على الرغم من مرور اكثر من 30 عاماً على غزو الانسان للفضاء، فإن معظم اجهزة الصحافة والاعلام اعطت بعض اهل العلم حقه لجهوده في هذا المجال وقلما تحدثت عن اولئك الذين رسموا الآلات وتخيلوا الاجواء التي يمكن ان يعيشها الانسان في القمر والمريخ. ولما كانت رسوم وتخيلات هؤلاء العلماء هي اساس اي برنامج فضائي قبل الشروع في تنفيذه فإن التحقيق الآتي يسلط الاضواء على هؤلاء الفنانين، الذين يتألفون من معماريين وفنيين ومهندسين ومصممين ورسامين عالميين، وعلى سفنهم ومساكنهم ومرافقهم الفضائية التي تخيلوها ورسموها للمسؤولين عن وكالة "ناسا" الاميركية لخلق الجو الملائم لرحلات الانسان المقبلة الى المريخ. تواجه معظم البرامج الفضائية مشكلة حيوية تتمثل في الحياة اليومية للانسان في الفضاء. فخارج الغلاف الجوي يصبح كل شيء مختلفاً، والجاذبية تؤثر على عاداتنا وممارساتنا، فإذا سقط قلم من مكتبك في مركبة فضائية فقد يقضي عشر سنوات قبل ان يبلغ ارضها! وفي الفضاء يصبح الجسم، المتحرر من كل شد وجذب، رخواً، اما القلب فيصبح هادئاً تماماً فليس عليه الا بذل جهد قليل لانعاش الجسم بالدم. وفضلاً عن المهندسين وعلماء الرياضيات والطبيعة الذين يبنون المكوك الفضائي وأجهزة الرصد الأخرى، هناك أشخاص آخرون يحتلون أهمية متعاظمة هم مصممو الفضاء، إذ ان لا غنى عن دورهم أبداً في كل المشاريع الفضائية. ولأول وهلة، يعتقد المرء أن اعمال هؤلاء تصبح اكثر سهولة بسبب غياب الجاذبية. على أن المشكلات التي تواجههم كثيرة حقاً. اذ ينبغي عليهم وضع التصوّر التشكيلي للأجهزة والمعدات. وهذه الرسوم، تمثل أساساً لما سيقوم به المهندسون لاحقاً. فضلاً عن ذلك فإن على المصممين ايجاد حلول لمشكلات متجددة تنشأ عن الميكرو - جاذبية اي جاذبية النطاق المصغر. على ان دور هؤلاء المصممين يرتدي أهمية أكبر من وجهة النظر الجمالية. البداية ولنبدأ الحكاية من الأول أي من الاجابة عن السؤال الآتي: كيف يرى برنامج فضائي أميركي النور؟ تقوم وكالة الصناعات الفضائية الاميركية "ناسا" بطرح مناقصات على شركات الصناعات الفضائية مثل "بوينغ" و"روكويل انترناشونال" وبعد أشهر أو سنوات تقوم كل شركة بتقديم مشروعها الذي يبدأ برسم ملوّن يصوّر ذلك المشروع ويكون أساساً لكل المباحثات. بعد ذلك تقدم "ناسا" المشروع أمام الكونغرس للتصويت على موازنته ثم يعرض بعدها على المواطن الاميركي الذي يدفع التكلفة عبر الضرائب. ويلزم ان يجذب عمل المصمم أكبر قدر من الاهتمام والاعجاب، فلوحته تلك تصبح أغلى عمل فني، اذ انها تختزل مشروعاً يبلغ حجمه بلايين مليارات الدولارات. كان أول عهد لمصممي الفضاء بالشهرة في العام 1950 عندما أقامت مجلة "كوليير" مؤتمراً كرسته لهم في "سان انطونيو" في "تكساس". وكانت تلك مناسبة جادة تماماً، اذ ترأس المؤتمر "فيرنار فون براون" أبو الصناعات الفضائية الأميركية. كانت الحرب الباردة في ذروتها، فيما الحرب "الحامية" تشتعل في