عانى الرومانيون من استشراء وباء الملاريا مرات عدة، غير ان اسباب الداء نفسه لم تعرف حتى وقت متأخر من القرن التاسع عشر عندما اكتشف العلماء ان طفيلي الملاريا ينتقل نتيجة لسع البعوض. ومنذ ذلك الوقت استخدمت عقاقير عدة للوقاية من الملاريا ومعالجتها، غير ان المقاومة المتزايدة من طفيلي الملاريا لتلك العقاقير باتت تعني ان اكتشاف مواد مضادة للملاريا اضحى ضرورة ملحة. وزادت تلك الضرورة إلحاحاً أثر استشراء المرض. ويعتقد ان عدد المصابين بالملاريا المزمنة يبلغ نحو 270 مليون نسمة في جميع ارجاء العالم. ويبلغ سنوياً عن اصابة نحو 100 مليون نسمة بهذا الداء ويصاب 90 في المئة في اقطار الساحل الافريقي، غير ان زيادة الاتصال بين تلك الرقعة ومناطق العالم الاخرى ادت الى ارتفاع نسبة الاصابة نحو 10 آلاف شخص سنوياً في بالملاريا في اوروبا. وكان عقار الكلوركين خلال العقود الماضية الدواء الرئيسي من انواع طفيلي الملاريا التي تصيب الانسان، غير ان الطفيلي يحتل المرتبة الثانية بدأ يقاوم الكلوركين، واستشرى في معظم مناطق العالم ما عدا منطقتين الشرق الأوسط وأميركا الوسطى. وأسفر ذلك عن الاعتماد على عقاقير اخرى اكثرها فاعلية ميفلوكوين. ومن التأثيرات الجانبية الخطيرة لهذا العقار انه قد يؤدي الى تشوه الأجنة اذا لم تم تناوله ابان الحمل. وزاد الامر تفاقماً ظهور نوع من هذا الطفيلي نفسه يقاوم الميفلوكوين في تايلاند وكمبوديا، كما ان ثمة تقارير وردت من اقطار غرب افريقيا تفيد ان الطفيلي الشائع هناك اضحى مقاوماً للعقار المذكور. غير ان تلك التقارير لم تتأكد بصورة دقيقة. ونتيجة لبروز هذه الدلائل المتزايدة على مقاومة الملاريا الادوية التي تكتشف لمعالجتها اتجه العلماء الى الاهتمام بتطوير عقاقير جديدة يأملون ان يفشل الطفيلي في مقاومتها. واهم العقاقير التي يعلق عيها الاطباء املاًً كبيراً عشب طبي شائع في الصين. وقد نجح الصينيون في خلط هذا العشب الذي يعرف ب "تشينغهاسو" بمادتين اخريين وأثبت المزيج قدرة جيدة في علاج الملاريا في الصين وفيتنام ابان السبعينات. ويجري الباحثون حالياً تجارب سريرية لمعرفة مدى هذه المركبات العشبية في مناطق اخرى موبوءة بالملاريا. ودلت التجربة على نجاح ملحوظ في علاج الاطفال المصابين بالملاريا في منطقة غامبيا. ولوحظ ان علاج هؤلاء الاطفال كان اسرع من شفاء الذين يتناولون عقار الكلوركوين. واتضح ان عقار ارتيسونيت اكثر فاعلية من عقار ارتيميثر الذي لا يوجد كالعقار الاول في هيئة اقراص. ولكن الاخير يمكن حقنه عضلياً. ويتميز بأنه يتحمل درجات حرارة عالية تجعل حفظه في المنازل سهلاً في المناطق المدارية الساخنة. ونجح معهد والتر ريد للابحاث التابع الجيش الاميركي، في واشنطن، في تطوير عقار ثالث مشتق من عشب تشينغهاسو الصيني اطلق عليه اسم "ارتيثر" لا يزال في طور التجارب المخبرية. وتفيد انباء بأن معهد ويلكوم للابحاث في بانكوك يجري تجارب لتطوير عقار جديد يؤدي مفعول مشتقات العشب الطبي الصيني المذكور. ومن المحتمل ان تتمكن الملاريا لاحقاً من تطوير قدرتها على مقاومة مركبات العشب الصيني المشار اليه، ولم يعد ثمة أمل في القضاء على طفيلي الملاريا الا باختراع مصل ناجع في الوقاية منه. ويذكر ان محاولات عدة جرت لاكتشاف هذا المصل لا يزال معظمها في طور الاختبارات السريرية، غير ان مصلاً اخترعه الباحث الكولومبي مانويل باتارويو اثبت نجاحاً مضموناً في هذا الشأن. وتفيد نتائج التجارب التي نشرت حتى الآن ان استخدام هذا المصل اسفر عن خفض الاصابة بطفيلي الملاريا "فالسيباروم" بنسبة الثلث غير انه لم ينجح في الوقاية من الاصابة بطفيلي الملاريا "فيفاكس". وتشير النتائج المذكورة الى ان المصل المشار اليه ليس خالياً من العيوب، وان تقويمه بشكل كامل يتوقف على اختباره في بيئات اخرى. وتجري دراسة حالياً في هذا الشأن في تنزانيا.