المملكة تتصدر وتحقق قفزات عالمية في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية    صراع العقول.. يشعل كلاسيكو «التفاصيل الصغيرة»    الصيد.. تجربة متكاملة    مملكة الأمن والأمان    سلمان بن سلطان: القيادة تولي اهتمامًا بتنمية المحافظات    المملكة 11 عالميًا والأولى إقليميًا في المؤشر العالمي لسلامة الذكاء الاصطناعي    الذهب يواصل ارتفاعاته القياسية مع استمرار مخاوف زيادة الرسوم الجمركية    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يترأس وفد المملكة في الافتتاح.. «قمة باريس» تناقش الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لخدمة البشرية    المملكة تتسلم رئاسة شبكة «سلطات إنفاذ القانون» .. أبا الخيل: تعزيز التعاون الدولي لمكافحة الفساد وآليات جديدة لاسترداد الأصول    "ليب 2025" في يومه الثالث... نقاشات موسعة حول الابتكار والاستدامة الرقمية    محمد بن ناصر يطلع على أداء الخطوط السعودية    6% تسارع نمو اقتصادات دول الخليج    غزة.. تصعيد ومهل متبادلة تهدد استمرار الهدنة    توجيه رئاسي للحكومة اللبنانية الجديدة بالشفافية وتنفيذ الإصلاحات    المملكة تواصل جهودها الإنسانية عالميًا عبر «الملك سلمان للإغاثة»    الدول العربية تبلغ واشنطن رفض خطة ترمب لغزة    مصر: سنقدم تصورا متكاملا لإعادة إعمار غزة مع ضمان بقاء الفلسطينيين    بعد البشر والحجر.. الاحتلال يستهدف «المكتبات الفلسطينية»    أمير القصيم يكرم 27 يتيمًا حافظًا للقرآن    القيادة تهنئ الرئيس الإيراني بذكرى اليوم الوطني لبلاده    "بونهور" مديراً فنياً لاتحاد كرة القاعدة والكرة الناعمة    نيابة عن خادم الحرمين.. ولي العهد يرعى الحفل الختامي لمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل    «ريمونتادا» مثيرة تقود ريال مدريد لكسر عقدة مانشستر سيتي بفوز تاريخي    شعرت بالاستياء لرحيل نيمار.. جيسوس: إمكانات" صلاح" تناسب الهلال.. ورونالدو فخر للبرتغاليين    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد يؤكد : رفض قاطع لتصريحات إسرائيل المتطرفة بتهجير الفلسطينيين    مناقشة سبل مكافحة الأطفال المتسولين    إزالة «العقارات العشوائية» بمكة ينشط أسواق المستعمل والسكراب    قرد يقطع الكهرباء عن بلد بالكامل    من أعلام جازان.. المهندس يحيى جابر محسن غزواني    انطلاق فعاليات الاحتفاء بيوم التأسيس بتعليم جازان تحت شعار "يوم بدينا"    "التعزيز والإبداع في القصة القصيرة" و"ليلة العباس والمطمي" ضمن فعاليات معرض جازان للكتاب ٢٠٢٥م    فنانة مصرية تتعرض لحادث سير مروع في تايلاند    توثيق تطور الصناعة السعودية    الساعاتي..عاشق الكتب والمكتبات    رأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.. أمير المدينة: رفع مستوى الجاهزية لراحة المصلين في المسجد النبوي    أمير منطقة المدينة المنورة يرأس اجتماع لجنة الحج والزيارة بالمنطقة    أمريكية تفقد بصرها بسبب «تيك توك»    «حملة أمل» السعودية تعيد السمع ل 500 طفل سوري    بعض نقاط التمييز بين اضطرابات الشخصية    سفراء الإعلام جسر بين الأكاديميا وسوق العمل    «المحتوى الشبكي».. من التفاعلية إلى الاستقطاب!    ما بعد الإنسانية    تعال.. فقد عشنا من الأزل    بصراحة مع وزير التعليم !    صندوق الاستثمارات العامة شريكاً رسمياً لبطولة السعودية الدولية للسيدات للجولف    القيادة تهنئ الرئيس الإيراني    أول رحالة يعبر الأطلسي بقارب تجديف    في الطيران.. الكلمات حياة    أوغندا تسجل إصابات بإيبولا    الاستحمام البارد يساعد على النوم    القشطة والفطائر على وجبات الإفطار بالمسجد النبوي    الموافقة على البرنامج الوطني للتعاقب والتطوير القيادي    توجّه لعقد اجتماع وزاري طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي    القيادة تعزّي رئيس ناميبيا في وفاة مؤسس الجمهورية    زار" خيبر" واستقبل المواطنين.. أمير المدينة: القيادة مهتمة بتنمية المحافظات والارتقاء بمستوى الخدمات    رئيس الوزراء الصومالي يزور حي حراء الثقافي بمكة    الإنسان قوام التنمية    "مفوض الإفتاء بعسير": يستقبل آل جابر المُعين حديثًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سورية ... وامتحان السلام : البعث والاقتصاد والاصولية ...
نشر في الحياة يوم 13 - 09 - 1993

سلط الاختراق الذي تحقق على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي الضوء على موقف سورية وسط اقتناع جميع المعنيين بأن دمشق تشكل معبراً الزامياً لكل سلام يطمح الى امتلاك صفة السلام الشامل والدائم. واذا كانت الأيام الأخيرة حفلت بالأسئلة عن التسابق بين المسارات وانعكاسات خيار "غزة - أريحا اولاً" فإن السؤال الكبير كان عن سورية في مرحلة السلام.
منذ اندلاع النزاع العربي - الاسرائيلي لعبت سورية دوراً بارزاً فيه. وبعد توقيع اتفاقي كامب ديفيد تحملت سورية ما يشبه اعباء قيادة نهج المواجهة في الجانب العربي. ولم يكن سراً ان مجمل خيارات الحكم السوري، على الصعيدين الخارجي والداخلي، رسم على قاعدة اعطاء الأولوية للمواجهة مع اسرائيل.
