إطلاق 80 كائناً مهدداً بالانقراض في محمية الأمير محمد بن سلمان    انطلاق المؤتمر الدولي لأكاديميات الشرطة    السعودية الأولى خليجياً وعربياً في مؤشر الأداء الإحصائي    «الجناح السعودي».. ينطلق في «الصين الدولي للطيران والفضاء»    وزير الخارجية: حل الدولتين السبيل الأوحد لتحقيق السلام    «الرابطة» تُرحِّب بقرارات القمّة العربية والإسلامية    رئيس بولندا يشكر خادم الحرمين وولي العهد    الفرج يقود الأخضر أمام «الكنغر»    إحالة ممارسين صحيين للجهات المختصة.. نشروا مقاطع منافية لأخلاقيات المهنة    إسناد التغذية والنقل ل«جودة الخدمات» بإدارات التعليم    «التقني»: إلغاء إجازة الشتاء وتقديم نهاية العام    وزير الداخلية يرعى حفل جامعة نايف وتخريج 259 طالباً وطالبة    وزير الحرس الوطني يفتتح قمة الرياض العالمية للتقنية الحيوية    في بيتنا شخص «حلاه زايد».. باقة حب صحية ل«أصدقاء السكري»    ماذا لو نقص الحديد في جسمك ؟    المملكة تحذر من خطورة تصريحات مسؤول إسرائيلي بشأن فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية    الأهلي يطرح تذاكر مواجهته أمام الوحدة في دوري روشن    غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت    الذهب يستقر قرب أدنى مستوى في شهر مع انتعاش الدولار    سعود بن نايف يستقبل أمين «بر الشرقية»    أمير الرياض يستعرض إنجازات «صحية تطوع الزلفي»    أمير القصيم يطلق مبادرة الاستزراع    تطوير وتوحيد الأسماء الجغرافية في الوطن العربي    الاتفاق يعلن اقالة المدير الرياضي ودين هولدين مساعد جيرارد    مقتل ضابط إسرائيلي وأربعة جنود في معارك بشمال غزة    نقلة نوعية غير مسبوقة في خدمة فحص المركبات    استعادة التنوع الأحيائي في محمية الأمير محمد بن سلمان    "الحج المركزية" تناقش موسم العمرة وخطط الحج    رحب بتوقيع" وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين".. مجلس الوزراء: القمة العربية والإسلامية تعزز العمل المشترك لوقف الحرب على غزة    فوبيا السيارات الكهربائية    «نأتي إليك» تقدم خدماتها ب20 موقعًا    مجلس الوزراء يجدد التأكيد على وقوف المملكة إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان    ولادة أول جراء من نمس مستنسخ    الأخضر يحتاج إلى وقفة الجميع    المنتخب السوداني يسعى لحسم تأهله إلى أمم أفريقيا 2025    «طريق البخور».. رحلة التجارة القديمة في العُلا    السِير الذاتية وتابوهات المجتمع    أحمد محمود الذي عركته الصحافة    وفاء الأهلي المصري    للإعلام واحة    إضطهاد المرأة في اليمن    يسمونه وسخًا ويأكلونه    يأخذكم في رحلة من الملاعب إلى الكواليس.. نتفليكس تعلن عن المسلسل الوثائقي «الدوري السعودي»    «سامسونغ» تعتزم إطلاق خاتمها الذكي    «الغذاء»: الكركم يخفف أعراض التهاب المفاصل    التحذير من تسرب الأدوية من الأوعية الدموية    الرهان السعودي.. خيار الأمتين العربية والإسلامية    أسبوع معارض الطيران    جمعية يبصرون للعيون بمكة المكرمة تطلق فعاليات اليوم العالمي للسكري    إطلاق 80 كائنا فطريا مهددا بالانقراض    نائب الرئيس الإيراني: العلاقات مع السعودية ضرورية ومهمة    التوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الإفريقي    الرئيس السوري: تحويل المبادئ حول الانتهاكات الإسرائيلية في فلسطين ولبنان إلى واقع    الأمر بالمعروف بجازان تفعِّل المحتوي التوعوي "جهود المملكة العربية السعودية في مكافحة التطرف والإرهاب" بمحافظة بيش    البرهان: السودان قادر على الخروج إلى بر الأمان    اطلع على مشاريع المياه.. الأمير سعود بن نايف يستقبل أعضاء الشورى المعينين حديثاً    أمير الرياض يطلع على جهود الأمر بالمعروف    مراسل الأخبار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بطل "ايران - غيت" يروي ذكرياته لپ"الوسط" . مكفرلين يفتح ملفاته السرية : حربنا ضد الارهاب في الشرق الاوسط اميركا وضعت خططاً مشتركة مع فرنسا لقصف مواقع حزب الله ثم تراجعت في اللحظة الاخيرة بقرار من واينبرغر الاخيرة
