سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الوسط" تنشر فصولاً من كتاب اميركي جديد يكشف اسراراً مهمة عن الشرق الاوسط . قصة اتفاق التعاون الاستراتيجي بين اميركا واسرائيل . السادات كان يستعد "لمواجهة" مع القذافي قبل أيام من اغتياله 3
تكشف الحلقة الثالثة من كتاب المسؤول الاميركي السابق هاوارد تايشر، الذي حصلت "الوسط" على حقوق نشره باللغة العربية قبل صدوره في الاسواق، معلومات جديدة ومهمة عن "الحرب" بين الرئيس انور السادات والعقيد معمر القذافي، وايضاً عن قضية قصف الاسرائيليين المفاعل النووي العراقي في حزيران يونيو 1981 وعن خفايا المفاوضات بين الولاياتالمتحدة واسرائيل لتوقيع اتفاق للتعاون الاستراتيجي بينهما. وهاوارد تايشر هو مسؤول اميركي سابق عمل في وزارة الخارجية الاميركية ومجلس الامن القومي الاميركي في عهدي الرئيسين جيمي كارتر ورونالد ريغان وساهم في التخطيط للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط. وكان اول منصب تسلمه تايشر هو محلل لشؤون الشرق الاوسط في وزارة الخارجية الاميركية في تموز يوليو 1977 في عهد كارتر، ثم تسلم بعد ذلك مناصب ومسؤوليات عدة ابرزها منصب مدير شؤون الشرق الادنى وجنوب آسيا ثم مدير الشؤون السياسية والعسكرية في مجلس الامن القومي في الفترة بين 1982 و1987. وقام تايشر بمهمات سرية وعلنية عدة في الشرق الاوسط، سواء في ايران او لبنان او مصر او سورية او اسرائيل او دول اخرى. ويرئس تايشر منذ 1989 شركة كومبيوتر، كما انه يعمل كمستشار لعدد من الشركات والدول في العالم. وقد ألف هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "الركيزتان الاساسيتان لعاصفة الصحراء" بالتعاون مع زوجته غايلي وهي خبيرة في القضايا الدولية ومكافحة الارهاب. وقد حصلت "الوسط" على حق نشر ابرز فصول هذا الكتاب وهو عبارة عن مذكرات تايشر، قبل اسابيع من صدوره في الولاياتالمتحدة. وما يهمنا من نشر الكتاب هو كشف المعلومات الواردة فيه من دون ان يعني ذلك تأييد مضمونه. وفي ما يأتي الحلقة الثالثة من هذا الكتاب: طوال صيف عام 1981 ازدادت حدة الاضطرابات والقلاقل المدنية في مصر بسبب المشكلات الاقتصادية، بينما ألهب الاصوليون الاسلاميون مشاعر المعارضة. وكان الرئيس انور السادات يشعر بقلق خاص من بروز "الاصولية الاسلامية" في مصر ومن توسع العقيد معمر القذافي في تشاد وسياسته المعادية للسودان. وعندما فرغ صبر السادات في ايلول سبتمبر أصدر الاوامر الى قوات الامن لشن حملة ضد المتطرفين ومعارضي سياسته. وأعقب ذلك حدوث اضطرابات في عدد من الاماكن من مصر واعتقال مئات من المعارضين. ووسط هذه الظروف المحلية والاقليمية المتوترة والمضطربة وصلت مع روبرت مكفرلين الى القاهرة في سبتمبر 1981 للتشاور مع السادات في الاجراءات المشتركة التي يمكن لمصر والولاياتالمتحدة اتخاذها لردع التوسع الليبي، وإذا لزم الامر لمواجهته. وعقدنا احد الاجتماعات مع الرئيس المصري في منتجعه النيلي، وكان الرئيس ريغان بحث مع السادات في وقت سابق حاجة مصر والولاياتالمتحدة الى وضع خطة للاجراءات