بعد مرور 3 سنوات على تطبيق التعددية الحزبية، منذ تحقيق الوحدة اليمنية في 22 ايار مايو 1990، يرى مراقبون حياديون ان هذه التعددية حققت نجاحاً نسبياً حتى الآن، من حيث قدرة الاحزاب على التعايش والتداول السلمي للسلطة بعد الاحتكام الى صناديق الاقتراع. واكدت هذا الواقع الانتخابات النيابية الاخيرة التي شارك فيها عشرون حزباً وتنظيماً لكن الفوز فيها كان لائتلاف الاحزاب الثلاثة الكبيرة، المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي، والتجمع اليمني للاصلاح. ويقول رئيس الوزراء اليمني حيدر ابو بكر العطاس ان الوحدة ليست عصا سحرية، فحزبا المؤتمر والاشتراكي ورثا مخاوفهما وهواجسهما من فترة التشطير، وهي تجلت في خلافات الحزبين اثناء الفترة الانتقالية حيث شُكلت لجان لمعالجة سلبيات التعامل بين شريكي السلطة، الامر الذي شكل فرصة للمعارضة، خصوصاً حزب الاصلاح، لاستثمار هذه السلبيات. الا ان مرحلة انتقالية جديدة بدأت بعد الانتخابات الاخيرة، قوامها علاقة ثلاثية بين الاصلاح والاشتراكي والمؤتمر، ما جعل المعارضة تخسر صوت الاصلاح في حين لم يكسب شريكاه في السلطة، نظراً الى ان الموقف الجوهري للاصلاح من المؤتمر والاشتراكي لم يتغير بصورة كبيرة. فأصبح حاكماً ومشاركاً في المعارضة، كما كان قبل الانتخابات عندما شاركت عناصر منه في السلطة باسم حزب المؤتمر. ومع هذا الوضع لم يتغير شيء من المخاوف المتراكمة في علاقات الاحزاب الثلاثة، حتى وان حاول احدها ان ينفي او يقلل من شأن هذه المخاوف في فترة انسجام، فالسياق التاريخي لهذه العلاقة يؤكد هذه الحقيقة. وعلى رغم المخاوف حاولت الاحزاب الثلاثة نسيان الماضي، بعد اعلان الوحدة، بهدف التعاون والتعايش، فتشكلت لجان مشتركة لم تنجح محاولاتها في تحقيق الوفاق الكامل. واذا كان منطق الامور يقول ان المشاركة في السلطة والمسؤوليات يعني مزيداً من الوفاق والتقارب، فان المنطق نفسه يفرض البحث في واقع هذه العلاقات، حاضراً، وفي مسارها المستقبلي، من خلال صيغ ووثائق الاتفاقات بين الاحزاب الثلاثة. ان ابرز الاتفاقات الموقعة بين الاحزاب اتفاقان، وآخر قيد الاعداد: ميثاق العمل السياسي. وضعته لجنة مشتركة من المؤتمر والاشتراكي ليكون صيغة عمل وتعاون الاحزاب، وان بدت هذه الوثيقة كأنها لتنظم العلاقة بين الاشتراكي والمؤتمر بشكل خصوصي. وقد اعلن الميثاق في آذار مارس الماضي ولم يلق استجابة تذكر من احزاب المعارضة التي انتقدته لا سيما حزب الاصلاح. ثم عُدّل الميثاق ليصبح اكثر قبولاً من المعارضة فيتوافر له اجماع شعبي واسع قبل الانتخابات. لكن حظه هذه المرة لم يكن افضل من السابق بكثير، من حيث الاستجابة له. الا انه لم يجد رفضاً قاطعاً، غير ان حزب الاصلاح وافق عليه، خلافاً لموقفه السابق. وثيقة التنسيق التحالفي على طريق التوحيد بين المؤتمر والاشتراكي. جاءت هذه الوثيقة نتيجة محاولات المرحلة الانتقالية الاولى للتنسيق بين الحزبين وصولاً الى توحيدهما، كما يأمل حزب المؤتمر، والى التحالف، كما يرغب الاشتراكي. وكان اقصى الممكن التوصل الى التوقيع على هذه الوثيقة التي جمعت بين ثلاثة مصطلحات هي التنسيق والتحالف والتوحيد. وثيقة الائتلاف