أمير تبوك يستقبل رئيس وأعضاء اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم بالمنطقة    الخريف: الصندوق الصناعي اعتمد مشاريع بقيمة 12 مليار ريال في 2024    الجاسر: قطاع النقل حقق نسبة نمو 17% منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    وزير الرياضة : 80 فعالية عالمية زارها أكثر من 2.5 مليون سائح    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    البنيان: رصدنا أكثر من 166 مشروعا تعليميا في 2025    "أنا المدينة".. تجربة واقع افتراضي تنقل الزوار إلى العهد النبوي    وزير الطاقة يعقد اجتماعًا ثلاثيًا مع نائب رئيس الوزراء الروسي ووزير الطاقة الكازاخستاني    الكهموس: المملكة جعلت مكافحة الفساد ركيزة أساسية لتحقيق رؤية 2030    المملكة ضيف شرف لمنطقة الشرق الأوسط في معرض «أرتيجانو إن فييرا» بإيطاليا    نائب وزير الصحة يستعرض إنجازات "مستشفى صحة الافتراضي" ضمن ملتقى ميزانية 2025    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    توقيع مذكرة لجامعة الملك خالد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    السفير الجميع يقدم أوراق اعتماده لرئيس إيرلندا    هدنة لبنان.. انسحابات وإعادة انتشار    انتقادات من جيسوس للتحكيم بعد مواجهة السد    الأونروا تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة    "الطيران المدني" تُعلن التصريح ببدء تشغيل الخطوط الجوية الفرنسية Transavia France برحلات منتظمة بين المملكة وفرنسا    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    هؤلاء هم المرجفون    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"عملية مراقبة الجنوب" تفتح حواراً اميركياً - ايرانياً . "مشروع رفسنجاني" للعراق
نشر في الحياة يوم 07 - 09 - 1992

"عملية مراقبة الجنوب" التي بدأت في العراق بقيادة دول التحالف الثلاث، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ستمهد لاستئناف الحوار الاميركي - الايراني، بصورة سرية في البداية وعلنية في مرحلة لاحقة، ولقيام "علاقة جديدة" بين واشنطن وطهران.
هذا هو، وفقاً لما كشفته لپ"الوسط" مصادر ديبلوماسية اميركية وفرنسية وثيقة الاطلاع، "الوجه الآخر" للعملية الجديدة التي بدأت نهاية الشهر الماضي بقيادة دول التحالف الثلاث والمتمثلة باعتبار جنوب العراق منطقة محظورة على الطائرات العراقية، والهادفة الى حماية الشيعة في هذه المنطقة من أية هجمات او اعمال قمع يمارسها نظام الرئيس صدام حسين ضدهم، كخطوة جدية نحو تقليص واضعاف سلطة النظام واسقاطه في مرحلة لاحقة. وفي هذا النطاق اكدت صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية الواسعة الاطلاع المعلومات التي نشرتها "الوسط" في العدد السابق الرقم 31 اذ قالت ان "عملية مراقبة الجنوب" هي "المرحلة الاولى" من حملة ضغوط على صدام حسين وان الادارة الاميركية ترغب في "تشجيع عسكريين عراقيين على القيام بانقلاب" على صدام نتيجة هذه العملية. وكانت "الوسط" ذكرت في مقال يحمل عنوان "الآن جاء دور تحرير العراق" نشر في العدد الرقم 31 ان "الهدف الحقيقي لعملية الجنوب هو ايجاد ديناميكية جديدة لاسقاط صدام حسين بسرعة" وان دول التحالف "تراهن على حدوث انقلاب عسكري" على صدام، وان العملية الجديدة تشكل "عنصراً ضاغطاً كبيراً لتحقيق انفجار داخل النظام نفسه".
واللافت للانتباه ان عملية الجنوب لم تحرك "مشاعر عربية كبرى"، وبدا كأن هناك "لا مبالاة" عربية، شعبية ورسمية، وحتى من جانب الدول او الجهات التي تعاطفت مع صدام خلال ازمة احتلال الكويت او عارضت استخدام القوة لانهاء الاحتلال، تجاه ما يجري في العراق حالياً وما يمكن ان تسفر عنه هذه العملية من نتائج. و"العبارة السحرية" التي يتمسك بها الجميع في العالم العربي اليوم، سواء في الدول المؤيدة لعملية الجنوب او المتحفظة عليها، هي "التحذير من تقسيم العراق" وقيام "دويلات طائفية على اراضيه" مما يؤدي الى الاخلال بتوازن القوى في المنطقة. وقد اظهرت "عملية الجنوب"، ربما اكثر من اية عملية اخرى، ان "المتعاطفين" ضمناً او علناً مع صدام حسين، إبان أزمة احتلال الكويت، اصبحوا اليوم يعتبرون الرئيس العراقي شاهداً حياً على تجربة مريرة يريدون نسيانها، وعلى مغامرة بالغة الخطورة اضعفت العرب عموماً. ولكل من هؤلاء اولويات وهموم وهواجس اليوم تجعلهم يبتعدون عن صدام حسين وما يمكن ان تسفر عنه "عملية الجنوب" من نتائج على صعيد مصير النظام الحالي.
