الصورة الشائعة عن النساء تظهرهن غالباً انهن "الجنس الناعم". ونسأل أنفسنا أحياناً إذا كان ذلك يعني أن الذكور هم "الجنس الخشن"! وعندما تختار المرأة صورة مختلفة لنفسها بعيداً عن مظاهر الرقة والضعف، "يعاقبها" البعض بقوله انها فاقدة الأنوثة و"مسترجلة". لكن نساء عديدات اخترن لأنفسهن مهناً وهوايات كانت في الماضي حكراً على الجنس الآخر، وصرن حارسات شخصيات، ومصارعات ثيران، كما صارت احداهن رئيسة جهاز الاستخبارات في بلادها. فهل يقتنع المشككون بأن "جنسهن" ليس ناعماً دائماً؟ "مطلوب سكرتيرة شابة تجيد الضرب على الآلة الكاتبة والاختزال، وتكون متمرسة في كافة فنون الدفاع عن النفس والقتال"! هذا الاعلان ليس مزحة، انه آخر ابتكارات العبقرية الصينية التي أعطت العالم البارود قبل نحو ألف سنة. ففي مدينة نانجينغ الصينية، توجد شركة أمن خاصة أسسها الاخوة وانغ عام 1992 لتدريب شبان وشابات على العمل في مهنة الحراسة الشخصية. وانخرطت عشرون شابة من أصل خمسين طالباً في السنة الأولى ما دفع البعض الى اطلاق اسم "أكاديمية الحارسات الشخصيات" على هذه المدرسة الجديدة. وتتراوح اعمار الطالبات في مدرسة الاخوة وانغ بين 17 و26 عاماً. ويخضعن لامتحان ذكاء ومعلومات عامة قبل الالتحاق بالمدرسة، ويدفعن مبلغ خمسمئة دولار أميركي قسطاً مدرسياً. ويبدأ اليوم الدراسي في السادسة صباحاً، ويتضمن المنهج الملاكمة، والكونغ - فو الصيني، وحمل السلاح واستعماله... اضافة الى المهارات المكتبية والسكرتاريا. وتضم المدرسة شابات من خلفيات عدة. وعلى سبيل المثال، كانت الطالبة لو زي واي خبيرة بفنون القتال الصينية قبل التحاقها بالمدرسة. أما صديقتها يوان لينغ فكانت تعمل في مصنع وقررت الالتحاق بمدرسة الاخوة وانغ "لأن الحياة في المصانع رتيبة جداً". وتأتي الطالبة مياو فينغ من عائلة مثقفين في العاصمة بكين، وهي مدربة على أسلوب التنفس الصيني المعروف باسم "كاي كونغ". وانخرطت في المدرسة كي تلتقي شباباً آخرين. وبعد التخرج، يدفع أرباب العمل مبلغ خمسمئة دولار أميركي للمدرسة لقاء اختيارهم حراساً شخصيين. وتتلقى الحارسة الشخصية التي تمارس مهنة السكرتاريا راتباً شهرياً قدره مئتي دولار أميركي لأنها تجمع بين المهارات الفكرية والجسدية. أول نادٍ عسكري ومن ناننجينغ الى شانغهاي، حيث افتتحت الصينية شينغ زياو لي 29 عاماً في بداية هذه السنة أول ناد عسكري رياضي في الصين تدرب فيه الرواد بنفسها على الرماية. ويتعلم أعضاء النادي الخاص الذين يتم اختيارهم بدقة اطلاق النار على أهداف ثابتة ومتحركة، أو يصطادون الأرانب في الحقول الواسعة التي تملكها زياو لي في ضواحي المدينة. كما يستطيعون المشاركة في نشاطات أندية الطيران والعروض الجوية والمظلية. ويضم النادي مدراء شركات صينية أو أجنبية مهمة، ويدفع اعضاؤه الأجانب عشرين ألف دولار أميركي اشتراكاً سنوياً! في كوبا ونساء الصين لم يخترن وحدهن مهناً تتعارض مع صورة "الجنس الناعم". ففي كوبا يوجد فوج نسائي خاص في الجيش يضم خمسمئة إمرأة أسسه الرئيس الكوبي فيديل كاسترو ورئيسة "الاتحاد النسائي