بإشراف من وزارة الطاقة الشركة السعودية للكهرباء توقّع مذكرة تفاهم لتعزيز التكامل في مجال الطاقة المتجددة والتعاون الإقليمي في مؤتمر COP29    «هيئة الإحصاء»: معدل التضخم في السعودية يصل إلى 1.9% في أكتوبر 2024    البلدية والإسكان وسبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت    الذهب يتراجع لأدنى مستوى في 8 أسابيع وسط ارتفاع الدولار    اختتام مؤتمر شبكة الروابط العائلية للهلال الأحمر بالشرق الأدنى والأوسط    الوداد تتوج بذهبية وبرونزية في جوائز تجربة العميل السعودية لعام 2024م    وزير الخارجية يصل لباريس للمشاركة في اجتماع تطوير مشروع العلا    صندوق الاستثمارات العامة يعلن إتمام بيع 100 مليون سهم في stc    "دار وإعمار" و"NHC" توقعان اتفاقية لتطوير مراكز تجارية في ضاحية خزام لتعزيز جودة الحياة    "محمد الحبيب العقارية" تدخل موسوعة جينيس بأكبر صبَّةٍ خرسانيةٍ في العالم    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    مصرع 12 شخصاً في حادثة مروعة بمصر    ماجد الجبيلي يحتفل بزفافه في أجواء مبهجة وحضور مميز من الأهل والأصدقاء    رؤساء المجالس التشريعية الخليجية: ندعم سيادة الشعب الفلسطيني على الأراضي المحتلة    رينارد: سنقاتل من أجل المولد.. وغياب الدوسري مؤثر    «التراث»: تسجيل 198 موقعاً جديداً في السجل الوطني للآثار    قرارات «استثنائية» لقمة غير عادية    كيف يدمر التشخيص الطبي في «غوغل» نفسيات المرضى؟    «العدل»: رقمنة 200 مليون وثيقة.. وظائف للسعوديين والسعوديات بمشروع «الثروة العقارية»    فتاة «X» تهز عروش الديمقراطيين!    رقمنة الثقافة    الوطن    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    عصابات النسَّابة    هيبة الحليب.. أعيدوها أمام المشروبات الغازية    صحة العالم تُناقش في المملكة    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    لاعبو الأندية السعودية يهيمنون على الأفضلية القارية    «جان باترسون» رئيسة قطاع الرياضة في نيوم ل(البلاد): فخورة بعودة الفرج للأخضر.. ونسعى للصعود ل «روشن»    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    الطائف.. عمارة تقليدية تتجلَّى شكلاً ونوعاً    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    استعادة التنوع الأحيائي    تعزيز المهنية بما يتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030.. وزير البلديات يكرم المطورين العقاريين المتميزين    الخليج يتغلّب على كاظمة الكويتي في ثاني مواجهات البطولة الآسيوية    حبوب محسنة للإقلاع عن التدخين    المنتخب يخسر الفرج    رينارد: سنقاتل لنضمن التأهل    فيلم «ما وراء الإعجاب».. بين حوار الثقافة الشرقية والغربية    «الشرقية تبدع» و«إثراء» يستطلعان تحديات عصر الرقمنة    «الحصن» تحدي السينمائيين..    بوبوفيتش يحذر من «الأخضر»    مقياس سميث للحسد    أهميّة التعقّل    د. الزير: 77 % من النساء يطلبن تفسير أضغاث الأحلام    ترامب يختار مديرة للمخابرات الوطنية ومدعيا عاما    أجواء شتوية    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    السيادة الرقمية وحجب حسابات التواصل    الذاكرة.. وحاسة الشم    السعودية تواصل جهودها لتنمية قطاع المياه واستدامته محلياً ودولياً    أمير المدينة يتفقد محافظتي ينبع والحناكية    وزير الداخلية يرعى الحفل السنوي لجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية    محافظ الطائف يرأس إجتماع المجلس المحلي للتنمية والتطوير    نائب أمير جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي    محمية جزر فرسان.. عودة الطبيعة في ربيع محميتها    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة النفط ... وإعادة هيكلة الاقتصاد الخليجي
نشر في الحياة يوم 03 - 06 - 1999

هذا القرن المشحون بالأحداث الكبيرة والاكتشافات المثيرة والصناعات الثقيلة كان النفط فيه ولا يزال عصب وشريان الحياة في السلم والحرب. وقال كليمنصو مطلع القرن في وصف الدور المهم للنفط في الحرب: "إن كل قطرة من النفط تساوي قطرة من الدم". وقال الرئىس الاميركي السابق ايزنهاور: "لقد سبح الحلفاء نحو النصر في الحربين العالميتين على بحيرة من النفط". فالأميركيون اكتشفوا قبل غيرهم من الدول العظمى ان النفط حيوي وضروري في الحرب والسلم ومصدر اساسي لكل حركة في الحياة المعاصرة.
