الكثيرون يطالبون بعودتي الى بلادي ... وأنا أدرس الوضع الوحدة الوطنية أساس للحفاظ على وحدة اليمن الكل يتحمل مسؤولية كارثة 1986 الدامية انتهيت من كتابة مذكراتي وفيها أسرار مهمة بدأت توجيه رسائل الى الزعماء العرب لدعم انشاء مركز دراسات عربي يرفض علي ناصر محمد، الرئيس السابق لليمن الجنوبي الذي كان في قلب الاحداث الدامية التي شهدتها بلاده في كانون الثاني يناير 1986 وأدت الى سقوط آلاف القتلى، الادلاء بأية مقابلات صحافية، وذلك منذ فترة طويلة، خصوصاً منذ العفو الرسمي الذي اصدرته الرئاسة اليمنية عنه في أيار مايو 1992 وفتحت بذلك الباب امام عودته الى اليمن. لكن الرئيس السابق علي ناصر محمد خرج من صمته الطويل ووافق على التحدث الى "الوسط" والاجابة عن عدد من اسئلتها المتعلقة به شخصياً وبأحداث 1986 وبالوضع اليمني العام. علي ناصر محمد يقيم في دمشق منذ أكثر من عامين، ويقع منزله في منطقة المزة، من ضواحي دمشق الراقية. زرناه في مكتبه قرب منزل رئيس الحكومة السورية السيد محمود الزعبي. وخلال جلسة الحوار معه لاحظنا ان المكتب اشبه بخلية نحل، وان الاتصالات من والى صنعاءوعدن ومدن اخرى في العالم تكاد لا تنقطع. وفيما كان علي ناصر محمد يتحدث الينا، كان بعض معاونيه يلسمونه رسائل وبرقيات وقصاصات من الصحف للاطلاع عليها. وفي الحوار الخاص مع "الوسط" أكد علي ناصر محمد مجموعة امور مهمة: قال قبل كل شيء "ان العنف لن يحل مشاكل اليمن" ودعا اليمنيين الى "حل مشاكلهم، أياً تكن، بالطرق السلمية والحوار الديموقراطي". شدد على ضرورة المحافظة على وحدة اليمن وعلى الوحدة الوطنية في البلاد. أكد انه لا يريد التحدث بشكل مفصّل عن الاوضاع في اليمن لأن المسألة "حساسة". أكد ان هناك "مطالبة ملحة" لكي يعود الى اليمن وقال انه يجري عملية تقويم للوضع. كشف انه انتهى من كتابة مذكراته وقدم لپ"الوسط" معلومات مفصلة عنها. أكد علي ناصر محمد ان "الجميع" يتحملون مسؤولية "الكارثة" التي وقعت في اليمن الجنوبي عام 1986. وقبل نشر الحوار مع علي ناصر محمد لا بد من العودة قليلاً الى الوراء: من هو علي ناصر محمد وكيف وصل الى السلطة في اليمن الجنوبي وماذا حدث فعلاً في كانون الثاني يناير 1986؟ قصة صعود علي ناصر محمد فيصل جلول مراسل "الوسط" في باريس والمتتبع منذ سنوات تطورات الوضع في اليمن الجنوبي وقصة علي ناصر محمد، يجيب عن هذه التساؤلات في التحقيق الآتي: "ولد علي ناصر محمد الرئيس السابق لما كان يعرف باليمن الجنوبي في العام 1936 في محافظة أبين أو ما كان يعرف سابقاً باسم المحافظة الثالثة. وقد درس في مدارس بلدته دثينة قبل ان يعمل في التدريس ويصبح مديراً للمدرسة الابتدائية في البلدة نفسها. شارك منذ شبابه في مقاومة الاستعمار البريطاني الذي حلّ في عدن عام 3981 ولم يغادرها الا في العام 1967. وكان علي ناصر ينتمي في ذلك الحين الى حركة القوميين العرب. وبعد الاستقلال عين محافظاً لكن الانقلاب الماركسي الذي أطاح أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبي قحطان الشعبي في العام 1969 فتح امامه آفاقاً جديدة. فقد عينه الانقلابيون وزيراً للدفاع ثم رئيساً للوزراء ابتداء من العام 1971. منذ توليه رئاسة الوزراء عرف علي ناصر بتوجهه الوحدوي بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي. فقد قام بتوقيع أول