الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    الأمن.. ظلال وارفة    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    إبراهيم الحارثي ل «عكاظ»: المسرح السعودي مثقلٌ بالخيبات !    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    ضيوف برنامج خادم الحرمين يؤدون العمرة    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    التحليق في أجواء مناطق الصراعات.. مخاوف لا تنتهي    من «خط البلدة» إلى «المترو»    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    منازل آمنة بتدريب العاملات    أهلا بالعالم    كرة القدم قبل القبيلة؟!    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    رفاهية الاختيار    النائب العام يستقبل نظيره التركي    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    استثمار و(استحمار) !    وسومها في خشومها    وانقلب السحر على الساحر!    منتخبنا كان عظيماً !    الضحكة الساخرة.. أحشفاً وسوء كيلة !    الأخضر يستأنف تدريباته استعداداً لمواجهة العراق في خليجي 26    نيابة عن "الفيصل".. "بن جلوي" يلتقي برؤساء الاتحادات الرياضية المنتخبين    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    إحباط تهريب (140) كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    آل الشيخ: المملكة تؤكد الريادة بتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن حكومة وشعبا    موارد وتنمية جازان تحتفي بالموظفين والموظفات المتميزين لعام 2024م    "التطوع البلدي بالطائف" تحقق 403 مبادرة وعائدًا اقتصاديًا بلغ أكثر من 3مليون ريال    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    الزهراني وبن غله يحتفلان بزواج وليد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملف "الوسط" عن "عاصفة التسعينات" . الأصولية تحت مجهر أربعة مستشرقين من المانيا

جودرون كرامر : الحوار المفتوح وحده قادر على التخفيف من حدة التوتر
ينقسم الاستشراق الالماني الى تيارين أساسيين. الاول ينحصر اهتمامه بالعالم العربي، في اللغة على وجه التحديد، وفي التاريخ والتراث بصفة عامة. وجميع المنتسبين الى هذا التيار هم من الشيوخ. أما التيار الثاني فهو منفتح على حاضر العالم العربي، وملم بقضاياه الجوهرية، خصوصاً السياسية منها، وتحركه رغبة قوية في دراستها وتحليلها وفحصها بكل دقة. ويمكن القول إن جل المستشرقين الجدد، ينتسبون الى هذا التيار الذي يزداد قوة ونفوذاً يوماً بعد يوم.
اخترت منذ البداية، شخصياً، أن أهتم بحاضر العالم العربي. ليس أن الماضي لا يهمّني، لكنني مذ شرعت في تعلم اللغة العربية، رحت أشعر أن الحاضر يجعلني أكثر قرباً من واقع العرب، شعوباً وأنظمة ومثقفين، وأشد استيعاباً للمكونات الاساسية لهذا الواقع في المجال السياسي والاقتصادي والثقافي. ومثل جميع المنتسبين الى التيار الثاني، أهتم كثيراً بالظاهرة الاصولية، إذ أفردت لها دراسات كثيرة. وربما كان ذلك الاهتمام هو الذي أوحى الي بالكتاب الجديد الذي أعمل على انهائه، حول الاسلام والديموقراطية.
المسألة الاصولية تحيلنا، بالدرجة الاولى، الى العلاقة بين الدين والدولة. وهذه المسألة أسالت كثيراً من الحبر منذ بداية القرن. فأنت تعلم جيداً ما حدث لعلي عبدالرازق بشأن كتابه المعروف حول الاسلامي وأصول الحكم. ولكن للسائل أن يسأل: لماذا طرحت هذه القضية من جديد، وبمثل هذه الحدة؟ والجواب الاقرب الى الصحة، هو أن معظم الانظمة العربية فشلت في بناء الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات. فالانظمة التي ادعت الليبرالية، لم تمارس ولو عنصراً واحداً من عناصر الليبرالية كما هو متعارف عليها. أما تلك التي ادعت الاشتراكية، فقامت بتخريب المؤسسات، وحكمت شعوبها بالحديد والنار، وفيها مورست عبادة الشخص بشكل لا يطاق.
وفشل أنظمة ما بعد الاستقلال هذه، لم يكن سياسياً فحسب، بل كان اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً... لقد كان فشلاً كاملاً بكل معنى الكلمة. ومن الطبيعي أن يبحث الناس عن حل للأزمات المتتالية... فاذا بالاصوليين يرتأون أن الحل الوحيد هو تطبيق الاسلام، بنفس الطريقة التي طبّق بها أيام ظهور الدولة الاسلامية. وعلى الرغم من كون هؤلاء الاصوليين هم نتيجة من نتائج الحاضر، فإن خطابهم يبدو وكأنه موغل في الماضي، بل ونشعر أحياناً أنه غريب عن العصر الحديث تماماًَ.
