من يحكم ليبيا اليوم؟ هل هو العقيد معمر القذافي أم اللجان الثورية؟ وهل القذافي هو "الحاكم المطلق" أم انه "مواطن عادي" يرغب في الانتقال الى مصر او لبنان او سورية للاقامة فترة من الزمان و "لا خطر على ليبيا" في غيابه؟ وكيف تحكم ليبيا اليوم في الوقت الذي تواجه حصاراً دولياً وأزمة جدية مع الغرب هي الاخطر منذ وصول القذافي الى الحكم في ايلول سبتمبر 1969، وذلك بسبب حادثي تفجير طائرتي الركاب الاميركية فوق لوكربي عام 1988 والفرنسية فوق النيجر عام 1989 ومطالبة مجلس الامن الدولي بتسليم متهمين ليبيين الى اميركا او بريطانيا في الحادث الاول والسماح للسلطات الفرنسية باستجواب أربعة متهمين آخرين في الحادث الثاني؟ موفد "الوسط" الى طرابلس رضا الاعرجي أمضى في ليبيا 3 اسابيع وبعث بالتقرير المفصل الآتي وهو حصيلة لقاءاته مع مسؤولين ليبيين واتصالاته مع شخصيات عربية وأجنبية مختلفة هناك. كان العقيد ممر القذافي، في ذروة غضبه وهو يخاطب جماهير المؤتمرات الشعبية قائلاً: "سمعنا في المدة الاخيرة تعليقات سخيفة من بعض الناس حتى الذين يدافعون عنكم في قضية المواجهة مع دول الاستعمار التقليدية، وكتبت كتابات تبعث على الاستفزاز، لأنهم يجهلون ما هي الجماهيرية، وما هي سلطة الشعب، ولا يعرفون المؤتمرات الشعبية". وتساءل القذافي من على شاشة التلفزيون: "اذا كان العرب يجهلون ذلك، فكيف يكون حال الاعداء؟". ربما للمرة الاولى، يجد القذافي نفسه مضطراً لتقديم هذا التوضيح والرد على حملة الانتقادات التي تفجرت مع اتهامات الغرب لعدد من مواطنيه بتفجير طائرتي الركاب الاميركية والفرنسية. فحتى تشرين الثاني نوفمبر الماضي، لم يكن النظام الليبي موضع تساؤل جدي، كما هو عليه الآن، لولا ان وضعته قضية الطائرتين بتفاعلاتها وتداعياتها المعروفة تحت الاضواء الكاشفة، تماماً، كما وضع الغزو العراقي للكويت نظام صدام حسين تحت أنظار العالم بلا غطاء او ستار. والسؤال الكبير بين كل الاسئلة هو: كيف تحكم ليبيا؟ وبالأحرى، من يحكم ليبيا؟ في ذلك الخطاب، لم يفت القذافي ان ينفي عن نفسه اية صفة رسمية، مكتفياً بموقعه كقائد للثورة. فهو ليس رئيساً للدولة، وعبدالسلام جلود الرجل الثاني كما يوصف احياناً ليس نائباً للرئيس. وهكذا الامر بالنسبة الى الاعضاء السابقين في مجلس قيادة الثورة. وبعد ايام من هذا الخطاب، كان امين المؤتمرات في مؤتمر الشعب العام يكرر لحشد من الصحافيين العرب والاجانب ما سبق وقاله القذافي مؤكداً "ان لا احد في ليبيا يستأثر باصدار القرار او القانون او اتخاذ اي موقف سوى الشعب الذي يقوم النظام الجماهيري على اساسه". وذهب به الامر الى حد تجريد القذافي من حق مخاطبة رؤساء الدول او الملوك موضحاً: "ان القذافي يستطيع فقط ان يبعث اليهم برسائل شخصية". ولا يختلف اثنان على ان ليبيا تعيش تجربة سياسية مختلفة عن التجارب الاخرى في العالم العربي. وتكشف الشعارات المرفوعة في كل مكان من المدن الليبية عن مضمون هذه التجربة التي بدأ تطبيقها عملياً، منذ عام 1977. فثمة شعارات واضحة الدلالة مثل: "من تحزّب خان" و "لا ديموقراطية بدون مؤتمرات شعبية" و "الحزب قبيلة