في العهد السوفياتي كان مقسم الشؤون الدولية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي مطبخاً فعلياً لصنع القرار السياسي. وكان كارين بروتينتس نائباً لرئيس هذا القسم ومسؤولاً عن ملف الشرق الأوسط والبلدان النامية عموماً، ثم غدا مستشاراً للرئيس ميخائيل غورباتشوف وبتكليف منه قابل العديد من الرؤساء والساسة العرب. وتكشف مذكرات بروتينتس 74 سنة جوانب خفية من سياسة الكرملين حيال الشرق الأوسط وافغانستان وتسلط الاضواء على أوراق ظلت مطوية. استندت العلاقات بين قيادة جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية والاتحاد السوفياتي بالطبع الى مصالح الدولتين املاً في المساعدات والتعاون العسكري والتأييد السياسي، علماً بأن اليمن الجنوبي كان يشعر بالعزلة حتى في العالم العربي "لمروقه" وثورته على المبادئ الاسلامية. وفي اعتقادي ان ثقة اليمنيين الجنوبيين بالاتحاد السوفياتي وخيارهم السياسي والعقائدي لعبا دوراً كبيراً في استعدادهم للتحالف معه. وتطورت العلاقات بين البلدين من دون عقبات. وأيد اليمن الجنوبي مواقفنا في كل المسائل الدولية، فكنا القادة، على العموم، وكانوا مقودين. إلا ان المفارقة هي ان الاخطاء والجوانب السلبية في السياسة السوفياتية طغت على السطح الى جانب الايجابيات في تلك الظروف الملائمة لنا. ومن عدن بالذات بعثت الى موسكو في كانون الثاني يناير 1987 برقية مسهبة عن النواقص الكبيرة في سياستنا في "العالم الثالث" وضرورة وضع نظرية طويلة الأمد على الصعيد السياسي. وكلف غورباتشوف وزارة الخارجية وقسم العلاقات الدولية واللجنة الحكومية للتعاون الاقتصادي بمعالجة الأمر. الا ان الأحداث في الاتحاد السوفياتي أخذت تتطور بشكل أسدل ستار النسيان على الموضوع. وعلى رغم تحذير موسكو من التسرع واستباق الأحداث، حاول الخبراء السوفيات نقل طرائق الإدارة وأشكال العمل والمعاشرة المألوفة بالنسبة اليهم الى التربة اليمنية قبل ان تتوافر لهم الفرصة والوقت الكافي لدراسة خصائص الظروف المحلية. وكانت الاخفاقات رافقت التعاون الاقتصادي خصوصاً، ما ترك أثره السلبي على الصعيد السياسي. وكان الوضع الاقتصادي عصيباً للغاية، إلا ان أموالاً طائلة انفقت على القوات المسلحة. وقال لي الأمين العام للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني علي سالم البيض ان نفقاتها بلغت 40 في المئة من موازنة الدولة، اضافة الى المبالغ الضخمة المخصصة لوزارة الداخلية وهيئات الأمن. كان الوضع الاقتصادي يتدهور على رغم الاموال الكبيرة التي قدمها الاتحاد السوفياتي. وكان معمل المعلبات في المكلا مثلاً، يعمل بنسبة 20 في المئة فقط من قدراته. الى ذلك تسيب مؤسساتنا الاقتصادية التي أرسلت الى اليمن الجنوبي اعداداً هائلة من الاخصائيين تزيد عن حاجة البلاد، ولم يكونوا على مستوى مهني رفيع في بعض الأحيان. وفي شأن اليمن الشمالي، كانت العلاقات متوترة، كما هو معروف، الى حد الاشتباكات على الحدود. وكان عبدالفتاح اسماعيل، وهو من أصل شمالي، أكثر المتحمسين لتوحيد شطري اليمن والتعجيل فيه وان بالقوة، وعلى أية حال ففي أحداث مطلع العام 1979، حين تأزمت العلاقات بين الشطرين