لكنّني، على أية حال، أعارض استعمال العنف ضد الحركات الأصولية. فالعنف، حسب رأيي سوف يضاعف من حدة الازمات التي تعيشها البلدان العربية، ويعطي للاصوليين الفرصة لكي يظهروا وكأنهم ضحايا... أنا أرى أن الحوار المفتوح مع هذه الحركات هو الوحيد القادر على أن يخفف من حدة التوتر، وأن يعطي لجميع القوى السياسية - داخل النظام وخارجه - الفرصة اللازمة للتفكير والتأمل والتحليل...
* تعمل الدكتورة جودرون كرامر في "مؤسسة العلوم السياسية" المختصة في دراسة ورصد الحياة السياسية في العالم العربي، ومقرها ميونيخ.
أردموته هيللر : الهزائم المتتالية فتحت أبواب اليأس على مصراعيها والاصوليون خطر على علاقات الشرق والغرب
عاش العالم العربي تقلبات خطيرة خلال القرن الحالي... تقلبات كانت تنقله تارةً من الأمل الى اليأس، وطوراً من اليأس الى الأمل. كان الاستقلال هو الهدف الاساسي للشعوب العربية على مدى نصف القرن الماضي. ولهذا السبب كافحت جميع هذه الشعوب، بحماسة وحزم، من أجل انهاء الاحتلال والقضاء على الاستعمار.
ويمكن القول إن فترة النضال من أجل الاستقلال كانت فترة أمل وايمان بمستقبل أفضل. يتضح ذلك من خلال الحركة الثقافية التي شملت كامل أنحاء العالم العربي، وأعطت حياة جديدة للغة العربية، وأخرجت العرب من عزلتهم الطويلة، وسمحت لمثقفيهم بالاطلاع على منجزات الحضارة الغربية في جميع المجالات تقريباً. يتضح كل ذلك أيضاً، من خلال تلك الحركات الوطنية التي قادت حركة التحرر، وحشدت الجماهير الواسعة لخوض معركة الاستقلال، وأسست النقابات والتجمعات الشعبية، الخ.
هذا الاستقلال لم يحقق الآمال المنشودة. وفي أغلب البلدان العربية، تحولت الأحزاب والحركات التي قادت النضال التحرري الى أجهزة للقمع والارهاب والرقابة. بالاضافة الى هذا، وقع نهب شبه منظم من قبل الطبقات الحاكمة، والفئات الاجتماعية الموالية لها، لخيرات البلاد، مما عطل حركة النمو الاقتصادي، وأهدر الطاقات، وتسبب في أزمات خطيرة مثل تلك التي حدثت في تونس والجزائر ومصر والمغرب...
ويمكن القول إن الهزائم المتتالية التي منيت بها الجيوش العربية في الصراع العربي - الاسرائيلي، فتحت أبواب اليأس على مصراعيها، وعمّقت الجراح القديمة بين الشرق والغرب، وخلقت حالة من انعدام الثقة بين المحكوميين والحكام... وأعتقد أن الظاهرة الأصولية، هي نتيجة طبيعية لهذا الوضع المتأزم الذي يعيشه العالم العربي منذ ما يزيد على العشرين عاماً. خلال فترة الاستعمار كان الدين الاسلامي أحد العوامل المحفزة على النضال واسترجاع الكرامة الوطنية والحفاظ على التراث وعلى اللغة... أما الآن، فأصبح الدين آداة يلجأ اليها اليأسون للانتقام من الانظمة المسؤولة عن الأوضاع التي أفضت الى الازمات الاقتصادية والسياسية والثقافية الحالية.
واذا شئنا أن نبحث في وسائل مواجهة المدّ الاصولي، ليس هناك سوى طريقة واحدة: توزيع خيرات البلاد توزيعاً عادلاً، والقضاء على مظاهر الفساد والرشوة، واصلاح مناهج التعليم وتحقيق الديموقراطية - ولو بصفة نسبية - واعادة الاعتبار الى المثقفين، وتوفير المستلزمات الاساسية لقيام مجتمع مدني حقيقي... إن الاصوليين ينتعشون في الازمات، وتشتد شعبيتهم حين تستقيل الدولة من مهامها الاساسية... لذا لا بد من التنبه الى مثل هذه المخاطر، والعمل على اعادة الامل الى الشعوب كي تسترجع ثقتها في المستقبل وفي حكّامها أيضاً...