العصر الحديث" و "التمثيل تدجيل" و "شركاء لا اجراء". هذه الشعارات وغيرها ممن يحفظها طلبة المدارس عن ظهر قلب، لوجود حصة خاصة بها، تستمد مضمونها من "الكتاب الاخضر" الذي صاغ فيه القذافي نظريته العالمية الثالثة، ومن الفصل الاول الخاص بمشكلة الديموقراطية. والواقع ان كل التحولات التي شهدتها ليبيا على مدى السنوات الماضية تمت بتأثير من هذا الكتاب الذي يعد كما يقول واحد من الشعارات "شريعة المجتمع الجماهيري". حدثتني شخصية ليبية معروفة عربية عن الظروف التي دفعت القذافي الى اعلان نظريته هذه فيقول: "اعتقد ان القذافي كان ضحية عدد من الكتاب والصحافيين العرب الذين ظلوا يترددون عليه بلا انقطاع منذ السبعينات. فقد زينوا له قوة افكاره، وهي بسيطة في اي حال، وأوهموه بقدرته على اجتراح نظام يحفظ له مركزه كحاكم ودوره كمحرض وثائر مثلما يصف نفسه دائماً. وربما ساعدوه ايضاً على تأليف كتابه او اعادة صياغته على الاقل، وقبضوا الثمن". وأضافت هذه الشخصية: "كنت التقي القذافي كثيراً، وكان هو المبادر الى دعوتي. لكن منذ ان اقتنع بأنه صاحب نظرية عالمية تعقد من اجلها الندوات ويتبارى المفكرون لشرحها، لم يعد يحتاج الى من كان يعتبرهم صحبه المخلصين". ضابط ليبي سابق خرج من السجن قبل سنوات قال لي: "كانت هناك معارضة لما ورد في الكتاب الاخضر لكن القذافي استطاع القضاء على المعارضة او اسكاتها عبر اللجان الثورية". وأضاف: "اللجان الثورية خاضت مواجهة حاسمة مع من كان يسميهم القذافي الكلاب الضالة. والقذافي هو الذي دفع اعضاء اللجان الثورية الى احتلال منازل الهاربين خارج ليبيا تحت شعار: البيت لساكنه. وهذا الشعار شكل نوعاً من الغطاء لاستيلاء اللجان الثورية على منازل وممتلكات الآخرين". اللجان الثورية العربية لكن، ما هي اللجان الثورية؟ دائرة الحكم المغلقة في ليبيا لا تسمح كثيراً بمعرفة الدور المناط باللجان الثورية، ومع ذلك، فالملاحظ ان ما تضطلع به يتعدى ما هو موكول الى الجيش او "الامن الشعبي المحلي" او "الحرس البلدي" او "رجال الضبط القضائي". فهذه اللجان تحولت بمرور السنوات الى حركة سياسية منظمة تتولى مهمة اساسية هي "توعية الجماهير وتحريضها على التمسك بسلطتها والدفاع عنها". واللجان كأي تنظيم سياسي، تعقد مؤتمراً سنوياً لتقييم الاوضاع واتخاذ القرارات بشأنها، ومن بين قرارات مؤتمرها الرابع عشر ? وهو الاخير الذي عقدته العام الماضي ? قرار يقضي ب "تعميق فعاليات الجماهير من اجل تحقيق الوحدة العربية الشاملة". ولعل هذا القرار يلقي الضوء على "حركة اللجان الثورية العربية" وهو التنظيم الذي يضم اعضاء من مختلف الدول العربية بهدف تحقيق الوحدة العربية ايضاً. وخلال ايار مايو الماضي كان عدد من اعضاء هذا التنظيم لجأ الى ليبيا بعد مداهمة السلطات التونسية لمقراته السرية واعتقال من فيها. ويتحدث بعض الناجين من الاعتقال عن ان حركتهم لعبت دوراً كبيراً في تحريك الشارع في دول المغرب العربي ابان ازمة الخليج وتوجيهه نحو الموقف العراقي. ولا يعرف بالضبط حجم هذا التنظيم او تأثيره، لكنه، كما يبدو، نجح في استغلال ظروف فرض الحظر الجوي على ليبيا