سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوسط" تعقد ندوة خاصة في القاهرة حول السؤال الكبير : لماذا يتطرفون في مصر ؟
نشر في الحياة يوم 03 - 05 - 1993

لماذا يتطرفون في مصر؟ وكيف يمكن وقف مسلسل العنف الدامي بين الجماعات الاسلامية المتطرفة والنظام في مصر؟ وما هي العوامل الرئيسية، الداخلية والخارجية، التي تساهم في دفع جماعات إسلامية الى استخدام أساليب العنف وعمليات الاغتيال في مواجهتها مع النظام ومؤسسات الدولة ورموزها؟ هذه الأسئلة كانت محور ندوة خاصة عقدتها "الوسط" في مكتبها في القاهرة وأدارها عمرو عبدالسميع وشارك فيها خمسة خبراء ومفكرين بارزين مهتمين بظاهرة التطرف ومعنيين بها. والخمسة هم:
الدكتور علي الدين هلال، رئيس قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد في جامعة القاهرة ومدير مركز البحوث والدراسات السياسية التابع للجامعة نفسها.
الدكتور عصام العريان، ممثل الاخوان المسلمين في مجلس الشعب المصري من 1987 الى 1990، وهو عضو في مجلس نقابة الاطباء المصرية وله كتابات في مجال الدعوة الاسلامية.
الدكتور مصطفى السعيد، وزير الاقتصاد المصري السابق وعضو مجلس الشعب وعضو اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني الحاكم.
محمد عمارة، كاتب ومفكر إسلامي بارز، له مؤلفات وأبحاث عدة.
هالة مصطفى، خبيرة في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في "الأهرام"، صدر لها أخيراً كتاب بعنوان "الاسلام السياسي في مصر، من حركة الاصلاح الى حركة العنف".
وفي بداية الندوة قدم عمرو عبدالسميع ورقة عمل تلخص المحاور التي يمكن ان يدور حولها النقاش. وأوردت ورقة العمل مجموعة عوامل يعتقد المحللون والمراقبون أنها تقف وراء ظاهرة التطرف القديمة - الجديدة في مصر، وهذه العوامل هي:
1- العامل الاقتصادي والاجتماعي، وجوهره تفاقم الأزمة الاقتصادية ومشكلة البطالة التي يعتقد الكثيرون انها تدفع قطاعات من الشباب العاطل عن العمل الى التطرف.
2- التفسخ الاجتماعي، وهو مزيج من التأثيرات الاجتماعية للأزمة الاقتصادية والنتائج المترتبة على مواقف سلطة الدولة وشيوع الفساد وافتقاد قطاعات من المواطنين للشعور بالأمن والثقة بالمستقبل.
3- منهج الدولة في مواجهة التطرف.
4- غياب مشروع قومي يتيح تعبئة طاقات الشباب وتوجيهها نحو البناء والهدم.
5- مسألة الديموقراطية.
6- السياسة الاعلامية المصرية واخطاؤها.
7- العوامل الاقليمية التي تشمل تأثير إيران وانعكاسات الوضع الجزائري على مصر، كما تشمل الدعم المادي الذي تقدمه دول أو حركات أصولية للمتطرفين في مصر.
8- العوامل الدولية.
واقترحت ورقة العمل ان يركز الحوار في الندوة على قضيتين رئيسيتين:
الأولى: مدى أهمية كل من هذه العوامل أو غيرها في تفسير ظاهرة التطرف.
الثانية: هل هناك ما يمكن اعتباره عاملاً محورياً أو مجموعة عوامل محورية تفيد أكثر من غيرها في التوصل الى هذا التفسير.
تردد الدولة
"الوسط": نرحب بالمشاركين معنا في هذه الندوة التي تعالج موضوعاً بالغ الأهمية والخطورة، وهو العنف الذي تمارسه بعض الجماعات متسترة وراء الاسلام. وإذا كنا سنركز على هذه الظاهرة في مصر، فالمؤكد ان أهمية الحوار الذي سنديره هنا يتجاوز الحالة المصرية ويمتد الى دول عدة في المنطقة تعاني أيضاً من الظاهرة نفسها. ونبدأ الحوار بما يمكن ان نعتبره اطاراً عاماً يقدمه الدكتور علي الدين هلال.