التي يمكن للبلدين اتخاذها لمواجهة الاخطار والتهديدات الليبية والروسية. وكان مكفرلين الذي يرافقه بنغ ويست والسفير الاميركي الفرد اثرتون مصمماً على وضع الأسس لعملية تخطيط للمناورات والعمليات الفعلية بين وزارة الدفاع المصرية والعسكريين الاميركيين. وبحث مكفرلين والسادات الوضع الاقليمي معظم فترة ما بعد الظهر، مع تركيز السادات على "الخطر الليبي على السودان" وإمكان ان تعمد اثيوبيا الى الدفاع عن ليبيا عن طريق اثارة المشكلات على حدودها مع السودان. وأعرب السادات عن قلقه لأن "الهيمنة الليبية" على تشاد تعني ان الهدف الاستراتيجي التالي للقذافي سيكون السودان، الذي لا تقبل مصر خضوعه لسيطرة ليبيا او اثيوبيا. فمثل هذا التطور سيجعل مصر في مواجهة قوى معادية من الجنوب والغرب والشرق، وسيجعل تلك الدول قادرة على ممارسة الضغط على القاهرة من خلال سيطرتها على نهر النيل عصب الحياة بالنسبة الى مصر. يضاف الى ذلك ان الراديكاليين سيكسبون ميزة استراتيجية على البحر الاحمر ويسيطرون على حوالي ثلثي ساحله وسيصبح في وسعهم اعتراض الممرات البحرية. ولما كان الاسطول السوفياتي يتمتع بمرافق وتسهيلات في جزيرة "دهلك" الاثيوبية فان بور سودان ستعزز من قدرة موسكو على الهيمنة على البحر الاحمر وتعيق من قدرة اميركا على ترتيب انتشار قواتها في منطقة الخليج، في حالة نشوب ازمة. وكان السادات يشعر بقلق وانزعاج بشكل خاص من الغارات الليبية عبر حدود السودان الغربية، ومع انه اعترف بأن اسقاط الطائرات الليبية كان "عملاً ايجابياً" فانه لم يكن كافياً في رأيه لردع القذافي عن مواصلة سياساته في تشاد والسودان او اي مكان آخر. والواقع ان السادات لاحظ ان القذافي ازداد جرأة لأنه أدرك ان الولاياتالمتحدة لن تقدم على خوض مجابهة اوسع نطاقاً مع ليبيا. واقتناعاً من السادات بأن السوفيات كانوا يقفون وراء محاولات القذافي لتطويق مصر واسقاطه، فقد اعلن انه لن يتسامح مع هذه التطورات. ولهذا طلب ضمانات من الولاياتالمتحدة بمساعدة مصر على منع ليبيا من تحقيق اية مكاسب اخرى في السودان. وكان السادات يريد، في حالة نشوب اي قتال، ضمانات اكيدة بأن الطيران الاميركي سينشر طائرات اواكس للانذار المبكر اضافة الى المقاتلات التكتيكية للقيام بدوريات ومهمات لدعم الدفاع الجوي المصري. وإذا ما نشبت حرب برية واسعة النطاق فان الجيش المصري سيتولى هذه المسؤولية وحده. الا ان الترسانة الليبية الكبيرة من الطائرات الهجومية المتقدمة كانت تثير قلقاً كبيراً، لا سيما بالنسبة الى تخطيط نوعية العمليات الحربية ضد ليبيا. كما ان سلاح الجو المصري يحتاج الى وقت اطول للتعرف جيداً على المقاتلات المتقدمة والمعدات الاميركية الاخرى التي بدأت تتدفق على مصر نتيجة لمعاهدة السلام التي وقعتها مع اسرائيل. سلاح القذافي النووي وكان هناك باعث آخر على قلق السادات الشديد وهو اقتناعه بأن القذافي يعتزم تطوير سلاح نووي. وقد اوضح لنا انه يجب ان يكون لمصر "ذراع طويلة" قادرة على الوصول الى المفاعل النووي الليبي. ولم يكن القذافي اخفى رغبته في امتلاك سلاح نووي، لا