أما عن النظرة الغربية الى هذه الظاهرة، فإن الغرب ليس موحداً، ولا يعرف اجماعاً حول هذه المسألة. فالامريكيون مثلاً، اعتبروا الحركات الاصولية أثناء التدخل السوفياتي في أفغانستان ظاهرة ايجابية جداً. لذا قاموا بدعمها مادياً ومعنوياً، بل اعتبروها حليفاً أساسياً لهم. لكنهم يتراجعون عن مواقفهم السابقة، بعد أن اكتشفوا أن الأصوليين يعملون على تخريب أمريكا نفسها. وفي فرنسا، يقوم شارل باسكوا، وزير الداخلية اليميني الجديد، بمراقبة ومطاردة المتطرفين الأصوليين القادمين من الجزائر بالخصوص. أما هنا في المانيا، فإن الحكومة لا تتدخل في شؤون هؤلاء، وهم متواجدون بكثرة خصوصاً في مدينة كولونيا وآخن. بل أن بعض التحقيقات التي أجريت تثبت أن بعض الجماعات التي تعيش هنا، تمدّ حركات أصولية في العالم العربي بالمال والمساعدة.
شخصياً أعتبر أن الاصوليين يشكلون خطراً كبيراً على الامن والسلام، وعلى العلاقات بين الشرق والغرب. ولا بد من التنبّه الى هذه الحقيقة، والا حدثت كوارث ...
* الدكتورة اردموته هيللر، مختصة في الشؤون الثقافية للعالم العربي - الاسلامي، وخريجة قسم الفلسفة والدراسات الشرقية في جامعة ميونيخ. وكتبت في في العديد من الصحف والمجلات الالمانية. بين 1972 و1988 على تحرير مجلة "فكر وفن" الالمانية التي برزت بمتابعاتها الامينة والشاملة للحركة الثقافية العربية. أخرجت العديد من الافلام الوثائقية عن العالم العربي بينها "نجيب محفوظ" - 1988 بالاشتراك مع الكاتب التونسي المقيم في ميونيخ حسونة المصباحي..
ستيفان فيلد : الاسلام أكثر شمولية من أن نحصره في أي شخص أو مفكر.
عند الكلام عن "الاصولية"، كم تبدو مقولة كيبلينج الشهيرة "الشرق شرق والغرب غرب" واهية، بل وخاطئة تماماً. فالاصولية ليست ظاهرة اسلامية فقط. إنها ايضاً ظاهرة مسيحية ويهودية. فكثيرون يتذكرون رد الفعل عقب عرض فيلم مارتن سكورسيزي الشهير. وبإمكاني أيضاً أن أستعرض العديد من الاحداث الاخرى التي تبين بجلاء ووضوح، أن الاصولية ليست حكراً على منطقة محددة، ولا على دين معين. ويمكن القول إن الاتراك الذين أحرقوا أحياء في بيوتهم هنا، في مولن وسولينجن، على يد أفراد من اليمين العنصري المتطرف، هم أيضاً ضحايا شكل من أشكال "الاصولية". واذا ما كانت الاصولية في العالم العربي والاسلامي ترفض العنف في الخطاب العلني وتمارسه في الخفاء، فإن الاصولية الجديدة في المانيا تقر بالعنف في القول وفي الفعل.
بالاضافة الى هذا أرى أن الاوروبيين يرتكبون خطأين خطيرين. الخطأ الاول حين ينظرون الى الاصولية على أنها ظاهرة لا تخصهم كمجتمعات متقدمة، مكتفين باعتبارها سمة من سمات المجتمعات المتخلفة، حيث الجهل والامية والازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... والخطأ الثاني حين يقولون إن الظاهرة الاصولية هي إحدى سمات ثقافة مغايرة للثقافة الغربية، لذا يرون أنه لا بد من وضعها في اطارها. فمن السهل أن نرى أن كلاً من الموقفين يحاول تبرير الاصولية، أو الهروب من مواجهتها بشكل من الاشكال.
إن الاصولية في العالم العربي والاسلامي، هي واجهة لحركات دينية وسياسية. وأنا شخصياً لا أهتم كثيراً بالمصطلح. ما يهمني هو البحث عن الخلفيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي أدت الى ظهور الحركات الاسلامية المتطرفة في العالم العربي والاسلامي. واذا أردنا أن نتصدى للظاهرة الاصولية في مجملها، فانه يتحتم علينا:
1 - إعداد بحوث مركزة ومعمقة، حول الاسباب الاجتماعية والسياسية والنفسية التي أدت الى ظهور الحركات الاسلامية المتطرفة. وهذه البحوث، هي الوحيدة القادرة على مساعدتنا في ايجاد الحلول المتلائمة مع كل بلد من البلدان التي تواجه خطر الاصولية. فالحلول التي يمكن أن تتلاءم مع الجزائر، ليست نفسها تلك التي تتلاءم مع باكستان أو مع مصر أو مع السودان.