- علي الدين هلال: أود ان اطرح اطاراً مختلفاً عما قدمته ورقة العمل التي تعاملت مع موضوع الندوة بشكل تقليدي، لأن البحث في عوامل التطرف ليس هو الأكثر أهمية الآن. ورأيي اننا نناقش ظاهرة والمقصود بذلك مجموعة الحركات أو الجماعات التي يطلق عليها عموماً اسم التيار الاسلامي.
يمكن ان نختلف حول متى بدأت تحديداً؟ لكننا لن نختلف في أنها تبلورت بوضوح في شكلها الحديث مع بداية السبعينات، اننا إزاء ظاهرة عمرها أكثر من 20 عاماً، ولذلك فإن نوع الأسئلة يتغير من لحظة تاريخية لأخرى. فمثلاً عام 1975 كان السؤال المطروح علينا كباحثين: ما أسباب نشوء هذا التيار؟ وكنا نقول مثلاً هزيمة 1967، وبعد فترة أصبح هناك سؤال آخر وهو: لماذا لجأت هذه التيارات الى العنف؟ وفي رأيي السؤال الثالث هو: لماذا بدت هذه الحركات في لحظة معينة وكأنها وثقت من نفسها ثقة كبيرة وتتصرف ليس كحركة احتجاج وانما كبديل؟ والسؤال الأول في محاولة فهم ومحاورة التيار الاسلامي الذي هو تيار حقيقي له وجود واعتبار في الساحة، هو: ما موقف هذا التيار من العنف؟ والسؤال الثاني المطروح الآن: هذا التيار أو اجزاء منه تتصرف بثقة زائدة لماذا؟ وبمنتهى الأمانة والصراحة أقول ان الحكومة المصرية ظلت مترددة، هل تأخذ القرار بالمواجهة الشاملة مع الجماعات المتطرفة أم لا؟ التيارات الاسلامية أو بعضها فسر الرغبة في عدم التورط بأنها ضعف وقامت بتصعيد عملياتها. وأرى في هذا السياق ان درس الجزائر ضار جداً لنا. لماذا؟ لأن بعض انصار التيارات الاسلامية في مصر فهموا الدرس الجزائري على أنه لا أمل لهم في المشاركة بالسلطة من خلال صناديق الانتخاب، فعندما لجأوا في الجزائر الى صندوق الانتخاب حدثت تطورات وتداعيات أدت الى حرمانهم من النتائج. وعدد من الشباب في عدد من الدول، منها مصر، اعتقد بأن النصح له باللجوء الى صندوق الانتخاب ينطوي على خدعة، ورأيي ان هذا غير صحيح لأن مصر غير الجزائر. ان بعض الجماعات المتطرفة بلغ درجة من التنظيم ودرجة من القدرة الى حد مناطحة الحكومة رأساً برأس. ان الذين يؤمنون بالحوار وبالاعتدال لا بد ان يرفضوا العنف في الحياة السياسية. أي رفض العنف كأداة للوصول الى السلطة، وأنا أقول وأختم بذلك كلمتي "من عاش بالسيف مات بالسيف".