نشر في الحياة يوم 14 - 09 - 1992

يعالج روبرت مكفرلين مستشار الرئيس الاميركي السابق ريغان لشؤون الامن القومي، في هذه الحلقة الثانية عشرة والاخيرة من ذكرياته التي خص بها "الوسط"، قضايا الارهاب في الشرق الاوسط وكيف تصدت لها الولايات المتحدة وحاربتها. ويكشف مكفرلين في هذه الحلقة، وللمرة الاولى، ان الولايات المتحدة وفرنسا وضعتا خططاً عسكرية مشتركة لمهاجمة مواقع "حزب الله" في البقاع، الا ان الادارة الاميركية تراجعت عن تنفيذ هذه الخطة في اللحظة الاخيرة. وفي ما يأتي الحلقة الاخيرة من ذكريات مكفرلين الذي اشتهر بأنه بطل "ايران - غيت" وهي قضية الاتصالات السرية الاميركية - الايرانية:
أظهرت سنوات الثمانينات، بجلاء واضح، المفارقة المؤلمة ما بين قدرة الدولتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقاً على ردع بعضهما بعضاً عن استخدام المجموعة الهائلة من افتك الاسلحة التي عرفها التاريخ، وبين عجزهما في الوقت نفسه عن مواجهة اعمال مجموعة من الارهابيين، حتى لو كان ذلك مجرد رصاصة واحدة. ومع ان هذين العملاقين التكنولوجيين تعلما تدريجياً وببطء الاجراءات المضادة للارهاب، فان ثمن تلك الدروس كان مرتفعاً اذا ما قسناه بفقدان الحياة البشرية، والاحراج السياسي والمعاناة الوطنية. وهكذا كان للارهاب، اي مهاجمة الضحايا الابرياء بصورة عشوائية من اجل تحقيق اهداف سياسية، سطوته. ومع ان الكثيرين يرون ان الارهاب لم يعد اليوم عاملاً ذا اثر مهم في السياسة الدولية، فان هذا الركود ربما لا يكون اكثر من مجرد ركود موقت ناجم عن تغيير في الاطار الاستراتيجي. اذ ان الارهاب لا ينقرض ما دامت الدول الاستبدادية او الجماعات المتعصبة على استعداد لاستخدام القوة من اجل تحقيق اهدافها. وإذا ما اخذنا في اعتبارنا الكلفة القليلة نسبياً للارهاب، بالمقارنة مع تكاليف الحرب الشاملة، فانه سيظل خياراً مغرياً يمكن ان يلجأ اليه الأقوياء ضد الضعفاء.
والأثر الذي يتركه الارهاب، سواء أكان على شكل اختطاف الرهائن او غير ذلك من اشكال العنف، هو توليد الخوف ضمن الجماعات التي يوجه ضدها، سواء أكانت دولاً كبرى او اقليات عرقية. وفي هذا الخوف ما قد يدفع الضحية الى الاذعان لمطالب الارهابي، كأن تغادر الضحية منطقة الارهابيين، او تمارس الضغط على حكومتها لحمايتها، مما يؤدي بالتالي الى احراج سياسي.
وعبر التاريخ نجد ان الدول التي قهرت الارهاب طورت استراتيجية لذلك، بالاعتماد على توفير السبل اللازمة والارادة لتنفيذ تلك الاستراتيجية. ومع بداية العام الثاني من ولاية الرئيس ريغان طورت الادارة استراتيجية شاملة لمكافحة الارهاب. وقد استندت تلك الاستراتيجية الى مجموعة من الاجراءات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي كان بعضها دفاعياً والبعض الآخر هجومياً.
ففي اطار الاجراءات الدفاعية اقرت الادارة سياسات عدة: في المجال السياسي كان لا بد، في البداية، من ارساء تفاهم مشترك بين حلفائنا لطبيعة التهديد وكيف يمكن للعمل المشترك ان يحسن الوضع الامني لكل حليف. وكان لا بد ايضا من تحقيق تبادل اكفأ للمعلومات بين اجهزة مخابراتنا ودوائر تطبيق القانون. وكان علينا ان نثقف مجتمعاتنا لكي تفهم سياسة الارهاب. فمثلاً كان هناك لفترة طويلة من الزمن رأي واسع الانتشار مفاده ان الجماعات الارهابية تنطلق من اهداف لها مبرراتها. ومع ان هذا الرأي لم يكن يبرر استخدام العنف فانه كان يخفف على الاقل من الاعتراض على استخدامه. ولهذا فان عملية التثقيف انطوت على تقديم الحجج والأدلة التاريخية بصورة مستمرة، لكي نثبت مثلاً ان حزب الله الذي تدعمه ايران يكرس نفسه لطرد النفوذ الغربي من الشرق الاوسط وليس لتحقيق الاماني والطموحات المشروعة للفلسطينيين الذين كثيراً ما كان يختلف معهم.