الى حد خطير كان رئيس الدولة والحزب في الجنوب عبدالفتاح اسماعيل عنيفاً في موقفه. وحذرته القيادة السوفياتية بشدة من مغبة اعمال العنف، وكنت أوصلت اليه هذا التحذير من خلال شخص في السفارة السوفياتية كان اسماعيل يثق به. وفي كانون الثاني 1985 تم بوساطة منا اتفاق بين شطرين اليمن على بعض الخلافات الاقليمية، إلا ان الصراع داخل القيادة في اليمن الجنوبي ظل يراوح بين الخفوت والتسعير حتى انتهى في كانون الثاني 1986 الى مواجهة مسلحة ودامية في عدن غدت السبب الأول لابتلاع شمال اليمن جنوبه. ولولا ضيق المجال لأسهبت في الحديث عن الشخصيتين الأساسيتين في فاجعة الحزب الاشتراكي اليمني وهما أميناه العامان عبدالفتاح اسماعيل 1978 - 1980 وعلي ناصر محمد 1980 - 1986. اسماعيل شخصة مأسوية نيرة من "جيل" تشي غيفارا. كان سياسياً ثورياً ومثالياً رومانسياً عاش الثورة ولم يتسلق عليها لبلوغ المناصب. ومأسويته في كون الفكرة التي نذر لها نفسه كانت طوباوية لم تتحمل امتحان الواقع في بلاده وفي العالم أجمع. ومن بين السياسيين العرب الكثيرين الذين أعرفهم شخصياً كان اسماعيل من القلائل الذين لا تثقلهم الطموحات الديكتاتورية، ولعله كان الوحيد بين رجالات اليمن الجنوبي المتحرر من الميول العشائرية. وعلى العكس منه في نواح كثيرة، ينظر علي ناصر محمد بعينين متحركتين دوماً وكأن وراءهما فكراً "من طبقتين" لا يطلعك إلا على طبقة واحدة منه عبر الكلمات. وهو وديع وجذاب حسب الظاهر، لكنه شديد البأس ميال الى الدسائس والمغامرات، ما تدل عليه الاحداث الدموية التي تسبب في قيامها في كانون الثاني 1986 بعد ان اشعل فتيلها علي عنتر الذي احتفظ بعلاقات وثقى مع القوات المسلحة. عندما التقيت عبدالفتاح اسماعيل في فارنا بلغاريا في أيار مايو 1980 تشكى لي من علي ناصر محمد الذي غدر به مقترحاً التحالف ضد علي عنتر، الا انه انحاز اليه في آخر لحظة "ليتسلط القمة بنفسه". وبناء على طلب محمد وقيادة الحزب الاشتراكي وفر الاتحاد السوفياتي لإسماعيل فرصة العلاج لشهر ونصف استغرقا في الواقع خمس سنين. وكنت أزوره بين فترة واخرى في ضيعة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي في أطراف موسكو. اما علي ناصر محمد فقد جمع بين مناصب الأمين العام للحزب ورئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، وعين الموالين له شخصياً في المواقع الحساسة. وكان يتحجج بمختلف الذرائع ليحول دون عودة عبدالفتاح اسماعيل من موسكو. واخذ أنصار عنتر يتهمونه "باغتصاب" السلطة وينشدون ود اسماعيل داعين إياه للعودة. في ايلول سبتمبر 1983 وصل علي عنتر الى موسكو وكان له لقاء مع اسماعيل. وبعد اللقاء قال لي الأخير انه لا يصدق "بتوبة" عنتر، لكن يعتقد أنه بإمكانه الاستفادة منه لتيسير العودة الى الوطن. فعاد في اذار مارس 1985. وفي الشهر التالي استقبلني محمد على رأس وفد سوفياتي ولمح لي بلهجة لا لبس فيها انه مستعد لاستخدام القوة لخل الخلافات الداخلية. فحذرته من مغبة هذا التصرف الخطير وقلت ان الاتحاد السوفياتي سيجد صعوبة، والحال هذه، في الحفاظ على علاقاته مع جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية. وتحدثت