ونجحت القيادة السورية، منذ الأعوام الأخيرة من العقد الماضي في استشراق حجم التحولات على الساحة الدولية وتراجع موقع الاتحاد السوفياتي وصولاً الى تفككه وغيابه وهو كان مصدر سلاحها وحليفاً رئيسياً لها، وان تكن دمشق تحاشت دائماً التحول الى "وكيل" ينفذ السياسة السوفياتية.
وردت سورية على التحولات التي انتهت بتكريس القيادة الاميركية للعالم الجديد بسلسلة خطوات سياسية عكست تغييراً في خيارات اساسية كالتقارب مع مصر والمشاركة في حرب تحرير الكويت اضافة الى انفتاح اقتصادي مبرمج ومراقب لم تواكبه خطوات موازية على صعيد السياسة الداخلية.
ومع تسارع الخطوات في اتجاه انهاء النزاع العربي - الاسرائيلي تبدو سورية مدعوة الى الانتقال من مرحلة التعايش من ولادة النظام الدولي الجديد الى مرحلة استكمال شروط الانضواء فيه. وطبيعي ان تطرح المرحلة الجديدة التي تستلزم تغييرات جوهرية اسئلة عن مستقبل عملية صناعة القرار ودور الحزب وموقعه ونتائج الانفتاح الاقتصادي.
كثيرون اعجبوا بقدرة النظام السوري علي تجاوز مطبات كثيرة كان احداها كافياً، في دولة اخرى، لاحداث تغيير في طبيعة السلطة او وتيرة المجتمع. وكثيرون ردوا هذه القدرة الى كفاءة رأس النظام في ادارة الاوضاع بدقة شديدة في الداخل مستعينا بخبرة طويلة خلال فترة الحكم وقبلها ومعرفة كبيرة بتوازنات النسيج الاجتماعي بوجهيه المدني والعسكري، واخرون تحدثوا عن "ظروف مساعدة" خارجية سمحت له باستغلالها استغلالاً جيداً لتثبيت موقعه وموقع سورية اقليمياً ودولياً بأقل قدر من الخسائر السياسية، لا بل تحويل الضربات العسكرية احياناً انتصارات سياسية على المدى الطويل وتوظيف التدخلات الاقليمية السورية في خدمة العلاقات مع الغرب ومع الولايات المتحدة تحديداً. ويسقط المراقبون ملاحظاتهم على مفاصل اساسية في الحياة السورية السياسية، بدءا من حصول "الحركة التصحيحية" على النحو الذي تم، والوقوف مع الفلسطنيين ابان ازمتهم في لبنان في بداية السبعينات، وحرب 1973 وما تلاها من مفاوضات والحرب الاهلية اللبنانية وما تخللها من محطات. ثم زيارة الرئيس الراحل انور السادات للقدس وما تبعها من قيام "جبهة الصمود والتصدي" وانعكاسات على امتداد الساحة العربية، والحرب العراقية - الايرانية والاجتياح الاسرائيلي للبنان وما صاحبه من انكسارات سورية عسكرية وسياسية. فضلاً عن أزمة "الاخوان المسلمين" وما رافقها من رد فعل السلطات، والازمة الداخلية بين مراكز القوى عام 1983 ومواجهة وجود القوى الاطلسية في "الخاصرة الغربية" والتعامل مع منظمة التحرير الفلسطينينة بعد الغزو الاسرائيلي والتعامل مع الغزو نفسه عندما تكرس احتلالاً دائماً لاراض لبنانية، والمعارك السياسية مع حكم الرئيس امين الجميل، والعسكرية مع اعلان العماد ميشال عون حربه التحريرية. وكذلك توسيع المواجهة السياسية الى الساحة العربية مع انتهاء الحرب العراقية - الايرانية ودخول بغداد طرفاً قويا في فريق النادين بخروج سورية من لبنان، والتعامل مع "الغطاء العربي" الذي توسع لحل الازمة اللبنانية وتوجيهه ما امكن لخدمة "الغطاء السوري" في لبنان... مروراً بمواجهة آثار انهيار المعسكر الاشتراكي والغزو العراقي للكويت وسيادة النظام الدولي الجديد... انتهاء بالمفاوضات العربية الاسرائيلية.
واذا كان يمكن الجزم بأن النظام السوري خرج سليماً بعد كل هذه المفاصل وبقي لاعباً اقليمياً اساسياً، الا ان المرحلة الحالية، مرحلة المفاوضات تختلف عن غيرها في حدود التوقع، الاستشراف، لانها تتميز، اذا وقع السلام، بانتهاء "العمود الفقري" الذي ارتكزت عليه الشعارات والتبريرات التي رفعت في غالبية المفاصل السابقة، وهو "المواجهة مع اسرائيل" ينقل مسؤولون جزائريون عن الرئيس حافظ الاسد قوله لهم خلال زيارته للمغرب العربي عام 1988 انه يواجه اسرائيل في لبنان وليس العماد عون. وهذه الورقة - المواجهة تسلح بها النظام بقوة، داخلياً وخارجياً، في صد الازمات او تبريرها.
وماذا يمكن ان يكون للسلام مع اسرائيل من انعكاسات داخلية سورية؟ كيف سيكون مستقبل النظام، حزب البعث، الوضع الاقتصادي، التيار الاصولي؟
اصولية وتصنيف
ينقل زوار دمشق عن مسؤولين سوريين تصنيفا لظاهرة نمو الحركات الاصولية يرتكز على اسباب اجتماعية ودينية واقتصادية وسياسية. الا ان التفسير الاكثر حدة ومباشرة بالنسبة اليهم يتمحور حول قضيتين اساسيتين: الاحباط السياسي والتأزم الاقتصادي. ويشير هؤلاء الى ان المسؤولين السوريين ينظرون الى "الحالة المصرية" من هذا المنظار تحديداً، ويعتبرون ان تفاقم الظاهرة الاصولية في مصر يعود الى الاحباط السياسي نتيجة اتفاق السلام المنفرد والسياسات الخارجية التي صاحبته، والاحباط الاقتصادي نتيجة سياسة الانفتاح التي ادت الى فوارق كبيرة بين الطبقات الاجتماعية
ويؤكد مسؤولون سوريون ان دمشق "لن تقبل سلاما منفرداً ولن تتبع سياسات انفتاح اقتصادي سريعة الايقاع". لكن الاهم من الخطاب السياسي في هذا المجال هو عدم وجود تجمعات اصولية منظمة، في احزاب او هيئات، لها حق العمل وممارسة نشاط سياسي يسمح لها بقيادة الناس، احتجاجاً على حركتي النظام السياسية والاقتصادية او تأييدا لهما. والاسباب في ذلك كثيرة اهمها اسلوب النظام القاسي في التعامل مع هذا النوع من الحركات.
