تعتبر وثيقة "التنسيق التحالفي" التي أعلنها المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، حدثاً جديداً ومتقدماً على صعيد العلاقة بينهما وصولاً الى التوحيد بحسب تعبير الوثيقة. وشكلت هذه الوثيقة بداية مرحلة جديدة في العلاقة بين الحزبين اللذين يتمتعان بأغلبية المقاعد النيابية في البرلمان الجديد. وتم اعلان الوثيقة في العاشر من أيار مايو الجاري بعد اجتماع مشترك عقدته الهيئتان القياديتان للحزبين برئاسة الأمينين العامين الرئيس علي عبدالله صالح المؤتمر ونائب الرئيس علي سالم البيض الاشتراكي، وبعد توقيع زعيمي الحزبين عليها. عنوان هذه الوثيقة "وثيقة التنسيق التحالفي على طريق التوحد بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني". وواضح من التسمية أنها مصممة بعناية لترضي كل الأطراف، ففيها التنسيق والتحالف وسيلة للتوحيد، وفيها تركيب الكلمات الثلاث بصيغة تحاول التهرب من تكرار المصطلحات بالصيغ الماضية نفسها. ويتلخص مضمون الوثيقة في أربعة محاور: أولاً: تمهيد... تناول مهمة الحزبين في تحقيق الوحدة ماضياً والعمل على ترسيخها حاضراً ومستقبلاً في إطار الديموقراطية والتعددية الحزبية، وما يترتب عليها من التزامهما لمبدأ التداول السلمي للسلطة... وبالتالي: "فانهما يقران إقامة تنسيق بينهما وثيق وراسخ وصولاً الى قيام تنظيم سياسي واحد، بدءاً بتشكيل كتلة برلمانية واحدة". ثانياً: الخطوات التي سيعمل الحزبان على تحقيقها بالتنسيق بينهما، وهي: تشكيل كتلة برلمانية واحدة في البرلمان الجديد واستكمال بناء الدولة من خلال اصلاحات دستورية تستهدف تحديد معالم النظام السياسي في "صيغة تأخذ من النظامين الرئاسي والبرلماني بما يتوافق مع الظروف الراهنة والواقع اليمني"، وتحديد ملامح السلطات الثلاث، و"تأكيد استقلالية القضاء وحياد المؤسسات الأمنية والعسكرية". وحددت الوثيقة هنا، مجالات الاصلاحات الدستورية في الأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحقوق وواجبات المواطنين، وأوضحت مواقع هذه المجالات في الأبواب الثلاثة الأولى من الدستور، لاعادة صياغتها بما يحقق الوضوح والاختصار "وإزالة أي لبس أو غموض يفتح مجالاً للجدل". ثالثاً: أهداف التعديلات الدستورية، وحددتها الوثيقة بثلاثة أهداف، هي: 1- توسيع المشاركة الشعبية بانشاء مجلس الشورى الى جانب مجلس النواب. 2- تعزيز السلطة التنفيذية بانتخاب رئيس الدولة ونائبه، "واعتبار الحكومة ميدان التداول السلمي للسلطة". 3- استقلالية القضاء من حيث تعيين القضاة ونقلهم ومحاسبتهم، وخلصت الوثيقة الى تحديد السلطة التشريعية ضمن الحديث عن السلطات الثلاث في مجلس النواب ومجلس الشورى والجمعية الوطنية التي تتكون من مجموعهما برئاسة نائب رئيس الدولة، وحددت طريقة تشكّل كل منها. ويجدر التوقف عند تحديد الوثيقة ثلاثة جوانب في التعديلات الدستورية المتعلقة بالسلطات الثلاث. وهذه الجوانب هي: الأول: مهام البرلمان. وحددتها في خمس نقاط: 1- اتفاقيات الحدود ومعاهدات الصلح والتحالف. 2- تعديل الدستور. 3- إقرار الترشيحات لرئاسة الدولة. 4- النظر في أي خلاف حاد ينشأ بين مجلس النواب والحكومة. 5- أية قضايا أخرى يتفق عليها وينص عليها الدستور. الثاني: طريقة انتخاب رئيس الدولة ونائبه. وحددت خطواتها في: 1- تقديم الترشيحات لرئيس مجلس النواب في قائمة واحدة. 2- فحصها من قبل مكتبي المجلسين: النواب والشورى. 3- تقديم الترشيحات الى مجلس النواب لتزكية قوائمها من ربع أعضائه على الأقل. 4- ثم تطرح القوائم على الجمعية الوطنية لحصول الفائزة منها بالترشيح على الأغلبية المطلقة من الأعضاء. 5- تطرح للاستفتاء الشعبي، وتصبح قائمة الرئيس ونائبه فائزة إذا حصلت على أكثرية من نصف أصوات الناخبين، والا جرى ترشيح غيرهما، وهكذا. كما حددت فترة الرئاسة بدورتين انتخابيتين مدة كل منهما خمس سنوات. الثالث: المهام العاجلة التي يلتزم الحزبان العمل على تنفيذها. ومنها: تحسين الوضع المعيشي وصيانة الأمن وحقوق المواطنين ومحاربة الفساد وتطوير الخدمات العامة وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد واستكمال التقسيم الاداري والتحضير لانتخابات المجالس المحلية. رابعاً: اللجان المشتركة لتنفيذ ما تضمنته الوثيقة، وهي أربع لجان: 1- لجنة الأسس الدستورية والديموقراطية. 2- لجنة المهام العاجلة المحددة آنفاً. 3- لجنة أنظمة الكتلة البرلمانية. 4- لجنة لوضع أسس ووثائق توحيد الحزبين في تنظيم سياسي واحد. وانتهت الوثيقة بتخويل الاجتماع الأمينين لعامين تشكيل اللجان بعد المشاورات التي يريانها مناسبة. وعلمت "الوسط" من مصدر مطلع في اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي العام ان الوثيقة جاءت في معظمها استجابة لطلب الاشتراكي، لتكون ضمانة لمشاركته في السلطة مع المؤتمر، وأن وضعها تم قبل الانتخابات بفترة قصيرة نسبياً، في مواجهة أسوأ الاحتمالات حينها لنتائج الانتخابات. وكانت "الوسط" أشارت في عدد سابق من شهر نيسان ابريل الى أن أجواء العلاقة بين الحزبين، توحي بوجود اتفاق بينهما لم يعلن عنه بعد. ويظهر من ردود الفعل على هذه الوثيقة ان أحزاباً من المعارضة وبالذات التجمع اليمني للاصلاح، شريك الحزبين في ائتلاف الحكومة والذي تم انتخاب رئيسه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيساً لمجلس النواب، ستعارض كثيراً من نصوص الوثيقة إن لم تعارضها جملة وتفصيلاً، وقد ظهرت بعض بوادرها حتى بعد اعلان الوثيقة مباشرة. الملاحظ ان الوثيقة على رغم تكريسها عبارة "التنسيق التحالفي وصولاً الى التوحيد" لم تتضمن عناصر مقنعة وعملية لتحقيق التوحيد. والأكثر احتمالاً الآن، هو ما سبق أن توقعته "الوسط"، بأن صيغة التوحيد قد تتمثل في إطار تنظيمي يوحد قيادة الحزبين.