وتبوأ النفط مركز استراتيجياً حيوياً وأصبح الطاقة المفضلة لدى الدول الصناعية وزاد الطلب عليه وأصبح محركاً رئيسياً في خطط الدول الصناعية على الصعيدين الاقتصادي والاستراتيجي.
وبلغت أهميته ذروتها عام 1973 عندما استخدم كسلاح سياسي واقتصادي للمرة الأولى، فركزت الدول الصناعية اهتمامها على النفط وفعل الساسة والخبراء الشيء نفسه، وقويت شوكة منظمة الدول المصدرة للنفط اوبك. وقال معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن في تقريره عن أوبك: "إن عام 1973 الذي سيطر عليه النزاع في الشرق الاوسط ونشوب الحرب بين اسرائيل والعرب مما حتم استخدام سلاح النفط، شهد ظهور قوة اقتصادية سادسة في العالم هي الدول اعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط التي اضيفت إلى القوة العسكرية لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والصين واليابان ودول السوق الاوروربية المشتركة، وهذه القوة السادسة قلبت بعض الموازين والمفاهيم، واضفت على منطقة الشرق الاوسط عموماً، والمنطقة العربية خصوصاً، ثوباً جديداً لا عهد للعالم به، وقفزت بها إلى الصدارة من الاعتبار والاعتداد".
وعلى رغم الأهمية التي وصف بها ذلك التقرير "أوبك" فإننا نعتقد ان المنظمة - كقوة اقتصادية - وكمنظمة دولية كان في امكانها ان تخلق لنفسها قوة ووضعاً دولياً أفضل بكثير من وصف التقرير لها لو استطاعت تجنب خلافاتها وطرح التناقضات جانبا واتخاذ خطوات مدروسة والتخطيط على أسس موضوعية للحاضر والمستقبل والتعامل مع الواقع بمرونة لتسيطر على الموقف النفطي وتواجه به التحديات والضغوط الدولية التي تعرضت لها والاستفادة من التجارب والدروس السابقة للتخطيط لمستقبلها لتصل إلى بر الأمان لتدعم مركزها ومكانتها في المجتمع الدولي كمنظمة تملك قوة اقتصادية دولية تتحكم في الجزء الأكبر من احتياطات المصدر الأساسي للطاقة في العالم.
لكن الوضع كان عكس ذلك، إذ هبت الرياح العاتية على المنظمة لأسباب عدة منها غياب التناغم والتعاون بين معظم اعضائها فتوالت انعكاساتها وتعمق الصراع بين اعضائها بل وتفرقت بهم السبل، ما جعلها على شفا الهاوية، وقلل من قدرتها على التصدي لأي مجابهة دولية بعد أن تشتت وذهب ريحها فأصبحت ضعيفة غير قادرة على مواجهة المستجدات السياسية والاقتصادية التي تحدث على صعيد سوق النفط الدولية لأسباب رئيسية منها:
الجسر القوي الذي اقامته الدول الصناعية المستهلكة لمواجهة أوبك تحت منبر منظمة الطاقة الدولية.
وضع الدول الصناعية المستهلكة للنفط استراتيجيات مدروسة لخفض حجم طلبها من نفط "أوبك" عموماً، والنفط العربي خصوصاً، عبر اعتبار أوبك مصدراً مكملاً تلجاً إليه الدول الصناعية إذا استنفدت جميع ما يمكن ان تحصل عليه من نفط الدول المنتجة خارج المنظمة.
