في أول ظهور علني له منذ أشهر عدّة، أكد رشيد بوجدرة على تمسكه بالمواقف التي سبق أن ضمّنها آخر كتبه "أبناء الحقد"، الصادر قبل سنتين في العاصمة الفرنسية. فالكاتب والاديب الجزائري المعروف الذي يعيش متخفياً - شأنه في ذلك شأن زملاء وأقران كثر بينهم رشيد ميموني - بعد أن أباح المتطرفون دمه، ألقى محاضرة في مدينة مرسيليا، أثناء زيارة قصيرة قام بها الى فرنسا أخيراً. أدان صاحب رواية "التطليق" التهويل الاعلامي الغربي، مؤكداً أن الجزائر ما تزال تقاوم، على الرغم من دوامة العنف ومن الازمة الشائكة التي تجتازها، متمسكة بايقاع الحياة العادية: "فالدوائر العامة تعمل بشكل اعتيادي، القطارات والطائرات تنطلق في مواعيدها، والبريد يصل الى وجهته...". وأعاد الكاتب التأكيد على أن "الحركة الاصولية هي وليدة بارونات الحزب الواحد ممن انصرفوا الى التمتع بأموال الرشاوى والتهريب والفساد تحت غطاء من الشرعية الوطنية والتاريخية". أما عن الصراع بين الحكم والمتطرفين، فقال بوجدرة في محاضرته التي سبقت وصول زروال الى سدّة الرئاسة الجزائرية إن "السلطة تحاول أن تجد في الخطر الاصولي مبرراً لاستمرارها. لكن حياد أغلبية الناس تجاه الصراع بين السلطة والمتطرفين، هو دليل على رفض الشعب للطرفين معاً". ويرى الكاتب أن تلك "الاغلبية الصامتة" بدأت تخرج تدريجياً من سباتها ولامبالاتها، يشهد على ذلك الاقبال الذي شهده اللقاء الاول ل "التجمع من أجل الجمهورية" في قلب العاصمة، وضم ما يزيد على العشرة آلاف شخص. ورشيد بوجدرة واحد من المثقفين الذين يصرون على الاقامة في الجزائر، على الرغم من مواقفهم الشجاعة وسط مناخ العنف الطاغي. في أحد الفنادق الجزائرية التي جاءت محطة في تجواله وتنقله الدائمين لاسباب أمنية، قال الكاتب لمراسل "الوسط" إن مسألة الرحيل طرحت نفسها عليه منذ البداية، لكنه آثر البقاء كي يكون شاهداً على ما يجري. "ليس لدي أية طموحات سياسية مضمرة - قال الكاتب - كما أنني لا أسعى جاهداً الى "الاستشهاد" كما قد يتهيأ للبعض !. كل ما في الامر أنني كاتب، يحتاج باستمرار الى تنشق رائحة البلد، والامتلاء بعطره الفريد. لا أتصور أنني أستطيع الكتابة أو الحياة، بعيداً عن الجزائر"...