ويمكن القول ان الحركة الاسلامية السورية تتسع "اجتماعياً" وليس سياسياً، في مقابل اتساع الخطاب الاسلامي للنظام. فالخطاب الاسلامي السياسي مسموح للنظام وليس لغيره، اما الخطاب الاسلامي الاجتماعي، بمعنى التعبيرات الاهلية المنبثقة منه مظاهر واحتفالات ومدارس وندوات وجمعيات وطقوس وتقاليد ومؤسسات ... الخ فيمكن القول انه مجاز، بغض النظر عن الرقابة المشددة وبعض التدخلات في ظروف معينة.
ويرى مراقبون مطلعون على الوضع السوري ان النظام، نتيجة لخياراته السياسية الاستراتيجية، سبق الاحزاب والمنظمات في الخطاب الاسلامي المتشدد فقدمه حتى على شعارات حزب البعث الحاكم، ويستشهد هؤلاء بحديث الرئيس الاسد مع رجال الدين خصوصاً قوله "ان دستورنا هو القرآن ولن نقبل شيئا يخالف تعاليم القرآن"، كذلك بآلايات القرآنية التي ترد دائماً في خطب الرئيس السوري خطاب الاستفتاء في آذار / مارس 1992. أو اعتباره الاسلام "حلا وحيدا لمشاكلنا المعاصرة". ويشدد هؤلاء على ان النظام في سورية يعتبر الاسلام "قوة عالمية" خصوصاً في زمن انهيار الايديولوجيات، ويركز في معادلة توفيقية، على عدم وجود تناقض بين ما هو "قومي عربي" وما هو "اسلامي"، وينقل عن الرئيس السوري قوله في هذا المجال "ان اهدافنا واحدة ومن يسبق اولا فأسلوبه اصح".
البعد السلامي احتياط اساسي
اما السياسة الخارجية السورية، فوضعت البعد الاسلامي في اولوياتها من خلال تقوية العلاقات مع العالم السلامي ايران، توركيا، آسيا الوسطى على اساس انه "احتياط اساسي" للقضايا العربية القومية، وانطلاقاً من تحديد الرئيس السوري لسقف التعامل مع هذا الموضوع بقوله "لو اراد العرب التخلي عن القدس فان ملايين المسلمين لن تقبل ذلك" وترى مصادر سورية ان الخطاب الاسلامي المكثف للسياسة الخارجية "هو انعكاس لخيار استراتيجي سياسي، كما انه يحد من تحول الحركة الاجتماعية الاسلامية في الداخل الى حركة سياسية، لأنها لا تزال ترى في المواقف السياسية والشعارات المعلنة نهجا مقبولا، سواء في الصرع العربي - الاسرائيلي وحتى المفاوضات، او العلاقة مع ايران وغيرها من الدول الاسلامية، او في دعم دمشق الحركات الاسلامية في فلسطين ولبنان او في العلاقة الممتازة مع السودان، او في عدم اتخاذ سورية موقفاً حاسماً ضد الحركة الاسلامية في كل من الجزائر ومصر. ويروى ان محاولات عدة، بذلت لدفعها الى اعلان موقف مباشر من الحركات الاصولية ودعم ايران لها، الا انها باءت بالفشل. وينقل احد المسؤولين العرب في هذا المجال انه سمع من مسؤولين سوريين كلاما مفاده ان بلادهم "لن تتخذ موقفاً عدائياً من اي حركة اسلامية، لأنها حركة اسلامية بل تتخذ مواقف اذا تحول العمل الاسلامي الى ارهاب، وهي ضد الارهاب بكل انواعه، ومعاملت مع محاولات الارهاب الداخلية بما هو معروف في بدالية الثمنينات".
اذن، على المستوى السياسي، لا يعتبر مسؤولون السوريون ان هناك حال احباط تسمح تغذية نشاطات اصولية تعطي لاصوليين مبررات للتحرك. ويقول الدكتور ايبرهارد كينلي، المحاضر الالماني في "كلية الدراسات الشرقية والافريقية" ساوس وأحد الخبراء في الشؤون السورية ل"الوسط" اساسا لا توجد في سورية منظمة اصولية، هناك اصوليون في الخارج، اما في الداخل فمجموعات غير منظمة تتبني الاصولية فكرا ولم تبلور نفسها في اطار سياسي، وفي حال السماح بقيام تعددية حزبية بعد توقيع اتفاق سلام يمكن ان نرى حزبا او احزابا اصولية، اما الآن، فاعتقد بأن النظام نجح في قمع الاصوليين واحتوائهم. على اي حال، في ظل السياسة المتبعة حالياً اتساءل: هل يحتاج السوري الى نظام اكثر اسلامية من القائم؟".
وبالنسبة الى سياسات الانفتاح وعلاقتها بالجانب الآخر المغذي للحركات الاصولية اي "الاحباط الاقتصادي" يرى مراقبون ان الانفتاح في سورية على القطاع الخاص لا يتعارض اساسا مع الخطاب الاسلامي للنظام، لان الاسلام ينص على الاقتصاد الحر وحرية الملكية والتجارة.