ليتحرك بحرية عبر الحدود البرية التونسية ? الليبية، والقيام بنشاطات معينة اثارت قلق السلطات في تونس. وهذا ما يفسر التشدد في الاجراءات التونسية المتبعة حالياً في مراقبة الداخلين او الخارجين منها. اما علاقة ليبيا بهذا التنظيم ومدى دعمها له او توجيهه، فلا احد يعرف عنها شيئاً محدداً. ولا احد يريد الاجابة عن اي سؤال يتعلق بهذا الموضوع الحساس. لكن يبدو ان هذا التنظيم له ارتباطات مع الدول والجهات العربية المعتبرة "متطرفة". "بلد القرارات المفاجئة" واللجان الثورية كما وصفها القذافي في خطاب له تمثل حركة المعارضة داخل ليبيا في مواجهة المؤتمرات الشعبية، وما يدور فيها من نقاشات تمس كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ليبيا. ففضلاً عن مواقفها المعبر عنها في وسائل الاعلام الناطق باسمها - كصحيفة "الزحف الاخضر" وصحيفة "الجماهيرية" واذاعة "صوت الوطن العربي" ? تقوم اللجان الثورية بضبط عملية النقاش في المؤتمرات الشعبية حتى لا تخرج عن حدودها المرسومة. ذلك ان فكرة هذه المؤتمرات، بقدر ما تبدو بسيطة وسهلة التطبيق في بلد قليل السكان نسبياً مثل ليبيا فانها تتسم بالغموض والتعقيد. كيف؟ هناك مؤتمرات شعبية في كل مدينة وقرية، وبذلك يكون جميع افراد الشعب بلا استثناء اعضاء في هذه المؤتمرات. وليست هناك شروط معينة لحضور هذه المؤتمرات، لكن الآن يشترط ممن يحضر ان يكون تجاوز السابعة عشرة من عمره. وكانت الدورات السابقة تسمح بمشاركة الرجال والنساء والاطفال. هذه المؤتمرات، التي هي الشعب كله، تقرر كل ما يتعلق بأمور الدولة سواء في مجال السياسة الداخلية او الخارجية او مجال الاقتصاد او مجال الشؤون الثقافية او الاجتماعية. اما كيفية ممارسة السلطة عملياً من قبل هذه المؤتمرات، فانها تتم بعقد اجتماعاتها في دورة محددة كل سنة، وتختار امانات لادارة جلساتها وصياغة قراراتها وتبدأ بوضع جدول الاعمال ومن ثم اختيار لجان شعبية للزراعة والتعليم والصحة الخ... وبعد ان تفرغ المؤتمرات الشعبية الاساسية من اعمالها تجتمع امانات المؤتمرات على مستوى الدولة مشكلة بذلك مؤتمر الشعب العام للخروج بصياغة موحدة للقرارات التي اتخذتها. وليس لهذا المؤتمر من مهمة غير صياغة قرارات المؤتمرات الشعبية الاساسية. فهو لا يملك على الاطلاق حق اتخاذ اي قرار مهما كان صغيراً. وفي الدورة الحالية للمؤتمرات الشعبية، كان موضوع "الهيكلة الادارية" ضمن جدول الاعمال الذي تضمن 36 موضوعاً تتعلق بكل النقاط الداخلية منها او الخارجية. لكن العقيد القذافي اضطر شخصياً للاشتراك في المناقشات وتحويلها الى الوجهة التي يريد. ففي خضم المتغيرات المتضاربة التي ادخلت على الجهاز الاداري، لم يعد بوسع المواطن العادي ان يعرف ماذا يراد منه بالضبط. وعلى المستوى نفسه كان توجيه القذافي لجماهير المشاركين في المؤتمرات نحو الموقف المعلن حتى الآن من موضوع تسليم المواطنين الليبيين المتهمين بتفجير الطائرة الاميركية الى اميركا او بريطانيا. فقد كرر القذافي رفضه الاستجابة لمطالب الغرب، وهدد بمقاطعة الشركات الغربية وحرمانها من المشاريع الليبية الجديدة، وخرج القذافي