رسم الدول الصناعية المستهلكة لسياسة مدروسة بدقة اقتصادية لاستخدام المخزون الاستراتيجي في تنفيذ مخططاتها عند الحاجة إليه للضغط على أسعار النفط.
زيادة الدول خارج أوبك انتاجها من دون التقيد بسقف انتاج محدود ما أثر في الأسعار هبوطاً وارتفاعاً، وتسبب في تشبع السوق الدولية، الأمر الذي جعل الأسعار تتدنى إلى أقل مستوى لها بعد انهيار الأسعار، خصوصاً في الثمانينات.
هذه المقدمة السريعة مدخلاً لاتفاق لاهاي القاضي بخفض انتاج أوبك 1.7 مليون برميل يومياً والذي توّجه وزراء نفط أوبك باجتماعهم في فيينا لخفض سقف انتاج أوبك من 24.689 مليون برميل إلى 22.971 مليون برميل يومياً.
ولا يختلف اثنان من خبراء النفط على أهمية هذا الخفض لمعالجة أزمة تدني الأسعار التي أصبحت مستفحلة حتى وان اختلفت الآراء حول طريقة سبل إعادة الاستقرار إلى سوق النفط الدولية، خصوصاً أن هناك دولاً من خارج المنظمة ساهمت هي الأخرى في خفض انتاجها سعياً إلى تحسين أسعار النفط. فالسعودية خفضت 585 ألف برميل وإيران 264 والامارات 157 ونيجيريا 148 والكويت 144وفنزويلا 125وليبيا 96 والجزائر 58 وقطر 57، ومن خارج أوبك: المكسيك 125 وروسيا وجيرانها 100 والنروج 100 وعمان 63 ألف برميل يومياً.
وكان لهذا الخفض أثره في أسعار النفط، إذ تحسنت بشكل ملموس فتجاوز سعر برميل دبي 14 دولاراً، كما تجاوز سعر برميل غرب تكساس 16 دولاراً. أما مزيج برنت فتجاوز 14.5 دولار. وان كان هذا التحسن مشوباً بالحذر الشديد بعد تذبذب شديد للأسعار هبوطاً وارتفاعاً، ما أثر في موازنات الدول المصدرة، خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الجانب الآخر منح الدول الصناعية المستهلكة فرصة للتغلب على ازماتها في وقت قياسي وشهدت اقتصادياتها سنوات سماناً وهي التي قامت باشعال حرب الأسعار فرفعت أسعار منتجاتها الصناعية امام تزايد الطلب عليها من الدول النفطية، كما رفعت قيمة الضرائب على المنتجات النفطية التي بلغت 60 دولاراً على البرميل في أوروبا، و40 دولاراً في اليابان و14 دولاراً في الولايات المتحدة، أي ان الضرائب الداخلية في اوروبا واليابان صارت تعادل ثلاثة وأربعة اضعاف ما تحصل عليه الدولة المصدرة من برميل النفط.
وجاء نظام منظمة التجارة العالمية ليستثني النفط من نظامها، وهو أمر مجحف جداً تفرضه الدول الصناعية بقوتها ضد الدول النامية لضرب مبدأ حرية التجارة في الصميم. ومن المهم حساب موضوع انضمام دول مجلس التعاون الخليجي إلى تلك المنظمة بدقة متناهية، فالأمر مسألة حساب، وان لم تستفد أكثر فلماذا الانضمام مع عدم عدالة بعض الشروط، خصوصاً أنه يتعلق بأهم سلعة تعتمد عليها دول المجلس.
هذه بعض نتائج الاجتماع السابع بعد المئة للمجلس الوزاري لمنظمة أوبك الذي جاء ليعالج أسعار النفط التي تدهورت إلى ادنى مستوى لها منذ ربع قرن وكانت ولا تزال سمة الأسعار التذبذب هبوطاً وارتفاعاً، ما ترتب عليه خروج السوق النفطية من مراحل الاستقرار إلى عدم الاستقرار نتيجة لزيادة العرض على الطلب. ويعد سقف الانتاج وتوزيع حصص الاعضاء ضمن ذلك السقف أمراً مهماً في هذه المرحلة الحرجة التي تواجهها أسعار النفط لتخرج من الأزمة الحادة التي عانت منها نظراً لاستمرار الانخفاض الحاد في الطلب على النفط في الاسواق العالمية وزيادة العرض من بعض أعضاء أوبك والدول المصدرة للنفط خارج المنظمة.