الاقتصاد ومعادلة الحكم
ويؤكد مسؤولون سوريون وعلى رأسهم الدكتور محمد العمادي وزير الاقتصاد ان الانفتاح السوري ليس "انفتاحاً استهلاكياً" بل هو انفتاح انتاجي موجه نحو السوريين في الداخل والخارج اولا، ثم في اتجاه العرب والاجانب ثانياً. ويرفض نائب الرئيس السوري السيد عبدالحليم خدام اعتبار الانتفاح الاقتصادي انصياعا للغرب، ويؤكد ان تلبية لمتطلبات اقتصادية سورية اكثر مما هو استجابة لضغوط عليها. ويشير ان بلاده لم تسمع نصائح البنك الدولي "ولو فعلت ذلك لكانت دولة تعاني من الجوع". ويضرب مثلا على ذلك مطالبة هيئات التمويل الدولية سورية بالتخلي عن الاكتفاء الذاتي من القمح واعتماد سياسة الاستيراد من الولايات المتحدة وكندا لان نفقاتها ارخص من نفقات زراعة هذا المادة وتخزينها. الا ان هذه المطالبة رفضتها دمشق وأصرت على وجود مخزون من القمح لمدة ثلاث سنوات.
وبعيداً عن "المنطق الرسمي" لسياسة الانفتاح، يرى مراقبون ان الوضع الاقتصادي السوري يتحول في اتجاه حصول تغيير في معادلة الحكم المبنية على تفاهم السلطة السياسية، ويعبر عنها الوجه العسكري مع مراكز المصالح الاقتصادية الخاصة في اتجاه دور اكبر للمصالح الخاصة. ويرى الدكتور كينلي "ان هناك اختلافا كبيرا بين البرجوازية السورية السابقة، في الستينات والسبعينات وبرجوازية ما بعد 1986، وحل الازمة الاقتصادية الذي يتحدثون عنه كان، عمليا، حلا للقطاع الخاص الذي تعاظمت اهميته بعد 1986، فاكثر من 50 في المئة من الاستثمارات في سورية هي للقطاع الخاص، وكذلك الحال مع التجارة الخارجية، واعتقد بأن هذا القطاع سيكون المسيطر الاساسي على الحياة الاقتصادية في فترة ما بعد السلام". ويدعم هذا الرأي ما يقال من ان 70 في المئة من الصادرات السورية تتجه نحو الغرب، وان 80 في المئة منها يعود الى القطاع الخاص، وان ذلك سيؤدي حكماً الى تخفيف التوتر مع الغرب مستقبلاً.
ويقول اقتصاديون عرب ان الانفتاح السوري "يسير بوتيرة مدروسة لئلا تتكرر تجارب أليمة كتلك التي حصلت لدول المنظومة الاشتراكية او للاتحاد السوفياتي مثلا او للجزائر. فالقوى الاقتصادية الليبيرالية التي استطاعت تثبيت اقدامها منذ عام 1986 وقوى مركزها بعد صدورالمرسوم الرقم 10 الخاص بالاستثمار في بداية التسعينات، لا بد من ان تجد تعبيراً سياسياً لها في السلطة ومواقع الحكم مستقبلاً، وهو تعبير قد يتم في جوانب كثيرة على حساب قوى واجهزة كانت تفيد اقتصادياً من النظام في السنوات الماضية. ولا بد للقوى المتعاظمة من ان تحمي رساميلها واستثماراتها بموقع سياسي يترجم حجمها الاقتصادي، الامر الذي يشير الى احتمال زيادة التنافس على المواقع السياسية بينها وبين القوى والاجهزة القائمة حالياً.
ويقول هؤلاء ان الجانب الآخر لعملية الانفتاح "التي تتم بوتيرة تشبه، الى حد ما، وتيرة الاصلاح الاقتصادي في الصين" وهو الانتقال الهادئ من نظام الحكم الواحد والاشتراكية الى النظام التعددي الليبيرالي بأقل قدر ممكن من الخسائر. فقيام تعددية اقتصادية لو شابتها عثرات في التطبيق، هو المدخل الطبيعي لتعددية سياسية لا تنهار امام واقع اجتماعي غير مهيأ، فالانتقال في الجزائر مثلا من حكم الحزب الواحد الى التعددية لم ينجح لاصطدامه بوقع اجتماعي مكبل بأنظمة اشتراكية لم تتغير منذ 30 عاماً، والتنويع الاقتصادي القائم في سورية حاليا يمهد لنوع من الاستقرار في التحول الى الليبيرالية السياسية".
اين الطبقة الوسطى؟
لكن التوقعات لا تؤخذ بجوانب آحادية، فهناك من يرى ان للانفتاح الاقتصادي اثارا سلبية على الطبقات الاجتماعية في سورية لجهة زيادة الفوارق في بينها، خصوصا مع اعتبار شريحة اجتماعية كبيرة ان الفرص المتاحة حالياً للاستثمار والخصخصة تتم حصراً بين رأس المال المقيم او المغترب والمتنفذين في السلطة، وان المشاريع الكبرى لا تنفذ الا ب"مباركة" مسؤولين سياسيين وعسكريين ومشاركتهم في احيان كثيرة، وان الأمل بقيام طبقة وسطى تكون الضابط الاساسي للانفتاح الاقتصادي والسياسي يتضاءل لمصلحة تكوين طبقتين: واحدة من الرأسماليين والمتنفذين واخرى من عامة الناس.
وتعتبر هذه الشريحة ان "الانفتاح الاسرع" قد يولد"تفاوتا اكبر" بين الطبقات، الامر الذي سيعقد الامور اكثر ويزيد حدة التوتر الاجتماعي، خصوصا اذا تزامن ذلك مع توقيع اتفاقات سلام مع اسرائيل. وترى اوساط قريبة من الحكم ان المسؤولين السوريين يركزون على ضرورة تلافي اي خضة داخلية من شأنها ان تؤثر في الموقع التفاوضي لسورية، ولذلك تسير سياستهم الحالية على خيط رفيع جداً بين استمرار العملية السلمية والوصول الى نتائج، وفي الوقت نفسه احتواء التأزم الاجتماعي الناجم عن اسباب اقتصادية في الدرجة الاولى، والذي قد يجد اسبابا سياسية له في مرحلة لاحقة. ومن هنا ربما توقع كثيرون ان يكون استمرار التباطؤ في العملية السلمية مصلحة سورية خصوصا اذا ربط بالازمة الاقتصادية.