2 - علينا أن نتحاشى كلياً الربط بين الدين الاسلامي وبين أفراد أو زعماء مثل الخميني أو غيره. ذلك أن الاسلام أكثر شمولية من أن نحصره في أي شخص أو أي مفكر. ثم إن التراث الاسلامي متعدد ومتنوع، فيه المعرّي وابن رشد وابن خلدون وابن تيمية وابن عربي والجاحظ وغيرهم... لذا يتحتم علينا أن نخرج الاسلام من الدوائر الضيقة التي يحصره فيها البعض الاشخاص، حتى يكون قادراً على استيعاب ما في العصر الحديث من ثقافة وحضارة وغير ذلك.
3 - علينا أن نطالب الاسلاميين المتطرفين بتقديم أجوبة واضحة على المسائل المطروحة. أي أن ندفعهم الى مواجهة العصر بدل الاكتفاء بالعيش في عصور مضت ولم تعد لنا أية علاقة بها.
4 - على أوروبا أن تساعد المثقفين المستنيرين في العالم العربي، على البحث عن حلول... وأن تتيح لهم فرصة التعرف بعمق الى حضارتها وثقافتها وعلومها، حتى لا تتسع الهوة بين الشرق والغرب من جديد، وتنفتح الابواب على مصراعيها أمام اولئك الذين يتحدثون طول الوقت عن حروب صليبية.
* يعتبر الدكتور ستيفان فيلد المولود عام 1937، واحداً من أهم المستشرقين الالمان في الوقت الحاضر. شغل في بيروت منصب مدير "المعهد الالماني للدراسات الشرقية"، كما عمل أستاذاً في جامعة أمستردام، وهو حالياً أستاذ في "قسم الدراسات الشرقية"، التابع لجامعة بون.
أودو شتاينباخ : الغرب مطالب بتجنب الاخلاقية المزدوجة !
الطريقة التي يستعمل بها مصطلح "الأصولية" في العالم العربي وخارجه، تجعلنا نشعر وكأن الأمر يتعلق بحركة دينية لا أكثر ولا أقل ... غير أن الأحداث كشفت لنا، وتكشف لنا يوماً بعد آخر، أن هذا الأمر ليس صحيحاً على الاطلاق، بل أنه معاكس للواقع. فالحركات التي انتشرت بصورة مذهلة في جميع أنحاء العالم العربي والاسلامي، منذ ما يزيد على العشرة أعوام، تقوم على أهداف سياسية بحتة.
وهذه الاخيرة لا تخفي ابداً أن هدفها هو الاستيلاء على السلطة، وأنها ستطبق في هذه الحالة مبادئ الدين. مما يعطي الانطباع بأن المشاكل الكبرى التي يتخبط فيها العالم العربي والاسلامي، من تخلف وأزمات اقتصادية وانعدام المساواة على المستوى السياسي والاجتماعي واستلاب ثقافي... سوف تحل نهائياً ما أن يصل ممثلو تلك الجماعات الى الحكم. هكذا يتحول الدين، مع الاصوليين، الى نوع من الأيديولوجيا، فهم يتعاملون مع مبادئه ومصادره بطريقة انتقائية جداً، تتناسب مع اهدافهم وبرامجهم السياسية. لذا تراني أقترح، عوض "الاصولية"، مصطلحاً آخر هو "الاسلاموية". فهذه التسمية هي، في اعتقادي، أكثر دقة.