وفي اطار الاجراءات الاقتصادية الدفاعية قررت ادارة ريغان التخلص من الاعتماد على البضائع التي تنتجها الدول الارهابية او البضائع والسلع التي يمكن للارهابيين ان يحرموا اميركا منها. ولذا اجرينا بين عامي 1983 و1985 دراسات شاملة مكثفة لتقرير الآثار المحتملة لحظر النفط من أية دولة عربية او من ايران. وخرجت تلك الدراسات باستنتاجات مثيرة للاهتمام: أولاً، يمكن على الأرجح تقليل خطر حرمان ايران الغرب من تدفق النفط الى درجة عديمة الأهمية عن طريق العمل العسكري، وربما كان الأهم من ذلك اننا عرفنا انه كانت هناك قدرة نفطية اضافية زائدة خارج منطقة الشرق الاوسط لسد حاجات الاستهلاك العالمي بالمستويات السائدة آنذاك. وأخيراً، وجدنا انه حتى لو حصل تعطيل غير متوقع للامدادات في الوقت نفسه في مكان آخر من العالم، فان في وسع الولايات المتحدة والدول الاخرى ان تتقاسم الاحتياطي الموجود لديها وتتجنب بالتالي عمليات الشراء المنطلقة من الشعور بالذعر من السوق الحرة، مثلما حدث عامي 1974 و1975 وما نجم عن ذلك من صفوف طويلة آنذاك امام محطات البنزين. وبعد ان توصلنا الى هذه الاستنتاجات قام فريق اميركي بزيارة كل عاصمة صناعية لاطلاع المسؤولين على تلك النتائج. وكان في ذلك ما طمأن الزعماء السياسيين، وبالتالي الجمهور في تلك الدول. وبدأت شعوب تلك البلدان تشعر بأنها ليست على تلك الدرجة من الضعف امام الابتزاز الذي قد تشهره في وجهها دولة ارهابية او مجموعة ارهابية لحرمانها من النفط. وكان لهذا التخطيط للحالات الطارئة اثره البعيد. فمثلاً، هدد اية الله الخميني في ربيع عام 1984 بوقف تدفق امدادات النفط عبر مضيق هرمز. وفي اوائل شهر حزيران يونيو اجتمع قادة الدول الصناعية السبع الكبرى في لندن. الا ان رد فعلهم الجماعي على ذلك التهديد كان عدم الاكتراث به لأن الدراسة الاميركية اعطتهم شعوراً بالثقة بأن في وسعهم التعامل بنجاح مع اي اجراء قد يتخذه الخميني.
وفي مجال الاجراءات الدفاعية العسكرية والامنية، رأينا ان اهم اجراء هو تحسين مستوى جمع المعلومات الاستخبارية الاميركية والحليفة في الشرق الاوسط، وبأسرع ما يمكن. ففي اواخر السبعينات كانت الولايات المتحدة سمحت لمصادر مخابراتها البشرية في الشرق الاوسط بالانحسار. اذ ان الرئيس كارتر ركز على جمع المخابرات بالطرق الآلية، مثل اعتراض الاتصالات بين الدول. وكان لذلك اثر ضار جداً على قدرة الولايات المتحدة على معرفة ما يجري بين الجماعات الارهابية في مختلف انحاء المنطقة في الثمانينات. ولذلك اضطررنا الى الاعتماد على مخابرات الآخرين مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا واسرائيل، وهي دول لم تكن مصالحها ورغباتها تدفعها الى التعاون معنا بصورة كاملة. ومع ان وليام كيسي مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية سي.آي.ايه بذل جهوداً كبيرة من اجل معالجة هذه المشكلة فان المعلومات الاستخبارية الاميركية عن خطر الارهاب الاجنبي كانت ضحلة، بشكل عام، طوال الثمانينات. والمشكلة هي ان فقدان الشبكة البشرية لجمع المعلومات يعني ان اعادة بنائها تستغرق عقوداً طويلة. وخير قياس للآثار التي نجمت عن قرار كارتر هو الخسارة في الأرواح الاميركية والخسارة السياسية التي منيت بها اميركا في لبنان وليبيا وايران وغيرها.
وبالاضافة الى تحسين مصادر مخابراتنا، كان من الضروري تحسين قدرتنا على القيام بغارات عسكرية على اهداف الارهابيين المعروفة عندما تتأكد لنا المعلومات الاستخبارية. وكان ذلك بمثابة ظاهرة جديدة بالنسبة الى العسكريين الاميركيين، ولهذا احتجنا الى وقت طويل لكي نطور القدرة اللازمة بين القوات المشتركة من جيش وأسطول وطيران وربط تلك القوة مع القيادة اللازمة والحاسمة في مثل هذه الحالات. كذلك كان ينبغي علينا ان نحسن قدرات دوائر الهجرة والجمارك. وكان هذا في واقع الأمر من افضل مظاهر التحسن في الولايات المتحدة خلال الثمانينات. اذ ان مكتب التحقيقات الاتحادي ودوائر الهجرة والجمارك ابدعت في مهامها واستطاعت تحديد الارهابيين الذين كانوا يحاولون عبور الحدود الاميركية وإلقاء القبض علىهم قبل ان يقوموا بأي عمل.