الكوبي" ويلما أسبين، زوجة أخيه راؤول. والخدمة النسائية ليست اجبارية في الجيش الكوبي، ولذلك يتكون الفوج من متطوعات يمضين فترة تدريب مدتها سنتان في قاعدة قرب العاصمة هافانا حيث يتخصصن في العمل ضمن وحدات المدفعية المضادة للطائرات. ولا تستطيع النساء المتطوعات الزواج أو انجاب الأطفال خلال تلك الفترة. أما الضابطات النظاميات فيعشن حياة عائلية عادية. وتتميز العاملات ضمن هذا الفوج بانهن ينتجن طعامهن بأنفسهن بواسطة زرع الحقول الموجودة ضمن الثكنة. وهن مدربات على تحمل الضغوطات والعمل تحت ظروف قاسية، وخدم بعضهن ضمن القوات الكوبية التي ارسلت الى أنغولا خلال السبعينات. وهناك قاعدة عسكرية نسائية كوبية أخرى تضم فوجاً مشابهاً في غوانتانامو، شرق البلاد بالقرب من القاعدة الأميركية الوحيدة الباقية في كوبا. وفي الغرب ولكي لا يسارع البعض الى اتهام الشيوعيات بأنهن مسترجلات أكثر من غيرهن، يمكن التأكيد ان نساء الغرب الرأسمالي اخترن أيضاً مهناً تتعارض مع صورة المرأة الناعمة الضعيفة التي "لا تذوب الزبدة في فمها" حسب القول البريطاني المأثور. وعلى رأس جهاز الاستخبارات البريطاني تتربع سيدة في السادسة والخمسين من عمرها تدعى ستيلا ريمنغتون. ومنذ اختيارها مديرة عامة للاستخبارات البريطانية المعروفة باسم "أم. أي. فايف" في شباط فبراير عام 1992، برهنت ريمنغتون عن جدارة وذكاء كبيرين، وسمحت للمصورين بالتقاط صور لها لأول مرة في تاريخ المنظمة السرية، واعطتهم معلومات عامة عن الاستخبارات البريطانية وطريقة عملها. وقبل ريمنغتون، كانت "أم. أي. فايف" منظمة يحيطها الغموض وينفي كبار المسؤولين وجودها نفياً قاطعاً. لكن هذه السيدة، التي تتقن مهارات العلاقات العامة قدر معرفتها بأساليب التجسس السرية الحديثة، استطاعت اكساب المنظمة التي ترأسها شعبية عوضت عن فقدانها شيئاً من السرية. وضمن كتيب المعلومات الذي سمحت ريمنغتون بتوزيعه على الصحافيين في بريطانيا حصلت "الوسط" على نسخة منه معلومات عن الموظفين في جهاز الاستخبارات البريطاني. وتشير هذه المعلومات الى وجود نحو ألفي عامل ضمن "أم. أي. فايف" تشكل النساء أكثر من نصفهم! وتتضمن نشاطات المنظمة التجسس المضاد، والحد من انتشار العملاء السريين الأجانب، والنشاطات الهدامة، وأعمال مكافحة الارهاب في بريطانيا وايرلندا، والتجسس الدولي. ولا يحتاج المرء الى مخيلة واسعة لادراك الصفات التي تملكها العاملات في هذا الجهاز، بما فيها برودة الأعصاب وقوة الشخصية. وأجهزة التجسس في معظم الدول توظف النساء عميلات لها لأنها مقتنعة أن جنسهن ليس ناعماً دائماً! وحتى زمن قريب، كانت العاملات ضمن فرقة "ذا رينز" النسائية التابعة للبحرية البريطانية يخدمن على اليابسة فقط. لكن قراراً حكومياً صدر أخيراً سمح لهن بالانضمام الى زملائهن الرجال في سفن الأسطول البريطاني التي تبحر أحياناً لأشهر طويلة دون انقطاع. وتظاهرت زوجات البحارة احتجاجاً على هذا القرار الذي اعتبرنه بمثابة تخريب لحياتهن الزوجية، ولكن قيادة البحرية البريطانية أكدت على وجوب اعطاء نساء الفرقة الشهيرات