من "قاعة الشعب" - اهم قاعات العاصمة طرابلس - محفوفاً بعاصفة من التصفيق والهتافات. وكان واضحاً لجميع الصحافيين الذين طلب اليهم الصعود الى غرفهم في الفنادق ومتابعة خطاب القذافي عبر التلفزيون، ان القرار الليبي قد صدر حتى قبل ان تتمكن المؤتمرات الشعبية من اعداد صياغته الدولية. ويعلق سياسي عربي لاجئ في ليبيا منذ سنوات على ذلك فيقول: "عليك بالانتظار، لا تتعجل وترسل شيئاً لمجلتك فهذا بلد القرارات المفاجئة". ثم يضيف ضاحكاً: "في ليبيا لم نعد نعرف رأسنا من رجلينا". لقد غير القذافي كل شيء: النظام والمؤسسات والشهور والسنة. وأعود الى صحيفة "الفجر الجديد" الوحيدة التي تصدر يومياً، فأجد اسماء الاشخاص تغيرت هي الاخرى، فاسحق شامير تحول الى اسحق سمير، وكان اكثر ما يغيط صديقي سمير سلمان مهندس النفط العراقي المقيم في المانيا - والذي صادفته في طرابلس - ان يرى اسمه مقترناً بهذا الارهابي الصهيوني. من هو الحاكم الفعلي؟ في 8 نيسان ابريل 1976 وقعت احداث دامية في الجامعات الليبية في اعقاب اعلان العقيد القذافي "الثورة الشعبية" ضد من وصفهم "باليمين الرجعي البرجوازي". ويتذكر استاذ جامعي عاش الاحداث طالباً في جامعة بنغازي كيف تصدى الطلبة لفكرة تشكيل اللجان الشعبية التي اراد القذافي تعميمها منذ ذلك الوقت. وسقط كثيرون ضحايا تلك الرغبة التي فاجأت الجميع، خصوصاً ان التحقيقات لم تكن قد انتهت حول ما سمي بمؤامرة الرائد عمر المحيشي عضو مجلس قيادة الثورة، بالرغم من ان القذافي اعترف في احتفال اقيم في بنغاري انه اصدر امراً بقتل المحيشي بعد ان علم بهربه الى خارج ليبيا. ويمضي الاستاذ الجامعي قائلاً: "لقد بدأت ليبيا تدخل من ذلك التاريخ دوامة العنف والقمع المنظم واسكات الاصوات المتململة من المشاريع الوحدوية التي لم يكتب لها النجاح ابداً. وقد تزايدت عزلة ليبيا غربياً ودولياً بسبب سياساتها الهجومية على الاقارب والجيران. وأخذ الوضع السياسي يميل شيئاً فشيئاً الى تحريك النعرة القبلية وضرب القبائل بعضها ببعض لشرائها او ضمان سكوتها. وليبيا لمن لا يعرفها لا تزال محافظة على علاقاتها القبلية، وفي المناسبات الاجتماعية مثل الزواج او الوفاة يتجلى تمسك الليبي بكل مظاهر القبلية. والنتيجة التي ينحدر منها القذافي وحلفاؤها تقاسمت كل المسؤوليات والمراكز الحساسة في الدولة. ربما اكون قد قدمت تحليلاً سطحياً للواقع الليبي، ولكن هذا هو الواقع كما اراه، ويراه غيري من الليبيين" ويضيف: "اما كيف استطاع النظام ان يستمر في اللعبة طوال هذه السنوات فأقول انه نجح في تسخير عائدات النفط الخيالية لخدمته، وحتى الآن لا يعرف المواطن الليبي كم تبلغ هذه العائدات وأين او كيف يتم اتفاقها". يواصل الحديث: "ليبيا شعب صغير لا يزيد تعداده على 4 ملايين نسمة، كان من الممكن ان يعيش في جنة حقيقية بموارده الطائلة. لكن غالبيته تفتقر الى ابسط المقومات الحياتية، حتى ليتعذر على الشاب الليبي الزواج احياناً، وعليك بملاحظة ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج وستجد من بين اسبابها تكاليف الزواج. وبدلاً من التفكير في حل مشكلات المجتمع