كذلك اتخذنا قرارات وإجراءات هجومية في الميادين السياسية والاقتصادية والعسكرية. ففي المجال السياسي على سبيل المثال، اغلقت الولايات المتحدة وبعض حلفائها مكاتب الارتباط الليبية التي لم تكن اكثر من مراكز لجمع المعلومات الاستخبارية وتقديم الدعم المالي والتآمر الليبي. وفي المجال الاقتصادي فرضنا عقوبات على ليبيا وايران، وحصلنا لفترة من الزمن، على دعم فعلي من الحلفاء لفرض حظر على السلع والخدمات الليبية، لا سيما النفط. الا ان بعض الدول الحليفة، مثل ايطاليا، لم تكن قادرة على تأييد هذه العقوبات نظراً الى وجود اعداد كبيرة من الايطاليين العاملين في ليبيا، ولضخامة الاستثمارات الليبية في الشركات الايطالية، مما اعطى ليبيا قوة كبيرة للضغط على الحكومة الايطالية.
وفي الميدان العسكري اجرينا تحسينات تدريجية طوال الثمانينات على قدرة القوات الاميركية على التصرف ضد الارهابيين والكيانات التي تؤيدهم، وعلى ارادة حكوماتنا واستعدادها لاستخدام هذه القوات اذا ما دعت الضرورة. ولكن لسوء الحظ لم يكن التدريب الهجومي الموضوع المطروح عندما تعرض مشاة البحرية في بيروت للهجوم في شهر تشرين الأول اكتوبر عام 1983 وما نجم عن ذلك من كارثة.
واستعراض الكفاءة الشاملة لتلك الاجراءات المتعددة خلال سنوات عهد ريغان يعطي صورة غير متوازنة. اذ بدأت تلك الاجراءات بشكل جيد وناجح حين استخدمت القوات البحرية الاميركية ضد الطائرات الليبية في الاشتباك الذي وقع في خليج سدرة في آب اغسطس 1981 مما ادى الى اسقاط طائرتين ليبيتين ووقف الانشطة الليبية لمدة ثلاثة اعوام.
اغلاق مرفأ بيروت
وفي عام 1985 واجهت ادارة ريغان في شهر حزيران يونيو أول حادث ارهابي خطير باختطاف رحلة تي.دبليو.ايه. رقم 847 الى بيروت. وخلال ثمان وأربعين ساعة كان الرهائن في أيدي زعيم حركة امل نبيه بري الذي حاول الضغط على الولايات المتحدة لكي تضغط على اسرائيل من اجل اطلاق سراح اكثر من 700 من الاسرى العرب المحتجزين في سجن عتليت. وكانت اسرائيل اعلنت قبل ذلك عزمها على اطلاق سراح معتقلي عتليت. ومن سخرية الاقدار ان موقف بري ادى الى تأجيل اطلاق سراحهم لأنه لو افرج عنهم لظهرت الولايات المتحدة وكأنها قدمت تنازلات للارهابيين ولبّت مطالبهم بعد ان ربط بري بين الأمرين. وبعد ان اعلن بري المطالب اتصلت به مباشرة من البيت الابيض لأقول له انه وضع نفسه في موقف صعب. اذ كان بري يأمل بربط قضية الرهائن مع السجناء في اسرائيل في الخروج كبطل اذا ما ضمن اطلاق سراحهم. لكنني اوضحت له بكل جلاء انه سيتحمل اللوم لتأخير اطلاق سراحهم لأن ريغان لا يمكن ان يضغط على اسرائيل لتفرج عنهم. وكان في مكالمتي الهاتفية تلك مع بري ما دفعه الى التفكير لأيام قليلة، مع انه واصل التهديد بما قد يحدث للرهائن الاميركيين. ولم يمض وقت طويل حتى تدخل رئيس البرلمان الايراني رفسنجاني والرئيس حافظ الاسد وبدأ بدوره يحث على الربط نفسه، اي اطلاق سراح المجموعتين.
وفي معرض دراسة كيفيفة الضغط على بري، خطر في بالي انه ربما كان من المفيد اثارة زعماء الطوائف الاخرى في لبنان من سنة ودروز ومسيحيين لكي يفكروا في الضرر الذي سيجره بري على مصالحهم، مما يعني انهم قد يضغطون عليه لإيجاد وسيلة لحل المشكلة. ولاختبار نظريتي بحثت فكرة اغلاق مرفأ بيروت في اجتماع لمجلس الامن القومي. ورأى الاسطول ان الفكرة معقولة. وفي صباح اليوم التالي، اي بعد مرور اسبوعين على الازمة، مررت لدى وصولي الى البيت الابيض من امام المكتب الصحافي حيث تجمع المراسلون هناك فسألوني ما هو الاجراء الذي نفكر في اتخاذه. وقلت لهم ان هناك امكانية اغلاق مرفأ بيروت. وخلال دقائق كانت الأنباء وصلت الى زعماء السنة والدروز والمسيحيين في لبنان. وخلال يوم واحد بدأت لهجة بري تجاهنا وتجاه الرئيس الاسد تتغير، وهكذا واصل ريغان اصراره على رفض الضغط على اسرائيل، كما ان الرئيس السوري ادرك ان هذه الطريق مسدودة. وأخد تدريجياً يفكر في الغاء الربط، وإنقاذ ماء وجه بري من خلال تأكيده انه يتوقع اطلاق سراح الاسرى العرب بعد الافراج عن الرهائن الاميركيين.