سيما انه طلب من الصين ذات مرة بيعه قنبلة نووية. وفي الآونة الاخيرة علمت الولاياتالمتحدة وغيرها ان القذافي اقترح تمويل برنامج باكستان النووي مقابل الحصول على التكنولوجيا او الاسلحة النووية منها في المستقبل. ومع ان الكثير من وكالات المخابرات والتحليلات السياسية لم تأبه كثيراً بهذه الانباء، الا ان السادات كان ينظر الى القذافي، سواء كان بسلاح نووي او من دون سلاح نووي بمنتهى الخطورة. ومع ان حملة القمع التي شنها السادات ضد معارضيه الداخليين أثارت قدراً كبيراً من الانتقادات المحلية والدولية فان هذا الموضوع لم يرد في الاجتماع. وباستثناء اشارة السادات بشكل عابر الى بعض "المشكلات البسيطة" مع الاصوليين الذين "يفتقرون الى أي بعد نظر" على حد قوله، فان الاجتماع بأكمله تركز على الامور الاستراتيجية. وطمأن مكفرلين السادات بأن ريغان يحترم التزامه بالعمل مع مصر لمنع القذافي والسوفيات من تحقيق أية مكاسب في الشرق الاوسط. وقال ان الولاياتالمتحدة مستعدة للبدء في تخطيط عسكري مشترك بصورة جدية من اجل تعزيز استقرار مصر والدول الصديقة وأمنها. وأشار الى الاشتباك في خليج سرت كمثال على التصميم الاميركي الجديد على مواجهة القذافي والسوفيات بصورة فعالة. ولكي يبين مكفرلين التصميم المشترك للولايات المتحدة ومصر على مواجهة "عدوانية" القذافي اقترح ان تجري مناورات "النجم الساطع 82" الاميركية المصرية المقبلة من منطلق توجيهها نحو ليبيا. فاذا ما جرت معظم هذه المناورات في الصحراء المصرية الغربية فان القذافي والسوفيات سيتأكدون من ان مصر وأميركا على استعداد تام للتصرف ضد أية تهديدات تتعرض لها مصر او السودان. وأعرب السادات عن ارتياحه لاستعداد الولاياتالمتحدة البدء في التخطيط المشترك لمناورات "النجم الساطع 82"، لكنه أكد من جديد اعتقاده بأن الدولتين ربما تحتاجان الى التصرف بحزم في المستقبل القريب، اي قبل وقت طويل من المناورات المقررة لعام 1982. وأشار الى ان القذافي لم يرتدع باسقاط طائراته فلماذا سيكون للمناورات التي ستجري بعد عام أي اثر اقوى؟ ولاحظ السادات ان القذافي يؤمن بأن "التاريخ يقف الى جانبه". وعندما قال مكفرلين ان السادات ربما كان مصيباً في رأيه في القذافي ولكن السوفيات سيفهمون جيداً الرسالة التي تحملها مناورات النجم الساطع 82، ولهذا فانهم سيشرعون في كبح جماحه. ولكن اذا استمر عدوان القذافي فان الولاياتالمتحدة ستتصرف مع مصر لوقفه. وبينما كنا نغادر الاجتماع عائدين الى القاهرة أعرب السادات عن تقديره العظيم للولايات المتحدة ولرئيسها ريغان. وانطلاقاً من اقتناع السادات بقوة التأييد الاميركي لمصر والتزامها بمسيرة السلام، التي كان الرئيس المصري بدأها قبل اقل من أربع سنوات مع الرئيس كارتر، فقد شعر بالارتياح وهو يعد العدة لما بدا انه مواجهة حتمية مع القذافي. ولم يخف السادات اطلاقاً طموحه بايجاد دور قيادي لنفسه ولمصر في افريقيا والعالم العربي، او ايمانه القوي بأن الاتحاد السوفياتي مصمم على التخلص منه من اجل استعادة مكانة موسكو السابقة في مصر. وبعد ثمانية عشر يوماً فقط