تعيش اليمن ازمة سياسية مفتوحة بدأت مع اعتكاف نائب رئيس مجلس الرئاسة الامين العام للحزب الاشتراكي السيد علي سالم البيض في عدن بدءاً من 19 آب اغسطس الماضي اثر عودته من جولة خارجية قادته الى الولاياتالمتحدة وفرنسا والاردن. ويُخشى أن تنتهي الازمة السياسية الى ازمة دستورية اذا انتهت ولاية مجلس الرئاسة الحالي في 15 تشرين الأول اكتوبر الجاري، ولم تتوصل اطراف الائتلاف الحزبي الحاكم المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي والاصلاح الى حل سياسي يساهم في ايجاد مخرج دستوري. وتتمحور الازمة السياسية على تقاسم السلطة الرئاسية بين الاطراف الثلاثة التي حازت اكثر من 90 في المئة من مقاعد البرلمان في الانتخابات التي جرت في 27 نيسان ابريل الماضي. ويرى المؤتمر الشعبي العام الذي يقوده الرئيس علي عبدالله صالح ان فوزه بنحو نصف اعضاء المجلس النيابي يتيح له ارجحية طبيعية في السلطة الرئاسية، ويعطيه بالتالي موقعاً تقريرياً انعكس في اصراره على اجراء تعديلات دستورية تتيح للرئيس تعيين نائبه. في حين يرى الحزب الاشتراكي ان الاكثرية العددية في البرلمان ليست الوسيلة الوحيدة لقياس النفوذ السياسي في البلاد. ويؤكد مصدر قيادي في الاشتراكي التقته "الوسط" في صنعاء ان اللجوء الى وسائل قياس حسابية، تدفع الحزب الى التذكير بأنه قدّم من اجل الوحدة ثلثي مساحة البلاد وثلثي ثرواتها الطبيعية الشطر الجنوبي، ومن حقه تالياً الحصول على موقع حاسم في الرئاسة نائب الرئيس يكرس بنص دستوري اسوة بشريكه الوحدوي المؤتمر الشعبي. اما التجمع اليمني للاصلاح، وهو القوة السياسية الثالثة في البرلمان، فيرى ان من حقه ان يتمثل في رئاسة الدولة اذا اعتمدت صيغة المجلس الرئاسية كما هي الحال الآن. ولمعالجة هذا التضارب في النظرة الى السلطة الرئاسية، تتداول الاوساط السياسية في صنعاء سيناريوهات مختلفة يمكن حصرها في خيارات اربعة: الخيار الأول: صيغة 3 - 2 اي ثلاثة اعضاء للمؤتمر الشعبي وعضوان للاشتراكي. على ان ينتخب اعضاء المجلس انفسهم استناداً الى الدستور الحالي. ويمكن تبرير هذه الخطوة بتعذر اجراء تعديلات دستورية خلال الفترة القصيرة الباقية من ولاية المجلس الرئاسي الحالي والتي تنتهي في 15 من الجاري. وإذا كان هذا الخيار يحظى بموافقة الحزب الاشتراكي فانه يلاقي معارضة قوية من الاصلاح الذي ُيستبعد من التمثيل. وتعتبر مصادر التجمع ان هذا الحل لا يتناسب مع نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة، وبالتالي مع ظهور الاصلاح طرفاً اساسياً في البلاد. ويرد الاشتراكيون على هذه الحجة بالقول ان الاصلاح حظي برئاسة المجلس النيابي وان ذلك تم بالتفاهم مع اطراف الائتلاف الثلاثة وليس بفضل قوته البرلمانية وبالتالي لا يجوز ان يصر على تسلم مواقع متعددة في السلطة تتجاوز حجمه بكثير. ولا يعترض المعتدلون في المؤتمر الشعبي على هذا الخيار اذا اتخذ صفة انقاذية، وإذا تعذّر التفاهم مع الاشتراكي على حلول اخرى، مما يعني ان هذا الخيار قد يعتمد في اللحظة الاخيرة تفادياً للقطيعة. لكن مشكلة المؤتمر تبقى في ان فريقاً كبيراً من اعضائه يرغب في تغيير القاضي عبدالكريم