أعطت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية مؤشراً قوياً على مواجهتها لخطط الادارة الاميركية الرامية الى فرض ضريبة الطاقة، وأعلنت أول رد فعلي جماعي على نيات ادارة الرئيس كلينتون بفرض هذه الضريبة. واتخذت دول مجلس التعاون الست هذا التوجه في اجتماع عقدته لجنة التعاون البترولي في جدة في 13 آذار مارس الجاري برئاسة يوسف بن عمير بن يوسف وزير النفط والثروة المعدنية في دولة الامارات. وجاءت معارضة دول المجلس لخطط ادارة كلينتون بشأن فرض ضريبة الطاقة في اطار معارضتها الضرائب المختلفة التي يتعرض لها البترول، حيث اكدت الدول الست في البيان الختامي لاجتماع وزراء النفط معارضتها "مبدأ زيادة العبء الضريبي على البترول المثقل اساساً بالضرائب، خصوصاً في دول المجموعة الأوروبية لاسيما مع استمرار الدعم في تلك الدول لمصادر الطاقة ذات الضرر البيئي الاكبر، كالفحم والطاقة النووية" كما اكد البيان حرص الدول الخليجية على حماية مصالحها البترولية واستمرار تدفق صادراتها من تلك السلعة الاساسية بدون عوائق او قيود، سواء ضريبية او غيرها، انسجاماً مع خططها لسد الاحتياجات البترولية للاقتصاد العالمي. البيان الختامي الدي صدر عن اجتماع وزراء النفط في الدول الست تضمن فقرتين عن ضريبة الطاقة من اصل خمس فقرات فقط، مما يؤكد ان موضوع الضرائب هو الهاجس الاساسي الذي يشكل تحدياً فعلياً لصادرات دول الخليج من النفط الخام. فدول مجلس التعاون التي لا تزال تقاوم منذ اكثر من عامين خطط المجموعة الأوروبية بفرض "ضريبة الكربون"، تواجه اليوم تحدياً جديداً بفرض "ضريبة الطاقة الاميركية"، وهما في الحالتين تؤديان الى نتائج واحدة في انعكاساتها السلبية على صناعة النفط العالمية، اضافة الى ان فرض ضريبة الطاقة في الولاياتالمتحدة يعزز موقف الجماعة الأوروبية للمضي في خططها الهادفة الى فرض "ضريبة الكربون". وترى مصادر نفطية خليجية ان على الدول الست ان تبدأ حواراً سريعاً مع ادارة كلينتون لتوضيح موقفها من ضريبة الطاقة، خصوصاً ان مثل هذا الحوار قد يعطي اضافات جديدة لمعارضة مثل هذه الضريبة داخل الولاياتالمتحدة الاميركية نفسها. وتؤكد هذه المصادر ضرورة هذا الحوار لأن الولاياتالمتحدة تستورد حوالي 30 في المئة من وارداتها النفطية من دول مجلس التعاون، كما ان اقرار مثل هذه الضريبة قد يفتح الباب على مصراعيه امام اليابان، اكبر مستورد لنفط الخليج، لفرض ضرائب مماثلة. وتمتلك دول مجلس التعاون اكثر من 60 في المئة من الاحتياطي النفطي العالمي واكثر من 05 في المئة من انتاج اوبك اليومي، اوراقاً مهمة لمواجهة الاهداف المتعددة الاطراف لفرض ضرائب باشكال مختلفة على النفط الخام. ففي حالة التعامل مع "ضريبة الكربون" الاوروبية اكدت دول التعاون في مفاوضاتها مع المجموعة الاوروبية ان هذه الضريبة تشكل عائقاً كبيراً للوصول الى اتفاقية انشاء منطقة تجارة حرة بين المجموعتين. وقد عقدت المجموعتان اجتماعاً لفريقي الطاقة في دول مجلس التعاون والمجموعة الاوروبية في ابو ظبي في بداية هذا العام، ويتوقع ان تعقد المجموعتان اجتماعاً وزارياً في ايار مايو المقبل لاستكمال بحث "ضريبة الكربون". وقالت مصادر نفطية لپ"الوسط" ان المجموعة الأوروبية ما زالت