الليبي، يجري انفاق المليارات على امور اخرى". وبالامكان التشكيك في صحة هذه المعلومات، واعتبارها ملفقة كونها صادرة عن اشخاص ناقمين على النظام، غير ان هناك بالفعل اشخاصاً يملكون الملايين كما اشار القذافي اليهم صراحة في خطابه الى جماهير المؤتمرات الشعبية وكيف ينفقون اموالهم "على المنازل والسيارات الفارهة وفي السفر والامور الاخرى". يبدو القذافي امام شعبه وامام الآخرين، قائداً للثورة الليبية، وليس رئيساً او حاكماً. فالسلطة للشعب كما يقول هو، وتردد ذلك الصحف والاذاعات. وهو دائماً في خيمته المتواضعة المعتمة حتى في النهار، سواء في ثكنة باب العزيزية في طرابلس او في سرت او في بنغازي. لكن المصفحات التي تصوب مدافعها على الطرقات موجودة دائماً على اطراف الساحة التي تنتصب فيها تلك الخيمة. لقد استطاع القذافي ان يخلق الانطباع المطلوب عن صورته التي لازمته طويلاً. صورة البدوي البسيط المتعفف عن الرغبات الصغيرة. ويتحدث محمد بهجت القره منلي احد احفاد الاسرة القره منلية التي حكمت ليبيا حوالي 120 سنة عن الايام الاولى لثورة 1969 وكيف تعامل القذافي مع رجالات العهد السابق "لم ينتقم من احد ولم يقتل احداً". ويضيف "بعد شهر من الثورة وصل وفد عراقي الى طرابلس حاملاً نصيحة واحدة للقذافي هي القضاء على كل شخص يمكن ان يشكل خطراً على النظام. لكن القذافي رفض آنذاك النصيحة وأحال الامر الى القضاء". والقذافي وهو في الخمسين من عمره يحاول ان يطمس تلك الصورة التي ظهر عليها يوم كان في السابعة والعشرين يقود زمام دولة تعادل مساحتها مرة ونصف المرة مساحة فرنسا، وتحت قدميه نهر الذهب الاسود ينساب متدفقاً حيث يشاء. وهو يحاول اليوم ان يعطي الانطباع - خصوصاً للذين لا يعرفونه جيداً - بأنه لا يريد ان يكون "اكثر من مواطن عادي". وقد ردد اخيراً، امام البعض، بأنه يرغب في السفر خارج ليبيا للاقامة في مصر او سورية او لبنان لسنتين او ربما ثلاث سنوات على اساس "ان لا خطر على ليبيا من بعده". وقد يبدو ذلك منطقياً للوهلة الاولى: أليس الشعب هو الذي يحكم ليبيا كما يقول القذافي والمسؤولون الليبيون"؟ واذا سافر القذافي او اقام في الخارج فان الشعب باق. هذا الشعب يحرص على تقديره من خلال سلسلة الالقاب التي يخاطبه بها في الاحتفالات والمناسبات: "الاخ القائد، قائد الثورة، القائد الثائر، الثائر الاممي، صانع عصر الجماهير، امين الامة، محرر البشرية ومنقذها، صانع النظرية العالمية الثالثة". لكن الحقيقة غير ذلك. الواقع ان القذافي هو الذي يمسك بكل الخيوط في ليبيا. هو الذي يحكم، فعلاً، هذا البلد، ويقوم بتوزيع الادوار كما يريد. وكل ما يشاع في الغرب وفي بعض العواصم العربية عن وجود "تيار متشدد" و "تيار مرن" في ما يتعلق بقضية تسليم المتهمين بحادثي الطائرتين، هو من قبيل توزيع متقن للادوار. العارفون بالامور يقولون انه ليس في ليبيا رجل اول اسمه العقيد معمر القذافي ورجل ثان اسمه الرائد عبدالسلام جلود. هناك حاكم واحد اسمه معمر القذافي. يفعل اليوم ما يحلم به في الامس، ولا يستطيع احد ان يحتج او يعترض فعلاً. وكل ما عدا ذلك يدخل في باب التمنيات والاوهام.