وفي مطلع تموز يوليو 1985 اطلق سراح رهائن طائرة تي.دبليو.ايه. وكان الخاطفون الاصليون قتلوا في بداية الازمة البحار روبرت ستراثام. وعندما اقيمت مراسيم دفن جثته في المقبرة الوطنية في آرلنغتون امضى الرئيس ريغان وزوجته حوالي ساعة مع اقربائه. اذ ان ريغان كان يشعر بمسؤولية شخصية تجاه ضحايا الارهاب الاميركيين طوال مدة رئاسته. وكان يعتبر تأمين اطلاق سراح ضحايا تي.دبليو.ايه وجميع الرهائن الاميركيين الآخرين مسؤولية شخصية تقع على كاهله. ومع انه تلقى تحذيرات في مرات عديدة، وكان يدرك ايضا، ان تقديم التنازلات الى الخاطفين ومحتجزي الرهائن لن يساعد الا على تشجيع احتجاز المزيد من الرهائن، فانه كان يميل الى ترجيح الهدف القصير المدى وفعل اي شيء لضمان اطلاق سراحهم، بدلاً من التفكير في المجازفات والمخاطر البعيدة المدى. ومع ان الاقتراح الاسرائيلي لاقامة حوار مع من يسمون "الواقعيين الايرانيين" كان ينطوي على امكانية خدمة مصلحة اميركية مهمة، فانه كان واضحاً لدي ان الاقتراح ينطوي ايضاً على مغامرة خطيرة جداً. اذ لم تكن المجازفة تقتصر على احتمال عدم وجود اي اساس لهذا التفكير فحسب، اي عدم وجود اي واقعيين اطلاقاً، بل وهناك خطر فشل المحاولة. وإذا ما تبناها ريغان فانها ستكتسب قوة دفع ذاتية مثل جميع سياسات الرئيس، وسيكون من الصعب جداً وقفها. وحين اعود بذاكرتي الى الوراء، اجد انه ما كان ينبغي علي ان اسمح اطلاقاً حتى بالشروع في المبادرة الايرانية لأنني كنت اعرف قوة استعداد الرئيس لوضع مسألة انهاء المعاناة القصيرة الأجل فوق المجازفة بالخسائر البعيدة المدى. وخلال ستة اشهر اتضح لنا، بكل جلاء، ان رفسنجاني لم يكن آنذاك قوياً بما فيه الكفاية لاحداث التغييرات المطلوبة في السياسة الايرانية، على الرغم من انه ربما كان يرغب في احداثها. ولهذا السبب اوصيت بالتوقف عن المبادرة الايرانية عندما تركت الادارة في العاشر من كانون الأول ديسمبر عام 1985. فبعد ان اجتمعت الى الوسيط الايراني مانوشير غوربانيفار قبل ذلك بيومين في لندن، اتضح لي انه وغد وأناني، وأنه لن يكون في مقدورنا ابداً ان نعرف الوضع الحقيقي في طهران او ان نقيم حواراً مرضياً عن طريقه. لكن ريغان قرر بعد استقالتي وخلافاً لتوصيتي، الاستمرار في العملية. ومع ذلك كان في الوسع وقفها لأنني اعتقد ان الرئيس كان سيغير رأيه ويوقف العملية لو ان بعض كبار وزرائه، امثال جورج شولتز وكاسبار واينبرغر أعربوا عن قلقهم الى درجة الاستقالة النابعة من مبدأ. فقد قال الاثنان انهما لم يفعلا ذلك لأنهما لم يكونا على علم باستمرار العملية بعد ان تركت الادارة. ولكن من المؤكد انهما كان يعرفان بها جيدا طوال مدة عملي في الحكومة.
