع احزاب الائتلاف الى كابول في 28 نيسان ابريل 1992 وينغص حكمتيار اقامته ويسعى جاهداً الى تعزيز مواقعه على الطرق الرئيسية من العاصمة واليها خصوصاً طريق كابول - جلال آباد - بيشاور التي شهدت معارك دامية حاول مسعود من خلالها احداث ثغرة في جدار الحزب الفولاذي لعله يفتح هذا الشريان الحيوي الذي فقده منذ دخوله العاصمة. وكان حكمتيار الأول من القادة الذي تفطن الى هذه الاستراتيجية عندما أقام قاعدة قوية وحصينة في جهارسياب والتي تبعد 15 كيلومتراً الى الجنوب من كابول، وتبعه في هذه الاستراتيجية لاحقاً عبدرب الرسول سياف امير الاتحاد الاسلامي وحليف الرئيس القوي ثم قام مسعود بتأسيس قاعدة جبل السراج. ولأن افغانستان دولة "مغلقة" لا تملك منفذاً بحرياً فهي تعتمد على دول الجوار في ادخال صادراتها او ارسال مستورداتها، وسقوط مطار خوجارداش كابول الدولي عسكرياً تحت نار المعارضين من مقاتلي حكمتيار ودوستم المتمركزين في الهضاب والتلال المطلة عليه أفقد هذا المطار فاعليته، ذلك ان مقاتلي المعارضة يستطيعون ضرب اي طائرة تحاول الاقلاع او الهبوط. وعبر التاريخ الافغاني ما قبل الشيوعي اتكأت كابول على ميناء خاص بها في كراتشي لنقل البضائع عبر القطار ثم يتم ادخالها براً وبالشاحنات الى افغانستان عن طريق جلال آباد في شرق البلاد، وعادة ينعكس اي تشنج في علاقات البلدين على تجارة الترانزيت وميناء كراتشي ما يرغم كابول على تغيير سياستها او موقفها تجاه المشكلة المعنية لكن بعد الانقلاب الشيوعي في نيسان ابريل 1978 ووصول عملاء موسكو الى السلطة تدهورت علاقات البلدين فاضطرت كابول الى استحداث طريق آخر وهو الاعتماد على طريق سالانج الذي بناه السوفيات والمؤدي الى جوزجان في ميناء حيرتان على الحدود مع اوزبكستان. لكن مع انفكاك الميليشيات الاوزبكية بزعامة دوستم عن حليف الأمس الجنرال احمد شاه مسعود وإبرامها صفقة مع رئيس الوزراء قلب الدين حكمتيار خصم مسعود تم حرمان الاخير من هذا الطريق الحيوي. اما المرفأ الذي يعتبر المنفذ الوحيد لمسعود على العالم الخارجي والذي يفضي الى طاجكستان التي يتردد ان له معها علاقات، ويتم من خلالها ايضاً الدعم الروسي الى مقاتلي مسعود، فهذا المنفذ تهدده الآن المعارك ويتوقع ان يسقط بأيدي المعارضين مما سيؤدي الى تشديد الخناق على كابول التي تقاسي من شح في المواد الغذائية وارتفاع جنوني في الأسعار، ومما زاد الطين بلة اقدام باكستان حسب ما تردد ايضاً عن منع مسعود من نقل مساعدات من باكستان الى قاعدة بغرام الجوية التي تخضع لسيطرته في شمال كابول ويقال في هذا الصدد بأن اسلام آباد وقّعت على معلومات تفيد بأن عدوتها التقليدية الهند تقوم بدعم مسعود بقطع غيار الطائرات. ومعلوم للقاصي والداني ان اسلام آباد كان من أهداف استراتيجيتها في دعم الجهاد الافغاني طوال هذه الفترة ابعاد النفوذ الهندي عن كابول لافشال محاولة الهند تطويقها من اكثر من جهة. وبدأت فاعلية الحصار على وسط كابول الذي يسيطر عليه مقاتلو مسعود عندما قاموا بهجمات على مواقع حزب الوحدة في غرب كابول حيث يوجد سوق من المواد الأساسية بأسعار منخفضة سهل حكمتيار وصول المواد اليها. ووقع في الاشتباك بين مقاتلي مسعود وحزب الوحدة سبعة جرحى في صفوف المهاجمين. تزايد النزوح هذا الوضع المأساوي اجبر الكثيرين من اهالي كابول من القادرين على مغادرة مدينتهم، وهم الذين لم يبرحوها طوال فترة الجهاد. ويستغل الاهالي هدنة الثلوج او البرد الشديد للمغادرة بعدما فشلت كل جهود في تحقيق هدنة حقيقية وفاعلة، ويستغل المواطنون الهدنة الطبيعية في التسوّق او التوجه الى مناطق أكثر أمناً ويقيمون لدى اقاربهم أو اصدقائهم جنوب غرب العاصمة وشمالها. ووفقاً لأرقام الصليب الأحمر الدولي فان 63 الف شخص يقيمون حالياً في معسكر سرشاهي قرب جلال آباد شرقي البلاد و50 الف شخص لجأوا الى المساجد والمدارس والأماكن الحكومية هرباً من جحيم الصواريخ والقذائف. وحذّر المسؤولون الدوليون في هذا السياق من احتمال ان يواجه 800 الف شخص من سكان كابول خطر المجاعة في حال عدم وصول الامدادات الى العاصمة بعد اسابيع.