"نجوم" معرض فارنبره الجوي الدولي الاربعين الذي أقيم في هذه المدينة البريطانية في الفترة بين 6 و13 ايلول سبتمبر الجاري، كانت الطائرات الروسية الصنع، خصوصاً الحربية منها. ومع ان الولاياتالمتحدةوبريطانيا وفرنسا والسويدوالمانيا ودولاً اخرى شاركت في هذا المعرض بأفضل ما انتجته صناعتها الجوية من طائرات - كطائرات فالكون اف - 16 وهوك وتورنادو وميراج 2000 وهارير وجريبن - الا ان الخبراء العسكريين توقفوا مثلاً عند طائرة روسية من نوع "توبولوف - 204" مزودة بمحرك من صنع شركة رولز رويس البريطانية واعتبروا ان هذه الطائرة أرخص ثمناً واكثر قدرة على الحركة من مثيلاتها من الطائرات التي تنتجها شركات اميركية وفرنسية. ولا يعرف ما اذا كان الركود الاقتصادي الذي يضرب الصناعة الجوية العالمية هو السبب وراء عدم المشاركة الاميركية القوية في المعرض البريطاني الجوي لهذا العام، في الوقت الذي شارك 300 مندوب روسي في المعرض الذي يؤمه حوالي 300 الف زائر بينهم رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء دفاع ويضرب احد الخبراء الروس المشاركين في المعرض البريطاني مثلاً على عدم الحماس الاميركي فيقول "حتى طائرة ف - 16 التي هي فخر الصناعة الجوية الاميركية ترك للطيارين الاتراك امر قيادتها في الاجواء البريطانية وفي واحد من اهم معارض العالم للسلاح الجوي". وحين نسأل الخبير عما يقصده بالاشارة الى الاتراك، يستطرد ان ف - 16 التي شاركت في العرض هي من صنع تركي. وعلى رغم وجود طائرات حربية اميركية من انواع مختلفة الا ان الحديث عن رقصة "الكوبرا" التي نفذتها طائرات ميغ - 29 وسوخوي - 27 الروسيتان في سماء فارنبره كان محور اهتمام الخبراء العسكريين، لا سيما لجهة ما يتمتع به هذا النوع من الطائرات من قدرة على الحركة والتكتيك خلال العمليات الحربية. ووفقاً لما قاله خبير عسكري بريطاني ل "الوسط" فان طائرة سوخوي 27 التي شاركت في المعرض تستخدم اجهزة استطلاع بريطانية الصنع ومن النوع الذي تستخدمه طائرة التورنادو البريطانية في عملياتها الاستطلاعية في جنوبالعراق حالياً. وفي تصريح ل "الوسط" قال ألكسي توبولوف رئيس مجموعة توبولوف للطيران في موسكو ان مشاركته في معرض فارنبره تأكيد على ان مرحلة جديدة من الصناعة الجوية الروسية بدأت، وذلك من خلال التركيز على تطوير الاساطيل التجارية. واوضح توبولوف ان شركة رولز رويس البريطانية زودت شركته بمحركات من طراز ار بي 211 531 للطيران، الامر الذي يوحي بان العام 1994 سيكون عام مجموعته، وعندما سئل عما يقصد بذلك، قال ان شركة ايرفلوت، اكبر ناقلة جوية في العالم، ستكون في مقدمة زبائنه، لا سيما ان الطائرة تي يو 204 التي تصنعها شركته منافسة لطائرة بوينغ 757 بل وأرخص منها سعراً واكثر قدرة على الحركة. ولا يستبعد توبولوف غزو الاسواق الاوروبية والاميركية قريباً، وقال ان وجود طائرة سوخوي 29 ذات المقعدين في صالات العرض في فلوريدا بعد تعديلها وفحصها من قبل سلطات الطيران الاميركية للمرة الاولى بعد توقيع اتفاق مع دول الكومنولث المستقلة يبشر بالاخبار الطيبة. ويعترف السير باري دكسبري رئيس الجمعية الملكية للصناعات الجوية البريطانية في تصريح ل "الوسط" بان الصناعة الجوية في العالم تعرضت للتراجع في العامين الماضيين لاسباب ليس اقلها زوال خطر الحرب الباردة وتقليص الموازنات المخصصة للدفاع