هل كان عجز المؤسسات الحزبية أو مؤسسات التنشئة السياسية في مصر عموماً عن استيعاب مثل هذه الحركات مبرراً موضوعياً في اتجاهها الى العنف؟
- علي الدين هلال: لا، أنا أرفض علمياً وتاريخياً القول الشائع بأن مجرد اغلاق قنوات الحوار السياسي يؤدي اوتوماتيكياً الى العنف. ثم هل صحيح انه لا توجد حرية الحوار؟ إذن لننزل الى الشارع وندخل أي مكتبة لنشاهد كم جريدة إسلامية تصدر وكم كتاباً إسلامياً، اذن القصد شيء واحد وهو ان جمعية الاخوان المسلمين غير مصرح لها بالعمل، لكن أليس حزب العمل حزباً إسلامياً؟ وأليس حزب الأحرار كذلك إسلامياً ويصدر صحيفة النور؟ ألا يصدر الحزب الوطني صحيفة اللواء الإسلامي؟ فالقضية إذن ان جماعة الاخوان المسلمين ليس مصرحاً لها بالعمل، لكن هذا لا يعني ان الفكر الاسلامي في حد ذاته ممنوع، فالمنابر عديدة، انما هذا المنبر تحديداً هو المقصود. اثرت نقطة مهمة جدا، ويدفعنا لأن ننظر في بعض العوامل مثل الاغتراب، فهل الاغتراب في حد ذاته يؤدي الى العنف؟ ليس ضرورياً. فقد يحدث اغتراب بلا عنف، كما اننا نقول كذلك البطالة وسوء الأحوال الاقتصادية. لكن حتى الدول الغنية عندها مشكلة بطالة. لذلك أقول انه في لحظة معينة يحدث اهتزاز لهيبة الدولة. فالذي يرفع السلاح في ذهنه ان الطرف الآخر ارادته غير قوية، اذن ممكن في لحظة معينة ان يصبح اهتزاز هيبة الدولة الشرط النفسي الذي يشجع البعض على حمل السلاح، كما ان فقدان الأمل في أي شيء يمكنه ان يدفع الى رفع السلاح. المشكلة انه عندما يُرفع السلاح، فإن انتشاره يزيد، لكن السؤال الآن لم يعد لماذا رُفع السلاح؟ بل السؤال الآن هو تعدد أهداف رفع السلاح. في السابق كان المستهدف رموز الدولة، والآن وصل الى السياح، وقبلهم الى الكتاب. رفع السلاح مرفوض في الاسلام، وفي غير الاسلام. فغاية الوصول الى السلطة أو غاية الاصلاح لا تبرر قتل النفس.
العنف والاتجاه الاسلامي
الدكتور مصطفى السعيد، انطلاقاً مما حدده الدكتور هلال حول تغير ظاهرة التطرف وبالتالي تغير ملامحها، هل يمكن أن نتعرض لسماتها الراهنة وأبعادها، من اقتصادية وغيرها؟
- مصطفى السعيد: الحقيقة لا أريد ان أحصر نفسي - على رغم ان تخصصي اقتصاد - في البحث عن أسباب اقتصادية وراء هذا التطرف، والى أي حد قضية الحرمان الاقتصادي أو البطالة وراء قضية التطرف. وأبدأ بالتساؤل: هل نحن الآن أمام ظاهرة تطرف بالمعنى التقليدي العام، أم أمام ظاهرة إسلامية تتعلق بإحياء تراث وتقاليد وقيم معينة، وان بعض عناصر هذه الظاهرة لجأوا الى التطرف كوسيلة لتحقيق أهدافهم؟ نحن نتحدث عن ظاهرة التطرف بمعناها العام، وهذه مسألة موجودة في التاريخ المصري الحديث منذ أيام جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، وان وجدت مدرستان، مدرسة ترى ان النهضة في دولة إسلامية مثل مصر تتم من خلال العودة الى تعاليم وتقاليد الإسلام وإحياء التراث، ومدرسة أخرى تؤيد النموذج الغربي وما يعنيه من ديموقراطية. والصراع بين هذين الاتجاهين موجود في تاريخ مصر الحديث منذ فترة طويلة. ما جد هو ان المجموعات التي ترى اللجوء الى التطرف لتحقيق هذا الاتجاه الاسلامي قويت بشكل كبير في المرحلة الأخيرة، وبدأت تنتشر وتتعدد على مستوى العالم الاسلامي، لكن هذا لا ينفي أنها وجدت في نهاية الحرب العالمية الثانية. فقبل قيام ثورة عام 1952 لجأت جماعة الاخوان المسلمين الى العنف، وكونت الجهاز السري. ومذكرات خالد محيي الدين التي نُشرت أخيراً تشير الى أن الحركة الأصولية الاسلامية مهما تعددت ومهما كانت صورها، ترى انه في مرحلة معينة من الممكن ان تلجأ الى العنف وصولاً الى تحقيق أهدافها في قيام الدولة الاسلامية. ويرتبط اللجوء الى العنف بطبيعة النظام القائم، ما مدى ديموقراطيته، وما مدى ديكتاتوريته، ما مدى فساده، فهي تستغل في ذلك ظروفاً اقتصادية معينة، من بطالة وفساد، وتقع تحت تأثير حركات دولية معينة لها مصالح في هذه الاتجاهات. اذن نحن أمام ظاهرة لجوء بعض الاتجاهات الاسلامية الى استخدام العنف وسيلة لتحقيق هدف، فلسنا أمام ظاهرة تطرف بمعناه التقليدي في موضوع الندوة اليوم. والسؤال الأساسي هو: لماذا توسعت هذه الجماعات في استخدام العنف؟ في الواقع الظاهرة معقدة للغاية وشديدة التعقيد، فالحركة الاسلامية نفسها غير موحدة، وبالتالي هناك قدر من التنافس بين تياراتها وهذه التيارات الاسلامية بعضها يأخذ الطريق الهادئ القائم على الرغبة في الاقناع، وبعضها يلجأ الى العنف. وطبيعي ان تعدد الحركات والمدارس يؤدي الى ظهور من يرى ان هناك ما يدعو الى تكفير هذا المجتمع والى استخدام العنف للقضاء على رؤوس المجتمع وعلى مؤسساته. اذن تعدد الاتجاهات الفكرية في الحركة الاسلامية نفسها من الطبيعي أن يفرز اتجاهات مختلفة. أيضاً لا يمكن أن نتجاهل تأثير المصالح والصراعات الدولية داخل المنطقة، فمن المعروف جيداً ان أحد الاتجاهات لتقييد نمو حركة القومية العربية هي مواجهتها بفكر آخر مضاد، وكان الفكر الاسلامي باستمرار أو الدولة الاسلامية أو التجمع الاسلامي دائماً يطرح كبديل لكسر المد القومي العربي الى حد ما، وهنا لا يمكن ان نستبعد دور بعض الدول التي يهمها عدم الاستقرار في المنطقة، مثل اسرائيل أو دول أخرى قد يكون لها مصلحة في أن هذه المنطقة تظل مجزأة. من الطبيعي جداً ان هذه الدول تحاول ان تستخدم هذا الفكر السائد أو هذا المد القائم على الرغبة في التمسك بالقيم الاسلامية كظاهرة، وتخرجها من سياقها الطبيعي وتحاول ان تستفيد بها في تحقيق المآرب، وفي النهاية تظهر بأنها حركة غير سوية، فهناك اعتبارات كثيرة داخلة في هذا المجال. في الولايات المتحدة دراسات عديدة حول كيفية استخدام "الورقة الاسلامية" لتحقيق مصالح الغرب في المنطقة، ومثل هذا الأمر من الممكن ان يكون أحد العوامل التي تساعد على خلق تطرف بشكل أو آخر، لدى المجموعات الاسلامية. ومن الممكن ان يحدث اختراق لهذه الاتجاهات الاسلامية وتوجيهها الى اتجاهات معينة حتى تكون سبباً في قلاقل، فالظاهرة لا بد أن ننظر اليها بتعمق شديد، ونحاول أن نتفهمها. طبعاً المناخ الاقتصادي كالبطالة والفساد وأسلوب مواجهة الدولة للتطرف، وكل ما ورد في الورقة موجود قطعاً، فالظاهرة ترجع الى كل هذه الأسباب مجتمعة بقدر أو بآخر، وفي بعض الأحيان قد تكون قضية البطالة هي الأساس. فمن يرغب في تحقيق العنف يحاول ان يستفيد منها ويستغلها أكثر، وفي المرحلة الثانية يحاول ان يستغل ضعف الدولة، وفي حالة ثالثة يستغل اخطاء اعلامية معينة، كل هذا قطعاً وراء قضية التطرف. وأعتقد ان هناك سؤالاً رئيسياً مطروحاً على علماء السياسة وعلماء الاجتماع قبل علماء الاقتصاد وهو: ما الموقف من الظاهرة الاسلامية أساساً؟ هل نحن مؤيدون للظاهرة الاسلامية أم ضدها؟ وإذا كنا مؤيدين للظاهرة الاسلامية في أي اطار؟ وما هو أهم كيف نستطيع ان نستوعب هذه الظاهرة الاسلامية في مناخ سلمي يتفاعل فيه الجميع بحيث ان الاتجاه الاسلامي موجود ويعبر عن نفسه، وهناك اتجاهات ايضاً اسلامية، ولكن قد يكون لديها فكر آخر، وقد يكون لديها اسلوب آخر من دون ان نخلق انقساماً داخل المجتمع، بين ما هو إسلامي وما هو ضد هذه الحركات الاسلامية. يعني لا أتصور أبداً ان هذه المسألة تكون احتكاراً لمجموعة أو أخرى، فهناك اسئلة كثيرة في الواقع تحتاج الى عمق في التفكير حتى نستطيع ان نفرق بين الظاهرة واستغلال الظاهرة، سواء بعناصر محلية أو بعناصر أجنبية، وبين التطرف في هذه الظاهرة الذي يرجع الى عوامل من الممكن معالجتها، والتطرف الذي هو عبارة عن منهج واسلوب تتبناه حركات معينة داخل هذه الظاهرة، حتى لا ننتهي الى تعميم قد يكون ضاراً وقد يكون خاطئاً وقد لا نستطيع ان نعالجه بالشكل الفعال.
