من تكون الروائية المصرية عائشة أبو النور؟ أهي "الاديبة المتمردة" التي تنتفض على طريقة أنتيغونا ضد الواقع المخيب الظالم، أم مجرد كاتبة تلقائية تقيم مع أدوات فنّها علاقة حميمة لا تعرف الحواجز، أم الاثنين معاً؟ الاكيد هو أن صاحبة "الامضاء سلوى" التي تنقلت بين التأثرات والتجارب، تسعى قبل كل شيء الى تحقيق "أعمال مبتكرة لا تبعث على الملل، ولا تقع في شراك الرتابة وشح الخيال". ما ضرّ، بعد ذلك، أن تحلم لأدبها ب "وظيفة اجتماعية"؟ تميزت الاديبة المصرية الشابة عائشة أبو النور بتجربة ذات حضور خاص وملامح فريدة. وهذه التجربة قوامها عدد من المحاولات هي في مجملها وثيقة تمرد لجيل جديد من الاديبات العربيات يحلمن بواقع جديد: روايتان وأربع مجموعات قصصية احتلت أبو النور من خلالها مكانة مهمة على خريطة الابداع المصري الجديد. أحدث نتاج الاديبة مجموعة لوحات وجدانية سجلت فيها موقفها المنحاز للرجل والمرأة معاً، حينما يتعرضان للقهر الاجتماعي. للمناسبة التقتها "الوسط" في القاهرة، وكان الحوار الآتي. وصفك أكثر من ناقد ب "الاديبة المتمردة". فهل التمرد هنا يعكس موقفاً من الحياة، أم من الاشكال الادبية السائدة؟ - إنني في الحقيقة كاتبة لي موقف من الحياة، ومن العلاقات الاجتماعية والانسانية، التي ينبغي أن تحكمها أسس الحق والخير والمحبّة. ولكن الواضح أن النغمة السائدة حالياً لا تتفق مع هذه القيم، ما يصيبني بالتوتر والانفعال. هكذا تأتي كتاباتي معبرة عن كل الملامح غير المرضية بالنسبة الي، لأنني أرى الحياة في جوهرها وأصلها أبسط وأجمل بكثير مما هي عليه الآن. وبطبيعة الحال فإنني أعبر عن موقفي هذا أدبياً. والفنان عادة، يصرخ على الورق، لعلّ الضمير الانساني يستيقظ ويشيّد سفينة نوح، لينقذ مجموعة من البشر الذين يملكون الرغبة في الاصلاح، ويطمحون الى جعل الارض ركناً للسلام وراحة الانسان. أنا كاتبة تلقائية. ما أفكر فيه وأشعر به، أسكبه من وجداني على الورق مباشرة. وعلاقتي بأدوات الكتابة، علاقة حميمة من دون حواجز. أعتقد أن أهم مقومات الكاتب أن يكون على درجة عالية من الصدق تصل الى الكشف الكامل عما في داخله. شخصياتي واقعية وكيف استطعتِ ترجمة تلك المعاني في رواياتك وقصصك؟ - اعتمد في الأساس على عنصر التشويق، لأنه شرط أساسي لتفاعل القارئ مع العمل الادبي. لذا أحاول دائماً التغيير في أسلوب الكتابة، والتجديد في التقنيات، ليخرج العمل مبتكراً، متجدداً، لا يبعث على الملل، ولا يقع في شراك الرتابة وشح الخيال. عندما كتبتُ رواية "الامضاء سلوى" كانت قضية البطلة الرئيسية خاصة وحميمة بذاتها، تدور حول موقفها من بعض قضايا المجتمع، وحول مواجهتها للغرب. وجدت - لدى كتابة هذه الرواية - أن اسلوب اليوميات هو الأنسب في الافصاح عن فكرتي. بالنسبة الى رواية "مسافر في دمي"، كنت عائدة من "مهرجان كان" السينمائي عام 1980، ويبدو أنني تأثرت بالافلام المعروضة في ذلك المهرجان لجهة التقنية السينمائية المتطورة. ولهذا جاءت روايتي في شكل سيناريو يعتمد على الحوار والصورة والحركة بشكل أقرب الى السيناريو الادبي. أما مجموعتي القصصية "ربما تفهم يوماً"، فجاءت على شكل انعكاسات مسرحية، تتجلّى على وجه الخصوص في قصة قصيرة من المجموعة عنوانها "تحقيق في جريمة حب". واذا أمعنّا النظر في قصّة "مصرع موديل"، وجدناها أقرب في تكوينها الى لوحة تشكيلية. وقس على ذلك... يبدو أن هناك علاقة ما، بين تمردك وتمرد أبطال رواياتك؟ - كل شخصياتي واقعية، مأخوذة من الشارع العربي. وربما أمكننا أن نعزو سبب تمردها الى كوني لا أكتب إلا وأنا في حالة رفض أو غضب. لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن شخصيات قصصي لها علاقة مباشرة بي، وانما هي شخصيات تعرضت للظلم، وأشعر بتعاستها وأثور نيابة عنها ومن أجلها. تشابه الأفكار كتبت الناقدة الدكتورة نهاد صليحة في صحيفة "الأخبار" القاهرية عن تأثرك بالأدب الوجودي، ورأت تشابهاً بين روايتك "مسافر في دمي" ورواية ألبير كامو المعروفة "أسطورة سيزيف". ولعل القاسم المشترك كون العبث لا يشكل موقفاً نهائياً من حتمية الوجود البشري، بل أنه وسيلة للتمرد عليه... فما رأيك؟ - أتفق الى حدّ ما مع هذا الرأي، وإن كنت لم أقصده مطلقاً بصورة واعية. فواقع كل من الروايتين المشار إليهما، مختلف كلياً عن الآخر. لكن الافكار تتشابه، تتقاطع، أو تتلاقى أحياناً كثيرة، في تعبيرها عن الانسان ومعاناته في الزمان والمكان. وبالنسبة الي، فانني لا أرى الواقع عبثياً بشكل مطلق. المدرسة الوجودية ترى أنه لا معنى لأي شيء في الحياة، وأن أي نشاط انساني كالحب أو العمل، يفضي بالضرورة الى الفراغ. إنها نظرة سوداوية، تشاؤمية. أما أنا، فأرى أن الانسان يمرّ بمحنة ليست قدرية. فهو المسؤول، وهو القادر على تغيير واقع الحال وقلب المعادلات السائدة. الانسان مسؤول بحكم جشعه، ورغبته في مصادرة حقوق غيره والسطو عليها... هناك أديبات عربيات تمرّدن على الواقع، ما هي مساحة الاتفاق والاختلاف معهن؟ - صحيح، هناك أديبات برزن من خلال أعمال لها صفة التمرد، مثل نوال السعداوي وفتحية العسّال، فهما كتبتا "أدباً متمرداً". استفدت من نوال السعداوي في جرأتها على كشف نماذج من الحياة، إلا أنني أختلف معها في موقفها الحاد من الرجل. إذ أنني أعتقد أن الرجل والمرأة غالباً ما يحتلان موقع الضحية نفسه، ضحية الواقع السائد. المرأة يمكن أن تسبب التعاسة للرجل، وهذا الاخير يضطر الى الدخول في صدامات معها حين تأخذ موقفاً أكثر تعقلاً. وقد عبرت عن هذه الاشكالية في قصص عدة مثل "امرأة بلا قدمين". أما قصة "وتمطر السماء في قلبي"، فعالجت فيها أزمة الرجل والمرأة عندما يقعان في عجز مشترك عن الخلاص، على الرغم من رغبتهما في الانعتاق وتجاوز الازمة. على المستوى العربي، تعجبني كثيراً كوليت خوري وغادة السمان، ولكنهما من جيل سابق على جيلي، ومن الصعب قياس حجم تأثري بهما. وهل يمكن القول أن أدبك المتمرد له علاقة بموقفك الحاد من الرجل؟ - ضحكت يظن الكثيرون ذلك، ولكنني في الحقيقة لا أكن أي موقف عدائي للرجل باعتباره رجلاً. فأنا أتخذ موقفاً ضد فئة معينة تستغل الرجولة كأداة ووسيلة لقمع المرأة، والسيطرة عليها، وسن القوانين الجائرة التي تهضم حقوقها. إنني ضد الرجال الذين يتصورون أن لهم كل الحقوق وللمرأة كل القيود. وفي المقابل أنا أتعاطف مع الرجل عندما يكون مقهوراً - مثل المرأة - بسبب التقاليد البالية، والافكار الموروثة، أو بسبب الاستغلال الاجتماعي. في قصتي "وجهك متهم بريء"، رسمت نموذجاً لرجل على درجة عالية من الرقة والحساسية، ويحاول الحد من انزلاق حبيبته وراء الترف. كما صورت في قصة "الحب لا يدخل بيتنا" ذلك الرجل الذي يتمسك بقيمة الحب حتى آخر لحظة. من هنا أقول أن موقفي من الرجل "موقف معتدل". ما هي وظيفة الادب والاديبات في العالم الثالث المثقل بالمشكلات، هل هي اعادة رسم الواقع أم التمرد عليه فقط؟ - نحن في العالم الثالث نكتب لكي نتمرد، ونتمرد لكي نغير. إننا لا نملك ترف التسلية! والفرق بيني وبين المدرسة الوجودية مثلاً، أن تمرّدي موضوعي يرتكز على الرغبة في تحقيق العدالة الانسانية، والتكافؤ الاجتماعي. وستجد هذا المعنى واضحاً في قصتي "امرأة ضد امرأة" حيث تبحث الشخصية عن مجتمع سويّ، ودفء أسرة.