في الموضوع نفسه مع عنتر في موسكو. وعلى رغم ذلك وصلتنا معلومات عن احتمال اندلاع الحرب الاهلية فعلاً. فناشدنا محمد واسماعيل وعنتر رسمياً بضرورة ضبط النفس وحل الخلافات في اطار "الشرعية الحزبية". وبطلب من القيادة السوفياتية توجه نايف حواتمه وعزيز محمد على عدن "لتهدئة الخواطر". ويبدو ان علي ناصر محمد تريث فترة، الا انه قرر نهائياً، في نهاية كانون الاول، ان يصفي زعماء المعارضة جسدياً. قام بزيارة اديس ابابا، ولعل منغيستو مريام الذي كانت له تجربة مماثلة للتعامل مع الخصوم السياسيين ايده فيما نواه. ثم ان فعلة محمد تشبه حتى من حيث السيناريو ماكان اقدم عليه منغيستو قبل تسع سنوات من ذلك التاريخ. صحيح ان منغيستو اكد في حديثه معي في 26 تموز يوليو 1986 انه نصح محمد بعقد دورة طارئة للجنة المركزية الا ان هذا الاخير رفض على حد قوله. بدأت المجزرة، والحرب الاهلية، صباح 13 كانون الثاني 1986 عندما دخل مبارك سالم احمد رئيس حرس الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني على الحاضرين في جلسة المكتب السياسي، وكانوا ينتظرون وصول علي ناصر محمد، واطلق نيران بندقيته الرشاشة عليهم. قتل كثيرون من اعضاء المكتب السياسي بينهم عنتر وقاسم وعلي شايع. ووسط الهرج والمرج نجا من الموت عبدالفتاح اسماعيل وعلي سالم البيض اصيب بجرح في ساقه، وتمكنا من الفرار الى الشارع. واستقل اسماعيل سيارة مصفحة ليواصل "القتال" كعادته، الا انها سرعان ما احرقت. ويقال انه قتل، لكن احداً لم يعثر على جثته. واجتاحت عدن معارك ضارية استمرت حوالى اسبوعين وأسفرت عن تدمير هائل وضحايا لا تعد ولا تحصى، وانتهت بهزيمة محمد الذي فر مع عدد من انصاره الى الخارج. فوجئنا بالعمل الارهابي الذي اقدمت عليه مجموعة علي ناصر محمد، ولم نكن نتوقع منه فعلة كهذه. حتى ان موسكو صدقت في البداية روايته عن الاحداث على مدى ساعات. ونشرت "البرافدا" بياناً رسمياً عن فشل "مؤامرة" ضده. واعقب ذلك اسبوع من الجهود المحمومة من جانب القيادة السوفياتية لوضع حد للمجزرة وتأمين سلامة المواطنين السوفيات في عدن. آنذاك اختلطت الامور ولم يعد هناك من نستطيع التفاهم معه. بعض الزعماء اليمنيين لقي مصرعه والبعض الآخر لا اتصال لديه. وكان في موسكو مصادفة رئيس وزراء اليمن الجنوبي العطاس الذي تعاون معنا ووجه الدعوات من الاذاعة الى وضع السلاح والشروع بالمفاوضات. وتم في الوقت ذاته اخلاء 1250 مواطناً سوفياتياً من عدن. وناشد الطرفان المتحاربان موسكو ان تخرج عن حيادها وتتدخل سريعاً لوقف المجزرة. وتعالت عندنا ايضاً اصوات تطالب بالتدخل. ومن حسن الحظ انها لم تكن متنفذة جداً. وتوقف القتال عندما تفوق احد الجانبين على الآخر. وليس في ذلك ما يثير الاستغراب. فالهياج الذي اثارته "خيانة" علي ناصر محمد لا حدود له. زعم رايموند غارتوف في كتابه "المعبر الكبير" "ان الولاياتالمتحدة حذرت الاتحاد السوفياتي من مغبة التدخل في شؤون اليمن الجنوبي وانه هو ايضاً حذرها من ذلك". واقول ان شيئاً من هذا القبيل لم يحدث لا من جانبنا ولا من جانبهم. وما كان لدى موسكو اي مبرر "لتحذير" الولاياتالمتحدة التي لم تكن لديها اية