أسدل الستار على بطولة العالم الرابعة لألعاب القوى التي اقيمت في شتوتغارت بتكريس زعامة الولاياتالمتحدة وتحولها قوة عظمى وحيدة لا منافس لها في هذا المجال حتى اشعار آخر رغم خسارتها سباقي مئة متر ومئتي متر للرجال وشهدت البطولة انهيار كل من روسيا الاتحاد السوفياتي سابقاً والمانيا الموحدة مع ان البطولة اقيمت فوق ارضها، وفي المقابل شهدت صعوداً لافتاً للصين ولا سيما في فئة السيدات ما يوحي بأن الخطر الاصفر سيدق أبواب البطولة المقبلة. وكانت حصيلة العرب متقشفة اذ اقتصرت على ذهبية يتيمة احرزها الجزائري نورالدين مرسلي وعلى برونزية احرزتها الجزائرية حسيبة بولمرقة حصيلة العرب في البطولة السابقة ذهبيتان وبرونزيتان. اما على الصعيد الشخصي فقد تميزت البطولة بإحراز الاوكراني الطائر سيرغي بوبكا لقبه العالمي الرابع على التوالي في القفز بالزانة، وبإحراز العداءة الجامايكية ميرلين اوتي ذهبيتها الاولى بعدما عاندها الحظ طويلاً في حين كان البطل الاسطوري كارل لويس الخاسر الاكبر في هذه البطولة اذ حل رابعاً في سباق مئة متر واكتفى بميدالية برونزية في سباق مئتي متر هو الذي اعتاد ان يحصد الذهب في البطولات السابقة. سقوط الارقام وقد حققت بطولة العالم الرابعة لالعاب القوى في شتوتغارت رقماً قياسياً باشتراك 1862 لاعباً ولاعبة ينتمون الى 189 بلداً ناهيك عن النجاح التنظيمي والنجاح الاعلامي حيث نقلت وقائعها 196 دولة وقدر عدد مشاهديها بمليار نسمة يومياً. وكانت غلة الارقام العالمية التي حطمت في شتوتغارت وفيرة فسقطت اربعة ارقام كانت لبريطانيا منها حصة الاسد اذ سجلت البريطانية سالي غونيل في سباق 400 متر حواجز رقماً عالمياً مقداره 52.74 ثانية وسجل البريطاني كولن جاكسون في سباق 110 امتار حواجز رقماً اخر 12.91 ثانية. ونجحت الروسية أنا بيريوكوفا في تحقيق رقم عالمي في الوثبة الثلاثية 15.09 متر في حين حقق منتخب الولاياتالمتحدة في سباق التتابع 4 مرات 400 متر الذي يضم العدائين اندرو فالمون وكوينسي واتس وهاري بوتش رينولدز ومايكل جونسون انجازاً عظيماً بعدما حطموا الرقم السابق 2.55.74 دقيقة بفارق 1.45 ثانية مسجلين 2.54.29 دقيقة. ونجح المنتخب الاميركي في سباق التتابع 4 مرات 100 متر المكون من اندره كازون ودنيس ميتشيل وجون درومون وليروي باريل الذي حل محل كارل لويس في معادلة رقم العالم مسجلاً 37.40 ثانية محرزاً ذهبية السباق للمرة الرابعة على التوالي. مفارقات ومفاجآت ولم تخل هذه البطولة من بعض المفارقات والمفاجآت، ناهيك عن سباقات بلغت ذروة الاثارة ولا سيما سباق مئة متر للرجال وقد أتينا على ذكره في العدد السابق، وسباق مئة متر للسيدات حيث اضطرت الجامايكية ميرلين اوتي والاميركية غيل ديفرز اللتان عبرتا خط الوصول في اللحظة ذاتها الى الانتظار طويلاً قبل اعلان الاميركية فائزة، واضافت ديفرز ذهبية اخرى الى سجلها عندما احرزت سباق مئة متر حواجز ايضا فكانت الرياضية الوحيدة من الجنسين التي فازت بلقبين فرديين ي شتوتغارت. وكان سباق التتابع 4 مرات 100 متر للسيدات حافلاً بالندية والاثارة بين منتخب الولاياتالمتحدة ومنتخب روسيا، وقد حسمت الصورة النهائية "فوتو فينيش" النتيجة لصالح الروسيات. ومن المفارقات الطريفة ما شهده سباق 800 متر للرجال فقد وقع الاختيار على العداء الكيني بول روتو ليقوم بدور "ارنب السباق" لصالح زميليه بيلي كونشالا بطل العالم مرتين وويليام تانوي البطل الاولمبي وفق سيناريو المناورات التي يتقنها الكينيون في مثل هذه المناسبات. انطلق روتو في الطليعة وتصدر السباق فاستمرأ طعم الصدارة ورأى في لحظة من الزمن انه قادر على الفوز بالسباق وكان له ما اراد هو الذي كان من المتوقع وفق خطة السيناريو ان ينسحب من السباق قبل خط الوصول بمئتي متر. اما سباق 1500 متر للرجال فكان معقود اللواء للعداء الجزائري نور الدين مرسلي بعدما أجمعت توقعات الخبراء على اعتبار فوزه مضموناً ولكن الاثارة سبقت السباق اذ قرر مرسلي مقاطعة البطولة وظلت مسألة مشاركته معلقة حتى اللحظة الاخيرة ما أضفى على البطولة اثارة من نوع آخر… وشهد سباق خمسة آلاف متر للرجال تصفية حسابات قديمة بين العدائين الكينيين والعداء المغربي خالد سكاح فالكينيون حشدوا صفوفهم وقرعوا طبولهم وشحذوا اسلحتهم والمطلوب واحد: رأس خالد سكاح. وقد احتاط هذا الاخير للأمر فقرر المشاركة في سباقي خمسة آلاف وعشرة آلاف متر لكي يوزع طاقات الكينيين ويخفف من وطأة ضغطهم وحصارهم، لكنه فشل في تعطيل المناورات التي استهدفته واستطاع اسماعيل كيروي ان يثأر لهزيمة أخيه ريتشارد شيليمو في برشلونة فأحرز ذهبية السباق بينما حل سكاح في المرتبة الخامسة، وبعد تشاور مع مدربه ومع البطل المغربي سعيد عويطه قرر سكاح الانسحاب من سباق عشرة آلاف متر مؤثراً ان يتفرغ للتدريب استعداداً لتحطيم الرقم العالمي لهذه المسافة في لقاء دولي يقام في برلين قبل نهاية هذا الشهر، وهكذا خرج سكاح من شتوتغارت خالي الوفاض وفي قلبه خيبة لا تقل مرارة عن خيبة كارل لويس الذي بدأ النقاد والخبراء يتساءلون بقلق هل أدنت شمس عصره بالغروب؟