ولا شك ان استراتيجية التعامل مشكلة اقتصادية كبيرة في حجم ازمة اسعار النفط يجب ان يتواكب مع طبيعة المشكلة وما إذا كانت عارضة او تمثل اتجاهاً عاماً. وهذا العنصر المهم على ما يبدو لا يزال حائراً في أروقة منظمة أوبك الضعيفة ولم يجد حلاً ناجحاً حتى اليوم.
وكانت أوبك تحركت في الماضي باتخاذ موقف دفاعي عن الأسعار والعمل على زيادتها إلى الحد المعقول الذي يعيد إلى السوق الدولية توازنها وذلك بمحاولة الاتفاق على خفض الانتاج بين الدول الاعضاء في المنظمة، والاتفاق مع الدول المنتجة من خارجها على التنسيق في العمل من أجل مصلحة الجميع.
وعلى رغم صعوبة التحديات التي واجهتها المنظمة، إلا انها من وجهة نظرنا ليست صعوبة مطلقة بل نسبية، ويتوجب البحث عن حد ادنى من الاتفاق بين الاعضاء على سياسة للإنتاج والاسعار ولا بد ان تكون هناك خطة مستقبلية تتحدد فيها الاهداف والاستراتيجيات ازاء المتغيرات والظروف الموضوعية التي قد تؤثر بشروطها وأوضاعها في القرارات التي تتخذ في عالم متغير يشهد عولمة جديدة واتحاداً ضد المنتجين أعضاء أوبك، خصوصاً الدول العربية.
وفي الوقت الذي خفضت فيه أوبك سقف انتاجها إلى 971.22 مليون برميل يومياً، فإن وكالة الطاقة الدولية قدرت في آخر تقرير لها المعروض النفطي من الدول المنتجة خارج المنظمة ب44.77 مليون برميل يومياً. وذكرت وكالة الطاقة في تقريرها أن اجمالي الطلب العالمي خلال الربع الأول من هذا العام يصل إلى 74.9 مليون برميل يومياً، أما متوسط الطلب العالمي خلال العام فيبلغ 74.7 مليون برميل. أما تقرير وزارة الطاقة الأميركية الصادر أواخر الشهر الماضي، فتوقع ارتفاع الطلب على النفط بين 30 و40 مليون برميل يومياً في العقدين المقبلين ليصل بحلول 2020 إلى 110 ملايين برميل يومياً.
وعلى رغم هذه التوقعات المتفائلة، فإننا نعتقد ان المشكلة الحقيقية تتمثل في التزام جميع الاطراف الاتفاقيات الخاصة بسقف الانتاج. فكل خروج على الاتفاق ينعكس بطبيعة الحال على الأسعار والتنسيق الجيد في المواقف بين الدول المنتجة للنفط من أوبك وخارجها يخدم مصالح الجميع، والحوار وسيلة مهمة للتقريب بين المواقف المختلفة والمصالح المتضاربة.
وإذا كان الأمر غير ذلك - أي خروج البعض على الحصص - فإن هذا سيلحق اضراراً بمصالح المنتجين الملتزمين كالسعودية، وفيه اغراق لأسواق النفط العالمية، خصوصاً أن بعض الاعضاء يخرجون على حصصهم ناهيك عن أن الدول خارج المنظمة تستفيد من كل برميل يخفض لزيادة انتاجها في اغلب الأحوال... وهذا أمر لا يمكن لدولة قائدة في انتاج وصناعة النفط كالسعودية ان تغض الطرف عنه فتأثيره يلحق الضرر بالاقتصاد الوطني والاقتصاد العالمي والدول المنتجة في الحاضر والمستقبل. ولدينا دليل عملي، فمن خلال تتبعنا للخفوضات في سقف الانتاج نجد ان السعودية كلما خفضت انتاجها هناك بالمقابل دول أخرى في المنظمة ورغم توقيعها قرار الخفض، إلا أن هذا الخفض لا يتعدى كونه صورياً ومع ذلك تستمر بمطالبة غيرها بمزيد من الخفض.