اغتيل السادات على أيدي مجموعة من الاصوليين الاسلاميين. التعاون الاستراتيجي بين اميركا واسرائيل لدى عودتنا الى السفارة الاميركية في القاهرة اجتمعنا مع السفير اثرتون ونائب رئيس البعثة هنري بريشت وبنغ ويست ونائب الادميرال جوناثان هاو استعداداً للاجتماع الذي سيعقد في اليوم التالي مع وزير الدفاع المصري المشير عبدالحليم أبو غزالة. وكانت الادارة الاميركية عينت بريشت في القاهرة بغض النظر عن اعتقاد الكثيرين انه واحد من الذين يتحملون مسؤولية كبيرة عن السياسة التي أدت الى تقويض العمود الايراني في السياسة الاميركية. فقبل ثلاث سنوات كان بريشت، المسؤول آنذاك عن مكتب ايران، يصر على انه لا يوجد اي اضطراب داخلي في ايران. وكان يحذف بعض التحليلات المشروعة التي تتحدى آراءه الراسخة، وكان رفض البحث بصفة جدية في الوضع المتدهور في ايران، كلف الولاياتالمتحدة غالياً. وقد وقع اللوم، وربما بشكل مجحف، على بريشت أكثر من غيره بصفته المسؤول الأول عن خسارة ايران. ومع ذلك فقد حصل بريشت على تعيينات ممتازة في الشرق الادنى بينها القاهرة التي تعتبر احد اهم مراكز الخدمة الخارجية الاميركية في العالم العربي. في اطار محاولاتنا مواجهة الاخطار الجديدة في الشرق الاوسط ظهرت قضية في غاية الصعوبة تنطوي على طبيعة التعاون الاميركي - الاسرائيلي الاستراتيجي. وكانت المرة الاولى التي واجه فيها مكفرلين ووزير الخارجية الاميركي الكسندر هيغ فكرة التعاون الاستراتيجي مع اسرائيل هي عندما طرحها مدير دائرة التخطيط السياسي في وزارة الخارجية بول وولفوفيتز ونائبه الأول جيم روش في اوائل شباط فبراير 1981. فقد شرحا في ذلك الوقت الحوار الاستراتيجي السري بين الولاياتالمتحدة واسرائيل الذي انهمكت فيه بكل هدوء وزارة الدفاع في عهد كارتر. ومع ان قضايا استراتيجية مهمة بحثت مع كبار المسؤولين الاسرائيليين في وزارتي الخارجية والدفاع فانه لم يتطور اي شيء ملموس نظراً الى المعارضة التي اعرب عنها مجلس الامن القومي ووزارة الخارجية الاميركية. ومع ان رونالد ريغان ورئيس الوزراء الاسرائيلي مناحيم بيغن كانا يتحدثان عادة بلهجة متماثلة عن الخطر السوفياتي على مصالح كل من اميركا واسرائيل فان موقف كل منهما من التعاون الفعلي كان يستند الى افتراضات متناقضة. فقد كان بيغن يؤمن بشكل راسخ ان اسرائيل بحاجة الى "حرية المناورة" في المجالين الاستراتيجي والتكتيكي من اجل مواجهة "التهديدات والمخاطر العربية". وكان مقتنعاً بأن حكومات اسرائيل العمالية السابقة كانت تولي اهمية مفرطة لمسألة التشاور المسبق مع الولاياتالمتحدة مما اضر بأمن اسرائيل. وكان بيغن يريد تغيير العلاقة الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة لكي تتمكن اسرائيل من التصرف بصورة منفردة عن واشنطن وأيضاً من اجل تمكين الولاياتالمتحدة في الوقت نفسه من اقصاء نفسها تكتيكياً عن اسرائيل وأفعالها التي يمكن ان تلحق ضرراً بالمصالح الاميركية في العالم العربي. والواقع ان بيغن كرر مراراً، خلال الحملة الانتخابية الاسرائيلية عام 1981، ان تعامل الليكود مع الاميركيين