ويزيد في هذا التصور ان الطبقة العاملة السورية، طبقة الدخل المحدود تشكل اكثرية المجتمع وهي تعتبر ان ثورة الثامن من آذار 1963 قامت على اكتافها، وهذه الطبقة تستقطبها اكثر شعارات اليسار في مجلس الشعب وتتحالف مع التيارات المحافظة في النقابات وحزب البعث المتمسكة اكثر بالحفاظ على القطاع العام واعتماد سياسة رفع الاجور. وهذه الفئات عموما لا تبدي حماسة الى العملية السلمية وتلتقي في سياستها مع الفئات الدينية الموزعة وغير المنظمة. ويرى مراقبون ان الرئيس الاسد عندما قال في حديثه الى "الوسط" ان هناك مئات الالوف من الناس في سورية لا توافق على العملية السلمية وهي لم تتحقق بعد فانه كان ينبه الى مخاطر استمرار الضغوط على دمشق حالياً ما تنتج من انعكاسات اجتماعية داخلية ربما رفعت عدد الذين يرفضون التوقيع على اتفاق سلام الى ملايين.
تغيير موازين القوى
وفي المجال الاقتصادي ايضاً والتحول الاجتماعي ستبرز بقوة قضية تغيير موازين الاجتماعي ستبرز بقوة قضية تغيير موازين القوى بين الطبقة الحاكمة العسكرية والمدنية والطبقة الاقتصادية الصاعدة، خصوصاً مع بروز قوى ليبيرالية من رحم التنوع الاقتصادي، وهذه القوى تتوزع بين بقايا البرجوازية السابقة" ومجموعات النظام من مسؤولين وابناء المسؤولين، وبعض المتنفذين الذين استفادوا من مواقعهم وسطوتهم في سورية ولبنان في الحصول على امتيازات اقتصادية. ويعرب الدكتور كينلي عن اعتقاده بأن اهم قضية بعد السلام "ستكون العلاقة بين الرأسماليين والعسكريين، او بالاحرى بين شرائح عدة هي: عسكريون رأسماليون، رأسماليون غير عسكريين" وعسكريون غير رأسماليين والعسكريين الرأسماليين تمهد للانتقال الى حكم مدني خالص يدعمه الرأسماليون كما هي الحال في بعض دول اميركا اللاتينية، وبما توثقت العلاقة بين الفئتين في الحكم من دون ان تلغى واحدة الاخرى، وفي هذه الحال قد يحصل تحالف بين العسكريين غير الرأسماليين وحزب البعث والنقابات العمالية وتنظيمات الفلاحين والبرجوازية الصغيرة القريبة من الاصوليين الذين يمكن ان يدخلوا الحياة السياسية من هذا الباب".
البعث والشعارات المتناقضة
وبين الانعكاسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية يبرز تساؤل عن دور حزب البعث الحاكم في سورية والذي لم يستطع حتى الآن عقد مؤتمره العام الذي كان يجب ان يعقد عام 1989، ويعزو قريبون من النظام عدم انعقاده في تلك الفترة الى المتغيرات الدولية وانهيارالمنظومة الاشتراكية، وضرورة التريث لمعرفة ما ستؤول اليه الاوضاع على هذا الصعيد الذي يتعلق مباشرة بالبنية الايديولوجية للحزب. ثم تأجل المؤتمر مجدداً بسبب ازمة الخليج، وثالثة بسبب المفاوضات العربية - الاسرائيلية. وقالت المصادر نفسها ان حزبيين طالبوا احد كبار المسؤولين السوريين قبل شهرين بعقد المؤتمر فأجابهم "نحن مشغولون بمفاوضات ونبحث في طريق توقيع اتفاق مع اسرائيل وانتم تسألون عن مؤتمر"!
وأبعد من قضية مؤتمر الحزب، تبرز قضية دور البعث في مستقبل الحكم، اذ كيف سينسجم الحزب العلماني الاشتراكي الرافض الصلح مع الخطاب الاسلامي للنظام والاقتصاد الحر والسلام. فالحزب كان مع حرب التحرير والطبقة الكادحة وفصل الدين عن الدولة، فاذا به اليوم، وهو يضم نصف مليون كادر، مضطر الى التعامل مع وقائع مخالفة لشعاراته! فالخيارات الاستراتيجية السورية الخارجية على صعيد التحالفات وخطاب الدولة الداخلي تتجه الى الاسلمة لا الى العلمنة، والتكامل بين القطاعات الاقتصادية، العام والخاص والمشترك، والذي كان اساسا موضع نقاش يتعلق بالاحجام، تحول اليوم الى تنافس لم يعد القطاع العام يلعب فيه دوراً رياديا وهو ما يتعارض مع توجه التيارات الاساسية في الحزب. اما قضية مفاوضات السلام التي لا يتحمس اليها كثيرون في الحزب فيقول حزبيون "ان الورقة السورية التي قدمت في المفاوضات نوقشت في الحزب وهي تمثل الحد الاقصى الذي يمكن القول به، اي اتفاق سلام بعد الانسحاب الكامل من الاراضي المحتلة". ويرى هؤلاء ان المؤتمر المقبل للحزب عليه ان يحدد اجابات عن المسائل الحالية "التي تمس الاسس الحزبية نفسها". الا ان بعثيين آخرين يقولون ان مرحلة التحول "لا تطاول الحزب ولا سورية ولا الامة العربية، انها تطاول العالم بأسره وعليه يجب الا نقع اسرى فكرة اننا ننفرد بهذه المشكلة من دون سائر الناس".
وفي هذا المجال، يقول الدكتور كينلي ان الحزب "سيستمر المنظمة السياسية الوحيدة الكبيرة في سورية، فأكثرية الاحزاب غير معروفة لدى اكثرية السوريين، كما ان البعث هو الحزب الوحيد المنتشر في كل المحافظات والقطاعات، اما الاحزاب الاخرى فصغيرة والمعروف منها فقط احزاب الجبهة الوطنية التقدمية".