ومن رأينا انه من الصعب على المملكة ان تبذل الجهد تلو الجهد للوصول إلى اتفاقات لحماية السوق الدولية للنفط. وعلى رغم توقيع اعضاء أوبك عليها إلا أنهم - وعلى عجل - يتجاهلون تلك الاتفاقات ويزيدون من انتاجهم وتجاريهم الدول خارج المنظمة لتتدهور الأسعار بينما السعودية تحترم كل حرف في تلك الاتفاقات، وهذا ما يلحق ضرراً جسيماً في اقتصادها الذي يعاني بالفعل منذ أوائل التسعينات.
وعلى سبيل المثال، خفضت السعودية انتاجها في كانون الثاني يناير عام 1992 من 8.6 مليون برميل يومياً إلى 8.4 مليون ثم إلى ثمانية ملايين برميل في شهر آذار مارس في العام نفسه. وخفضت المملكة أخيراً انتاجها 585 ألف برميل يومياً متحملة اكبر كمية من خفض الانتاج لتصل حصتها الجديدة إلى 7.438 مليون برميل يومياً، تجاوباً منها مع متطلبات السوق الدولية للنفط والحفاظ على استقرار السوق.
ولعل الدول المنتجة من المنظمة وخارجها تدرك أهمية تضافر الجهود والتنسيق في المواقف والتخطيط للمستقبل على أسس موضوعية لتدخل القرن ال21 بسوق مستقرة لتحديد الحد الأمثل للانتاج الذي يصل بالسعر إلى مستواه المستهدف!
والسؤال المهم الذي يطرح نفسه يتمثل بمدى إمكان مساهمة تحسن أسعار النفط الأخيرة لدعم اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي وتخفيف الضغط على موازنات تلك الدول؟
لا شك بأن تحسن أسعار النفط مهما كانت نسبته يساهم في تخفيف الضغط على اقتصاديات دول المجلس ويدعم موازناتها التي شهدت عجزاً يمكن وصفه بأنه كان كبيراً في الأعوام الأخيرة. لكننا فور اجابتنا ببساطة عن هذا السؤال نواجه بسؤال أكثر تعقيداً يفرض نفسه على كل خبير نفطي أو اقتصادي: هل هذا هو الحل السحري الذي كانت تنتظره هذه الدول لحل أزمتها المالية والاقتصادية؟ والإجابة السريعة لهذا السؤال بالطبع لا.
ويبرز سؤال آخر: ولكن كيف يكون الحل؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عليه بإيجاز: ان النفط سيبقى العمود الفقري لضخ الأموال في قناة الاقتصاد الخليجي وسيبقى تأثيره الواضح على جميع القطاعات الاقتصادية في تلك الدول مهما قيل أو طرح من حلول لتنويع الموارد.. فهذه الدول المحسودة من اغنى دول العالم بالنفط، وهي قبل وبعد كل شيء دول نفطية واقتصادها نفط بنفط... وهي بهذا الوصف المبسط أكثر دول العالم اعتماداً وتأثراً بالنفط، إذ أن بقاءه يمثل حياة اقتصادها وفناؤه يعني أولاً وأخيراً دفن اقتصادها.
هذه الدول تواجه اليوم تحدياً كبيراً فرضته الدول الصناعية المستهلكة ببراعة على يد وكالة الطاقة الدولية. ويكفي القول مثلاً إنه عندما وصل سعر برميل النفط إلى حوالى 35 دولاراً للبرميل عام 1981 فإن السعر الحقيقي كان 17.7 دولار للبرميل مقارناً بدولارات 1974. وعندما تدنى السعر إلى 7.16 دولار للبرميل، فإن السعر الحقيقي وصل إلى 6.4 دولار للبرميل مقارنة بدولارات 1974 وعندما يصل السعر اليوم إلى حوالى 14 دولاراً، فإن الأمر يكون قد أصبح أكثر وضوحاً لكل ذي عين بصيرة.