اتفاق وحدوي بين شطري اليمن في العام 1972 مع نظيره رئيس الوزراء الشمالي في ذلك الحين محسن العيني. وتم توقيع الاتفاق في القاهرة وعرف منذ ذلك الحين باسم "اتفاق القاهرة". ولم يصبح علي ناصر محمد رئيساً للجمهورية في اليمن الجنوبي الا بعد سلسلة من التطورات الدراماتيكية التي شهدها هذا البلد. فهو كان حتى العام 1977 يشكل جزءاً من ثلاثي قوي في الجنوب يتألف من عبدالفتاح اسماعيل رئيس الحزب الاشتراكي وسالم ربيع علي رئيس الجمهورية. وفي تشرين الأول اكتوبر من العام 1977 تم اغتيال المقدم ابراهيم الحمدي رئيس الجمهورية في اليمن الشمالي مع شقيقه عبدالله في ظروف غامضة. وحضر مراسم دفنه الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي "سالمين" ووعد بالثأر لمقتله. وليست هناك حتى اليوم أدلة عن الجهة التي قتلته. وخلف الحمدي في رئاسة اليمن الشمالي المقدم أحمد حسين الغشمي الذي قتل في 24 حزيران يونيو بواسطة عبوة ناسفة كانت مدسوسة في محفظة مبعوث شخصي من سالم ربيع علي جاء حاملاً رسالة شخصية الى الغشمي. وبعد يومين من هذا الحادث وقع الانقلاب ضد سالم ربيع علي في عدن وقتل فيه ليبدأ التنافس على السلطة بين علي ناصر محمد من جهة وعبدالفتاح اسماعيل من جهة اخرى. لكن علي ناصر لم يظهر بمظهر الخصم لعبدالفتاح اسماعيل بل أيد صعوده الى رئاسة الدولة. لم تدم رئاسة عبدالفتاح اسماعيل لليمن الجنوبي أكثر من عامين 1978 - 1980 حصلت خلالها نزاعات حدودية مسلحة بين الشمال والجنوب، اضطر عبدالفتاح على اثرها أن يعتزل في منزله في حي معاشيق في عدن وان يتفرغ للندوات الثقافية والادبية. في هذا الوقت بالذات بدأ نجم علي ناصر محمد يصعد. قدم عبدالفتاح اسماعيل استقالته من الرئاسة في المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي 1980 وقرر ان يستقر في موسكو. وانتخب المؤتمر في حينه علي ناصر محمد رئيساً للدولة وأميناً عاماً للحزب الاشتراكي. وأحدث هذا القرار انفراجاً في الحياة السياسية في اليمن الجنوبي اذ كان علي ناصر محمد على علاقة حسنة مع كل الاطراف المتصارعة على السلطة. ولشدة مبالغته في عدم اثارة عداء هذا الطرف او ذاك من حوله كان رجال السلطة الاقوياء يطلقون عليه لقب "علي مرحبا"، وكانوا يظنون انه سيتحول الى واجهة لعبدالفتاح اسماعيل ولعلي عنتر وزير الدفاع القوي في ذلك الحين وأنه سينفذ رغباتهما من دون اعتراض. لكن ما أن تسلم علي ناصر محمد مقاليد الأمور حتى بدأ يظهر المزيد من الاستقلال عمن حوله ويسعى الى انتهاج سياسة انفراج خارجية وداخلية على حدٍ سواء. فقد بدأ سياسة الانفراج مع صنعاء والتقى الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في العام 1981 وحققا معاً خطوة توحيدية للشطرين عندما وقّعا معاً على دستور دولة الوحدة. وفي 30 تشرين الثاني نوفمبر من العام 1981 زار الرئيس علي عبدالله صالح عدن وكانت الزيارة الأولى التي يقوم بها رئيس اليمن الشمالي الى اليمن الجنوبي. واتفق مع علي ناصر على خطوات وحدوية تنفيذية من بينها انشاء مجلس رئاسي مشترك بين الدولتين فضلاً عن مشاريع اخرى تربوية وثقافية واقتصادية. وأطلق على هذا الاتفاق اسم "مشروع اتفاق لقاء عدن 1981". واتجه علي ناصر نحو بعض الدول المجاورة لبلده، فأقام علاقات ديبلوماسية مع سلطنة عمان عام 1982. ثم قام بعد ذلك بزيارة رسمية