يعني توفير قدر اعظم كثيراً من الامن لاسرائيل لأن هذا التعامل يعني ان في وسع اسرائيل ان تتصرف من جانبها وحدها، حتى ولو كان معنى ذلك مواجهة واشنطن واثارة غضبها. وفي مثل هذه الظروف كان بيغن يأمل في التوصل الى اتفاق استراتيجي عام ومبهم ايضاً، بالاستناد الى المصالح المشتركة من دون وجود كيانات رسمية للاتصال والتعاون. وهذا هو ما كان يشير اليه بعض الاسرائيليين بمبدأ بيغن. وفي اوائل آذار مارس 1981 زار ديفيد كيمحي المدير العام لوزارة الخارجية الاسرائيلية واشنطن لكي يبدأ في تبادل الآراء بصفة رسمية مع ادارة ريغان. وخلال هذه الزيارة أرسى كيمحي ومكفرلين حواراً تطور فيما بعد ليصبح قناة مهمة من قنوات الاتصال بين الولاياتالمتحدة واسرائيل طوال سنوات حكم ريغان تقريباً. واتفق مكفرلين وكيمحي على ان التعاون الاستراتيجي الاسرائيلي - الاميركي سيفيد واشنطن وتل ابيب في مواجهة موسكو، ولكنه سيثير على الفور قدراً كبيراً من الشكوك العربية في نوايا السياسة الاميركية. واتفق الرجلان على ان من الضروري ان تنطوي العملية على تطور تدريجي مدروس من اجل تحقيق اقصى قدر من الفائدة وتقليل امكانات سوء التفاهم ومحاولات الافساد السوفياتية. كذلك اشتمل جدول الاعمال على قضايا اخرى، بينها انتهاج ديبلوماسية أميركية خلاّقة "لتعزيز مكانة اسرائيل السياسية والاقتصادية في اميركا الوسطى وافريقيا وشرق آسيا". واستند هيغ بالدرجة الاولى الى المبادئ التي وضعها وولفوفيتز فوضع الفرضيات الاساسية للتعاون الاستراتيجي لجنوب غربي آسيا اثناء زيارته الى اسرائيل في نيسان ابريل 1981. واعتبر بيغن زيارة هيغ فرصة لتنفيذ مفهومه المفضل للعلاقة مع اميركا. فمن منظور بيغن وافقت الولاياتالمتحدة واسرائيل على الأسس: يجب عدم السماح للاتحاد السوفياتي او لسورية التي يدعمها السوفيات بتوسيع نطاق نفوذهما في لبنان. ولهذا كان من المناسب جداً لاسرائيل ان تتصرف تجاه سورية من دون ان تحتاج الى التشاور مع واشنطن. لقد كان لكل من الولاياتالمتحدة واسرائيل اهداف مختلفة. اذ على نقيض رغبة بيغن في اقامة علاقة استراتيجية تستند الى حرية اسرائيلية كبيرة في العمل والتصرف وبعيداً عن تبعيتها وتبعية مصالحها للمصالح الاميركية، كان هيغ يريد بناء كيان يعود على الولاياتالمتحدة بالفوائد من قوة اسرائيل الجغرافية والعسكرية. وكانت الاهداف الاساسية هي تعزيز قدرة اميركا على عرض وإظهار قوتها في جنوب غربي آسيا لردع التوسع السوفياتي، مع تقليل النزعات الاسرائيلية نحو التصرف الفردي وبالتالي تعزيز القبول العربي للاستراتيجية الاميركية الاقليمية. قصف المفاعل النووي العراقي وبمجرد التوصل الى التفاهم الاستراتيجي مع الدول الرئيسية في المنطقة كانت الولاياتالمتحدة تأمل في اعادة تسليط الاهتمام على عملية احلال السلام بين العرب واسرائيل. وكانت ادارة ريغان تأمل بتعديل مفهوم خطر اسرائيل على جيرانها، الذين كانوا اضعف منها عسكرياً، ولكنهم كانوا على قدر اكبر من الاهمية بالنسبة الى خطط ادارة ريغان في المنطقة. واستناداً الى ادراك جديد بالمصالح المشتركة سعى