ايران شيء آخر. انها الغائبة - الحاضرة في "عملية مراقبة الجنوب".
فايران مستبعدة من هذه العملية، ودول التحالف الثلاث لم تلحظ لها اي دور فيها. وقد تم التخطيط للعملية من دون التشاور المسبق مع القيادة الايرانية او الاستعانة برأيها، في حين حرصت دول التحالف الثلاث على الاخذ بآراء دول عربية بارزة.
واكتفى المسؤولون الغربيون عن هذه العملية بابلاغ طهران بالامر بعد التفاهم التام عليها مع الاطراف الاخرى المعنية مباشرة بها.
لكن ايران، في رأي قيادتها، لا بد ان تكون "حاضرة" في هذه العملية ولا بد ان يكون لها "دور ما" فيها. فالرئيس الايراني حجة الاسلام علي اكبر هاشمي رفسنجاني وسواه من المسؤولين الايرانيين يعتبرون ان بلادهم "معنية مباشرة بما يجري في الجارة العراق، خصوصاً في الجنوب العراقي حيث تعيش اغلبية شيعية". رفسنجاني، وفقاً لما يقوله عدد من الخبراء الفرنسيين والبريطانيين المتخصصين في الشؤون الايرانية، يعتبر "ان دور ايران في العراق شبيه بدور سورية في لبنان" اي انه يرى ان "لايران مصالح حيوية ومشروعة في العراق، تماماً كما لسورية مصالح حيوية ومشروعة في لبنان. وقد اعترفت الدول الكبرى بهذه المصالح السورية في لبنان فلماذا لا تعترف بالمصالح الايرانية في العراق؟". هكذا يفكر رفسنجاني. لكن الرئيس الايراني، وفقاً لهؤلاء الخبراء الذين يقيم بعضهم علاقات مع مستشاري رفسنجاني، لا يذهب الى حد اعتبار "ان العراقيين والايرانيين شعب واحد في بلدين"، كما يقول الرئيس حافظ الاسد وكبار المسؤولين السوريين عن اللبنانيين والسوريين، لكنه يعتبر ان "مصالح ايران الحيوية والامنية" تتأثر "مباشرة" بأية ترتيبات او اجراءات او خطوات تتخذ في العراق.
هذا الوضع يدفع الى طرح التساؤلات الآتية: ماذا سيفعل رفسنجاني، بل ماذا يمكنه ان يفعل، لفرض "الحضور الايراني" في العراق؟ كيف ستتعامل ايران مع "عملية مراقبة الجنوب" والخطوات الناتجة عنها؟ هل لا تزال القيادة الايرانية تحلم، فعلاً، باقامة "جمهورية اسلامية" في العراق مشابهة لتلك القائمة في ايران؟ هل ستكون "عملية الجنوب" منطلقاً لمواجهة جديدة، سياسية وغير سياسية، بين ايران والدول الغربية الثلاث، اميركا وبريطانيا وفرنسا، ام ستكون، على العكس، منطلقاً لعلاقة جديدة مع هذه الدول؟ وفي المقابل، هل تنوي دول التحالف الثلاث الاعتراف بأن لايران "مصالح حيوية ومشروعة في العراق"؟ وهل ستنطلق من عملية الجنوب للدخول في مواجهة جديدة مع طهران ام انها ستسعى الى اقامة "علاقة سلمية جديدة" مع القيادة الايرانية؟
ترحيب وانزعاج ايراني
كيف تنظر القيادة الايرانية، فعلاً، الى "عملية مراقبة الجنوب"؟ موقف القيادة الايرانية من هذه العملية هو مزيج من التأييد والانزعاج.