ونحن نعلم أنه لا يمكننا، بأية حال من الأحوال، أن نفصل الحركات الاسلاموية عن الازمة العميقة التي يتخبط فيها العالم العربي والاسلامي. كما نعلم أيضاً أن لهذه الأزمة محاور وفروعاً ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية. وأعتقد أن الشرعية النسبية التي تتمتع بها الحركات الاسلامية في العالم العربي والاسلامي، تعود أساساً كون هذه الأخيرة تعد بحلول للمشاكل المطروحة. غير أن هناك ناحية لا بد من الاشارة اليها، وهي أن هذه الحركات لا يمكنها أن تجد لا في الماضي القريب ولا البعيد نظاماً اسلامياً يمكنها أن تقتدي به، وتستمد منه حلولاً جذرية للمشاكل المطروحة بحدة. فمن أين اذاً تستمد الحركات الاسلامية رؤيتها، وما تطرحه في منشوراتها من تنظيرات؟
الاجابة على هذا السؤال، تكشف أن الحركات الاسلامية تعاني من ضعف عميق، ومن فراغ نظري كبير... وحين تدرك الجماهير أن الحلول التي تلوّح بها الحركات الاسلاموية، ليست سوى تهويمات وشطحات بعيدة عن الواقع المعاش، وعن آليات العصر، فانها سوف تتخلى عنها، وتتركها وحيدة وعارية على قارعة التاريخ. علاوة على ذلك، بوسعنا أن نتأكد دون كبير عناء، أن الحركات الاسلاموية لا تملك برنامجاً اقتصادياً محدداً وواضحاً، للخروج من الاوضاع الاقتصادية المتردية. وما حدث في ايران، منذ "الثورة الخمينية"، يكشف أن الاقتصاد يزداد تردياً يوماً بعد آخر، بفعل غياب أي برنامج اقتصادي سليم لدى المسؤولين في هذه الجمهورية الاسلامية.
يمكن القول، من جهة أخرى، إن الحركات الاسلامية تتمتع حتى الساعة بنوع من "القوة" التي تجعلها قادرة على الاستيلاء على السلطة في يوم من الايام. وأعتقد أن أحد مصادر هذه "القوة" هو فشل الانظمة القائمة في ايجاد حلول للازمات الخطيرة التي تعاني منها الشعوب العربية والاسلامية. ولا شك أن سياسة القمع التي تساهم في تصعيد عنف المعارضة الاسلاموية بشكل مرعب، كما تساهم في مضاعفة الفوضى وعدم الاستقرار من جراء العنف والعنف المضاد.
الحركات المتطرفة هبّت على العالم العربي كالعاصفة الهوجاء، خصوصاً على المستوى الثقافي والسياسي. ولعل أهمّ ما طرحته هو مشروعية الأنظمة السياسيّة التي نمت في ظلها، ثم العلاقة مع الغرب، وأيضاً العلاقة بالتراث العربي - الاسلامي وبالتراث الانساني بصفة عامة. فهي تقترح طبعاً، الابتعاد الراديكالي عن الغرب، كحلّ لجميع المشاكل. غير أن هذا الحل وهمي، ولا يتيح للعالم العربي الاسلامي الخلاص من الازمات التي يتخبط فيها.
أعلم أن تقليد الغرب بشكل أعمى لا يوصل الى مكان، بل ويحتمل أن يتسبب في أزمات حادة ومزمنة. ولكن الحل الأفضل في نظري، يكمن في صيغة يستنبطها المثقفون العرب والمسلمون من واقعهم، صيغة تتيح لهم الحفاظ على مكوناتهم التراثية والثقافية، وتجنبهم الاستلاب والتقليد، وتجعلهم مواكبين للعصر الذي تعيشه البشرية راهناً. على المثقفين العرب والمسلمين أن يعجّلوا في العثور على أجوبة للاسئلة المطروحة، حتى لا تبدو الحركات الاسلامية وكأنها القوة الوحيدة المنقذة.
وهنا يتحمّل الغرب عامة، وأوروبا على وجه التحديد، جزءاً من المسؤولية. فالغرب مطالب باظهار مصداقيته أكثر من أي وقت مضى. وهو مطالب أيضاً بتجنب الاخلاقية المزدوجة. إن استمرار الحرب في البوسنة مثلاً، يعطي الفرصة للمتطرفين الاسلاميين لكي يعمقوا الهوة بين شعوبهم وقيم الغرب، ويهزموا المثقفين الساعين الى ايجاد حلول واقعية وعقلانية للازمات الراهنة.
* الدكتور أودو شتاينباخ من كبار المتخصّصين في شؤون الشرق الاوسط والعالم العربي والاسلامي عموماً، خصوصاً في ما يتعلق بالمسائل الاقتصادية والسياسية والثقافية. ويشغل منذ عدة سنوات منصب مدير "معهد الشرق" في هامبورج، وهو أكبر مؤسسة استشراقية في المانيا. أصدر العديد من الدراسات العامة حول قضايا وأحداث تتصل بالشرق الاوسط والعالم العربي والاسلامي. كما ترأس "ندوة الحوار العربي - الاوروبي" التي انعقدت في هامبورج عام 1984.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.