الثلاثي بين المؤتمر والاشتراكي والاصلاح. وقّعها زعماء الاحزاب الثلاثة في 29 ايار مايو الماضي لتنظم العلاقة بين احزابهم، خصوصاً في ما يتعلق بالكتلة البرلمانية والائتلاف الحكومي. اللقاء الاخير 21 حزيران - يونيو الماضي بين الاشتراكي والاصلاح للبحث في التنسيق بينهما، بواسطة لجان، في اطار الائتلاف الحكومي. وقال السيد عبدالوهاب الآنسي نائب رئيس الوزراء الامين العام للاصلاح: "لا يزال الحوار في بدايته، وسينتهي الى التوقيع على صيغة للتنسيق بين الاشتراكي والاصلاح للمرة الاولى في تاريخهما". ان متابعة عملية تعاطي الشركاء الثلاثة في السلطة بعد اسابيع قليلة من تشكيل الحكومة، تظهر نمط العلاقة القائمة، ورؤية كل حزب منهم لشريكيه. فالاصلاح يرى ان حقيقة وضعه في الائتلاف تجعل منه ثاني اثنين لا ثالث ثلاثة، اذ ان المؤتمر والاشتراكي في نظره، هما اشبه بحزب واحد او حتى كتلة واحدة. فهما مثلاً، مهما اختلفا، يتفقان على ان حتمية التوازن تفرض عليهما استمرار الاشتراك في السلطة. ولذا، دافع المؤتمر بحماس ملحوظ قبل الانتخابات وأثناء تمديد الفترة لمجلس الرئاسة وخلال وضع مشروع التعديلات الدستورية لتحويل مجلس الرئاسة الى رئيس للجمهورية ونائب للرئيس عن بقاء الاشتراكي شريكاً له في السلطة. بينما لا يشعر الحزبان او احدهما، بشيء من هذا تجاه الاصلاح، بل ربما اعتبراه فقط "مفروضاً" عليهما بحكم ما حصل عليه من مقاعد في مجلس النواب. وهذا ما قاله مسؤول قيادي في حزب الاصلاح لپ"الوسط". وأضاف مستدلاً على قوله ان الاصلاح لم يحصل سوى على اربع حقائب في حكومة من 29 حقيبة، وهو لم يكن ليحصل عليها لولا عدم قبوله بحقيبتين اثنتين. اما الاشتراكي فيرى ان مسألة التنسيق والتكامل والتعاون قائمة فعلاً بين المؤتمر والاصلاح بصفة طبيعية الى حد تبادل الاعضاء بينهما اثناء الانتخابات، لوجود تقارب وعلاقة مميزة بينهما. ويؤكد هذا في نظر الاشتراكي، ان اتفاقات ومحاولات التنسيق الثنائية، تقوم بين الاشتراكي والمؤتمر من جهة، وبين الاشتراكي والاصلاح من جهة ثانية. ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث بين المؤتمر والاصلاح، حتى الآن، لأن وجود التقارب والعلاقة الطبيعية لا تستدعي شيئاً من هذا. ومن ناحية ثالثة يرى المؤتمر بأنه يمثل في الائتلاف الثلاثي غالبية النواب والكتلة البرلمانية، وانه العقد الذي لا يلتئم الائتلاف من دونه، بوصفه المنبر الوسط بين الطرفين، وصمام الأمان لهما. وبيضة القبان في توازن الائتلاف. ومع هذا لم يمانع المؤتمر من اشراكهما في السلطة بصفة متساوية، تضحية منه لتعميق التجربة التعددية اضافة الى ان المؤتمر كما يرى قادته، يتحمل، من وجهة نظر الاشتراكي والاصلاح، القسط الاكبر من المسؤولية عن السلبيات، بينما تختلف النظرة عند استعراضهما الايجابيات، كما قال لپ"الوسط" مصدر مطلع في المؤتمر، مضيفاً "ان هذا ليس المهم، بل المهم ان المؤتمر يتحمل في نظر الشعب، كل المسؤولية عن الدولة كاملة، سواء في الفترة الانتقالية او في ظل الائتلاف الثلاثي الحالي". وضرب مثلاً بأنه "لو حدث خلاف داخل الائتلاف، لما تردد اي من الاشتراكي او الاصلاح، في الانسحاب من الائتلاف. ولكن، هل