وتكون النتيجة الحسابية أسوأ بكثير لدول المجلس عندما يتدنى سعر النفط لأقل من عشرة دولارات، خصوصاً إذا عرفنا ان الخبراء يؤكدون استمرار انخفاض متوسط السعر الحقيقي لنفط أوبك مقوماً بالدولار، وهذا ما يعرف تعبيراً بمتوسط السعر الفوري للنفط الخام مقارنة بأسعار تصدير السلع الصناعية من دول منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي إلى الدول النفطية.
ولا يأتي هذا التقدير جزافاً وإنما بالدراسات المتأنية التي تتابع تحركات أسعار النفط والعملات المقومة بها كالدولار الذي كان سعره في شباط فبراير عام 1985 يساوي 3.5 مارك الماني/ 264 يناً/، 1.3 جنيه استرليني، وفي مطلع عام 1996 وصل سعره إلى 1.50 جنيه/ 1.48 مارك/ 106 ينات وفي مطلع نيسان ابريل عام 1999 إلى 1.61 جنيه/ 120 يناً/ 1.0796 يورو.
وانخفاض الدولار يؤدي إلى انخفاض إيرادات الدول المرتبطة عملاتها بالدولار ومنها المملكة العربية السعودية وارتفاع قيمة واردتها... ولنا ان نتصور مدى الخسارة الفادحة التي تتعرض لها دول المجلس من لعبة العملات التي تديرها ببراعة الدول الصناعية، خصوصاً سعر صرف الدولار الذي يسعر به النفط والذي انخفضت قيمته بنسبة كبيرة تصل إلى حوالى 56 في المئة مقابل الين الياباني وإلى حوالى 37 في المئة مقابل الجنيه الاسترليني مقارنة بسعره في شباط فبراير 1985.
ومن هنا يبدو ان دول مجلس التعاون الخليجي لا بد لها من مواجهة التحديات التي تواجه اقتصادياتها في ظل تذبذب وتدني أسعار النفط وانخفاض قيمة الدولار وصادرات تنحصر في النفط والغاز الطبيعي المسال والبتروكيماويات وأسعارها تقوم بالدولار الذي انخفض سعره بشكل كبير. وهذا لن يتأتى بالتعامل مع المشكلة بشكل مرحلي بل ان الأمر يتطلب سياسة جادة لإعادة هيكلة اقتصادياتها ويأتي في مقدم الإصلاحات العمل على تقليص العجز في الموازنات وزيادة الإيرادات غير النفطية وترشيد الانفاق.
وإذا ما قرأنا خطة التنمية السادسة للسعودية نجد أنها تهدف إلى تحقيق موازنة متوازنة بحلول سنة 2000 وركزت الخطة على زيادة الإيرادات غير النفطية بتعديل الرسوم المفروضة على السلع والخدمات إضافة إلى تحسين وسائل وطرق التحصيل وخفض الدعم المباشر وغير المباشر وترشيد الانفاق، وفي الكويت تهدف خطة التنمية الأخيرة إلى تحقيق توازن الموازنة كذلك سنة 2000 وزيادة الإيرادات بفرض ضرائب مبيعات وأخرى على أرباح الشركات وزيادة الرسوم الجمركية وفرض رسوم على عدد من الخدمات التي تقدمها الدولة والحد من زيادة الرواتب والأجور.. الخ.
وتسير عمان في الاتجاه نفسه في ما يتعلق بتوازن الموازنة سنة 2000، إلا أن عمان تتوقع زيادة إيراداتها النفطية لزيادة انتاجها من النفط كما تتوقع ان تزيد مواردها من الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 25 في المئة وعلى رغم ذلك، فإن عمان من خلال حصتها الخمسية تهدف إلى خفض انفاقها على الدفاع والامن بنسبة تصل إلى 13 في المئة.
وتهدف البحرين لتحقيق موازنة متوازنة سنة 2000 عن طريق زيادة الإيرادات وخفض الانفاق ونجد نفس الهدف لدى الإمارات التي تعتزم ترشيد توزيع النفقات الرأسمالية بين الإمارات لتفادي ازدواجية النفقات وخفض الدعم الحكومي للقطاعات المختلفة.
* خبير اقتصادي سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.