مع نهاية العام 2000، سترتفع حصة الدول المتوسطية الى 5،53 في المئة من اجمالي الحركة السياحية في العالم، بعدما كانت هذه الحصة تراجعت في الثمانينات الى اقل من 47 في المئة، ثم بلغ التراجع ذروته في العام 1991، عندما تجاوز هبوطاً عتبة 45 في المئة. وطبقاً للتقديرات نفسها فان عدد السياح الذين ستستقبلهم الدول المطلة على المتوسط سيرتفع في نهاية العقد الحالي الى 320 مليون سائح في مقابل 6،186 مليون سائح في العام 1991، اي بزيادة نسبتها 4،71 في المئة على مدى 10 سنوات، ستتركز في معظمها في 3 دول متوسطية رئيسية هي اسبانيا وإيطاليا وفرنسا، وبنسبة اقل في اليونان وتركيا، اذ من المقدر ان تستحوذ هذه الدول على 300 مليون سائح، تجتذب الدول الثلاث الأولى منها حوالي 80 في المئة اي بمعدل 3،1 سائح للمواطن في كل من الدول الثلاث، في حين تتوزع الدول الاخرى النسبة الباقية. في المقابل، ستزيد حصة الدول العربية المتوسطية من 2،11 مليون سائح في الوقت الحاضر الى 20 مليوناً في نهاية العقد، اي بزيادة نسبتها 5،87 في المئة، وستتركز الزيادة المتوقعة في كل من المغرب وتونس ومصر، وبنسبة اقل من كل من سورية والجزائر، وباستثناء لبنان الذي ينتظر استقرار الاوضاع السياسية والامنية فيه لكي يعود احدى الدول السياحية الاهم في الشرق الاوسط. وبحسب التقرير الذي اعده قسم الابحاث التابع لمجلة "ايكونوميست" البريطانية، وهو يتطابق مع تقارير اخرى، من بينها التقارير الاخيرة لمجلس السياحة العالي في لندن، فان الزيادة المتوقعة ستكون بالدرجة الاولى من نصيب مصر التي من المقدر ان يرتفع حجم الحركة فيها الى 5،4 ملايين سائح، اي بزيادة نسبتها 104 في المئة، فيما من المقدر ان يزيد حجم الحركة في بلدين سياحيين رئيسيين هما المغرب وتونس الى 5،5 مليون سائح في مقابل 5،3 مليون سائح في العام 1991، اي بتحسن تصل نسبته الى 1،57 في المئة. اما سورية سترتفع حصتها الى مليوني سائح في مقابل 2،1 مليون سائح في العام 1991، اي بزيادة نسبتها 6،66 في المئة، في حين ان الزيادة المتوقعة في الجزائر ستكون بحدود 8،42 في المئة، اذ من المقدر ان تصل الحركة السياحية في هذا البلد الى مليوني سائح في نهاية العقد، في مقابل 4،1 مليون سائح قبل عامين. وعلى رغم ان متوسط الزيادة في الدول العربية المتوقعة في نهاية العقد الجاري سيكون اعلى 5،87 في المئة مما هو عليه في الدول الاوروبية 70 في المئة الا ان الحصة الاجمالية للدول العربية لن تكون اكبر مما كانت عليه في بداية العقد من اجمالي النشاط السياحي، سواء على الصعيد العالمي، او على الصعيد المتوسطي. ففي العام 1991، بلغ عدد السياح الى الدول العربية المتوسطية ما مجموعه 2،11 مليون سائح اي ما يشكل 6،2 في المئة فقط من اجمالي السياحة العالمية التي بلغت ارقامها 424 مليوناً و6 في المئة من اجمالي ارقام السياحة المتوسطية التي حققت مستوى 6،186 مليون سائح. في المقابل، واستناداً الى التقديرات نفسها، سيصل حجم السياحة العالمية في نهاية العقد نفسه الى 598 مليون سائح، في حين ان حصة الدول العربية لن تزيد عن نسبة 3،3 في المئة 20 مليون سائح. اما على المستوى المتوسطي، فان الحصة العربية لن تزيد هي الاخرى عما كانت عليه في بداية العقد 6 في المئة اذ من غير المقدر ان تتجاوز معدل 2،6 في المئة. على مستوى ثان، فان معدلات السياحة في الدول العربية قياساً الى عدد السكان، لا تزال ادنى بكثير مما هي عليه في معظم الاقاليم السياحية في العالم، ففي مقابل نسبة 3،1 سائح لكل مواطن في دول اوروبية معروفة