بتدريبهن القاسي فرصاً متساوية مع زملائهن من الجنس الآخر اسوة بالنساء العاملات في سلاحي البر والطيران. وعلى رغم ذلك، فما زال يتعذر عليهن العمل داخل الغواصات أو قيادة المروحيات الهجومية والمضادة للغواصات. لكن العقيد في سلاح الجو الاميركي ايلين كولنز 36 عاماً استطاعت تجاوز هذه القيود. وستكون اول امرأة تقود مكوكاً فضائياً وذلك اثناء مهمة "اس تي اس 36" الفضائية المقرر اجراؤها في منتصف العام المقبل. وستقوم كولينز بقيادة المكوك "ديسكوفيري" والاقتراب الى مسافة 300 متر من المحطة الفضائية الروسية "مير"، وتهدف مهمتها الى التحضير لعملية هبوط المكوك "اطلانطيس" على محطة "مير" المقرر اجراؤها عام 1995. المرأة والهوايات الخشنة ومن المهن الى الهوايات "الخشنة"، ففي الولاياتالمتحدة الأميركية تشتهر الراهبة مادونا بادر 62 عاماً بحبها للالعاب الثلاثية المعروفة باسم "الرجل الحديد"! وتحمل مادونا الرقم العالمي في هذه الرياضة التي تتضمن "ماراثون" ركض لمسافة 26.2 ميل أربعين كيلومتراً، و2.4 ميل سباحة و112 ميلاً سباق دراجات. وبدأت مادونا بادر ممارسة هوايتها هذه وهي في السابعة والأربعين من عمرها، وشاركت حتى الآن في 39 سباق ماراثون ومئة سباق ألعاب ثلاثية. وسجلت رقماً قياسياً أثناء سباق "الرجل الحديد" في هاواي هو 13 ساعة و34 دقيقة. ويحتاج المشارك في سباق من هذا النوع الى بنية قوية، ورئتين من حديد، اضافة الى الارادة الصلبة. ولكن مادونا، المتسابقة الوحيدة في فئة العمر من 60 الى 64 سنة، تتغلب على جميع منافسيها الرجال! أما في اسبانيا، حيث تعتبر مصارعة الثيران تقليداً عريقاً يرمز الى الشجاعة والبطولة والقوة عند الرجال، دخلت الحلبة أخيراً مصارعة ثيران توريرا شابة تدعى كريستينا سانشيز 21 عاماً غير آبهة بالصد والانتقاد اللذين تتعرض لهما على يد زملائها الذكور. وعلى رغم ان اسبانيا عرفت في الماضي عدداً محدوداً من مصارعات الثيران، لكن كريستينا سانشيز المحترفة التي ما زالت مبتدئة نوفييرا قررت رفع مستوى التحدي. ونظمت بالاشتراك مع زميلتيها الهاويتين ماري باز ويولاندا كارفاخال أول كوريدا مصارعة ثيران نسائية في تاريخ اسبانيا. وأقيم هذا الحدث التاريخي في 31 آب اغسطس الماضي في مدينة ملقة الاسبانية. ولكن أين المرأة العربية من كل هذا؟ الواقع ان تحول المرأة العربية الى "الأعمال الخشنة" برز بشكل جلي في السبعينات، خصوصاً في لبنان عندما اندلعت الحرب الأهلية في العام 1975 حيث دخلت المرأة الى عالم السلاح والميليشيات، وصارت تحارب جنباً الى جنب مع الرجل. وقد شكل بعض الأحزاب اللبنانية فرقاً خاصاً بالنساء. اضافة الى ان النساء الفلسطينيات شاركن في العمل الفدائي وبرزت بينهن ليلى خالد. كما ان العقيد معمر القذافي شكل "فرقة حارسات العقيد" التي ما زالت حتى الآن تقوم بدورها على أفضل ما يرام. وإذا كانت مصارعة الثيران والمشاركة في الخدمة العسكرية لا تكفي لاقناع الذين يصرون على تقييد المرأة بصور الرقة والنعومة المصطنعة، فلا يبقى سوى أن نذكرهم بأنه على رغم كل علامات الضعف ما زال "كيدهن عظيم"!