عملية اخيلي لاورو
بعد أربعة اشهر من اختطاف طائرة تي.دبليو.ايه. واجهت ادارة ريغان تحدياً ارهابياً جديداً عندما استولى الارهابيون على سفينة اخيلي لاورو الايطالية في شرق البحر الابيض المتوسط. وبحلول ذلك الوقت كانت قدرات الحكومة على التعامل مع الارهابيين تحسنت الى درجة كبيرة في مختلف الميادين. كما ان وزارة الدفاع اوجدت، بشكل خاص، قدرة اكفأ كثيراً بين مختلف قطاعات القوات المسلحة لكي تعمل معاً كفريق واحد، ولتخصيص القوات اللازمة بالمعدات الملائمة والمهارات والخبرات الضرورية للتصرف بقوة كاسحة من اجل عزل الارهابيين وإلقاء القبض عليهم وقتلهم، مع تقليل المخاطر التي يتعرض لها الرهائن الى أدنى حد. وفور احتجاز السفينة اتضح للارهابيين الذين كانوا تابعين لأبو العباس انهم سيواجهون لا محالة الوقوع في ايدي القوات الاميركية، اذا ما ظلوا على متن السفينة. ولهذا سارعوا الى الهرب الى القاهرة حيث جرت ترتيبات مع الحكومة المصرية ليطيروا بموجبها الى بلد آخر. وعلى الفور علمت المخابرات الاميركية بهذه الخطة. وسرعان ما ابلغني بها الكولونيل اوليفر نورث الذي أبلغ الرئيس ايضاً. وأخذ نورث يحثنا على ان نبدأ التخطيط لاعتراض الطائرة. ومن الواضح ان مثل هذه العملية لن تكون سهلة. فمع ان مراقبة الاتصالات الجوية عن كثب يمكن ان تسهل عملية تحديد هوية الطائرة فان انطلاق الطائرات التي ستعترضها من على متن حاملة للطائرات، وتحديها للطائرة التي تقل الارهابيين ربما يؤدي الى امتناع الطيار عن اتباع التعليمات الصادرة اليه، وبالتالي فان هذا سيخلق مشكلة: اما اسقاط الطائرة او ضمان نزولها بسلام في وجهتها مما يعني السماح للخاطفين بالهرب. وعند التخطيط درس الرئيس ريغان ووزراؤه الاحتمالات المختلفة بكل عناية. وأوصيت مع وزير الخارجية شولتز الرئيس بأن يصدر اوامره الى الاسطول لاتخاذ جميع الاجراءات الضرورية، بما في ذلك استخدام القوة، من اجل تحويل مسار الطائرة الى احدى قواعد حلف شمال الاطلسي في جزيرة صقلية. اما وزير الدفاع واينبرغر فقد عارض مثل هذا الاجراء وشرح مدى الضرر الذي سينجم عن عملية كهذه على علاقات اميركا مع مصر والدول العربية الاخرى. والواقع ان هذا الخلاف بين شولتز وواينبرغر على استخدام القوة كان تلقائياً دائماً طوال سنوات ريغان. وكنت اعتقد آنذاك، مثلما اعتقد الآن، ان واينبرغر كان مخطئاً في تركيزه على ردود الفعل العربية والايطالية تجاه استخدامنا القوة. صحيح ان اي استخدام للقوة الاميركية ضد العرب سيخلق مشكلات للدول العربية وللدول المعرضة للضغط العربي. ولكنني تعلمت من خبرتي ان هذه الدول نفسها تولي على المدى الطويل اهمية اكبر كثيراً لتصرف اميركا بحزم ولانتصارها. اذ ليس هناك احد يحب ان يتحالف مع خاسر. وكما اثبتت عملية "عاصفة الصحراء" فان الانتصار يكسب الاصدقاء والمؤيدين. وفي حادث اخيلي لاورو كانت الاعتبارات تؤيد بجلاء كفة التدخل العسكري وبصورة حازمة.
وتم اتخاذ القرار بينما كان الرئيس في طريقه من واشنطن في رحلة الى شيكاغو. وعلمت بنبأ اقلاع الطائرة من القاهرة من الكولونيل نورث عند الظهر، بينما كان الرئيس يلقي خطاباً قرب شيكاغو. وبعد ان نزل عن المنصة اطلعته على تطورات الامور وأبلغته ان الاسطول يعتقد انه يستطيع تحويل الطائرة الى صقلية وان طائرات الاسطول جاهزة لفعل ذلك، ولكن واينبرغر اعترض وطلب الحديث الى الرئيس. وبينما كان الرئيس يستقل طائرة الهليوكبتر لينتقل الى قاعدة سلاح الجو الاولى في طريقه الى واشنطن اخذ يدرس المسألة والمجازفات الانسانية والسياسية التي ينطوي عليها الامر. وأنصت باهتمام وأدرك اننا قد نعرض علاقاتنا مع مصر وإيطاليا الى ضرر موقت. لكنه اكد ان مسؤوليته تقضي بالتعامل مع الارهابيين بحزم. ولذا اصدر اوامره الى واينبرغر ليأمر بدوره الاسطول بانزال طائرة الارهابيين. وهذا ما حدث خلال ساعات قليلة.
