القرار الذي كان اتخذه رئيس مجلس النواب اللبناني السيد حسين الحسيني بتأجيل التصويت على مشروع قانون الانتخاب، اعتبره عدد من النواب الموارنة انه يشكل فرصة من اجل مد خطوط جديدة للاتصال بين البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير والسلطتين التنفيذية والتشريعية بغية توفير الشروط التي يطالب بها سيد بكركي للعدول عن موقفه الرافض لمبدأ اجراء الانتخابات النيابية في الظروف الراهنة. لماذا أوصى معظم النواب بتأجيل التصويت على مشروع قانون الانتخاب؟ يجيب عن هذا السؤال احد الوزراء بقوله لپ"الوسط" ان الاسباب الحقيقية الكامنة وراء تأجيل الجلسة تعود الى امر يتعلق بالخلاف القائم داخل مجلسي النواب والوزراء على المادة الثامنة من مشروع قانون الانتخاب، التي نصت صراحة على اعتبار نتائج الانتخابات لاغية في حال تعثر اتمام العملية الانتخابية في احدى الدوائر، اكانت محافظة او قضاء. ويتابع الوزير قوله: الا ان بعض النواب والقياديين اعتقدوا ان قرار التأجيل يعود الى وجود رغبة لاسترضاء البطريرك صفير الذي لم ينفك عن اعلان معارضته لاجراء الانتخابات في الوقت الحاضر، وبدأوا ينتظرون النتائج التي ستسفر عنها الاتصالات التي سيجريها رئيس مجلس النواب ومن ثم رئيس مجلس الوزراء رشيد الصلح بالصرح البطريركي بمباركة من رئيس الجمهورية الياس الهراوي. في المقابل بدأت مصادر حكومية ونيابية تقلل من اهمية اللقاءات المرتقبة بين البطريرك صفير وكبار المسؤولين في السلطتين التشريعية والاجرائية، وكأنهم يريدون التأكيد ان سبب التأجيل يعود فقط الى افساح المجال امام التفاهم على كيفية سد الثغرات التي يشكو منها مشروع قانون الانتخاب، خصوصاً في ما يتعلق بالمادة الثامنة وضرورة صرف النظر عنها وعدم ادراجها في صلب قانون الانتخاب بحجة ان ربط مصير نتائج الانتخابات باتمام دورة الاقتراع في كافة الدوائر يعني بالنسبة الى الرأي العام ان الحكومة غير جدية في اجراء الانتخابات، لا بل تعطي لاسرائيل ورقة تجيز لها فرط الانتخابات متى تشاء، وبمجرد منع حصولها في محافظة الجنوب. ويقول احد الوزراء ان الرئيس الحسيني، حاول ان "يبيع" النواب الموارنة مسألة تأجيل الجلسة لمدة اسبوع، من زاوية ابداء رغبته بتوثيق الاتصال مع البطريرك صفير خصوصاً انه لعب دوراً رئيسياً في تشجيع النواب على اقرار اتفاق الطائف. ويؤكد نائب ماروني شارك في اللقاءات التي جرت بين النواب الموارنة والرئيس الحسيني، ان النواب تحدثوا عن اهمية تضامنهم في الاوقات العصيبة، وكيف ان تعاونهم ورفضهم الرضوخ لكل اشكال الابتزاز، كان وراء اقرار اتفاق الطائف. ولا يتنكر النواب الموارنة للدور الفاعل الذي لعبه البطريرك صفير، والذي كان وراء تحصين ذهابهم الى الطائف وعدم انصياعهم لطلب العماد ميشال عون بالبقاء في بيروت والامتناع عن الذهاب الى المملكة العربية السعودية. ويتحدث النواب الموارنة عن شعور المسيحيين، على وجه العموم والموارنة بشكل خاص، بالغبن والخوف، وان سوء تنفيذ اتفاق الطائف خلق متاعب لهم في الشارع المسيحي الذي يشكو من انعدام التوازن بين السلطات. والكلام الذي يتناقله عدد من النواب الموارنة، لم يبق ضمن جدران غرفة مغلقة بل احيط به رئيس مجلس النواب الذي صارح بدوره هؤلاء النواب واكد لهم ان الانتخابات ستجري في جو من الحرية والنزاهة، وان هناك نية في عقد تحالفات بين كل الاقوياء في الطوائف لئلا يقال ان هناك من يريد استبعاد ممثلين يتمتعون برصيد شعبي في المحافظة او القضاء. بسبب مواقفهم المعارضة لاتفاق الطائف. والشيء الاساس الذي ركّز عليه الحسيني، يتعلق برفضه الحديث عن شعور هذه الطائفة او تلك بالحرمان والغبن، وبتحذيره من استمرار العداء لسورية لدى بعض الاوساط المسيحية. ويرى الرئيس الحسيني انه اذا كانت هناك مآخذ سياسية حول طريقة تنفيذ اتفاق الطائف، فلا يجوز ان تنقلب الى عداء لسورية في لبنان، "وانا من جانب اؤيد اتخاذ كل التدابير والاجراءات لحماية الانتخابات، لكن علينا ان نعرف مدى استعداد بعض الموارنة لاجراء الانتخابات في الوقت الحاضر. وعلينا بالدرجة الاولى ان نتفق على مبدأ اجراء الانتخابات ولا اعتقد اننا سنختلف على الشروط الآيلة الى توفير الاجواء الطبيعية للناخبين والمرشحين على السواء. ولكن يبدو لي ان بعضهم لا يؤيد اتمام الانتخابات ويطلب بتأجيلها الى ما بعد اعادة انتشار القوات السورية". وتساءل