كشفت مصادر مسؤولة في ادارة الرئيس كلينتون لپ"الوسط" ان ثلاثة عوامل دفعت المسؤولين الاميركيين الى ممارسة "ضغط غير معلن" على اسحق رابين رئيس الحكومة الاسرائيلية لاقناعه بالتراجع في قضية المبعدين الفلسطينيين الى جنوبلبنان. وهذه العوامل هي: 1 - لا تريد ادارة كلينتون السماح لمجلس الامن الدولي بفرض عقوبات على اسرائيل لامتناعها عن تنفيذ القرار 799 الداعي الى اعادة جميع المبعدين فوراً الى الضفة الغربية وغزة، كما تطالب المجموعة العربية ودول اجنبية عدة، استناداً الى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. فمن جهة ستكون هذه المرة الأولى - في حال حدوثها - التي يتم فيها الاستناد الى الفصل السابع لفرض عقوبات دولية على الدولة اليهودية، اذ لم يسبق ان تعامل مجلس الأمن بهذا الشكل مع اسرائيل. ومن جهة ثانية فان فرض هذه العقوبات من شأنه ان يؤدي الى اثارة ازمة اميركية - اسرائيلية ويدفع حكومة رابين الى الانسحاب من مفاوضات السلام مما يضعف رابين في اسرائيل ويمهد لسقوط حكومته. 2 - لا تريد ادارة كلينتون استخدام حق النقض الفيتو لمنع مجلس الامن من اتخاذ عقوبات ضد اسرائيل لامتناعها عن تنفيذ القرار 799. اذ يخشى المسؤولون الاميركيون ان يؤدي استخدام الفيتو في هذا الحال الى التأثير سلباً على عمليات مقبلة يمكن ان تقوم بها الولاياتالمتحدة في دول او مناطق اخرى في العالم وتحتاج فيها الى دعم مجلس الامن. كما ان استخدام الفيتو سيدفع القيادة الفلسطينية الى الانسحاب من مفاوضات السلام وسيثير "انزعاجاً" عربياً - اميركياً، وسيعطي الانطباع، فوراً، بأن الادارة الاميركية الجديدة منحازة فعلاً الى اسرائيل. 3 - انطلاقاً من معادلة "لا عقوبات ولا فيتو" أخذت الادارة الاميركية الجديدة تبحث عن "الحل الثالث". وقد لعب وارن كريستوفر وزير الخارجية الاميركي الجديد دوراً رئيسياً في ايجاد صيغة الحل الثالث. وجرت لهذه الغاية مشاورات غير معلنة بين الادارة الاميركية وجهات عدة معنية بهذه القضية. وشدد المسؤولون الاميركيون، خلال مشاوراتهم هذه، على ان ادارة كلينتون تريد اتباع "سياسة متوازنة" في الشرق الاوسط ولا تريد اضعاف دور الأممالمتحدة، لكنهم أوضحوا في الوقت نفسه انه "يجب عدم المقارنة بين ابعاد الفلسطينيين وقيام العراق بغزو الكويت. فابعاد الفلسطينيين خطأ سياسي وقانوني وانساني ارتكبته الحكومة الاسرائيلية، لكن غزو الكويت جريمة كبرى. ولا يمكن المساواة بين الخطأ والجريمة". وبعد اجراء هذه المشاورات تم التوصل الى "اتفاق" اميركي - اسرائيلي على صيغة "الحل الثالث" وذلك خلال اتصال هاتفي جرى نهاية الشهر الماضي بين وارن كريستوفر ورابين. وترددت انباء غير مؤكدة رسمياً ان كريستوفر ابلغ رابين ان الولاياتالمتحدة ستمتنع عن التصويت في مجلس الامن ولن تستخدم حق النقض الفيتو، اذا لم تقدم الحكومة الاسرائيلية تنازلات بشأن المبعدين. وفي الأول من شباط فبراير الجاري عقدت الحكومة الاسرائيلية جلسة استثنائية اعلن بعدها رابين، في مؤتمر صحافي، ان حكومته قررت السماح بعودة مئة مبعد "خلال يومين الى أربعة أيام"، كما قررت خفض مدة الابعاد من سنتين الى سنة واحدة، والسماح بنقل المؤن الى المبعدين الباقين المقيمين في "مخيم العودة" جنوبلبنان. وأوضح وارن كريستوفر من جانبه "ان مئة من المبعدين سيعودون فوراً، كما سيعود عدد لا بأس به منهم في ايلول سبتمبر المقبل، والباقون قبل نهاية 1993". وفي ضوء هذا "الحل الوسط" اعتبر كريستوفر ان الادارة الاميركية "مرتاحة جداً" الى قرار اسرائيل، وبالتالي "فليس ضرورياً" قيام مجلس الامن بأي عمل جديد يتعلق بالمبعدين. وشدد على ان اميركا وروسيا بوصفهما راعيي مفاوضات السلام العربية - الاسرائيلية ستباشران "المشاورات قريباً" من اجل اعادة اطلاق هذه المفاوضات. وكان رد الفعل الدولي على هذا الموقف الاسرائيلي الجديد اعلان حركة حماس رفضها اعادة المبعدين على مراحل ومطالبتها بتنفيذ القرار 799 الداعي الى اعادة جميع المبعدين فوراً. واتخذت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية موقفاً مماثلاً. وفي هذا المجال علمت "الوسط" من مصادر وثيقة الاطلاع في باريس ان المسؤولين الفرنسيين اقترحوا على رابين، في منتصف الشهر الماضي، اعادة بين 100 و120 مبعداً "فوراً" الى الضفة وغزة وتقليص مدة الابعاد للآخرين، وان رابين أبدى استعداداً لقبول هذا الحل اذا وافقت عليه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. واتصل الفرنسيون ببعض المسؤولين الفلسطينيين فرفض هؤلاء هذا الحل الوسط، خصوصاً من منطلق ان حماس لن تقبله. راجع ص 26