لدى الكثير من الدول، لكنه يضيف ان الشركات المعنية بالامر بدأت تبحث عن اساليب وطرق جديدة للتعايش مع الظروف الدولية المستجدة، لا سيما لجهة التحول او التركيز على صناعة الطائرات المدنية للتعويض عن خسائرها. ويضرب السير باري دكسبري مثلاً كيف خفضت شركات، مثل بوينغ وايرباص وماكدونالد دوغلاس من انتاجها في صناعة الطيران. وبدأت الشركات المذكورة وغيرها البحث عن تحالفات وتوقيع اتفاقيات تعاون مع شركات اخرى لتجنب هدر اموال في غير محلها. ويصف الخبراء الكساد الذي يعم سوق الصناعة الجوية العالمية حالياً بأنه الاول من نوعه منذ الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي توقع الجنرال جون جالفين ابرز قادة قوات حلف شمال الاطلسي في اوروبا ان تخسر الصناعة الجوية حوالي 500 مليار دولار اميركي مع حلول العام 1997 بسبب تقليص موازنات الكثير من وزارات دفاع الدول الصناعية. ويتطلع السير باري دكسبري الى عمليات البيع والشراء التي تتم حالياً بأمل، ويقول: "ان ما تم توقيعه من عقود وما يجري من اتصالات ومباحثات ينبئ بان الكساد الذي تواصل للعام الثالث على التوالي لن يستمر طويلاً". ويضرب دكسبري مثلا فيقول: "لقد اوشكت تايوان على توقيع عقد بشراء 60 طائرة ميراج 2000 بمبلغ تصل قيمته 5،2 مليار دولار اميركي، كما ان شركة ايرباص على وشك التوقيع على عقد لبيع 12 طائرة ايرباص للصين، اضافة الى توقيعها عقداً لبيع طائرتين لشركة شروق الجوية والتي ستبدأ رحلاتها بين اوروبا والشرق الاوسط بعد ان اعلن عن تأسيسها بموجب شراكة بين شركة مصر للطيران والخطوط الجوية الكويتية". ولا شك ان الامل الاكبر للبريطانيين يبقى معلقاً باتجاه نجاح الجهود المبذولة لاقناع شركاء بريطانيا الثلاثة وهم اسبانياوايطالياوالمانيا بالعودة للعمل سوياً من أجل صنع الطائرات الاوروبية المقاتلة بعد ان اعلنت المانيا عن انسحابها من المشروع وتطلعها لانتاج طائرة مقاتلة اقل كلفة. وكشف وزير الدفاع الالماني فولكر روي خلال مشاركته في فارنبره عن وجود تفاهم الماني - سويدي على ان تمد السويدالمانيا بالمعلومات التي من شأنها صنع طائرة مقاتلة اوروبية اقل كلفة من المشروع الرباعي. وتقع بريطانيا في موقع لا يحسد عليه في هذا المجال بعد ان بعثت ايطاليا، وهي الشريك الثاني في مشروع الطائرة الاوروبية المقاتلة، باشارات عن عزمها شراء طائرات مقاتلة جديدة بعد ان اخذت تكاليف صيانة طائراتها القديمة من طراز ف - 104 ترتفع بشكل باهظ. ولهذا فان فشل بريطانيا في اقناع شركائها من الالمان والايطاليين والاسبان في الاستمرار بالمشروع سيكون بمثابة ضربة قاصمة للصناعة الجوية الاوروبية بشكل عام والبريطانية بشكل خاص، لا سيما انها تأتي في الوقت الذي يعلن رئيس شركة رولز رويس البريطانية استعداد شركته لزيادة رأسمالها في الشركة المصممة لمحرك الطائرة المقاتلة الاوروبية من 670 مليون جنيه استرليني في العام 1988 الى حوالي المليار جنيه استرليني مع حلول العام 2000. ولا تخلو كواليس فارنبره من الانباء المثيرة في عالم الطيران، فمن المنافسة بين الشركات على اقتحام اسواق جديدة الى السباق على الفوز بتصميم طائرات الجمبو الضخمة والكونكورد الحديثة القادرة على نقل ما بين 600 و800 راكب، يبقى السؤال هل ندخل العام 2000 وسوق صناعة الطيران تعاني من عملية شد الاحزمة التي فرضتها التطورات الدولية؟