متمسكة بموقفها في فرض هذه الضريبة ابتداء من بداية عام 1994، وان فرض ضريبة الطاقة الاميركية سيعزز الموقف الأوروبي، مما يدعو الى التحرك بشكل جدي نحو واشنطن لثنيها عن خطوتها هذه. ويشكل قرار جدة بمعارضة كل انواع او اشكال الضرائب على النفط ارضية قوية للتحرك لمواجهة هذه الضرائب اياً كان مصدرها. ذلك ان العائدات النفطية لدول مجلس التعاون، ستتراجع، في حال تطبيق "ضريبة الكربون"، حوالي 14 بليون مليون دولار سنوياً، فيما لم يتم بعد دراسة تأثير ضريبة الطاقة الاميركية على عائدات دول مجلس التعاون بشكل واضح، ولكن تأثيرها، حسب تقديرات صناعة النفط، سيكون اضافة كبيرة في الاعباء التي يتحملها برميل النفط لدى وصوله الى المستهلك في العالم الصناعي ويؤدي الى تراجع اضافي في عائدات الدول المنتجة. وتقدر المصادر ان برميل النفط الخام يتحمل ضريبة الآن في المجموعة الأوروبية تصل الى حوالي 60 دولاراً للبرميل الواحد مقابل السعر الاساسي للبرميل البالغ حوالي 18 دولاراً، ولذلك تحقق دول المجموعة دخلاً من ضرائبها على النفط يبلغ حوالي 260 بليون مليار دولار مقابل عائدات دول المجلس التي لا تزيد عن 80 بليون مليار دولار. وتتفق الدوائر النفطية الخليجية والعالمية على ان صناعة النفط في الدول الخليجية تتطلب توفير استثمارات تقدر بحوالي 70 بليون دولار لزيادة طاقتها الانتاجية من النفط لتلبية احتياجات السوق العالمية، وان اي تراجع في عائدات هذه الدول من النفط الخام سيؤثر على خططها وبرامجها التي بدأتها فعلياً. وتؤكد مصادر بترولية خليجية ان دول المجلس لن تنطلق في مواجهتها او تعاملها مع خطط الادارة الاميركية من قاعدة رد الفعل، على اهميتها، ولكنها بدأت باجراء دراسات واسعة لتحديد موقف واضح من هذه الضريبة. وأكد علي البغلي وزير النفط الكويتي عقب اختتام اجتماع جدة انه تم تشكيل لجان لدراسة بدائل عديدة لمواجهة ضريبة الكربون. وقال البغلي ان نتائج هذه الدراسات يمكن ان يتم طرحها في اجتماع الدول المنتجة للنفط في مسقط 12 نيسان ابريل المقبل، وان البداية في مواجهة ضريبة الطاقة ستكون من دول المجلس لأن النفط هو مصدر عيشها الأساسي "اذ يشكل 90 في المئة من دخلها القومي"، وكلما كثرت الدول التي تشارك في رد الفعل كان ذلك انجح. وترى دوائر خليجية ان المواجهة التي قد تتخذها دول مجلس التعاون ربما تبدأ بفرض ضرائب على وارداتها من الولاياتالمتحدة والدول الاخرى التي تفرض ضرائب مختلفة على النفط الخام. وتدرس دول مجلس التعاون حالياً وضع تعرفة جمركية موحدة على وارداتها، غير ان هذا الاحتمال يبقى احد الخيارات المتاحة، فيما ترى دوائر في صناعة النفط ان تفرض الدول المنتجة "ضريبة عند رأس البئر" على برميل النفط، ويؤدي هذا الاقتراح الى رفع اسعار النفط عملياً، من قبل الدول المنتجة الامر، الذي يحد عملياً من توجه الدول الصناعية لفرض ضرائب مختلفة على وارداتها من النفط الخام. ويؤكد وزراء النفط بدول مجلس التعاون حرصهم على متابعة تنفيذ قرارات اوبك ولذلك جاء اجتماع جدة بعد شهر واحد من اجتماع اوبك، وبعد 13 يوماً من بدء تنفيذ قرار تخفيض الانتاج في اول آذار مارس الجاري، وقبل شهر من اجتماع مسقط الذي يضم 31 دولة منتجة للنفط في اوبك 12 دولة وخارجها.