مثل فرنسا وايطاليا واسبانيا، تتدنى النسبة في الدول العربية الى 09،0 سائح لكل مواطن، اي بمعدل سائح لكل 5،10 مواطن، على رغم التفاوت الذي يمكن تسجيله بين دولة واخرى، اذ في مقابل 3 سياح لكل مواطن في دولة مثل البحرين، وهو رقم قياسي عالمي، تتدنى النسبة الى سائح لكل 20 مواطناً في مصر، والى سائح واحد لكل 7 مواطنين في سورية، ثم تعود وترتفع الى مستوى سائح لكل 6،6 مواطن في الغرب. وثمة دول اخرى، تقل فيها هذه النسبة الى مستويات جد متدنية، مثل السودان والعراق وليبيا، على رغم التبدل الأساسي في مفهوم السياحة في الدول العربية، اذ تحول هذا المفهوم من اعتبارها قطاعاً ثانوياً، وحتى هامشياً، اي تصنيفها من بين القطاعات الاقتصادية الرئيسية نظراً الى تنامي مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي، ففي مصر اصبحت العائدات السياحية تمثل المصدر الثاني من حيث الاهمية للعملات الاجنبية التي تحتاجها البلاد، بعد تحويلات المصريين العاملين في الخارج، لكن قبل عائدات النفط وعائدات المرور في قناة السويس. وقد مثلت هذه العائدات ما يشكل نسبة 1،5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، في مقابل 6،7 في المئة في تونس و3،5 في المئة في المغرب. وكان معظم الدول العربية باشر خطط تنمية سياحية لزيادة جاذبيته في الاسواق العالمية، ودخلت دول عربية جديدة السوق السياحية الدولية عن طريق ترويج منتجات سياحية تركز على بعض النشاطات التي تستقطب فئات محددة. وهو ما يحصل حالياً في دول خليجية مثل الامارات وقطر وسلطنة عمان التي تركز على ابراز السياحة الشتوية فيها، الى جانب سياحة رجال الاعمال والسياحة الصحراوية. وتقوم دول مثل مصر وحتى سورية بالترويج لاجتذاب سياحات متخصصة، مثل سياحة الطيران وسياحة الآثار، الى جانب السياحات الصحراوية، ويركز المغرب على زيادة حصته من سياحة رجال الاعمال الذين يتميزون بارتفاع مستوى الانفاق لديهم. كما برز في الفترة الاخيرة تركيز على اجتذاب السياحة الخليجية التي تتميز هي الاخرى بارتفاع معدلات انفاقها. وبحسب تقرير "ايكونومست"، فان ثمة مزايا طبيعية في الدول العربية لزيادة حصتها من الحركة السياحية العالمية، ابرزها مزية المناخ الذي يسمح بتشغيل الدورة السياحية طوال السنة، بدلاً من تركيزها على اشهر محددة منها، كما هي الحال في اوروبا، ففي مصر تعتبر فترة الذروة السياحية اعتباراً من آذار مارس وحتى ايار مايو، اضافة الى الاشهر الثلاثة الاخيرة من العام نفسه، اعتباراً من تشرين الأول اكتوبر وصولاً الى كانون الثاني يناير. الا ان ثمة اجماعاً على ان عناصر المناخ لا تكفي وحدها لازدهار سياحي في ظل المنافسة الدولية القائمة، ودخول اقاليم جديدة الى الخريطة السياحية الدولية بقوة مثل بلدان الشرق الاقصى، وحتى اوستراليا ونيوزيلندا، اضافة الى التوسع الذي سجلته مجموعة جزر الكاريبي والمكسيك في السنوات الاخيرة. وفي الواقع بات ينظر الى السياحة على انها احد مصادر الثروة التي تستطيع الدول ان تحصل عليها عن غير طريق التكنولوجيا والمصادر الطبيعية، مثل النفط والذهب وغيرهما من المعادن، وقد لا تجد الدول العربية، خصوصاً تلك التي تسعى الى ان تكون نقاط جذب سياحية رئيسية، بديلاً عن تطوير منتجها السياحي بحيث يكون قادراً على المنافسة المفتوحة. الا ان الاهم الذي تحتاجه هذه الدول هو الحد الاقصى من الاستقرار الامني والسياسي الذي تتطلبه الحركة السياحية، وهو ما اختبرت الدول العربية آثاره بشكل ملموس في السنوات الماضية، وكانت حرب الخليج الفصل الاخير منه.