سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حوار خاص مع زعيم الحزب الشيوعي السوداني الخاضع للإقامة الجبرية . محمد ابراهيم نقد لپ"الوسط": لا مصالحة مع نظام البشير والحل بإخراج السودان من "الدائرة الشريرة" . "القيادة العراقية مسؤولة عما يحدث لشعبها وعن ادخال المنطقة في ازمة"
محمد ابراهيم نقد 63 سنة زعيم سياسي معروف في السودان، وهو يتولى منصب الامين العام للحزب الشيوعي السوداني منذ عام 1971، بعد تنفيذ حكم الاعدام بحق زعيم الحزب آنذاك عبدالخالق محجوب في عهد الرئيس السابق جعفر نميري ومنذ "ثورة الانقاذ الوطني" في 30 حزيران يونيو 1989 التي أدت الى تسلم عمر حسن البشير السلطة بعد الاطاحة بحكومة الصادق المهدي - وكان الحزب الشيوعي ممثلاً فيها - ومحمد ابراهيم نقد يمضي ايامه بين السجن والاقامة الجبرية في منزله. وفي منزله في ضاحية الرياض شرق الخرطوم التقت "الوسط" نقد وأجرت معه حواراً خاصاً بدأ بالسؤال عن ظروف معيشته اليوم: - جميل جداً ان تتأكد بنفسك من وجود حراسة امام المنزل بعد ان ذكرت أجهزة الاعلام الاجنبية ان الاقامة الجبرية رفعت عن نقد والصادق المهدي. اما الحديث عن حريتي الشخصية فلا ارى له أهمية خاصة لأن حريتي مرتبطة بالحريات العامة في السودان وقد اعتدت في ظل ثلاث حكومات عسكرية ان أقضي أيامي اما في المعتقل او تحت الاقامة الجبرية او مختفياً تحت الارض، لسنوات بلغت 26 عاماً في عهود ابراهيم عبود 1958 - 1964 وجعفر نميري 1969 - 1985 ثم عمر البشير من 1989 الى اليوم. الشعب السوداني مارس الحريات العامة والديموقراطية السياسية بصورة شاملة وسبق في ذلك شعوباً اخرى، ولهذا انظر الى حريتي الشخصية كجزء من حرية هذا الشعب. وربما أكون اعتدت الحياة ما بين المعتقل او الاختفاء او المنزل لكني ارى انها تصب ضمن النضال العام من اجل الديموقراطية. وامارس حالياً حياة خاصة فيها حرية نسبية حيث يسمح لي بالخروج ولكن تحت المراقبة الدقيقة، ولهذا ولئلا احرج اصدقائي فإنني لا اغادر منزلي الا للضرورة، ومنها حضور تشييع المعارف او زيارة مقر دار الوثائق المركزية لاعداد ابحاث ودراسات حول بعض القضايا السياسية والاجتماعية. يتحدث بعض المراقبين أحياناً عن احتمال مصالحة او وفاق وطني بين القوى السياسية السودانية والحكومة الحالية. ما تعليقك على ذلك، مع الاخذ في الاعتبار انك التقيت الفريق عمر البشير على انفراد؟ - لا أتوقع ان تحدث مصالحة ولا علم لي بها، فالسلطة القائمة وصلت بالاستقطاب الى آخر مراحله وكرست النظام الشمولي مهما كان شكل الهيكل السياسي، ولهذا لا أرى موقفاً وسطاً بين قوى سياسية تريد تعددية حزبية وبين نظام شمولي. الحديث عن المصالحة هو تلاعب بالالفاظ والشعارات وقد جربنا المصالحة من قبل في عهد نميري مع بعض القوى السياسية، وكانت نتيجتها تكريس حكم الفرد. ازمة السودان أعمق ولا يمكن حلها "بالقطاعي" والحل في ارساء تقاليد الحرية والديموقراطية، والخروج بالسودان مما اسميه "الدائرة الشريرة"، حكم مدني ثم حرب أهلية وانقلاب عسكري وانتفاضة وفترة انتقالية، وحكم مدني، ثم انقلاب عسكري وهكذا نريد اصلاحاً سياسياً كاملاً في الاحزاب والنقابات والصحافة. الأزمة الاقتصادية كيف تنظرون الى الحلول التي قدمتها الحكومة للمشاكل الاقتصادية وهو ما تمّ التعارف عليه "بالبرنامج الثلاثي للانقاذ"؟ - ننظر الى الاقتصاد المتردي ونحن نتحسر لاننا سودانيون والمسألة ليست شماتة لانها تتعلق بحياة شعب اشتهر بالكرم، وترى ان الحلول التي تقدمها الحكومة هي عبارة عن شعارات وايديولوجيات اقتصادية ولكن الحصيلة لا شيء بل المزيد من الدمار والتدني في قيمة الجنيه السوداني بالمقارنة مع الدولار الاميركي الذي أصبح المعيار للاقتصاد السوداني. لقد اصبح الارتفاع اليومي في سعر الدولار هو الكارثة لان الامر يتعلق بالسيادة والعملة المحلية والصادرات ومنافستها عالمياً. ولكن الأسابيع الأخيرة شهدت انخفاضاً ملحوظاً في سعر الدولار حتى وصل الى 140 جنيهاً بعد ان كان 195 جنيهاً. هل هذا يعني ان تحسناً طرأ على اقتصادنا؟ - لا اعتقد. لان انخفاض الدولار الآن ظاهرة موقتة بسبب ضغط الانفاق الحكومي ووقف مشتريات الحكومة من الدولار، والانخفاض الحالي سببه قلة الطلب على الدولار لتردي القوى الشرائية وكذلك توقف استيراد عناصر الانتاج لارتفاع سعرها وتوقف العمل، يضاف الى ذلك ان البنوك تتدخل بصورة كبيرة في بيع وشراء وتحويل العملات الاجنبية مما يسبب اضافة جديدة في العمولات تنعكس على المستهلك، ثم اخيراً اعلنت الحكومة ان انخفاض سعر الدولار حالياً سببه بداية التصدير، وهذا ليس دقيقاً لان عائد التصدير لا يكون الا في نهاية الموسم وليس في فترة زمنية محددة. السودان يحتاج الى 1500 مليون دولار سنوياً، والصادرات تحقق ثلث هذا المبلغ، والآن توقف هذا الدعم لاسباب سياسية تتعلق بالحكومة نفسها، مما زاد معاناة الشعب بدلاً من رفعها كما تقول الحكومة. ويضاف الى هذا ان سياسة التحرير وتحويل مؤسسات القطاع العام للخاص صاحبها اتهامات كثيرة للحكومة بأنها تحابي الشركات والافراد الموالين لها، وهذا يخالف إحدى طروحات الحكومة في الطهر والنقاء بحيث تكون هذه الحكومة مثل الحكومات الحزبية المتهمة بتمييز رجالاتها ومؤيديها، وملخص القول هو انني لا أرى نجاحاً للسياسة الاقتصادية ولا وجود لسياسة رفع المعاناة عن الجماهير ولا اثر لاعادة هيكلة الاقتصاد السوداني. مشكلة الجنوب كيف ترى مشكلة الجنوب على ضوء المتغيرات الدولية والانشقاق الذي أصاب حركة العقيد جون قرنق، وما هو الحل في نظرك؟ - لا حلّ لمشكلة الجنوب الا باتفاق القوى السياسية الجنوبية والشمالية، والحل الوحيد الذي وقعه جعفر نميري مع الحركة الجنوبية المسلحة في 3 آذار مارس 1972، كان نابعاً من مقررات مؤتمر المائدة المستديرة الذي عقد في عام 1965 وحالياً عقدت هذه الحكومة ثلاث جولات مفاوضات في اديس ابابا ونيروبي وأبوجا في الفترة من 1989 - 1992، ولا ارى جديداً والكل ينتظر جولة جديدة في ابوجا، بينما الحرب مستمرة والتصعيد العسكري واقع ملموس، كما ان الاتفاق الذي قيل انه تم توقيعه في أبوجا العام الماضي نجد ان كل طرف يفسره على هواه، وهذا أسوأ ما في الاتفاقيات السياسية، الصراعات الدولية عقّدت المشكلة كما عقدها العامل الديني والجهادي، واختلف مع الرأي الذي يقول ان انشقاق الحركة الشعبية أضعفها وجعل السلام قريباً، فالواقع يؤكد ان السلام أبعد لأن الاطراف الجنوبية تعددت وبالتالي تعددت الآراء، وأصبح كل جناح منشق يسعى ليبدو أكبر ويحشد قواته ويحصل على السلاح، وهذا ليس في مصلحة السلام، أما القوى الدولية الخارجية فقد تحولت من وسيط في السابق الى وصي في الحاضر، الحل في تقديري يكمن في دعوة المؤتمر الدستوري القومي لحل مشكلة الحكم في السودان كله وليس الجنوب وحده لان الفيديرالية ليست حلاً. فقد جربنا من قبل الحكم الذاتي وكان صيغة أفضل للجنوبيين من الفيدرالية ولكنه فشل أيضاً. أين الحزب الشيوعي السوداني، وما هو موقفه، وهل يمارس دوره السري؟ - هذا السؤال لن أجيب عليه لاسباب عدة، منها انني رهن الاقامة الجبرية، ولهذا لا أمارس دوري كزعيم للحزب، ولا اعرف كيف يدار النشاط اليومي، ويمكنك ان تبحث عن القادة داخل او خارج السودان. ما رأيكم في الحملة الغربية على السودان، وكيف تنظرون الى من يستعين بالقوى الدولية للخلاص من النظام السوداني القائم؟ - نحن ضد الاستعانة بالاجنبي لحل مشاكل السودان الداخلية، ولا نشجع على هذا الدور ولا نظن ان عناصرنا في الخارج تقوم به. الشعب السوداني له تاريخ وتجارب في حل مشاكله السياسية من دون تدخل خارجي قد يحدث نتائج عكسية. هل لا يزال الحزب الشيوعي السوداني هو الاكبر، عربياً وافريقياً، كما يقال؟ - اولاً نحن كشيوعيين لم نقل اننا أكبر الاحزاب الشيوعية في افريقيا والعالم العربي، وهذا ادعاء باطل اعتاد ان يقوله جعفر نميري واعداؤنا حتى يجعلوا معاركهم التي كسبوها امام الحزب معارك كبرى، وكذلك يشيعون هذه الهالة على حزبنا ليقبضوا الكثير من الاموال التي كانت مخصصة في الستينات والسبعينات لمكافحة الشيوعية، ثانياً، من الناحية التاريخية لسنا اول الاحزاب الشيوعية في القارة والوطن العربي، فقد سبقتنا، مولداً، احزاب شيوعية في جنوب افريقيا والجزائر وتونس ومصر وسورية والعراق، وهي ايضاً ذات نفوذ ووجود فاعل، ما يقال عن حجم الحزب الشيوعي السوداني فيه الكثير من المبالغة لغرض في نفوس أعدائنا. ما هو مستقبل الحزب الشيوعي السوداني بعد انهيار الشيوعية العالمية كلها؟ - كانت لنا مواقف ثابتة في مؤتمرات الاحزاب الشيوعية، وطالبنا بإجراء اصلاحات في النظرية واعلنا ان الماركسية بالنسبة الينا منهج لا عقيدة وهي اداة للتحليل والدراسة، ولم ننظر اليها كأمر جامد. وبعد الانهيار الذي حدث للشيوعية العالمية نرى ان الفكر الانساني كله يحتاج للمناقشة بلا استعجال. ولا نرى داعياً للتنكر وتغيير الاسم، فالتطور نتيجة حتمية للفكر ولدينا تصور متكامل لذلك، فقط نريد ان تفتح كل الابواب والنوافذ للتفاكر بعقلانية. مسؤولية القيادة العراقية ما رأيكم في ما يحدث للعراق مما يجعله قريباً من التقسيم والذوبان؟ - ضرب العراق لا مبرر له ويجب ألا يفرح له أي وطن عربي على رغم ان ما حدث كان مسؤولية القيادة العراقية التي ادخلت شعبها في تجربة مريرة. لا نرى اي مبرر للعراق في حربه مع ايران وقبل ان تندمل جراح هذه الحرب دخل العراقيونالكويت، وأدخل النظام العراقي المنطقة كلها في أزمة، وهي الازمة التي لم تنته في عاصفة الصحراء، لأن في المستقبل عواصف اخرى ومعارك جديدة. يجب الا نفرط بوحدة العراق التي حققتها كل الفئات الوطنية ولا يسعدها تمزيق هذا البلد. الحل في تقديرنا يكمن في بناء قوى اجتماعية وسياسية جديدة تخرج بالعراق لبر الامان، كما فعلت في السابق. ما رأيكم في الحركات الاسلامية ونشاطها وتحركاتها في الواقع العربي اليوم؟ - العمل الاسلامي السياسي بدأ منذ نهاية القرن الماضي ومطلع هذا القرن وظهرت قيادات اسلامية وطنية كافحت وناضلت ضد الاستعمار. وأرى ان الفرق بينها وبين القيادات الاسلامية الاصولية اليوم شاسع للغاية، اذ اصبح الوصول الى السلطة هو هدف الحركات الاسلامية الحديثة وتستخدم الاسلام كغطاء سياسي وبعضها يلجأ الى العنف ويستخدم الفتاوى بتكفير المعارضين في غير مكانها، مثل استخدام مصطلح الجهاد. ويتضح ان همّ هؤلاء كراسي الحكم في النهاية.