الحسيني اذا كان البطريرك صفير مع اجراء الانتخابات في الوقت الحاضر ام انه يطالب بتأجيلها الى وقت لاحق، وبالتحديد الى ما بعد اتمام المرحلة الاولى من اعادة انتشار القوات السورية. ولم ينتظر رئيس المجلس الجواب على سؤاله واستبق رد بعض النواب قائلاً: يبدو ان هناك من لا يريد اجراء الانتخابات، وانا لا افهم الاسباب الكامنة وراء موقفهم، خصوصاً ان الوجود العسكري السوري في لبنان، تم بطلب دولي ويتمتع بغطاء من جانب المجتمع الدولي. لذلك فان تراجع درجة الاتصالات التي كانت منتظرة بين بكركي والآخرين لم يكن الا لشعور من بيدهم القرار ان "بيع" البطريرك صفير قرار تأجيل الجلسة سيؤدي الى تقوية موقعه وسيقوده الى تصليب موقفه بفرض شروط غير قابلة للتنفيذ باعتبارها ابعد من مطالبة باجراء الانتخابات في جو من النزاهة والحرية. وفي ضوء تقويم موقف بكركي، رأى الفريق المؤيد لاجراء الانتخابات ان البطريرك صفير سيحاول فتح حوار للاتفاق على مشروع القانون وصولاً الى تقطيع الوقت بحيث يتعذر اجراء الانتخابات بحجة انه يجب انتظار النتائج المرجوة من التفاوض. كما رأى الفريق اياه، ان البطريرك صفير استفاد من المعلومات التي ترددت بأن دمشق اوفدت السيد عبدالله الاحمد لمقابلته والتي أعقبتها معلومات مماثلة حول قيام رئيسي المجلس والحكومة بزيارته. وبدلاً من ان يبادر الى تطرية موقفه من الانتخاب سارع الى وضع لائحة بشروطه لا يمكن الاخذ بمعظم بنودها في الوقت الحاضر. وانتهى الفريق المؤيد لاجراء الانتخابات الى اتخاذ قرار يقضي بتأمين الاتصال بالبطريرك صفير قبل موعد انعقاد جلسة مجلس النواب على ان يتم التفاوض على الشروط في اعقاب الانتهاء من اقرار القانون. وهناك من يعتقد ان البطريرك صفير مبدئي في معارضته الانتخابات ولن يتجاوب مع كل اشكال "الاغراءات" وسيذهب الى حد الاعلان عن موقف يترك للتاريخ تسجيله. لذلك فان الفريق المؤيد لاجراء الانتخابات يتصرف وكأنه قطع كل امل في اقناع بكركي بالعودة عن موقفها وهو يحاول الآن تطويق رد فعل البطريرك صفير بتوفير غطاء دولي واقليمي، لا سيما وان الحكومة عازمة على اجراء الانتخابات وان القمة اللبنانية - السورية سجلت توافق الرئيس الياس الهراوي والرئيس حافظ الاسد على انجاز الانتخابات وان الاخير ترك للرئيس اللبناني اختيار واستنساب كل التدابير الامنية مؤكداً له ان دمشق ستؤيد على بياض كل التدابير لتبديد اية حساسية تظهر من هنا او تأتي من هناك. فضلاً عن التعهد الذي قطعه الرئيس الاسد على نفسه لجهة عدم التدخل لا في التدابير الامنية ولا في آلية التحضير لاجراء الانتخابات، سواء لجهة اعداد اللوائح او الدخول على خط الاتصالات لتركيب تحالفات انتخابية. من هنا فان البطريرك صفير ماض في مقاطعته، وحدد شروطه السياسية والامنية، وبعض هذه الشروط مستمد من مآخذه على سير اتفاق الطائف، اذ يعتبر ان عملية التنفيذ لم تكن متوازنة على المستويين الامني والسياسي. وربما الاهم في موقف البطريرك صفير وسواه ممن هم على درب الدعوة الى المقاطعة حسب قول قطب ماروني لپ"الوسط" هو وجود رغبة بعدم اعطاء تغطية شرعية لما يجري في الوقت الحاضر ولما يعد له للمستقبل. ناهيك عن ان بعض الموارنة يتخوفون من امكانية تعثر المفاوضات وما يترتب على لبنان من آثار سلبية. وإذا كان البطريرك صفير على طريق الدعوة غير المباشرة الى المقاطعة، فان الحكومة تراهن على الدور الذي يلعبه موارنة الاطراف في اقامة توازن بوجه الرفض الذي تتزعمه بكركي وهم يتطلعون الى امكانية اقناع القسم الاكبر من المقاطعين بالعودة عن قرارهم ويطرحون في هذا المجال اسئلة تتناول ابتعاد الفاتيكان عن الدخول في الحرب الدائرة بين الرافضين والمؤيدين. والاسئلة التي توجه حالياً الى الفاتيكان علها تلعب دور الوسيط في اعادة النظر في توقيت اجراء الانتخابات بحيث تتوصل الى التفاهم على تأجيل رمزي يبرر للرافضين أو لبعضهم الدخول في وساطة جدية لاخراج البلد من دائرة التحدي التي تشغل بال الجميع. كما ان تسليط الاضواء في السؤال عن غياب الحاضر الاكبر، اي السفير البابوي بابلو بوانتي، عن ساحة المواجهة، يطال ايضاً الولاياتالمتحدة التي تعاني من ارباك في موقفها، حيث لا تستطيع الاعتراض على اجراء الانتخابات من جهة، ولا التأثير على اعادة النظر في اجرائها. فواشنطن لا تنزعج من تأجيل الانتخابات ولن تذرف الدموع على التأجيل.