كوريا. وكانت الولاياتالمتحدة الأميركية تحلم بنظام عالمي جديد في الفضاء الخارجي، في حين كان على المصممين التعبير عن مشاريع معقدة ممكنة التحقيق علمياً. وكذلك جرى انشاء مراكز للتوثيق تتولى تدريب أولئك المصممين عن طريق الحلقات الدراسية. وكان لزاماً عليهم أن يدركوا ذلك الجزء من الكرة الأرضية الذي يستطيع رواد الفضاء رؤيته في مدارهم الجوي إلا ان ذلك كان صعباً بحيث لم يكن أتيح لأحد، في ذلك الوقت، ارتياد الفضاء. والاشارة للفضاء تعود الى ذلك الوقت الذي تم فيه اكتشاف المنظار المكبرّ في العام 1610 او الى تلك الرسوم التي ابدعها "بيارد" و"دو نيفيل" لرواية "جول فيرن" المسماة "من الارض الى القمر" التي كتبها في العام 1865، أو رسوم "يوم على القمر" التي أبدعها "أبيه موري" في العام 1913. و"هيرغ" في رواية "مشينا على القمر". وكان على المصممين تخيل الاشكال والخطوط دون عون من أحد. وقد اصبح هذا الضرب من التشكيل خاصيّة أميركية كما أصبح المصممون نجوماً تحتاج الى مهاراتهم "ناسا" وشركات الصناعات الفضائية، فضلاً عن مجلات مثل "لايف" و"ناشونال جيوغرافيك"، و"أومني". ويوالي نحو ثلاثين من اولئك المصممين تطوير مهاراتهم الفنية، فيواظبون على حضور الدورات الدراسية المتصلة بالتصميم الفضائي كما يدرسون آثار الأمكنة المحفورة على السلوك البشري عندما تبلغ الجاذبية درجة الصفر. أما من جهة الأسلوب أو المدرسة الفنية فإن جميع اولئك المصممين ينتمون الى مدرسة الواقعية المفرطة، حيث يقومون باستخدام الدقة التي تقتضيها التقنية العالمية في تصاميمهم التي يجري رسمها في تضافر تام مع المهندسين. ولا غرابة اذا أصبحت تلك الرسوم مقتنيات ذات قيمة مرتفعة تماماً في الولاياتالمتحدة. وهكذا فقد أصبحت دار عضو مجلس الشيوخ "باري غولدووتر" في أريزونا غاليري كاملة للسفن الفضائية. وكذلك فإن متحف الجو والفضاء في واشنطن العاصمة ومعهد "سميث سوينان" يعرضان مجموعات كبيرة من اعمال الفن الفضائي، وكل تلك الرسوم والصوّر اصبحت جزءاً من التراث الفني الاميركي. العودة الى القمر حينما يتحدث البعض عن ارتياد القمر مجدداً فلا يعنون مجرد زيارته وانما استغلاله. وذلك يستدعي أن تكون البرامج الفضائية مجدية ومربحة، تجارياً. ووفقاً للعينات التي عادت بها سفينة الفضاء "أبولو" فإن تربة القمر تتمثل في الآتي: 30 في المئة من خام المعادن مثل الحديد والمغنيسيوم والألمنيوم و20 في المئة من مادة السيليكون، و40 في المئة من الأوكسجين. ويمكن لتلك المواد انتاج خازنات شمسية تحول الطاقة الشمسية الى طاقة كهربائية يتم بثها بعد ذلك الى الأرض. ولكي يستمر الانتاج بلا انقطاع ينبغي تركيب محطة الطاقة على جانبي القمر، بحيث يتعرض كل جزء منها - على التوالي - لأشعة الشمس. وبفضل المرايا الموضوعة على المدار يمكن بث تلك الموجات الى الجانب المظلم من الأرض. إن مزايا مثل هذا المشروع مغرية تماماً، فالجاذبية المنخفضة تسهّل عملية التشييد، كما