هيغ ومكفرلين الى تشجيع اسرائيل والعرب على تحمل مجازفات اكبر على امل بناء قدر من الثقة. وبينما كان هيغ وبيغن يبحثان المبادئ العامة، اجتمع مكفرلين الى دافيد كيمحي وابراهام تامير من وزارة الدفاع الاسرائيلية لوضع جدول اعمال مفصل للتخطيط السياسي والعسكري. وتوصلوا الى اطار لأفكار التعاون، بما في ذلك التخطيط العسكري المشترك وتخزين المعدات الاميركية العسكرية وبرنامج للمناورات والتعاون السياسي على المستوى الدولي. وفي ايار مايو 1981 اجتمع مكفرلين وكيمحي سراً في جنيف لوضع جدول اعمال رسمي للتعاون الاستراتيجي على اساس قاعدة عريضة. وبدأ بينهما تبادل للآراء لدفع عملية السلام استناداً الى التفاهم المبدئي الذي توصل اليه بيغن وهيغ. واتفق مكفرلين وكيمحي على ان يكون الأساس الراسخ للتعاون الاستراتيجي هو المصالح المشتركة للولايات المتحدة واسرائيل في ردع الزحف السوفياتي على الشرق الاوسط. وكانت المرحلة الاولى من التعاون هي تطوير التعاون العسكري بين العسكريين انفسهم لتعزيز قدرة الولاياتالمتحدة على اظهار قوتها في جنوب غربي آسيا. وبحث الطرفان ايضاً المناورات المشتركة وتخزين المعدات العسكرية الاميركية لقوة الانتشار السريع وحقوق الوصول الى المرافق والتسهيلات وزيادة تبادل المعلومات الاستخبارية والتخطيط المشترك. مع ان مثل هذه العمليات ستزيد من قوة اسرائيل على ردع أية تهديدات أو اخطار عربية على أمنها فان مكفرلين أكد ان موقف الولاياتالمتحدة واضح وهو انه لا يمكن توجيه التعاون الاستراتيجي اطلاقاً ضد الدول العربية، حتى ولو كان بعض تلك الدول حليفاً للاتحاد السوفياتي. اما مسألة تشاور اسرائيل مع واشنطن مقدماً، في حالة اقدام اسرائيل على عمل عسكري من جانبها وحدها، فلم يبحث اطلاقاً. فقد اوضح مكفرلين ان الاتفاق الاستراتيجي من وجهة نظر واشنطن يعني ان على اسرائيل قبل ان تقوم بأي عمل عسكري ان تحسب الآثار المحتملة لتصرفاتها على مصالح الولاياتالمتحدة مع اعطاء الاولوية لعدم الحاق الضرر بهذه المصالح. وفي المقابل فان اميركا ستفعل الشيء نفسه بالنسبة الى المصالح الاسرائيلية. وانتهت الاجتماعات والمحادثات باتفاق الطرفين على مبادئ التعاون وبرنامج القضايا السياسية والعسكرية التي ستثار في الجولة التالية من المحادثات. ومع بداية حزيران يونيو 1981 ظهر ان محادثات هيغ ومكفرلين مع المسؤولين الاسرائيليين تمهد لبدء عهد جديد من التعاون الاستراتيجي الرسمي. لقد كان قصف المفاعل النووي العراقي نموذجاً على مبدأ بيغن. فبعد أن حاول الاسرائيليون طوال سنوات عدة إقناع الولاياتالمتحدة وفرنسا وايطاليا بأنهم يعتبرون المفاعل خطراً مهلكاً على وجود اسرائيل، استنتجوا في نهاية الأمر أن الطريقة الوحيدة لمنع صدام حسين من اكمال بناء سلاحه النووي هي العمل العسكري الحاسم. واعتقاداً من اسرائيل أنها بعثت إشارات كافية الى الولاياتالمتحدة عن نواياها، من دون أن تطلب منها تأييد العمل الاسرائيلي أو محاولة ردعه، قررت مهاجمة المفاعل. والواقع ان احتمال قيام اسرائيل بذلك الاجراء كان واضحاً لواشنطن. إذ أن اسرائيل