ويرى كينلي ان من المفارقات المهمة "هو ان يكون الحزب بعد السلام اقوى مما كان قبل السلام، ففي حال تحالف الرأسماليون مستقبلاً مع العسكريين الرأسماليين يمكن ان يقود الحزب تحالفا بين العسكريين غير الرأسماليين والنقابات والفلاحين واكاديميين وهيئات اجتماعية ودينية، فيدخل السياسة دخولاً اكثر من تعبيره عن مصالح الحكم كما هو حاصل حالياً".
كيف سيكون مستقبل سورية وسط هذه البانوراما من الاشكاليات والتوقعات؟ لا شك في ان اسلوب التعامل مع المسائل السابقة سيرسم شكل سورية مستقبلاً، ويعتقد مطلعون على الشأن السوري بأن لمستقبل النظام وجهين، سياسياً ودستورياً، لا يمكن توقع شكل الحكم باهمال واحد منهما، فالتعامل مع القضايا التي اثيرت سابقا سيرسم صورة للوضع السياسي - الاجتماعي، الا ان هناك وضعا دستورياً مؤسسات الحكم، ارسى الرئيس الأسد دعائمه وحرص على تثبيتها، يعول عليه بعضهم في ضبط الحركة ايجابا ويشيرون الى ان هذا الوضع وان بدا اضعف مما هو نتيجة عوامل عدة اهمها "ديناميكية القيادة التاريخية وحجم التحديات الخارجية التي تواجه سورية" الا انه سيكون "مفاجأة حقيقية خصوصاً ان عمر هذه المؤسسات هو 22 عاماً".
ويقول كينلي عن مستقبل سورية ما بعد السلام ان الرأسماليين في سورية "يوافقون على السلام، اما بقية القطاعات فأرى ان من الصعب عليها تقبل السلام، واعتقد بزن السوري عموماً لا يقبل بوجود كيان اسمه اسرائيل الى جواره، ودما قبل اليوم بذلك نتيجة الحروب الفاشلة التي كرست اسرائيل امرا واقعاً في المنطقة".
وتوقع ان يكون السلام "اذا حصل، سلاما باردا وهو سيكون لمصلحة اسرائيل اكثر مما سيكون لمصحلة سورية لأن الاولى في موقع اكثر قوة حالياً. يمكن ان نرى سفارة لكن العلاقات الثنائية ستكون شديدة الضآلة".
ورأى ان الحكومة السورية "ستستمر في السيطرة على المجتمع الى حد ما، ولكن في حدود اطارين: الاول فتح باب المشاركة السياسية وتخفيف اساليب القمع والقيود المفروضة على الحريات العامة، والثاني فتح الباب واسعاً امام التنويع الاقتصادي وحرية الاستثمار للسوريين والعرب الاجانب، وفي ذلك فائدة مزدوجة لسورية وللمستثمرين، وهذا الامر سيزيد من احتمال تحول القوة الاقتصادية الى قوة سياسية". ويقول رجال اعمال سوريون في الخارج ان المهم في كل الاسئلة عن المستقبل هو "التطور السلمي" للتحولات، سواء بقيام طبقة اقتصادية كبيرة تضمن ذلك او بتفعيل المؤسسات الدستورية القائمة وارساء نهج مؤسساتي مدني حقيقي يضبط التوازنات الاجتماعية.
الليبراليون في السلطة والجميع في المعارضة؟ العسكريون في السلطة والجميع في المعارضة؟ عدم تغيير الوضع الحالي مع تخفيف تدريجي للقيود على الحريات بانواعها؟ تحالف بين رأسماليين وعسكريين في مواجهة عسكريين غير رأسماليين وقوى يسارية ونقابات وبعث؟ تحالف بين القوى الاقتصادية الصاعدة والبعث وعسكريين في مواجهة تعددية حزبية قوامها اعضاء الجبهة الوطنية واحزاب اخرى؟...
توقعات كثيرة ربما صح احدها وربما بقيت توقعات، والامور مرهونة دائماً بقدرة رأس النظام على ادارة الامور بدقة شديدة في الداخل، والظروف الخارجية المساعدة التي سمحت له باستثمارها جيداً لتثبيت مواقعه وموقع سورية اقليميا ودولياً.
سورية تتجه الى خفض جيشها
ذكرت أوساط مطلعة أن المسؤولين السوريين يفكرون في الاستغناء عن دعوة المجندين في الجيش السوري من مواليد عام 1974 الى الخدمة الالزامية. وعزت ذلك الى أسباب عدة من بينها اجواء مفاوضات السلام، وتحديداً مواكبة دمشق الرغبة الدولية في خفض حجم قواتها المسلحة، معتبرة ذلك من المؤشرات التي يطلقها المسؤولون السوريون عن استعدادهم للتجاوب مع هذا الأمر.
لكن مصادر سياسية على صلة بالقيادة السورية رأت انه يجب عدم تضخيم الأمور كثيراً، مشيرة الى أن البحث في هذا الأمر ربما عاد الى رغبة المسؤولين السوريين في خفض النفقات المالية للخدمة العسكرية خصوصاً أنهم اضطروا في موازنة عام 1993 الى خفض موازنة الدفاع بنسبة ملحوظة.
القطاعات العام والخاص والمشترك : العمالة، قوة العمل، المساهمة في الدورة الاقتصادية *
القطاع العام
عدد العاملين فيه 631 الف سوري، يشكلون 31 في المئة من قوة العمل الاجمالية في سورية، ويرتفع عدد العاملين في هذا القطاع مع عائلاتهم الى ستة ملايين الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وتقدّر قوة العمل الاجمالية ب 5.3 مليون مواطن وتبلغ نسبة العاملين المنتجين 28 في المئة من عدد السكان، يعمل ما نسبته 25 في المئة منهم في القطاع الزراعي الذي يساهم في ربع الانتاج المحلي الاجمالي.
القطاع الخاص
ساهم عام 1991 في 55 في المئة من الانتاج المحلي. وتنوعت مساهماته في المجالات الآتية:
زراعة: 6.98 في المئة.