بمجرد ان هبطت الطائرة في قاعدة سيغونيلا في ايطاليا نشأت مشكلة جديدة. اذ ان الحكومة الايطالية برئاسة بتينو كراكسي كانت قلقة من اثر الحادث على علاقاتها مع الدول العربية. كذلك استاءت من انتهاك سيادتها واستخدام القاعدة. وهكذا انتشرت قوات الجيش الايطالي حول الطائرة وساد جو مشحون بالتوتر بينها وبين قائد قوات الانقاذ الاميركية. وكانت هذه القوات - قوات دلتا - ارسلت من فورت براغ في ولاية كارولاينا الشمالية تحت قيادة الجنرال كارل ستاينر، وهو ضابط صلب قوي الشكيمة كنت عملت معه بشكل وثيق في بيروت في صيف عام 1983. وفي تلك المرحلة شن الوزيران جورج شولتز وكاسبار واينبرغر هجوماً ديبلوماسياً قوياً ضد ايطاليا. وإنصافاً لواينبرغر لا بد لي من ان اقول انه اتصل بوزير العدل الايطالي سبادوليني رئيس الوزراء الجمهوري السابق وحثه على ان يوضح لرئيس الوزراء كراكسي مدى اهمية القاء القبض على الارهابيين بالنسبة الى الولايات المتحدة، ومدى الآثار التي ستترتب على تعاون ايطاليا، او عدم تعاونها، معنا بالنسبة الى العلاقات المشتركة بيننا في المستقبل. ونجح واينبرغر لأن سبادوليني تدخل فعلاً لصالحنا. وخلال ساعات قليلة انتهت الازمة في قاعدة سيغونيلا وتمكنت القوات الاميركية من انزال الارهابيين من على متن الطائرة وتسليمهم الى السلطات الايطالية ليظلوا في رعايتها الى ان نتفق على الخطوات التالية. وأدى الخلاف بيننا وبين ايطاليا الى بدء نقاش سياسي عاصف في ايطاليا، لكنه انتهى نهاية سلبية حين رفضت الحكومة الايطالية الطلب الاميركي لتسليم الارهابيين اليها.
خطأ دعم صدام
ومع ان الولايات المتحدة اظهرت الارادة والقدرة على التصرف فان احد حلفائنا هو الذي احبط جهودنا. الا ن الموقف الاميركي من هذه الحادثة ولّد احتراماً كبيراً للسياسة الاميركية في اوروبا وفي دوائر الحكومات العربية الخاصة. لكن هذا الموقف ولّد ايضاً شعوراً قوياً بالمرارة مثلاً، عند العقيد معمر القذافي الذي هاجم بعد مرور اقل من شهرين الجنود الاميركيين والمدنيين الأبرياء في ملهى "لابيل" في برلين. وهنا ايضاً لا بد لي من التأكيد ان مصادر المخابرات الاميركية وللانصاف كانت مصادر فنية وآلية لا بشرية ابلت بلاء حسناً في الحصول على المعلومات المهمة التي اكدت الدور الليبي. وكان البرهان القاطع الذي حصل عليه من جاؤوا بعدي في ادارة ريغان، هو الذي دفع الادارة الى الانتقام من ليبيا حين اغارت الطائرات الاميركية على طرابلس وبنغازي في نيسان ابريل 1986. وبعد الغارة اختفى العقيد القذافي ولم يظهر الا عندما تآمر على اسقاط طائرة بان اميركان في رحلتها رقم 103 فوق مدينة لوكربي في اسكوتلندا عام 1988.
واليوم، اذ اعود بفكري الى الوراء، الى سنوات ريغان وسياسته ضد الارهاب أخرج بانطباعات عدة. فمثلاً كان من الواضح ان السياسة الاميركية تختلف عن سياسة الحلفاء الاوروبيين من اوجه مهمة عدة، وهي حقيقة ادت من دون شك الى التقليل من فعاليتنا. ففي فرنسا مثلاً كانت الحكومة، ولا تزال، حائرة بين مواجهة الارهابيين وانتهاج موقف حازم ضدهم وبين التوصل الى تفاهم معهم ومداراتهم. فبعد الهجوم الذي تعرض له مشاة البحرية الاميركية والفرقة الفرنسية في بيروت في شهر تشرين الأول اكتوبر 1983 كان الفرنسيون على استعداد لشن هجوم انتقامي جوي ضد المواقع المعروفة لحزب الله في سهل البقاع. ووضع الاسطولان الاميركي والفرنسي خططاً مشتركة دقيقة وكانا يعتزمان استخدام الطائرات التكتيكية من حاملات الطائرات في البحر الابيض المتوسط. وبعد تنسيق كل الاستعدادات استعرض الرئيس ريغان العملية وصادق على تنفيذها عند فجر اليوم التالي في منتصف تشرين الثاني نوفمبر عام 1983. الا ان وزير الدفاع كاسبار واينبرغر تدخل بطريقة الحقت الضرر بالعلاقات الاميركية - الفرنسية، وأوقف في منتصف الليل مشاركة الاسطول الاميركي، خوفاً من الأثر الذي يمكن ان يترتب على علاقاتنا مع الدول العربية، اضافة الى الخطر الذي سيتعرض له الطيارون والطائرات الاميركية. واعتقد ان غضب الفرنسيين آنذاك من تراجعنا كان عاملاً اساسياً في رفضهم السماح للطائرات الاميركية بالتحليق في الاجواء الفرنسية اثناء الغارة على ليبيا عام 1986، اي بعد عامين ونصف العام. كذلك بدأت السياسة الفرنسية بعد تلك الخطة الفاشلة في تشرين الأول اكتوبر عام 1983، تتغير نحو الارهابيين. اذ بدأت فرنسا تنتهج موقفاً اكثر تفهماً لهم وتسمح لهم بالمرور من فرنسا او حتى بقضاء عطلات هناك، مقابل التزام من جانب الارهابيين بعدم مهاجمة المواطنين الفرنسيين. وقد ظهرت هذه السياسة الشنيعة في الآونة الاخيرة عندما اذعنت فرنسا لطلب معالجة جورج حبش في احد مستشفياتها.