يمكن ان ينسحب المؤتمر؟". وتجدر الاشارة هنا الى ان وثيقة الائتلاف الثلاثي، تنص على ان من حق اي من الاحزاب الثلاثة ان ينسحب من الائتلاف، ولكن ليس في السنة الأولى من تشكيل الحكومة، ولا قبل الانتخابات النيابية بفترة ستة اشهر. وبالنسبة الى فرص نجاح التحالف فان ما تحقق من وثائق التنسيق الاربع لا يوحي بأنها ستحقق شيئاً، في المدى المنظور، باستثناء لجان التنسيق بين الاصلاح والاشتراكي حيث لا يزال الحوار بينهما من دون نتيجة. لكن المهم هنا هو وثيقة الائتلاف الثلاثي، فاذا استثني منها ما يتعلق بالكتلة البرلمانية وتشكيل الحكومة فان شيئاً لم يطبق منها. بل ان قادة الاصلاح اكدوا ان تشكيل الحكومة جاء مخالفاً لما تضمنته الوثيقة من حيث عدد الحقائب المخصصة لكل حزب. ان ابرز نقاط الاختلاف والاتفاق داخل الائتلاف الثلاثي هو موضوع التعديلات الدستورية، الذي نصت وثيقة الائتلاف على ان تتفق الاحزاب الثلاثة على اعداد مشروعه. ويتركز هذا الخلاف في الجوانب الآتية: 1 - بعد الانتخابات مباشرة، وضعت لجنة مشتركة، مشروع التعديلات الذي شمل كما هو متفق عليه سلفاً، اقتراحات الاحزاب الثلاثة. وقبل ان يعلن المشروع رسمياً، وقع خلاف على صيغته، فخضع للتعديل. 2 - تضمن المشروع، اقتراحات المؤتمر والاشتراكي، التي ضمناها وثيقة التنسيق التحالفي بينهما، ومنها انشاء مجلس شورى يشكل مع مجلس النواب الجمعية الوطنية. وانتخاب هيئات الحكم المحلي في المحافظات، اضافة الى تحويل مجلس الرئاسة الى رئيس ونائب للرئيس... ومقترحات اخرى. 3 - منذ ابرام وثيقة الائتلاف حتى الآن، ظهرت آراء متناقضة لدى احزاب الائتلاف، حول بعض التعديلات التي شملها المشروع. فالاصلاح ردد على لسان رئيسه الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر رئيس مجلس النواب، اكثر من مرة بأنه لا يوافق او انه متحفظ، على انشاء مجلس الشورى وانتخاب هيئات الحكم المحلي. وكانت "الوسط" اول من نشر هذا في حوار مع زعيم الاصلاح. اما الحزب الاشتراكي فقد خرجت الدورة الثلاثون للجنته المركزية 19 - 22 حزيران - يونيو الماضي، بتأكيد التعجيل في انتخاب هيئات الحكم المحلي في المحافظات، وقبل كل هذا ضرورة ان يسبق مناقشة مجلس النواب لأية تعديلات دستورية، اخضاعها "لمناقشات جماهيرية واسعة، تسهم فيها الاحزاب والمنظمات الجماهيرية..."، وان "اي اتفاق بشأن التعديلات الدستورية، يخضع لاستفتاء شعبي...". ولم يظهر من المؤتمر الشعبي العام اي جديد لا في موضوع التعديلات ولا في موقفه من رأي شريكيه في الائتلاف. الا ان قيادياً في المؤتمر، قال لپ"الوسط" ان رأي المؤتمر لم يتغير وهو يرى "ترك موضوع التعديلات لمجلس النواب ليقرّ او يعدل او يقرر استفتاء شعبياً من عدمه...". ان الخلاف على موضوع التعديلات الدستورية قد يعطل قدرة مجلس النواب على انجازها خلال فترة التمديد المحددة لمجلس الرئاسة التي تنتهي في منتصف تشرين الأول اكتوبر المقبل. وبالتالي فان هذا وحده قد يكون كفيلاً بتوسيع الخلاف داخل الائتلاف في المستقبل القريب، كما ان موضوع التعديلات حتى الآن، لم يأخذ ما يستحقه من الاهتمام، ما يوحي بأن الاختلاف حول صيغته ومضمونه، لا يزال مستمراً.