والواقع ان القيادة الايرانية لا تستطيع معارضة عملية الجنوب ولا يمكنها الا ان تساندها، ضمناً او علناً، بصورة مباشرة او غير مباشرة، وذلك لسبب اساسي هو ان ايران لا يمكنها الوقوف ضد قرار تتخذه الدول الكبرى ويهدف الى "حماية شيعة العراق" واضعاف واسقاط نظام صدام حسين. ولا بد، هنا، من العودة قليلاً الى الوراء. ففي نيسان ابريل 1991 ابلغت القيادة الايرانية جهات غربية عدة، على رأسها فرنسا، "عتبها الشديد على الرئيس بوش واستياءها البالغ منه" لأنه شجع الشيعة والاكراد على التحرك لاسقاط صدام حسين، لكن حين حدثت الانتفاضة الشعبية في الجنوب تركت الولايات المتحدة المجال لقوات صدام حسين لقمع هذه الانتفاضة بالقوة المسلحة مما ادى الى وقوع آلاف عدة من القتلى والجرحى وإحداث دمار كبير في مدن وقرى الجنوب. واليوم حين تتحرك اميركا مع فرنسا وبريطانيا "لحماية" اهل الجنوب، لا تستطيع القيادة الايرانية الوقوف ضد هذه العملية. وكان لافتاً للانتباه في هذا المجال ان السيد محمد باقر الحكيم رئيس "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" - الذي يتخذ طهران مقراً له - بعث برسالة الى عدد من الدول العربية الاسبوع الماضي انتقد فيها ما سماه "الموقف المعادي والمتسرع لبعض الدول العربية" التي اعربت عن "قلقها ازاء احتمالات تقسيم العراق" نتيجة عملية الجنوب. وأكد الحكيم في رسالته هذه: "ان اياً من مجموعات المعارضة في الشمال او الوسط او الجنوب لا يفكر في تقسيم البلاد، وان النظام العراقي يلوّح بتقسيم العراق لاثارة مخاوف بلدان المنطقة" من عملية الجنوب.
لكن القيادة الايرانية منزعجة، في الوقت نفسه، من "عملية مراقبة الجنوب"، وذلك للاسباب الرئيسية الآتية:
1 - تفضل القيادة الايرانية ان تكون هي التي تحمي شيعة العراق بدلاً من ان تلعب هذا الدور دول اخرى.
2 - عملية الجنوب تفضح، ضمناً، عجز ايران عن حماية شيعة العراق كما تتمنى وعدم مقدرتها على ممارسة "دور مؤثر" في بلد كالعراق تعتبره "اساسياً وحيوياً" لها. ولا بد، ايضاً، من العودة الى الوراء. فحين حدثت انتفاضة اهل الجنوب ضد صدام في آذار مارس 1991 بعد وقف اطلاق النار في حرب الخليج، ورد الرئيس العراقي عليها بالقوة، ابلغ المسؤولون الايرانيون جهات دولية عدة آنذاك: "لن نقف مكتوفي الايدي ازاء عمليات قمع الشيعة في العراق". واعتبر البعض، آنذاك، ان هذا التحذير يمهد لتدخل ايراني مباشر يتخذ شكل ارسال قوات ايرانية او مقاتلين ايرانيين الى العراق للقتال الى جانب الشيعة. لكن ما حدث، في الواقع، هو ان القيادة الايرانية امتنعت عن ارسال قوات ايرانية الى العراق او التدخل مباشرة وبقوة في القتال واكتفت بارسال اسلحة الى المقاتلين العراقيين ضد صدام وبفتح 8 معسكرات لتدريب المتطوعين على الحدود الايرانية - العراقية و"شجعت" آلافاً عدة من الجنود الاسرى العراقيين ايام الحرب العراقية - الايرانية على الانضمام الى مقاتلي الجنوب. وكانت النتيجة ان تمكن صدام من قمع الانتفاضة ووضع حد لها بالقوة. وأكدت مصادر اميركية وفرنسية مسؤولة لپ"الوسط" ان الرئيس الايراني رفسنجاني لم يتدخل مباشرة في العراق آنذاك "لأن القيادة الايرانية تلقت انذاراً من الولايات المتحدة وفرنسا ودول اخرى تطلب منها عدم تجاوز الخطوط الحمراء والتدخل في العراق، ولأن هذه القيادة لم تكن تريد، بعد سنوات الحرب، التورط مجدداً في حرب اهلية عراقية - عراقية". وهكذا لم تتمكن ايران في ربيع 1991 من حماية شيعة العراق، لكن دول التحالف تفعل ذلك اليوم. وهذا يشكل عنصر احراج للمسؤولين الايرانيين.
3 - السبب الثالث للانزعاج الايراني هو ان "عملية الجنوب" تضع دول التحالف في موقع يمكنها من "اختيار" النظام الجديد الذي سيخلف نظام صدام حسين، او على الاقل "من لعب دور مؤثر وفعال" في اختيار هذا النظام. وهذا الامر من شأنه تقليص الدور الايراني في عملية اختيار النظام الجديد.