العرشي بعضو آخر في مجلس الرئاسة، الامر الذي يفتح الباب على ترشيحات اخرى وبالتالي الدخول في دوامة من نوع آخر. الخيار الثاني: 2 - 2 - 1 اي عضوان للمؤتمر وعضوان للاشتراكي وعضو واحد للاصلاح. ويصطدم هذا الخيار بمعارضة شديدة من المؤتمر الشعبي الذي يُحرم من الغالبية في المجلس الرئاسي، ويفقد بالتالي ثقة قاعدته التي تتطلع الى موقع غالب يتناسب مع قوته النيابية. وتتساءل مصادر المؤتمر عن السبب الذي يوجب مساواته في التمثيل مع الاشتراكي، وتعتبر ان مثل هذا الامر يكرس النظرة التشطيرية الى البلاد. في المقابل يناسب هذا الخيار الحزب الاشتراكي لأنه يعطيه ارجحية على الاصلاح ويوازن بينه وبين المؤتمر. اما الاصلاح فانه يحقق من خلال هذا الخيار هدفه بالحصول على تمثيل في اعلى سلطة في الدولة. الخيار الثالث: صيغة 3 - 1 - 1 اي ثلاثة اعضاء للمؤتمر وعضو واحد لكل من الاصلاح والاشتراكي. ويصطدم هذا الخيار بمعارضة اشتراكية مزدوجة. فهو من جهة يكرس أرجحية مطلقة للمؤتمر ويخلق مشكلة داخلية في الحزب بين أمينه العام علي سالم البيض والأمين العام المساعد السيد سالم صالح محمد الذي ينتمي الى منطقة يافع، هذه المنطقة الحساسة في الجنوب والتي فقدت تمثيلها في الحكومة باستبعاد احد وزرائها محمد سلمان ولا يمكن ان تنظر بعين الرضى الى استبعاد سالم صالح محمد اذا كانت حصة الحزب ستحصر بعلي سالم البيض. الخيار الرابع: صيغة 2 - 1 - 1 - 1 اي عضوان للمؤتمر وعضو واحد لكل من الاشتراكي والاصلاح وعضو مستقل، ويحظى هذا الخيار بموافقة عامة، لكن المشكلة تكمن في اختيار العضو المستقل، ذلك ان كل طرف سيسعى الى ترشيح مستقل قريب منه، وفي كل الحالات يصعب العثور على مرشح مستقل استقلالاً حقيقياً في الوسط السياسي اليمني. ويستند مجمل هذه الخيارات الى الدستور الحالي والى تعذر اجراء تعديلات دستورية تفضي الى شكل جديد للرئاسة يقوم على انتخاب رئيس كامل الصلاحية يعين نائباً له قبل او بعد انتخابه، كما تفترض وثيقة التعديلات الدستورية التي وقعت عليها اطراف الائتلاف الثلاثة وعارضها نائب الرئيس علي سالم البيض واعتكف بفعل اعتراضه عليها. ويذكر هنا ان الحزب الاشتراكي الذي فجّر الازمة باعتكاف امينه العام يلوّح بعدد من الاوراق لتحقيق اهدافه من بينها مواصلة الاعتكاف واستمهال توحيد الجيش، والتحرك البرلماني لتعطيل فرض التعديلات الدستورية اذ يكفي الحزب الحصول على قبضة من اصوات المستقلين لامتلاك نسبة ثلث الاصوات وصوت اضافي، وهو العدد المطلوب للحؤول دون اقرار التعديلات في البرلمان فضلاً عن الضغط بورقة الاستحقاق الدستوري الذي ينتهي في 15 من الجاري. ان لعبة "حافة الهاوية" التي تدور في اليمن هذه الايام تفتح الوضع في البلاد على احتمالات خطرة ليست كلها سلمية، الامر الذي استدعى تدخل وسطاء خارجيين ومحليين بينهم لجنة المتابعة البرلمانية برئاسة الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر رئيس المجلس النيابي. ويسعى الوسطاء الى التوفيق بين الآراء المتضاربة والى ايجاد حل لا يؤدي الى "موت الذئب" او "فناء الغنم" اي الى نزع صواعق تفجير الازمة وإيكال حلها الجذري الى الوقت... والمستقبل.