"الاخوان المسلمون مظلومون"
ما العلاقة بين هذه الحركات التي تتبنى العنف منهجاً لها وجماعة الاخوان المسلمين، لأن هناك أقاويل كثيرة أهمها وأكثرها شيوعاً ان هذه الحركات المتطرفة امتداد عضوي لجماعة الاخوان المسلمين. فما رأي الدكتور عصام العريان؟
- عصام العريان بسم الله الرحمن الرحيم: الاخوان المسلمون مظلومون إذا قيل انهم امتداد لجماعات العنف، ومظلومون اذا قيل ان جماعات العنف خرجت من عباءاتهم، ومظلومون إذا طُلب من الاخوان التصدي للجماعات المتطرفة ومواجهتها. هذا الظلم في اعتقادي يرجع الى ان الاخوان المسلمين هم أكبر الحركات الاسلامية ومطلوب ان يكون لهم دور في المجتمع، ومطلوب ان يكون لهم دور تصحيحي، ولعل بعض المفكرين والكتاب بل والمسؤولين قالوا صراحة ان هؤلاء الشبان لن يقتنعوا بكلام المؤسسات الرسمية الدينية ولا الدعاة الذين يعملون في هذه القطاعات، ولكنهم سيقتنعون بدعاة شعبيين يستطيعون ان يتصدوا لفكرهم.
دعني أقول بصراحة ان الحوادث الارهابية أو التطرف أو العنف أو سمها ما شئت بدأت منذ عام 1974 والى يومنا هذا. 18 سنة متواصلة لم تخل سنة واحدة من حادث أو أكثر، وهذه احصاءات رسمية موجودة، والمعلن عنه أقل من المضبوط والمرصود من جانب أجهزة الأمن. بوضوح وبصراحة تامة وباعترافات وزراء داخلية عديدين، حتى لا يقال ان هذا موقف شخصي لأحد الوزراء، لم يثبت إطلاقاً ان هناك فرداً واحداً يدعي انه من الاخوان المسلمين، حتى مجرد ادعاء، له صلة بمثل هذه الأحداث اطلاقاً طوال قرابة 18 سنة، وأنا أعتقد ان هذا دليل كاف وضروري بالمعنى الفقهي لتبرئة الاخوان المسلمين من أية صلة عضوية، أو تنظيمية أو فكرية بهذه التيارات، أو بهذه الأحداث، ودعني أقول ان السؤال المطروح هو الذي طرحه استاذنا الدكتور مصطفى السعيد: ما هو الموقف من الظاهرة الاسلامية؟ هل هو موقف النفي أم موقف القبول؟ هل هو موقف الاستيعاب والاحتواء في اطار مصلحة الوطن أم هو موقف التوجس والخشية والريبة من هذه التيارات؟ هذا السؤال مطروح منذ بدايات القرن ونحن قاربنا على نهايات القرن ولم تتم الاجابة عليه. التجربة الجزائرية ألقت بظلال بشعة جداً على هذا السؤال، ان المطلوب هو إقصاء هذا التيار حتى اذا حصل على ثلاثة ونصف مليون صوت انتخابي، هؤلاء جميعاً يسمون الآن في الجزائر أقلية، هل هذه أقلية؟
ثم لماذا يقال دائماً ان العنف إسلامي؟ وكيف نسمي العنف الذي حدث أخيراً في الهند وفي دول أخرى غير إسلامية؟
اليأس والسيطرة على الدولة
لكن التجربة الديموقراطية كانت ستتعرض للتهديد لو وصلت الجبهة الاسلامية للانقاذ الى الحكم في الجزائر؟
- عصام العريان: هذا الكلام مردود عليه، كما قلت مراراً، بأن الضمان الحقيقي لبقاء الديموقراطية والتداول على السلطة هو الشعب. فمن جاء على الدبابات سيخرج على الدبابات.