الى جيبوتي وعزز علاقاته باثيوبيا وبدأ يتحدث عن ضرورة التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي. وقد روى الجنرال فاديم كيربيشنكو كبير رجال المخابرات السوفياتية السابق في الشرق الاوسط، خلال حواره الطويل مع "الوسط" الذي نشرناه على حلقات العام الماضي، بعض ذكرياته عن علي ناصر محمد فقال عنه انه "رجل ذكي أدرك تماماً الحاجة الى تحسين علاقاته مع جيرانه حين تسلم زمام الامور في عدن". الصراع على السلطة أدت هذه السياسة الانفراجية الى اصطدام علي ناصر محمد بالكتلة الأيديولوجية المتشددة في الحزب الاشتراكي والتي كان يتزعمها عبدالفتاح اسماعيل وتضم علي عنتر وزير الدفاع القوي وعلي هادي شايع عضو المكتب السياسي وآخرين من بينهم الرئيس علي سالم البيض الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس الجمهورية في اليمن الموحد. ودارت في تلك الفترة صراعات خفية على السلطة في اليمن الجنوبي اذ عمد علي ناصر الى تقريب انصاره المباشرين منه وعينهم في مناصب حساسة في الدولة وكان يستند الى دعم قوي من ابناء محافظته أبين الذين يكثر وجودهم في الجيش ناهيك عن الدعم السوفياتي والاثيوبي ودعم بعض الاحزاب الشيوعية في العالم العربي ومنها الحزب الشيوعي اللبناني. هذه التعديلات في المراكز أدت الى تزايد عدد خصومه ومعارضيه الذين تكتلوا حول وزير الدفاع علي عنتر وصالح مصلح عضو المكتب السياسي للحزب وراحوا يطالبون بعودة عبدالفتاح اسماعيل الى البلاد. وعندما اشتدت الضغوط عليه حاول علي ناصر ان يعتمد المرونة فذهب في شباط فبراير 1985 الى موسكو برفقة نايف حواتمة الامين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين كي يقنع عبدالفتاح اسماعيل بالعودة الى عدن تمهيداً لانعقاد المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي وتم تعيين اسماعيل سكرتيراً للعلاقات العامة في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الحاكم. لكن الصراع بين جناح علي ناصر محمد وجناح عبدالفتاح اسماعيل برز بوضوح خلال مؤتمر الحزب الاشتراكي الذي حضره الرئيس الاثيوبي آنذاك منغستو هيلي مريام وألقى كلمة في المؤتمر دافع فيها عن صديقه علي ناصر الذي حظي بدعم وفود حزبية اخرى شاركت في هذا المؤتمر وتمخض الصراع بين الجناحين عن اعادة انتخاب علي ناصر اميناً عاماً للحزب ورئيساً للدولة على رغم اتهام خصومه بأنه يمارس السلطة بأسلوب شخصي مخالف لروح القيادة الجماعية في الحزب. واستطاع علي ناصر ان يحظى بتأييد أغلبية اعضاء اللجنة المركزية في الحزب في حين استطاع خصومه السيطرة على المكتب السياسي للحزب وصار كل طرف يضع العصي في دواليب الطرف الآخر. بعد المؤتمر سافر علي ناصر محمد للراحة في بلغاريا ومنها عاد الى اثيوبيا عن طريق موسكو وليس عن طريق عدن. وفي اديس ابابا علم من مساعديه ان قراراً باغتياله صدر وان عليه ان يلتزم الحذر. لكن ذلك لم يثنه عن العودة الى عدن. في أول كانون الثاني يناير عام 1986 وصل الصراع بين علي ناصر وخصومه الى الذروة، وصار الجميع ينتظرون لحظة الانفجار. في هذا الوقت بالذات شارك علي هادي شايع عضو المكتب السياسي في حفل استقبال نظمته السفارة البلغارية في عدن وقال خلال الحفل: "اشرب آخر مرة نخب أميننا العام الجديد" ويقصد بذلك علي ناصر. فما كان من الديبلوماسيين البلغاريين الا ان