4 - السبب الرابع للانزعاج هو ان ايران لا تستطيع ان تفعل شيئاً ازاء "عملية الجنوب" للتأثير عليها "سلباً او ايجاباً" اذ انها لا تملك المقدرة على ذلك. وما يزعج القيادة الايرانية، ايضاً، انها "مضطرة" للتعامل مع هذا التطور الجديد في الساحة العراقية ولا تستطيع ان تتجاهله.
"المشروع الايراني" في العراق
كيف ستتعامل القيادة الايرانية، اذن، وفي ضوء هذه المعطيات، مع "عملية مراقبة الجنوب"؟ ما تستطيع ان تؤكده "الوسط" استناداً الى مصادر اميركية وفرنسية وثيقة الاطلاع هو ان الرئيس الايراني رفسنجاني لا يريد الدخول في اي نوع من المواجهة مع دول التحالف بل يريد، على العكس، الانطلاق من "عملية الجنوب" لمحاولة توسيع اطار "الحوار والتنسيق" مع الدول الغربية الثلاث الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وفي هذا المجال علمت "الوسط" من مصادر فرنسية وثيقة الاطلاع ان المسؤولين الايرانيين ابلغوا دول التحالف الثلاث عن طريق فرنسا - التي تلعب حالياً دوراً رئيسياً في نقل الرسائل ووجهات النظر بين طهران وواشنطن - ان حقيقة موقفهم مما يجري في العراق وإزاء مستقبل الوضع في هذا البلد يتلخص في الامور الاساسية الآتية:
1 - القيادة الايرانية لا تسعى الى اقامة جمهورية اسلامية في العراق، خلافاً لما يشاع او يتردد في بعض الاوساط العربية والاسلامية والاجنبية.
2 - القيادة الايرانية لا تسعى الى فصل جنوب العراق وإقامة "دولة شيعية" فيه مرتبطة بطهران، كما انها لا تسعى الى انشاء "منطقة امنية" تابعة لها في الجنوب العراقي على غرار "المنطقة الامنية" التابعة لاسرائيل في جنوب لبنان.
3 - القيادة الايرانية حريصة على وحدة الاراضي العراقية وهي تأمل في سقوط نظام صدام حسين ومجيء نظام آخر ومستعدة للمساهمة في اي تحرك يهدف الى اسقاط هذا النظام.
4 - ايران لا ترغب في مجيء نظام جديد في بغداد معاد لها، والقيادة الايرانية تعتبر، فعلاً، ان "مصالحها الامنية والحيوية" ستتأثر بطبيعة النظام القائم في العراق، وان بينها وبين هذا البلد "روابط عدة" لا تستطيع ان تتجاهلها وهي روابط تؤهلها - في رأيها - لأن تلعب دوراً في الساحة العراقية وان تكون "معنية" بكل ما يجري في هذه الساحة وحولها.
5 - القيادة الايرانية تؤيد قيام "تحالف جديد" في العراق يحكم هذا البلد ويضم ممثلين عن السنة والاكراد والشيعة، وحتى عناصر من حزب البعث غير مرتبطة بنظام صدام حسين ومجموعته. وتعتبر القيادة الايرانية ان الشيعة العراقيين "يجب ان يكون لهم دور اكبر" من دورهم الحالي في التحالف الجديد الحاكم، وان تكون "حصتهم" في الدولة والوظائف اكبر مما هي الآن. وستدعم القيادة الايرانية "شيعة العراق" ضمن هذا الاطار.
هذا هو التصور الايراني او "المشروع الايراني" للعراق كما تم ابلاغه الى دول التحالف الثلاث عن طريق فرنسا. وتحاط هذه القضية بالتكتم. وقد أعرب المسؤولون الايرانيون عن "املهم" في ان تأخذ دول التحالف في الاعتبار وجهة نظر ايران هذه، مبدين استعدادهم للتشاور والتحاور معها بشأن المشروع الايراني.
ووفقاً لما قاله لپ"الوسط" مصدر ديبلوماسي فرنسي بارز وثيق الاطلاع على هذ القضية فان "الرئيس رفسنجاني تخلى عن تطبيق نظريات آية الله الخميني في العراق، اذ كان الخميني يريد، بأي ثمن، اقامة جمهورية اسلامية في العراق متحالفة مع ايران.
اما رفسنجاني فانه يتعامل بواقعية اكبر مع الوضع العراقي، ويحاول ان يتبع في العراق السياسة التي اتبعها الرئيس الأسد في لبنان: فرفسنجاني يريد اعطاء دور اكبر للشيعة في العراق، كما سعى الاسد الى ذلك مع المسلمين في لبنان، على امل ان يساعد ذلك على تقوية النفوذ الايراني في الساحة العراقية من دون ان يصل الامر بالضرورة الى قيام تحالف او وحدة بين العراق وايران".