امكانية للتدخل. ثم ان موسكو لم تفكر في تحويل واشنطن "كبش فداء" على مذبح الاحداث اليمنية. لعبت احداث كانون الثاني دوراً مصيرياً منحوساً في اليمن الجنوبي الذي سرعان ما وقع فريسة سهلة للشمال بعد ان حرم من التأييد السوفياتي. وبالنسبة لي شخصياً كانت لهذه الفاجعة بقية. ففي نهاية خريف 1987 كان مقرراً ان تجري في عدن محاكمة المتآمرين. ووصلت موسكو انباء تتحدث عن احتمال صدور احكام بالاعدام على عدد كبير من الاشخاص. وكان ذلك تصرفاً قاسياً وضاراً من الناحية السياسية. استقبل ايغور ليغاتشوف علي سالم البيض في هذا الشأن ووافقه على "ان المحاكمة مسألة داخلية بالطبع" ونصحه بالتحلي "بالحكمة". واعتقد ان هذا اللقاء ترك اثراً معيناً. الا ان المسؤولين في عدن كانوا رغم ذلك ينوون اصدار 31 حكماً بالاعدام. فقرر الحزب الشيوعي السوفياتي ان يبعث ممثلاً عنه الى هناك لمواصلة اقناعهم بالعدول عن هذا القرار. ووقع الاختيار عليّ، وطوال عدة ايام اعتباراً من 21 كانون الاول حاولت، بلهجة فيها الكثير من الحدة، اقناع علي سالم البيض وباقي زعماء اليمن الجنوبي. فكان النجاح جزئياً. في بادئ الامر تقلص عدد الاحكام بالاعدام من 31 الى 17، وبعد ذلك بقي خمسة من العدد الاخير، بينهم مدير حرس علي ناصر محمد ونائبا وزيري الامن والدفاع. في نهاية "التيه العربي" لا يسعني الا ان اشيد بشخصية فذة لها دورها البارز في الرقعة السياسية في الشرق الاوسط، واعني العاهل الاردني حسين الذي التقيته مراراً وحللت ضيفاً عليه ورافقته في رحلة بالطائرة الى العقبة. وادهشني فيه انه يتعامل مع الملوك ورؤساء الجمهوريات والعامة من البدو بالقدر نفسه من كرامة المحتد وعدم التكلف والبشاشة والاهتمام. كما تدهشني فيه قدرته على الصمود امام ضغوط من كل الجهات ربما لم يتعرض زعيم غيره لمثلها طوال 40 عاماً من حكمه. قال لي ذات مرة ما معناه: واجهنا التحديات ولم ننسحق بين الكبار. وبالفعل افلح الملك حسين في البقاء شخصاً ومملكةً. ولعلي اقول في الختام ان الاتحاد السوفياتي ترك في الشرق الاوسط ارثاً كبيراً على رغم كل الشوائب. واعني الشبكة المتشعبة في العلاقات والصلات الموسومة بالثقة المتبادلة التي ربما لم تكن له مع دول العالم الاخرى. فقد غدا الاتحاد السوفياتي الشريك الاول بالنسبة الى اقطار عربية عدة. وتأثيره في المنطقة لا يقل عن تأثير الولاياتالمتحدة رغم اختلاف القدرات الاقتصادية. وهذا التأثير هو الذي منع الولاياتالمتحدة في حينه من "وضع اليد" على كامل التركة الانكلوفرنسية في العالم العربي. ومع ان الاتحاد السوفياتي تحالف مع مجموعة واحدة من الدول العربية الا ان موقفه ساعد العالم العربي كله في تثبيت الاستقلال. كان موقف الاتحاد السوفياتي هذا يستند الى اعتبارات مبدئية اساساً، الا انه عندما واجه المشاكل الاقتصادية المستعصية اضطر الى الاستفادة من الاعتراف بالجميل فطلب مساعدات مالية من الاقطار العربية. وقدمت له المملكة العربية السعودية في حزيران يونيو 1991 قرضاً غير مشروط بمبلغ 750 مليون دولار وقدمت الكويت في كانون الثاني 1991 550 مليون دولار من دون فائدة مئوية في السنوات الاربع الاولى، كما قدمت سلطنة عمان 