نقلوا الخبر الى السوفيات الذين حذروا علي ناصر محمد من وجود محاولة لاغتياله. الأحداث الدامية صباح يوم اندلاع الاحداث الدامية في عدن أي في 13 كانون الثاني يناير 1986 التقى وزير الدفاع علي عنتر بالسيد جورج حاوي الامين العام سابقاً للحزب الشيوعي اللبناني الذي كان يزور عدن في مهمة وساطة بين الطرفين. وقال علي عنتر لحاوي - الذي روى في وقت لاحق حقيقة ما جرى: "عقدنا اجتماعاً للمكتب السياسي للحزب في 9 كانون الثاني يناير واعترض علي ناصر محمد على كل المشاريع التي قدمناها فلم نتوصل الى نتيجة. واليوم سنعقد اجتماعاً آخر فاذا ما رفض علي ناصر المشاريع المقدمة فانني سأقتله شخصياً بمسدسي". وأبلغ حاوي صديقه علي ناصر بما يهيأ له، فما كان من هذا الاخير الا ان نظّم محاولة انقلابية على عجل ضد خصومه المجتمعين في المكتب السياسي للحزب حيث وقعت الصدامات وتم تبادل اطلاق النار بينهم وبين انصار علي ناصر محمد، فقتل عبدالفتاح اسماعيل وعلي عنتر وصالح مصلح قاسم وعلي هادي شايع خلال تبادل اطلاق النيران وأصيب علي سالم البيض اصابات طفيفة. وقيل أن علي سالم البيض نجا لأنه تظاهر بأنه ميت. وانفجرت الاشتباكات الدامية في اليمن الجنوبي فسقط أكثر من عشرة آلاف قتيل خلالها. وحسم قائد سلاح الدبابات هيثم قاسم طاهر الموقف لصالح خصوم علي ناصر الذي هرب مع عددٍ من انصاره الى اثيوبيا، وانتقل منها الى صنعاء برفقة الآلاف من انصاره وابناء منطقته. وادت الاحداث الى وقوع اعمال انتقامية ليس معروفاً بعد مدى حجمها بدقة. بعد فترة من العمل السياسي المعارض حاول فيها جمع انصاره في شمال اليمن سابقاً وجهز جيشاً لاستعادة السلطة في عدن، اخذت التطورات تتسارع بين اليمنيين وأدت في نهاية المطاف الى الاتفاق على توحيد شطري اليمن. وقبل انتقال السلطة الوحدوية الى صنعاء، انسحب علي ناصر من المسرح السياسي. ففي مطلع شباط فبراير 1990 أعلن ناصر اعتزاله العمل السياسي وتوجه الى دمشق التي يقيم فيها حتى الآن، وتزوج هناك ولم يعد يدلي بأحاديث صحافية الا نادراً. وفي ايار مايو 1992 صدر عفو رسمي من الرئاسة اليمنية عن علي ناصر محمد يسمح له بالعودة الى اليمن مع مجموعة من انصاره، لكنه فضل البقاء في دمشق. غير ان عدداً من انصاره يتبوأون مراكز مهمة في اليمن الموحد اليوم". الحوار مع علي ناصر محمد هذه هي قصة علي ناصر محمد وما حدث مطلع عام 1986. وقد بدأ الحوار بين "الوسط" وعلي ناصر محمد، في مكتبه في دمشق، بأن طرحنا عليه السؤال الآتي: يتردد كلام كثير في وسائل الاعلام العربية والاجنبية، منذ بضعة اشهر، عن احتمال عودتك الى اليمن، خصوصاً بعد صدور العفو الرئاسي عنك. نود ان نسمع رأيك: هل تنوي العودة الى اليمن ومتى؟ أجاب علي ناصر محمد: - اصدقائي وانصاري في اليمن اضافة الى بعض الاحزاب والهيئات يطلبون مني بالحاح العودة الى البلاد. والواقع انني اجري حالياً عملية تقييم للوضع ولهذه المسألة. وامتنع علي ناصر عن تحديد اي موعد لسفره الى صنعاء او عن تأكيد اذا ما كان ينوي العودة الى هناك ام لا. سألناه عن رأيه في تطورات الوضع في اليمن فأصر على عدم الخوض في التفاصيل وتجنب الحديث عن التطورات في بلده. وقال لنا: "الوقت ليس ملائماً للحديث عن الاوضاع في اليمن. المسألة حساسة ولا نريد اثارة التوتر". واضاف: "العنف لا يحل المشاكل في اليمن". "الكل يتحمل المسؤولية" سألناه: مرّ أكثر من 7 سنوات على احداث كانون الثاني يناير 1986 التي شهدها الشطر الجنوبي من اليمن. كيف تقيمون اليوم هذه الاحداث؟ ومن خلال اجابته المفصلة عن هذا السؤال بدا واضحاً ان علي ناصر لا يتحدث، فقط، عن الماضي، بل ايضاً عن الحاضر والمستقبل، خصوصاً في تشديده على ان العنف لن يحل مشاكل اليمن وتأكيده ضرورة الحفاظ على وحدة اليمن وقد اجاب علي ناصر عن سؤال "الوسط" فقال: "اعتقد ان ما حدث في 13 كانون الثاني يناير 1986م في الشطر الجنوبي من الوطن كان زلزالاً كبيراً يجب الا يتكرر في اي حال من الاحوال. هذا اذا كنا فهمنا الدرس واستوعبناه جيداً، واظن ان الجميع فهموه واستوعبوه كما ينبغي. وكما قلت اكثر من مرة فإن الكل يتحمل المسؤولية عما حدث في ذلك التاريخ، الكل من دون استثناء، ولا يمكن ان نلقي المسؤولية على طرف بعينه. واذا كنا لم نستطع تفادي وقوع الكارثة في ذلك الوقت لاسباب كثيرة وعوامل محلية وخارجية، فيجب الآن ان نكيف الظروف ونتغلب على اية عوامل جديدة من شأنها الدفع بالصراعات في اليمن الى التأزم. والاحتكام الى الحوار الديموقراطي والحلول السلمية لحل الخلافات التي تنشأ بين القوى السياسية بين وقت وآخر. وذلك هو الحل الامثل والافضل لتفادي زلزال جديد كالذي حدث في كانون الثاني يناير 1986. لقد مرّ اليمن بمسلسل طويل من الصراعات الدموية العنيفة فماذا استفاد منها؟ العنف يولد العنف، والعنف لن يحل مشاكل اليمن، وعلى الجميع ان يستفيدوا من دروس الماضي والا يكرروا مآسيه التي عانى منها الشعب اليمني طويلاً، وكان دائماً هو الذي يدفع الثمن وعليهم ان يتجنبوا حدوث مثلها في المستقبل، وان يستفيدوا من الديموقراطية الراهنة لحل المشاكل اياً تكن بالطرق السلمية وبالحوار الديموقراطي على قاعدة الوحدة الوطنية فهي الاساس للحفاظ على وحدة اليمن. ان ما حدث في كانون الثاني يناير 1986 في احد اوجهه كان بسبب غياب الديموقراطية وفقدان الوحدة الوطنية، لذلك يجب الحفاظ عليهما باستمرار. رسائل الى الزعماء العرب ترددت اخبار حول نيتكم انشاء مركز للدراسات، فماذا تهدفون من وراء اقامة هذا المركز، واين وصلت جهودكم بهذا الخصوص؟ - من خبرتي الطويلة في السلطة والعمل السياسي قرابة ثلاثين عاماً ومن متابعتي لاوضاع وطننا العربي تكشف لي ان هناك قضايا سياسية وثقافية واقتصادية واجتماعية كثيرة لا تزال تعاني منها مجتمعاتنا العربية، ولا تزال بلا حلول وفي حاجة الى جهود كبيرة للاحاطة بها والبحث عن حلول لها وتغطية جوانب النقص فيها. وان ما ينقصنا في الوطن العربي ليس الامكانات المادية ولا الخبرات والكفاءات الوطنية ولا الارادة السياسية بل المؤسسات المتخصصة للبحوث والدراسات الاستراتيجية التي تقوم بدرس هذه القضايا والعوامل دراسة علمية بحيث يستند اليها صانعو القرار السياسي لاتخاذ القرار الصائب والسليم. من هنا ولدت عندي فكرة المركز، فالعالم كله الآن يعتمد على دقة وحصافة المعلومة وعلى المؤسسات العلمية التي تقدم خبرتها ونتائج بحثها لذوي الشأن. وانا اطمح فعلاً لاقامة مؤسسة من هذا النوع لخدمة وطني العربي، واسعى ايضاً الى تطوير المركز بحيث يشمل حماية الآثار العربية والاسلامية وصيانتها. ومؤسسة من هذا النوع هي بالتأكيد فوق امكانات شخص واحد. لهذا بدأت بتوجيه رسائل الى الملوك والرؤساء العرب والمؤسسات العربية والدولية ذات الشأن اشرح لهم فيها فكرة المركز لتبنيه ودعمه. ويحدوني امل كبير في انهم سيدعمون هذه الفكرة لما فيها من مصلحة للوطن العربي كله. وسبق للبعض منهم فعلاً ان بادروا وابدوا استعدادهم لدعم هذا المشروع الحضاري مادياً الذي اتمنى ان يرى النور في وقت قريب جداً. "انتهيت من كتابة مذكراتي" منذ مدة وانتم تتحدثون عن نشر مذكراتكم، ما الجديد فيها، وماذا تتضمن؟ - لقد انتهيت فعلاً من كتابة مذكراتي. وهي سفر طويل من تاريخ اليمن السياسي المعاصر منذ خمسينات هذا القرن، وتتكون من ثلاثة اجزاء كبيرة. الجزء الاول يضم فصلاً مهماً عن تاريخ اليمن السياسي المعاصر، ويتحدث عن نشوء وتاريخ الحركة الوطنية اليمنية منذ الاربعينات والنضال الوطني ضد الحكومات السابقة والاستعمار البريطاني، والمتاعب التي واجهت هذا النضال حتى اندلاع ثورة 1962. وتتناول مذكراتي ايضاً حرب اليمن والدور المصري فيها ثم قضية نشوء "الجبهة القومية" التي قادت الكفاح المسلح ضد الانكليز في عدن وايضاً الصراع داخل الجبهة القومية نفسها وخلافها مع المخابرات المصرية. كما تتناول المذكرات بالتحليل الجريء الاحداث السياسية في تلك المرحلة والدور الذي لعبته حركة القوميين العرب والصراعات والانقسامات داخلها في نقل الازمة الى فرعها في اليمن، وكيف اثر الانقسام بين جورج حبش ونايف حواتمة على الصراعات داخل الجبهة القومية، كما اثر عليها فيما بعد الصراع الصيني - السوفياتي والتيارات التروتسكية والماوية. ويتناول الجزء الاول من المذكرات، وهو يحمل عنوان "الثورة" وقائع محادثات استقلال جنوب اليمن في جنيف في تشرين الثاني نوفمبر 1967 معززة بوثائق مهمة. ويتحدث الجزء الثاني وهو بعنوان "الدولة" عن نشوء دولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية منذ عام 1967 وحتى عام 1986، اي العام الذي شهد احداث 13 كانون الثاني يناير، ويروي التفاصيل اليومية لرحلتي في الحكم منذ كنت محافظاً للجزر ثم محافظاً لمحافظة لحج وبعدها وزيراً للادارة المحلية ووزيراً للدفاع ثم رئيساً للوزراء، وحتى اصبحت اميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني ورئيساً للدولة في نيسان ابريل 1980. ويتناول هذا الجزء من الكتاب اخصب الفترات واعقدها في التاريخ اليمني الحديث ويتكلم عن الصراعات على السلطة التي انفجرت بعد الاستقلال والصراع بين سالم ربيع علي والامين العام للجبهة القومية عبدالفتاح اسماعيل، ويروي اسراراً جديدة حول مقتل ابراهيم الحمدي واحمد الغشمي، وسالم ربيع علي، كما يتناول الصراعات الاخرى التي دارت بين مراكز القوى للسيطرة على مواقع النفوذ والتأثير في اليمن الجنوبي. ثم يتحدث عن المراحل الاولى للصراع الذي دار من اجل اعادة توحيد شطري اليمن ويكشف الجزء الثاني من مذكراتي ايضاً اسراراً جديدة عن القواعد السوفياتية في عدن والمنظمات الارهابية والصراع بين اليمن وبعض الدول العربية واختطاف الطائرات وتجارة السلاح ويتضمن اسراراً مهمة تنشر للمرة الاولى، ويروي قصة عودة عبدالفتاح اسماعيل من موسكو الى عدن ودور مراكز النفوذ والمخابرات السوفياتية كي. جي. بي وكذلك دور المخابرات الشرقية والغربية في احداث 1986. ويتضمن الجزء الثالث فصولاً عن الحروب التي نشبت بين شطري اليمن في عامي 1972 و1979 ومعلومات مهمة عن الصراعات بين الشرق والغرب على اليمن.