نقل ومواصلات: 75 في المئة.
تجارة: 62 في المئة.
مال وعقارات: 59 في المئة.
بناء: 50 في المئة.
صناعة: 37 في المئة.
خدمات: 13 في المئة غرفة تجارة دمشق 1992.
وأنشئت مؤسسات صناعية ضخمة نسبياً منذ عام 1985 يتراوح عدد مستخدميها بين 50 و100 عامل وموظف، وبلغ عدد المشاريع الخاصة المرخّص لها حتى منتصف 1992، 430 مشروعاً نصفها صناعي ومعظم النصف الآخر في مجال النقل. وتجاوز معدل رأس مال المشاريع الصناعية وشركات الخدمات الخاصة اربعة ملايين دولار.
وبلغ مجموع استثمارات القطاع الخاص 4.93 بليون ليرة سورية، منها 72 بليون ليرة 7.1 بليون دولار في مجال التبادل التجاري الخارجي بين 1991 و1992. وأوجد القطاع الخاص نحو 56400 فرصة عمل جديدة في الفترة نفسها.
القطاع المشترك
مارس القطاع الخاص نشاطه الاقتصادي عبر شركات ومشاريع "القطاع المشترك" التي ملكت الحكومة نسبة لا تقل عن 25 في المئة من اسهم كل منها. ويدير القطاع الخاص هذه الشركات ويموّلها فيما تقدم اليها الحكومة الارض والبناء وما شابه ذلك. واستفادت هذه المؤسسات من تسهيلات واسعة اهمها الاعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية على ما تستورده خلال 5 - 7 سنوات.
واتخذت القوانين والتشريعات الرئاسية المتعلقة بانشاء شركات القطاع المشترك استناداً الى التسلسل الآتي:
- 1977: القانون الرقم 56: "الشركة العربية السورية للمؤسسات السياحية" - مؤسسها ورئيسها عثمان عائدي.
- 1978: القانون الرقم 41: "الشركة السورية للنقل والتسويق السياحي" ترانستور مؤسسها ورئيسها صائب نحاس.
- 1986: القانون الرقم 10: شركات زراعية.
- 1986: القانون الرقم 186: مجلس أعلى للسياحة.
- 1991: القانون الرقم 10: لتشجيع الاستثمار في سورية.
اما اهم مؤسسات القطاع المشترك واكثرها نجاحاً فهي: "الشركة العربية السورية للمؤسسات السياحية" التي تملك 17 فندقاً ومؤسسة سياحية فخمة 5 نجوم وتنتشر قرب المواقع الاثرية في سورية. استطاعت عام 1987 انجاز المجمّع الفندقي 3 آلاف سرير خلال 12 شهراً، لاستضافة المشاركين في دورة البحر المتوسط الرياضية اللاذقية، بعدما عجز القطاع العام عن انهائه في الوقت المناسب. ويبلغ عدد المساهمين فيها 19 الفاً، ويملك العاملون فيها 6 آلاف عامل وموظف 10 في المئة من رأس المال.
"الانفتاح" الاقتصادي
صدر القانون الرقم 10 عام 1986، وينص على تسهيلات واسعة لشركات القطاع المشترك وأعفاها من الضرائب الجمركية لمدة 7 سنوات، وسمح لها بفتح اعتمادات مصرفية جديدة بالقطع الاجنبي.
وصدر قانون الاستثمار الرقم 10/1991 استجابة للمتغيرات الدولية والمحلية بعد حرب الخليج وعودة 100 الف سوري من الكويت. ويشترط، مثل سابقه، في الشركات والاستثمارات ايجاد فرص عمل جديدة وزيادة الصادرات ونشر الخبرة التكنولوجية في البلاد. ولا يمكن مؤسسة ان تستفيد منه الا اذا تجاوز رأس مالها عشرة ملايين ليرة سورية.
* المصدر: مداخلات للباحثين سيلفيا بولنغ وديفيد باتر وفولكر بيرتيس في مؤتمر "التغير السياسي والاقتصادي الراهن في سورية: التحرر بين الحرب الباردة والسلام البارد" الذي عقد في كلية الدراسات الشرقية والافريقية في جامعة لندن في 27 حزيران يونيو الماضي.
العامل السكاني
نسبة نمو عدد السكان سنوياً هي 4،3 في المئة. ازداد عددهم منذ 1963 على النحو الآتي:
- 5 مليون نسمة 1963.
- 7 مليون نسمة 1973.
- 6،9 مليون نسمة 1983.
- 5،12 مليون نسمة 1991 تقريبية.
ويعتقد ان عدد سكان سورية سيصل الى 18 مليون نسمة في السنة 2000، كما تفيد تقارير البنك الدولي.
ويعيش نصف السكان في المدينة، ولا تزال الهجرة من الريف الى المدينة ناشطة. والشعب السوري شاب كما تدل معدلات الاعمار:
60 في المئة دون سن العشرين
20 في المئة بين 20 - 40 سنة.
12 في المئة بين 40 - 60 سنة.
5 في المئة فوق الپ60 سنة.
* المصدر: دراسة سيلفيا في المؤتمر نفسه.
الكهرباء والعقود الاجنبية والمساعدات الخليجية *
أدى انخفاض منسوب المياه وراء سد الطبقة الى نقص في الطاقة الكهربائية اضافة الى انعدام الصيانة ومشاكل السد ومنشآته الهيدروليكية.
تبلغ الطاقة الكهربائية الفعلية التي ينتجها سد الطبقة 150 ميغاواط نظرياً، يجب ان يقدم 800 ميغاواط. وينتج سد البعث 75 ميغاواط.
هناك ثلاث محطات توليد لكهرباء يديرها متعاقدون أجانب:
محطتان ملحقتان بمنشآت محردة وبانياس تبلغ طاقتهما 325 ميغاواط.
محطة وديان الربيع في دمشق 400 ميغاواط تستثمرها شركة يابانية: "ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة".
