لا شيء يعكس موقف الشارع الكويتي من القضية التي يطلق عليها محلياً "عودة العلاقات مع دول الضد"، مثل مظاهر الرفض التي رافقت الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية التونسي الحبيب بن يحيى للكويت. فما ان وصل الوزير التونسي الى العاصمة الكويتية حتى وجد إحدى الصحف المحلية تخاطبه: "لا حللت أهلاً... ولا وطئت سهلاً" على صدر صفحتها الأولى، فيما دعا نائب رئيس البرلمان الوزير الزائر الى أن "يرحل عن أرض الكويت الطاهرة"! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل نشرت الصحف مقالات تهاجم موقف الحكومة التونسية إبان الاحتلال العراقي للكويت، في حين امتنع مجلس الأمة عن استقبال الضيف عندما أراد المشاركة في اجتماع برلماني مخصص للأسرى والرهائن الكويتيين في العراق، وهو موضوع يأمل التونسيون ان يكون التوسط في شأنه مع بغداد مدخلاً مناسباً لعودة العلاقات مع الكويت. والانطباع الأول لدى المراقبين في الكويت هو ان وزارة الخارجية الكويتية لم تقدر تماماً حساسية الموقف الشعبي الكويتي من مسألة عودة العلاقات مع "دول الضد" التي ساندت العراق خلال احتلاله الكويت. ولا شك في ان الاحراجات السياسية التي تعرضت لها الحكومة الكويتية خلال زيارة بن يحيى ستكون عائقاً حقيقياً أمام خطوات و"مبادرات" لاحقة كانت الديبلوماسية الكويتية تأمل بانجازها لتحقيق تقارب مع عواصم عربية معنية بغية إبعادها عن بغداد. ولم تكن المواقف الشعبية ضد الزيارة التونسية هي الأولى في الكويت، ففي أواسط حزيران يونيو الجاري أطلق وزير الخارجية اليمني الجديد محمد باسندوه تصريحات فُسّرت انها تعبير عن رغبة يمنية ملحة في التقارب مع الكويت. وعلق وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الأحمد على ذلك بترحيب حار، وبعد بضعة أيام أجرت صحيفة "السياسة" الكويتية مقابلة شاملة مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح كرر فيها رغبة بلاده في علاقات طبيعية مع الكويت، لكن ردة الفعل الشعبية الكويتية، خصوصاً تلك التي عبّر عنها نواب في مجلس الأمة، كانت من القوة الى حد أنها ساهمت في الغاء لقاء كان مقرراً بين الشيخ صباح الأحمد ومحمد باسندوه، على هامش قمة فيينا الأخيرة الخاصة بحقوق الانسان. ومع صدور هذا العدد من "الوسط" يعقد مجلس الأمة جلسة خاصة لمناقشة وزير الخارجية الشيخ صباح في سياسة وزارته حيال العلاقات مع "دول الضد"، وهذه الدول، طبقاً للقاموس السياسي الكويتي، هي الأردن واليمن والسودان وتونس ومنظمة التحرير الفلسطينية. ويرى عضو مجلس الأمة النائب عبدالله النيباري ان الموقف الفعلي للحكومة الكويتية هو في احداث تقارب مع كل من اليمن والسودان وتونس، اما الأردن ومنظمة التحرير، "فليس من المرجح التقارب معهما في الأجل القريب لمواقفهما المتطرفة في تأييد العراق". وأيد النيباري - وهو من الأقلية في هذا الشأن - هذه السياسة، وقال ل "الوسط": "لا يمكن دولة ان تقطع خيوطها مع العالم، يجب ألا نتشنج في التعامل مع مسألة علاقاتنا العربية ونعامل العواصم المختلفة بدرجة واحدة من التشدد والتصلب، فبدلاً من ان نعمل على عزل النظام العراقي قد ينتهي الأمر بأن نكون نحن المعزولين". وفي الصف المعارض قال النائب الدكتور اسماعيل الشطي ل "الوسط": "ان رفض التقارب المجاني مع الحكومات التي ساندت العراق في احتلاله وعدوانه هو جزء من كرامتنا الوطنية، وعلى الذين يطالبوننا بنسيان الماضي سريعاً الا ينسوا ان أمماً متقدمة لم تغفر بعد للنازية جرائمها". وطالب الدكتور الشطي المسؤولين الكويتيين ب "استراتيجية واضحة لسياسة الكويت حيال دول الضد والشروط المطلوبة لعودة تلك الحكومات عن مواقفها السابقة، كما نرفض ان تستغل قضية الأسرى الكويتيين بكل آلامها الانسانية لتكون مبرراً شكلياً لاعادة العلاقات". وفي تونس "الوسط" توقعت مصادر ديبلوماسية ان تعود العلاقات التونسية - الكويتية الى سابق عهدها، على رغم الانتكاسة التي اصابتها، وتأمل الحكومة التونسية بعودة العلاقات كاملة، وليس الديبلوماسية منها فقط. وتذكر هذه المصادر بلقاء رئيس الوزراء التونسي حامد القروي أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد على هامش قمة دول عدم الانحياز الأخيرة، معتبرة ان زيارة بن يحيى للكويت جاءت تتويجاً لجهود بذلها الجانبان لتبديد السحب التي خيمت على علاقاتهما. ويأمل المراقبون في تونس، ليس فقط بعودة التعاون الثنائي، فالاستثمار الكويتي في تونس كان يعتبر الأعلى بالنسبة الى الفرد في العالم العربي، قبل الغزو العراقي، ولكن خصوصاً العودة الى تنسيق المواقف في المحافل الدولية. وتشير مصادر رسمية تونسية، في مجال تأكيدها حدوث انفراج في العلاقات التونسية - الكويتية، الى حصول بنك التنمية الكويتي - التونسي الذي يعمل في تونس، على حوالي 50 مليون دولار لاعادة انطلاق استثماراته. والمعروف ان هذا البنك كان أنشط البنوك الاستثمارية في تونس، قبل ان يتقلص عمله مع الغزو العراقي للكويت قبل ثلاث سنوات.