اميركا والدور الايراني
هذا هو "مشروع" القيادة الايرانية الحالية للعراق، وهذا هو موقفها ازاء "عملية مراقبة الجنوب". والسؤال الآن هو: ما موقف دول التحالف الثلاث من ايران حالياً وماذا تريد منها في اطار تنفيذ "عملية الجنوب
المعلومات الخاصة التي حصلت عليها "الوسط" من مصادر اميركية وفرنسية وثيقة الاطلاع على هذه القضية تكشف الامور الآتية:
1 - دول التحالف الثلاث، اميركا وفرنسا وبريطانيا، لا تعترف بأن لايران "مصالح حيوية ومشروعة" في العراق ولا تريد ان تعترف بوجود مثل هذه المصالح، كما اعترفت بأن لسورية "مصالح حيوية ومشروعة" في لبنان. فدول التحالف الثلاث لا تريد ان يكون العراق "امتداداً سياسياً وأمنياً واستراتيجياً" لايران، بل تعتبر ان العراق هو جزء من المنطقة العربية.
2 - دول التحالف الثلاث مستعدة "للتحاور" مع القيادة الايرانية حول "عملية الجنوب" والوضع العراقي عموماً، لكن من دون ان يؤدي مثل هذا الحوار الى اعطاء اي دور ايراني مباشر في العراق او الى تكبير دور ايران في المنطقة. فليس وارداً لدى هذه الدول الثلاث، ولدى الدول العربية الاخرى المعنية بالامر، الاخلال بتوازن القوى في منطقة الخليج لمصلحة ايران.
3 - دول التحالف الثلاث لا تريد الدخول في اي نوع من انواع المواجهة مع ايران بسبب "عملية الجنوب" او نتيجة هذه العملية، لكنها، ايضاً، لا ترغب في عقد "اية صفقة" من اي نوع كان مع القيادة الايرانية في اطار "عملية الجنوب".
4 - الولايات المتحدة، بشكل خاص، تأمل في الانطلاق من "عملية الجنوب" لفتح حوار "جدي" مع القيادة الايرانية. وتستطيع "الوسط" ان تؤكد ان هذا الحوار بدأ، فعلاً، لكن عن طريق فرنسا وأطراف اخرى.
وقد حرص المسؤولون الاميركيون على تسريب "جانب" من هذا الحوار الى وسائل الاعلام حين ذكروا انهم "حذروا" القيادة الايرانية من محاولة "استغلال" عملية الجنوب لتثبيت مواقعها في العراق. والواقع ان "الحوار" الاميركي - الايراني، السري حالياً، يتضمن عناصر اخرى غير هذا العنصر التحذيري. فقد علمت "الوسط" ان ادارة بوش ابلغت المسؤولين الايرانيين استعدادها ورغبتها في عقد "اجتماعات علنية سياسية" بين الجانبين الاميركي والايراني تتناول "عملية الجنوب" والوضع العراقي، وان الادارة الاميركية ترغب في "تعاون ايران" الضمني او العلني في مجال تنفيذ هذه العملية، من دون ان يصل هذا التعاون الى حد اعطاء دور لايران في العراق او في الترتيبات المتعلقة بالعملية.
5 - لا ترغب الادارة الاميركية في اعطاء ايران اي دور في عملية اختيار النظام الجديد في العراق، لكنها "مستعدة" للأخذ في الاعتبار وجهة النظر الايرانية الداعية الى اقامة "تحالف واسع جدىد" يحكم هذا البلد والى اعطاء "الشيعة في العراق دوراً اكبر من الدور الذي اعطاهم اياه صدام حسين".
6 - اذا ما بدأ هذا الحوار الاميركي - الايراني وحدث "تعاون ضمني" بين ايران ودول التحالف ضمن الحدود التي ترسمها هذه الدول، فان ذلك سينعكس على العلاقات الثنائية الاميركية - الايرانية، ويمكن ان يؤدي الى ايجاد "علاقات جديدة"، بصورة تدريجية، بين البلدين.
وفي اي حال، ستكون "عملية مراقبة الجنوب" اساساً لتكثيف "الاتصالات" الاميركية - الايرانية المباشرة وغير المباشرة، في المرحلة المقبلة. وستكون "عملية الجنوب"، من هذا المنطلق، محكاً جديداً ومهماً لمدى قدرة الرئيس الايراني رفسنجاني على "الانفتاح" على الولايات المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.