لكن الوثائق العلنية لجبهة الانقاذ تضمنت انكاراً للديموقراطية؟
- عصام العريان: لم يمسك على جبهة الانقاذ وثيقة واحدة بهذا المعنى، وكل ما اثير كان بخصوص خطبة جمعة لأحد قادتها الذين نجحوا في الانتخابات وهو إمام مسجد. والذي يدرس تجربة جبهة الانقاذ في الجزائر يجد خليطاً عجيباً جداً، هذه ليست حركة ذات جذور فكرية وليست تنظيماً له القدرة التنظيمية مثل الاخوان المسلمين، بل هي جبهة عريضة تضم شتاتاً من الأفكار ومن الناس في منتهى العجب. تضم عناصر من التكفير والهجرة، وأخرى من حركة مصطفى بويعلي، وبعض قدامى المجاهدين مثل عباسي مدني، واناساً كانوا قبل ذلك في حركة الاخوان المسلمين ولم يندمجوا. لم تعطَ هذه الجبهة فرصة لكي تبلور فكرها وتطرح نفسها وتنظم صفوفها. والحقيقة انا شخصياً كنت اتساءل اذا كان هذا الخليط غير المتجانس يمكنه ان يصل الى الحكم ويتولى إدارة بلد في وقت قياسي لا يتجاوز ثلاث سنوات فقط، هذا شيء صعب جداً فلا خبرة ولا قدرات تنظيمية عالية. لكن الشعب في الجزائر كان يريد التغيير. وكان البديل في منتهى القسوة. ما أريد ان أقوله هنا أيضاً ان العنف ليس إسلامياً، العنف ظاهرة عالمية لها وجود حتى في البلاد الديموقراطية والعنف لا يوجه فقط الى كتاب أو مفكرين أو غير ذلك. العنف قديم في مصر، قديم جداً.
هل توافق على ان التيار الاسلامي له الجانب الأوفر في ممارسة العنف في مصر؟
- عصام العريان: لماذا؟ لأن التيار الاسلامي هو الأنشط.
في العنف؟
- عصام العريان: لا أنشط في كل المجالات. وعلى رغم ذلك حوكم في مصر في الثمانينات تنظيم اسمه التنظيم الشيوعي المسلح. ظاهرة العنف ليست إسلامية.
حينما تذكر هذا التنظيم الشيوعي المسلح فأنت تذكر حالة وحين تذكر تنظيم ثورة مصر مثلا بوصفه تنظيماً ناصرياً مسلحاً فأنت تتكلم عن حالة، ولكن حين نتكلم عن التنظيمات المسلحة للتيار الاسلامي فنحن نتكلم عن عشرات الحالات.
- عصام العريان: مصدرها واحد، وفكرها واحد، لكن كيف نشأت فكرة العنف في الوسط الاسلامي؟ هذا العنف يختلف تماماً عن العنف الذي تم في الأربعينات. هذا عنف له مدرسة فكرية مختلفة تماماً. انه عنف موجه ضد الدولة ورموزها أو غير ذلك. هذا عنف مؤسس على فكرة الخروج عن الحكم، ليس الحاكم الظالم، وانما الحاكم الكافر في نظرهم. وهذه مدرسة كاملة والاخوان المسلمون أصدروا كتاباً ضد هذا المبدأ وصدر الكتاب داخل السجن وهو كتاب "دعاة لا قضاة" وأعتقد ان لجوء حركات متطرفة اليوم الى العنف هو عمل يائس. المنتمون الى هذه الحركات يرفعون السلاح عندما يرون أنفسهم في ركن ضيق جداً.
ان ظاهرة العنف الحالية تختلف تماماً عن ظاهرة العنف السابقة ففي السبعينات وبداية الثمانينات، كان هدف العنف السيطرة على الدولة، اما هدف العنف الآن ليس السيطرة على الدولة اطلاقاً، وانما محاولة هز هيبة الدولة أي محاولة الثأر وهذا ما نبهنا اليه في مجلس الشعب، ان سياسة العصا الغليظة ستؤدي الى ثأر اجتماعي، وهو ما يحدث الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.