200 مليون دولار. ووعدت الامارات العربية المتحدة باستثمار بليوني دولار في الاتحاد السوفياتي الا ان الجانب السوفياتي لم يقدم قائمة بالمشاريع المطلوبة. واثناء زيارة يفغيني بريماكوف في ايلول سبتمبر 1991 وافقت الكويت على بحث مسألة تقديم قرض غير مشروط بمبلغ 500 مليون دولار ووافقت الامارات على قرض مماثل. وطلب الاتحاد السوفياتي من المملكة العربية السعودية قرضاً اضافياً بمبلغ بليون دولار. وفي تشرين الاول اكتوبر 1991 استقبلني العاهل السعودي الملك فهد واعلن عن نيته في دراسة هذا الطلب بعين الرضا. الا ان مواقعنا ضعفت في منتهى السرعة مع سقوط الاتحاد السوفياتي. وعندما غدت روسيا وريثته الشرعية لم نتمكن من التصرف بتركته العربية. وتقوضت مواقعها في المنطقة، وانكمش بالتالي دورها في عملية التسوية. وتخلى الاميركيون من زمان عن "الشراكة الثنائية" وصاروا يعملون لوحدهم على المكشوف. واقترن التقدم الذي طال انتظاره في عملية السلام مع تصاعد الجهود لابعاد روسيا عن تلك العملية. الا ان شطب الاتحاد السوفياتي من الخريطة لا يعني غياب وزوال مصالحنا الروسية هذه المرة - في العالم العربي. وهي مصالح امنية اساساً تضاف اليها المصالح السياسية والاقتصادية. بديهي ان ضعف روسيا المتواصل سيظل يشكل عقبة في هذا الطريق. الا ان هناك ملابسات ملائمة لسياستها العربية. فكما ان المواجهة الاميركية - السوفياتية ما كانت تتجاوب ومصالح العرب الحقيقية كذلك سير روسيا في ركاب السياسة الاميركية لن يكون في مصلحتهم. وليس هناك ما يعوض عن دور روسيا كعامل للموازنة الدولية وهذا امر يدركه الناس في العالم العربي ما يدل علىه اسفهم على انحسار روسيا وضعفها. ولروسيا من الناحية السياسية والنفسية صورة فريدة ليس فيها لمسات معادية للعرب. فهي لم تدخل ابداً في مواجهة حربية مع العرب ولم تسود صفحتها بحملات صليبية او تأديبية استعمارية. ولا تزال عالقة في الاذهان ذكريات سياسة الاتحاد السوفياتي "الموالية للعرب". وفي الحال الحاضر توفرت لروسيا للمرة الاولى الفرصة لتلعب دوراً معتبراً في مدّ الجسور بين الاقطار العربية واسرائيل وتتولى مهمة عامل الاستقرار في المنطقة لتحد بقدر ما من الهيمنة الاميركية التي تحققت بالكامل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي. وكان من نتائج "عاصفة الصحراء" استعادة سيادة الكويت ومعاقبة المعتدي ، الا انها كشفت في الوقت ذاته عن قبضة واشنطن التي يمكنها ان تلقن درساً كل من ينوي العمل خارج اطار المخططات الاميركية. واقترنت تلك العاصفة بتوسع منقطع النظير للوجود العسكري الاميركي في الشرق الاوسط، ما يثير استياء مشروعاً في العالم العربي. ومن الخطأ التصور بأن الامور ستبقى على هذا الحال الى ما لا نهاية. وفي هذه الظروف ينتظر ان تلعب روسيا دوراً بنّاءً يوفر مستلزمات التهدئة والاستقرار على رغم ان استئناف علاقاتها مع العرب لن يكون سهلاً ولا سريعاً، ذلك لان استعادة المواقع المضيعة امر لن تتمكن في المستقبل القريب والبعيد ان تحقق في الشرق الاوسط نفوذاً كالذي كان للاتحاد السوفياتي، لكنها على رغم ذلك يمكن ان تعود الى المنطقة لتلعب دوراً مهماً على اية حال.