ان انعدام السحب يسمح بالتعرض الكثير لأشعة الشمس. والقمر لا يتيح المواد اللازمة وحسب وإنما يتيح ايضاً انشاء مستعمرات بشرية لا حدود لها، فهو يوفر الأوكسجين والنايتروجين اللازمين لتنفس البشر مثلما يوفر المياه. وكذلك فهناك امكانية انتاج الوقود لسفن الفضاء في القمر. اما ثاني أوكسيد الكربون الذي يمكن استخراجه من هناك فيمكن استخدامه في المساعدة في زراعة النباتات. وبالمثل يمكن استخدام المواد المحلية لصناعة الطوب والكبلات. دخل هذا البرنامج مرحلة البحث والتطوير، والهدف النهائي هو بلوغ مرحلة تكون فيها المحطات القمرية مستقلة بنفسها عن الأرض مما يعني أنه لن يكون ضرورياً ان يقوم مكوك الفضاء بنقل الوقود او مواد التشييد وانما سيقتصر دوره على نقل البشر والأجهزة المعقدة. ان نقل الأوكسجين السائل باهظ التكلفة ووفقاً لتقرير أصدرته "ناسا" فإن الوزن الإجمالي للمواد التي ترسل الى المدار كل عام يمكن ان ينخفض الى 300 طن فقط في حالة التمكن من انتاج الأوكسجين السائل في القمر. وتعادل الاموال التي سيجري توفيرها نتيجة ذلك تكلفة اطلاق 10 مكوكات فضائية. ويعمل علماء "ناسا" والجامعات الأميركية على دراسة افضل السبل لاستخراج ذلك الأوكسجين السائل، علماً بأن الانسان ظل سنوات طويلة يستخرجه من المعادن. وهذا استثمار مجزٍ بالنظر الى انه يقلص كثيراً اعداد المكوكات الفضائية التي يتم ارسالها. وكذلك فإن القمر يمكن ان يوفر انتاج الهيدروجين والميثين. يؤمن القمر مورداً مهماً آخر يتمثل في تربته التي يمكن استخدامها في بناء الطرق والمساكن والتشييدات الفخمة الاخرى. الا ان تلك التربة تحوي مادة اخرى يمكن ان تكون مصدراً للطاقة هي "هيليوم - 3" التي لا توجد في الأرض، ويمكن استخدامها كوقود لمولدات الطاقة الكهربائية وهذه تقنية اكثر رفقاً بالبيئة من الوقود النووي الاشعاعي الفاعلية. ومن المتوقع انتاج مفاعل "هيليوم - 3" الذي ينتج طاقة غير ملوّثة لأمد غير محدود خلال الاعوام العشرة او الخمسة عشر المقبلة. موعد مع المريخ لأول وهلة، لا يبدو المريخ جذاباً فقط، فقد بيّنت نتائج الرصد الذي قام به القمر الاصطناعي الاميركي "مارينار - 4" في العام 1965 أن مناخه لا يسمح بالتنفس، بحيث أن نسبة ثاني اوكسيد الكربون فيه تبلغ 95 في المئة فيما تبلغ نسبة النيتروجين 2.7 في المئة والمياه 0.035 في المئة. وفضلاً عن ذلك فإن هذا الكوكب مليء بالاشعاعات فوق البنفسجية. أما درجة حرارته فمتوسطها ستون درجة مئوية تحت الصفر. على أن للمريخ مزايا عديدة فهو أقرب كوكب من الارض وتصله أشعة الشمس بنسبة 43 في المئة مما يبلغ الأرض منها، وهذه نسبة تسمح بنمو النباتات الضوئية. وقد التقط القمر الاصطناعي "مارينار - 9" في العام 1971 قنوات في نصف القمر الجنوبي، مما يشير الى ان المياه كانت موجودة فيه في الأزمنة الماضية. فضلاً عن ذلك فقد كشف القمر الاصطناعي "فايكينغ 1" و"فايكينغ 2" وجود مياه متجمدة ووجود ثاني