طالما كررت الاعراب عن قلقها الخطير من نوايا صدام حسين قبل أن تتخذ الاجراء العسكري بفترة طويلة. ففي اوائل كانون الثاني يناير 1981 أي قبل أن يتولى ريغان الرئاسة رسمياً بأيام قليلة بعث السفير الأميركي الى اسرائيل صموئيل لويس برقية شاملة ووافية الى واشنطن شرحت بالتفصيل وبإسهاب التحذيرات الاسرائيلية. إلا أن برقية لويس لم تلق اهتماماً كافياً خارج اطار مكتب الشرق الأدنى الذي واصل الاصرار على أن الاسرائيليين أصبحوا في حالة من الهستريا ويبالغون في تصوير الخطر العراقي لمجرد الحصول على طلباتهم الأمنية. ولهذا، وعلى رغم برقية صموئيل لويس والدلائل القوية الصادرة عن اسرائيل فإن قصف المفاعل النووي العراقي في حزيران يونيو 1981 جاء بمثابة مفاجأة كاملة لادارة الرئيس ريغان، ولكن ليس لمكتب شؤون الشرق الأدنى. وهكذا أعطى تدمير اسرائيل "المفاجىء" للمفاعل النووي العراقي ذريعة سهلة لخصوم التعاون الاستراتيجي لوقف العملية: إذ أن التصرفات الاسرائيلية تلحق ضرراً بالغاً بقدرة أميركا على تعزيز نفوذها في المنطقة لمواجهة السوفيات. وقد اشتاط كاسبار واينبرغر وزير الدفاع بشكل خاص غضباً نتيجة العمل الاسرائيلي. ولهذا تجاوز مجرد الدعوة الى وقف مبيعات الأسلحة الى اسرائيل، وقال ان على الولاياتالمتحدة أن تعيد النظر في سياساتها الأساسية تجاه اسرائيل، لا سيما سياستها القاضية بعدم التحدث الى منظمة التحرير وفي دورها في عملية كامب ديفيد واعتبار المعاهدة أساس عملية السلام في الشرق الأوسط. وكان واينبرغر من أقوى المنادين بأن أفضل وسيلة أمام الولاياتالمتحدة لتعزيز مصالحها والمساعدة في الدفاع عن اسرائيل هي تقوية روابطها مع العالم العربي. وأظهر واينبرغر طوال المدة التي كان فيها وزيراً للدفاع عداوة علنية نحو اسرائيل، كما حاول تغيير السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط من جانبه وحده بإقصاء أميركا عن اسرائيل على رغم رغبة ريغان المعلنة في إقامة روابط وثيقة معها. واينبرغر يحارب اسرائيل وعلى رغم استياء ريغان وهيغ الشديد من المفاجآت الاسرائيلية بالنسبة الى الموقف في لبنان والعراق، فانهما كانا يصران على أن اقامة صلات وثيقة مع اسرائيل ستساعد على تعزيز الاتفاق الاستراتيجي في وجه التوسع السوفياتي وعلى زيادة استعداد اسرائيل للقيام بمجازفات من أجل السلام في مفاوضات الحكم الذاتي الفلسطيني، وليس الضغط على اسرائيل أو الابتعاد عنها. لكن ريغان أذعن، مع ذلك، في قرار وقف تسليم طائرات اف 16 الى اسرائيل للاعراب عن استياء واشنطن من الغارة الاسرائيلية على المفاعل النووي العراقي. يضاف الى ذلك أنه أصدر أوامره ببدء حوار رسمي مع الديبلوماسيين العراقيين. ومع ذلك فإن ريغان تجاهل بشكل عام نصائح واينبرغر لتغيير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. وفي مطلع صيف 1981 عقد روبرت مكفارلين اجتماعاً في مكتبه لوضع سياسة تساعد على إقامة علاقة رسمية بين الولاياتالمتحدة واسرائيل لإرساء تعاون استراتيجي يستند الى الأسس التي اتفق عليها الطرفان في محادثات القدس ومحادثات جنيف. وأكد