وبشكل عام، اظن ان من الانصاف القول ان ادارة ريغان خلقت بحلول نهاية عام 1985 الوسائل وكان لديها الارادة لردع معظم التهديدات والمخاطر الارهابية او مواجهتها. ولكن لا بد لي من ان اضيف القول انها بدأت، وبالحاح مني، في الوقت نفسه سياسة ادت الى نسف معظم عملها الجيد: اي فضيحة ايران غيت.
واليوم، لا يهم في شيء ان تلك المبادرة كانت تهدف الى ازالة مركز رئيسي للارهاب في الشرق الاوسط وهو نظام الخميني. ولأسباب شرحتها في وقت سابق، لم تقبل الادارة توصيتي بوجوب الكف عن هذه المبادرة. اذ استمرت المبادرة الايرانية وأدت مع الزمن الى حرج سياسي رهيب للولايات المتحدة.
ومع انه ليس هناك اي شيء يمكنه ان يقلل من ضخامة هذا الخطأ فان من المستغرب كيف يمكن للتاريخ والظروف ان توثر في نظرتنا للأحداث. فعلى سبيل المثال اتضح في الآونة الاخيرة، بعد ان تركت الادارة، ان الاسلحة الاميركية وغير ذلك من وسائل الدعم المهمة ارسلت الى العراق على اساس مبررات تقل كثيراً في اهميتها. وقد كان ذلك امراً لا يمكن الدفاع عنه اطلاقاً. اذ ان القيام بمبادرة خطرة من اجل تحقيق هدف يمكن الدفاع عنه شيء مفهوم، مثل تغيير الحكومة الايرانية، ولكن لا يمكن اطلاقاً ان افهم كيف يمكن مساعدة دولة ارهابية معروفة مثل العراق. ففي ذلك الحين حاجج واينبرغر بالقول ان مساعدة العراق ستمنع هزيمته، وهو هدف يمكن الدفاع عنه، ولكنه مضى ليقول ان تلك المساعدة يمكن ان تعيننا على اجتذاب صدام حسين في نهاية الامر الى المعسكر الغربي. ان هذا هراء أعمى. اذ كيف يمكن لنا ان نرى وحشية صدام المستمرة ضد شعبه، واستخدامه الغاز السام ضد الاكراد، وتأييده الذي لا يعرف الهوادة للجماعات الارهابية، والتزامه بتصنيع اسلحة الفتك والدمار الشامل، ثم نعتقد بعد كل ذلك اننا يمكن ان نجتذبه الينا؟ ان هذا التفكير يكاد يذهب بالعقل. لقد كان هذا التصميم الذي ينطلق من تصورات خاطئة لدى الادارة بكاملها، على الاستمرار في سياسة تعج بالاخطاء على رغم كل الادلة الصارخة على خطأ هذه السياسة، امراً خالياً من كل منطق، كما ان اثر هذه السياسة اخطر كثيراً من المبادرة الايرانية.
وبشكل عام فان العالم اليوم اصبح اقل عرضة للارهاب. وأهم سبب في ذلك هو نهاية الحرب الباردة وانتهاء الدعم السياسي والمادي السوفياتي للدول الارهابية. ولكن من السهل علينا ان نقول ان الدول حسنت من قدراتها على احباط الفنون الارهابية او مواجهتها. اذ ان ارتقاء مستوى المخابرات والمزيد من التعاون والتنسيق بين الدول وتطبيق القوانين، وتعزيز القدرات العسكرية والاستخدام الافضل للضغوط السياسية والاقتصادية الجماعية، كل هذا يشكل جزءاً مهماً من اسباب انحسار العنف الارهابي.
اما الحاق الهزيمة المنكرة الساحقة بالارهاب فهو يعني وجوب خضوع المزيد من الدول لسيطرة شعوبها من خلال انتشار الديموقراطية. اذ ان التاريخ يعلمنا ان الديموقراطيات اقل احتمالاً في ارتكاب العدوان من الدول الاستبدادية والديكتاتورية. وهذا الاقتراح بالذات هو الذي سيساعدنا تدريجياً على اجتثاث هذا البلاء: علينا ان نترجم ما تعلمناه من التاريخ الى تأييد قوي للديموقراطيات الناشئة، وأن نلتزم اليقظة والحذر دائماً، وأن نحافظ على الاجراءات المضادة للارهابيين التي اتخذناها. وعلينا ألا ننسى هذه الدروس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.