أوكسيد الكربون في قطبي المريخ. وهذه المياه تسيل أو تتجمد وفقاً لمواسم السنة المريخية التي تبلغ سنة و322 يوماً. كما أظهرت تجربة فرنسية تمت في العام 1988، في اطار بحوث سفينة الفضاء السوفياتية "فويوس"، ان تربة المريخ تحوي كميات هائلة من المياه. ووفقاً للتقديرات فإن كوكب المريخ الذي تبلغ مساحته نصف مساحة الأرض يحوي مياهاً تعادل في نسبتها المياه التي يحويها كوكب الأرض. والى ذلك فإن تربة المريخ شبيهة بتربة كوكبنا، وصخوره 50 في المئة منها أوكسجين و20 في المئة من السيليكون و14 في المئة من الحديد و2 في المئة من الالومينيوم. فكّر البعض خلال الستينات في تحويل المريخ الى كوكب شبيه بالأرض. وفي العام 1991 قام بعض العلماء بإحياء تلك الفكرة وبدراسة جدواها. ووفق ما توصل اليه مركز البحوث التابع لپ"ناسا" فإن ايجاد الظروف الكفيلة بجعل الحياة ممكنة في المريخ مشروع واقعي قابل للتحقيق. إن التوازن المناخي في المريخ متقلب تماماً، مما يعني أن عملية تسخين طفيفة قد تحدث ارتفاعاً لا رجعة عنه في درجة الحرارة. وسيكون من شأن ذلك المناخ الأكثر دفئاً ان يتبخر جزء من ثاني أوكسيد الكربون من المريخ ومن المياه المتجمدة في قطبيه. ومن خلال عملية التبخر ينشئ ثاني أوكسيد الكربون أثراً شبيهاً بأثر "البيوت الزجاجية"، مما يحدث مزيداً من التسخين في الجو ويؤدي الى المزيد من عملية التبخر. وهكذا يمكن لدرجة الحرارة ان تبلغ الارتفاع الذي يسمح بنمو النباتات. ويمكن ان تكون البداية بزراعة النباتات الأولية كالطحالب الخضراء والحزاز، وهي نباتات قادرة على احتمال برودة الجو والأشعة فوق البنفسجية والاكتفاء بقدر يسير من الأوكسجين. وبالتدريج يمكن لعملية تأمين الضوء ان توفر قدراً كافياً من الأوكسجين يسمح بنمو النباتات الأكثر تقدماً، كما يسمح بتكوين طبقة أوزون تحمي من الاشعاعات فوق البنفسجية. إن مئة عام تكفي لتحويل المريخ الى "بيت زجاجي" فضائي بالغ الضخامة. ولقد درست وكالة الفضاء الاميركية "ناسا" أكثر من وسيلة لإحداث ذلك التسخين الاستهلاكي بينها تركيب عاكسات على قطبي المريخ بغرض تركيز الضوء أو رش كميات هائلة من مسحوق الكربون الأسود على المياه المتجمدة في القطبين، مما يزيد من درجة امتصاص الاشعة ما دون الحمراء. وهناك دراسات توصي باستخراج ثاني أوكسيد الكربون من تربة المريخ عن طريق استخدام الطاقة النووية. أما في الوقت الحالي فيلزم مواصلة عمليات الرصد والمراقبة. ففي أيلول سبتمبر 1992 تم اطلاق القمر الاصطناعي الأميركي "مارز اوبزيرفور" اي مراقب المريخ، ومهمته تحليل مناخ الكوكب ورسم الخارطات الدقيقة لسطحه. كما تتعاون روسيا وفرنسا في مشروع "المريخ 1994" المتعلق بإرسال قمر اصطناعي مزود بأجزاء يمكن زرعها على سطح القمر. وكذلك تتأهب روسيا لاطلاق قمر اصطناعي قادر على جمع عينات من تربة المريخ وذلك في العام 1996. وفي العام ذاته تنوي اليابان ارسال أول قمر اصطناعي لها الى المريخ.