ان الأهداف الرئيسية والأساسية للتعاون الاستراتيجي هي تعزيز المكانة العسكرية الأميركية في شرق البحر الأبيض المتوسط ووضع اطار من العلاقات الثنائية لردع التهديدات الروسية للشرق الأوسط. وكلف مكفرلين المشتركين في الاجتماع دراسة كيفية تطوير هذا التعاون لكي يقلل من "الأخطار العربية" على اسرائيل، ويقلل في الوقت نفسه من نزعة اسرائيل وميلها الى التصرف من جانبها وحدها من دون اكتراث بالمصالح الأميركية في العالم العربي. واجتمع وولفوفيتز وبيرت وفليوتس مع مكفرلين للاتفاق على الأصول المرجعية لهذه المبادرة. وطوال الأسابيع الستة التالية انهمكت مع دنيس روس وريتشارد هاس وادوارد نيد ووكر ودان هاندل مساعد مكفرلين الخاص لقضايا الشرق الأدنى في اعداد وثيقة سياسية لنرفعها الى الرئيس ولكي يحصل هيغ على تأييد واينبرغر لها. إلا أن مكتب شؤون الأمن الدولية رفض، بتعليمات من واينبرغر، التعاون في صياغة ذلك التحليل. وخلال الشهرين التاليين بحث واينبرغر وهيغ المسألة مرات عدة إلا أن واينبرغر رفض التزحزح وأصر على أنه هو وليس وزير الخارجية أو الرئيس، الذي يعرف أفضل شيء لصالح الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط. وإثر ذلك اتصل بنغ ويست مرات عدة بكل من مكفرلين وفليوتس في محاولة لمنع وقوع مواجهة فعلية بين هيغ وواينبرغر، ولكي يقنع مكفرلين بإعادة النظر في مبادرة التعاون الاستراتيجي واستخدام نفوذه لوقف العمل بها. إلا أن هيغ ومكفرلين كانا مقتنعين بأن التعاون الاستراتيجي سيعزز من مكانة أميركا العسكرية على الصعيد الاقليمي. ولهذا رفض مكفرلين وسلم الدراسة الى هيغ، كما أعطاه مذكرة بمسودة القرار تبين مزايا التعاون الاستراتيجي الأميركي - الاسرائيلي ومساوئه. ومع ان مكفرلين اعترف صراحة بمعارضة واينبرغر المطلقة فانه أوصى بأن يوقع هيغ على المذكرة وان يطلب من ريغان الموافقة واصدار تعليماته الى الجهاز الحكومي بالتفاوض على اتفاق للتعاون الاستراتيجي مع اسرائيل وتطبيقه. ووافق هيغ على ذلك، وفعلاً رفعت المذكرة الى الرئيس في آب اغسطس 1981. كان واينبرغر لا يزال مصمماً على منع الولاياتالمتحدة واسرائيل من الدخول في مثل هذا الاتفاق، ولهذا بعث رسالة شخصية الى الرئيس ريغان ليؤكد فيها اعتراضه على ذلك، وقال ان مثل هذا الاتفاق مع اسرائيل سيلحق ضرراً بالغاً جداً بالنفوذ الأميركي في العالم العربي. وبذل وزير الدفاع قصارى جهده لاقناع الرئيس بعدم تأييد توصية هيغ. ولكن أمل واينبرغر خاب لأن ريغان وافق مع هيغ وأمر جهاز الأمن القومي الأميركي باعداد مبادىء اتفاق التعاون الاستراتيجي التي سيبحثها ريغان مع بيغن أثناء زيارة الأخير الى واشنطن في أوائل ايلول سبتمبر. ومع ذلك فإن واينبرغر أمر نوابه بتجنب التعاون مع وزارة الخارجية، بينما واصل هو محاولاته لاقناع الرئيس باعادة النظر في قراره. وقد سمح عدم تعاون وزارة الدفاع مع الدوائر الحكومية الأخرى في اعداد جدول أعمال محادثات الرئيس مع بيغن، لوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي باحتكار صياغة البرنامج وتنسيق عملية التعاون.