تم التعاقد على انشاء محطات جديدة تبلغ طاقتها 1050 ميغاواط وستشرف عليها شركات صينية وشركة "ميتسوبيشي للصناعات الثقيلة".
شركة سيمينز الالمانية فازت في عقد لتمديد 700 الف خط هاتفي، وبدأت بالمشروع الذي جاءت كلفته من مساعدات مالية كويتية.
تنفذ مجموعة شركات ايطالية مشروعاً لتصريف مياه المجاري في دمشق، قدمت كلفته دول عربية. وستنفذ الشركات ذاتها مشاريع مماثلة في حلب وطرطوس واللاذقية، ستغطي جزءاً من كلفتها اموال قدمتها السوق الاوروبية المشتركة.
مولت المملكة السعودية مشروع اقامة معمل للفولاذ بلغت كلفته 700 مليون دولار.
دفعت الكويت نفقة اقامة معمل غزل 120 مليون دولار في ادلب.
تساهم دول الخليج في تعزيز التطور الصناعي السوري من خلال تمويل مشاريع اقامة معامل سماد ونسيج واسمنت، تتجاوز قيمتها الاجمالية الف مليون دولار.
ديفيد باتر: المصدر نفسه.
الوضع الاقتصادي حاضراً ومستقبلاً *
تحسن الوضع الاقتصادي منذ اواخر الثمانينات وانخفض العجز في الميزان التجاري بين 1989 و1991 وكان هناك فائض لدى الحكومة في تلك الفترة. ومن اسباب هذا الانتعاش:
- الانفتاح الاقتصادي وتشجيع القطاع الخاص الذي زادت صادراته.
- زيادة الصادرات من النفط الخام ومشتقاته زادت اربعة امثال بين 1986 و1991، وشكّلت 53 في المئة من قيمة الصادرات السورية الاجمالية.
- المساعدات الخليجية التي يتوقع ان تحصل سورية على مزيد منها عبر "صندوق التنمية الخليجي" رأس ماله 6.5 بليون دولار.
وفي احتمالات التطور الاقتصادي يتوقع المراقبون الآتي:
- استمرار الانفتاح.
-اقامة سوق بورصة، بدأت الاستعدادات لتأسيسها.
- ان تصبح الليرة السورية عملة قابلة للتحويل الى العملات الصعبة وغيرها.
- انشاء مصارف خاصة في الاعوام المقبلة، ويجري حالياً تداول هذا الموضوع.
- عدم تخلي الحكومة عن نظام رخص الاستيراد الذي هو وسيلة للتحكم السياسي بالمجتمع.
- تقليص القطاع العام اكثر فأكثر من خلال تأجير أو بيع شركات خدمات ومجمعات استهلاكية وأراض تملكها الدولة. الا ان الحكومة لن تتخلى عنه نهائياً.
- عدم تفريط الدولة بحرية قراراتها الاقتصادية، والسماح لهيئات اقتصادية دولية مثل "صندوق النقد الدولي" او محلية مثل "غرفة التجارة والصناعة" بالتدخل فيه. ومن ابرز سمات "الانفتاح" تطبيقه تدريجاً وفق تسلسل زمني ونوعي اختارته الحكومة.
- اصلاح قانون العمل.
- تحديث القانون التجاري.
- اعطاء مزيد من الحرية للتجارة.
- تحسين السياسة المالية.
- سيتمتع القطاع الخاص بنفوذ اكبر على السياسة الاقتصادية، وسيكون له وجود اقتصادي أوسع اذا استمر الاستقرار السياسي.
وهناك دلائل الى امكان تحقيق القطاع الخاص نجاحات اكبر لاسباب عدة، اهمها قدرته على تمويل مشاريعه بخلاف القطاع العام، لان رجال الاعمال السوريين يرتبطون بشبكة من العلاقات الاقتصادية مع مصادر مالية خارجية ومع المغتربين السوريين الذين يملكون رؤوس أموال كبيرة.
- قد توفر سورية 15 الف مليون ليرة سورية مع حلول السلام، اذا خفضت انفاقها العسكري من 9 في المئة الى 4 في المئة من "الانتاج المحلي الاجمالي" للبلاد.
- قد تضطر الى استيراد الغذاء مستقبلاً، لكن نسبة هذه الواردات لن تصل، في الغالب، الى 21.2 في المئة النسبة الاجمالية للواردات الغذائية في 1991.
- قد ترتفع نسبة الواردات الاخرى بإستثناء الغذاء عن معدلها الاجمالي في 1991، الى 38.5 في المئة.
- قد تصل عائدات النفط الخام في 1993 الى 2.2 بليون دولار.
- من غير المستبعد ان تمتنع سورية عن تسديد اقساط ديونها "السوفياتية"، اذا قررت اغضاب روسيا خليفة حليفها القوي سابقاً. وعندها ستكتفي دمشق بدفع ما تتراوح قيمته بين 200 و300 مليون دولار، من اصل الدين الاجمالي 10 - 12 بليون دولار. ومعروف ان قيمة ديون سورية الخارجية بلغت 16.8 بليون دولار، وتدفع عليها الحكومة فوائد سنوية ونفقات تتراوح بين 1 و1.2 بليون دولار.
- على رغم بطء عملية الانفتاح، والنزاع الصامت بين انصار التحرر الاقتصادي والاشتراكيين، ووجود بيروقراطية لا تتمتع بالكفاءة، كانت نتائج ما بعد القانون الرقم 10 للاستثمار مشجعة حتى الآن. وقامت خلال هذه المدة مشاريع خاصة جديدة موزعة على النحو الآتي:
107 مشاريع في مجال الاغذية، بقيمة 19.4 بليون ل. س.
62 مشروعاً في مجال النسج والالبسة، بقيمة 7.9 بليون ل. س.
67 مشروعاً في مجال الكيماويات والادوية، بقيمة 7.9 بليون ل. س.
* المصدر: سيلفيا بولنغ وفولكر بيرتس وايبرهارد كينلي في مؤتمر "التغير السياسي والاقتصادي الراهن في سورية" لندن - 27 حزيران يونيو 1993.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.