سؤالان كبيران يشغلان حالياً اللبنانيين والمعنيين بشؤون هذا البلد: * السؤال الاول: هل ستجري الانتخابات النيابية في لبنان هذا الصيف وعلى اي اساس؟ * السؤال الثاني: هل ستؤدي الجهود التي تبذلها لجنة التنسيق والوفاق بين القيادات المسيحية الى اتخاذ قرار مسيحي بمقاطعة هذه الانتخابات؟ وما حقيقة الجهود التي تقوم بها هذه اللجنة؟ "الوسط" أجرت اتصالات واسعة بعدد كبير من السياسيين والنواب اللبنانيين المقيمين في لبنانوفرنسا وبريطانيا وكذلك بعدد من الشخصيات اللبنانية المطلعة على ما يجري في الساحة اللبنانية، وحصلت منها على معلومات دقيقة تتضمن إجابات عن هذين السؤالين. المعلومات التي حصلت عليها "الوسط" نتيجة هذه الاتصالات تؤكد ان الانتخابات النيابية ستجري في لبنان في الفترة بين نهاية آب اغسطس ومطلع ايلول سبتمبر المقبل، على رغم الاصوات المختلفة الداعية الى مقاطعتها او المبدية تحفظات عليها. كما تؤكد هذه المعلومات ان هذه "العملية الانتخابية" ستتم على الشكل الآتي: 1- ستجري الانتخابات على مراحل وليس دفعة واحدة على اساس مشروع قانون الانتخابات النيابية الذي أقره مجلس الوزراء اللبناني في جلسته الاستثنائية يوم 16 حزيران يونيو الجاري، وهي جلسة ترأسها الرئيس الياس الهراوي وحضرها رئيس الحكومة رشيد الصلح والوزراء باستثناء اربعة منهم. 2- ملجس النواب اللبناني سيناقش مشروع قانون الانتخابات هذا "بصورة سريعة نسبياً" ولن يدخل عليه اية تعديلات جوهرية او رئيسية، على اساس ان "المعنيين بالامر" يريدون تمرير هذا المشروع كما هو وبالمضمون الذي تبناه مجلس الوزراء. 3- ستجري الانتخابات على اساس زيادة عدد نواب المجلس الجديد - مناصفة بين المسلمين والمسيحيين - من 108 الى 134 نائباً، على رغم اعتراض شخصيات سياسية ونيابية على هذه الزيادة. 4- ستجري الانتخابات قبل عودة المهجرين الى قراهم ومنازلهم وسيكون من حق هؤلاء المهجرين التصويت حيث يقيمون حالياً لاختيار نواب في الدوائر التي ينتمون اليها اصلاً. ولتحقيق ذلك سيتم احداث مراكز اقتراع اضافية لهؤلاء المهجرين. وكانت قوى وشخصيات مسيحية عدة اشترطت عودة المهجرين الى منازلهم وممتلكاتهم قبل موافقتها على الاشتراك في الانتخابات. لكن الانتخابات ستجري، والمهجرون - كلهم او معظمهم - حيث هم، على رغم اعتراضات المعترضين. 5- لن يتم السماح للمهاجرين اللبنانيين، الذين تركوا وطنهم بسبب الحرب ولا يزالون يحتفظون بجنسيتهم اللبنانية، بالاقتراع خارج لبنان وحيث يقيمون حالياً. والواقع ان فاعليات سياسية وحزبية وروحية - معظمها مسيحية - طالبت، بالحاح، بضرورة السماح لهؤلاء المهاجرين بالاقتراع. وقد لفت الانتباه في هذا المجال تصريح للنائب المعيّن المهندس نسيب لحود أيد فيه السماح للبنانيين الموجودين في الخارج بالاقتراع في الانتخابات وقال: "اللبنانيون الموجودون في الخارج يشكلون عنصراً اساسياً في استراتيجيتنا الاعمارية لأن لديهم اموالاً ضخمة في المصارف ونحن في حاجة اليها لاعمار لبنان. ولا يعقل ان نقول للمهاجرين هاتوا اموالكم لكننا لسنا في حاجة الى اصواتكم". لكن ما سيحدث، فعلاً، هو انه لن يسمح لهؤلاء بالاقتراع، بل ان من يريد منهم التصويت في الانتخابات عليه ان يأتي الى لبنان. 6- ستجري الانتخابات على اساس المحافظة والقضاء، على رغم اعتراضات عدد من النواب والشخصيات السياسية على ذلك على اساس ان اتفاق الطائف يدعو الى اعتماد المحافظة كدائرة انتخابية. لكن مشروع قانون الانتخابات الذي أقره مجلس الوزراء - والذي يتوقع "المعنيون بالأمر" إقراره في مجلس النواب، من دون مناقشات طويلة ومن دون تعديلات حقيقية عليه - يدعو هذا المشروع - بصورة استثنائية ولدورة انتخابية واحدة ? الى اعتماد المحافظة في بيروت والجنوب والنبطية بعد دمج الاخيرتين في محافظة واحدة والى اعتماد القضاء في محافظاتلبنان الشمالي وجبل لبنان والبقاع باستثناء قضاءي بعلبك والهرمل اللذين يؤلفان دائرة انتخابية واحدة وقضاءي البقاع الغربي وراشيا اللذين يؤلفان ايضاً دائرة انتخابية واحدة. هذا هو "السيناريو" الذي ستجري على اساسه الانتخابات النيابية في لبنان. وقد يسأل البعض: أليس هناك "شيء" يمكن ان ينسف هذه الانتخابات ويؤجلها؟ والجواب هو ان القوى والدول الاجنبية المهتمة بلبنان - وعلى رأسها الولاياتالمتحدةوفرنسا والفاتيكان - تكتفي بالتمني باجراء "انتخابات نيابية حرة ونزيهة" لكنها لن تمارس "اية ضغوط" لاجراء هذه الانتخابات في ظل رقابة دولية، كما انها لن تخوض اية "معركة" من اجل تأجيل هذه الانتخابات الى ما بعد انسحاب القوات السورية من بيروت وضواحيها وبعض مناطق الجبل وفقاً لما نص عليه اتفاق الطائف. ويمكن ان تبدي هذه الدول او بعضها "تحفظات" على طريقة اجراء الانتخابات او على نتائجها، لكن ذلك لن يغير شيئاً في الوضع. اما الاصوات المسيحية الرافضة او المعترضة فانها لن تشكل عقبة فعلية تحول دون اجراء الانتخابات. وحده "حدث استثنائي كبير خارجي" يمكن ان يعطل العملية الانتخابية. لكن لا يمكن الاعتماد على "حدث استثنائي ومفاجئ" للرهان على ان الانتخابات النيابية لن تجري هذا الصيف في لبنان. لجنة المصالحة القضية الثانية التي تثير اهتمام اللبنانيين والمعنيين بالشأن اللبناني تتعلق بالجهود التي تبذلها لجنة يطلق عليها اسم "لجنة التنسيق والوفاق" بين القيادات المسيحية - او "لجنة المصالحة" اختصاراً - من اجل اتخاذ "موقف مسيحي موحد" من قضية الانتخابات اساساً ومن بعض القضايا الاخرى. هذه اللجنة تضم بشكل خاص النائب السابق الشيخ قبلان عيسى الخوري ورئيس الرابطة المارونية المحامي ارنست كرم والمحامي جورج جبر والمحامي نعمة الله ابي نصر عضو مجلس الرابطة المارونية. وتتحرك هذه اللجنة "بدعم وتشجيع ومباركة" البطريرك الماروني نصرالله صفير وتهدف عملياً وفعلياً الى تأمين موقف "مسيحي موحد" حول الانتخابات والقضايا الكبرى في الساحة اللبنانية توافق عليه القيادات المسيحية الرئيسية وهي: العميد ريمون اده، العماد ميشال عون، الرئيس السابق امين الجميل، رئيس حزب الكتائب جورج سعاده، قائد القوات اللبنانية سمير جعجع والرئيس السابق سليمان فرنجية. وأحاطت اللجنة مضمون تحركاتها بالتكتم، وتوجه وفد منها الى باريس يوم 15 حزيران يونيو الجاري حيث عقد لقاءات مع ريمون اده وميشال عون وأمين الجميل، وحرصت مصادر اللجنة على القول ان اللجنة سعت وتسعى الى اقناع القيادات المسيحية اللبنانية بالتفاهم على مجموعة "مبادئ وفاقية" أبرزها الآتية: * رفض الاحتكام الى السلاح واعتماد الحوار والشورى وعدم السماح لطرف معين بمصادرة "القرار المسيحي" والتكلم باسم المسيحيين، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية. * وضع ضوابط وقواعد للخلافات بين القيادات والتنظيمات المسيحية بحيث لا تسيء هذه الخلافات الى مصلحة لبنان العليا. * لا تسعى اللجنة الى تحقيق مصالحة مسيحية شاملة، اذ ان ذلك متعذر حالياً، او حتى الى تناسي الخلافات، بل تعتبر انالقيادات المسيحية - على رغم خلافاتها - يجب ان تتخذ الآن موقفاً مواحداً من قضايا مصيرية يواجهها لبنان - منها الانتخابات - بحيث توحد هذه القيادات جهودها للدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله وعن نظامه البرلماني الديموقراطي وعن الحريات فيه والوقوف معاً ضد اية محاولة للتأثير على سيادة لبنان واستقلاله ونظامه. * ترى اللجنة انه يجب ان تكون هناك "مرجعية مارونية شورية" تعود اليها القيادات السياسية اذا حدثت خلافات بينها، وهذه المرجعية يمكن ان تكون بكركي مقر البطريركية المارونية. والمعلومات التي حصلت عليها "الوسط" تكشف ان "لجنة التنسيق والوفاق" هذه حاولت، في بداية مساعيها، جمع القيادات المسيحية الرئيسية او معظمها حول طاولة واحدة لمناقشة مختلف القضايا واعلان موقف موحد منها. لكن هذه المحاولة فشلت. ثم سعت اللجنة الى اقناع القيادات المسيحية بالتوقيع على بيان مشترك هو بمثابة "اعلان نوايا" موحد يؤكد مجموعة امور اساسية ابرزها: * التمسك بالحوار وحل النزاعات سلمياً بين الاطراف المختلفة. * التمسك بسيادة لبنان واستقلاله ونظامه الديموقراطي البرلماني والوقوف ضد اية محاولات لضرب لبنان. * وضع مجموعة شروط لاجراء الانتخابات النيابية في لبنان ومنها ضرورة عودة المهجرين الى منازلهم وممتلكاتهم وضرورة انسحاب القوات السورية من بيروت وضواحيها وفقاً لما جاء في اتفاق الطائف قبل اجراء الانتخابات، وضرورة تأمين رقابة دولية او "اشراف ملائم ما" على الانتخابات لتكون حرة ونزيهة. لكن محاولة اصدار هذا البيان المشترك باءت بالفشل. وهنا قامت اللجنة بمحاولة ثالثة وتقضي بأن تشرح كل من هذه القيادات، على حدة في رسالة موجهة الى اللجنة، مواقفها من المبادئ والامور المطروحة. وهذا ما حدث. فقد تسلم وفد لجنة التنسيق والوفاق قبل مغادرته باريس رسائل من كل من ميشال عون وريمون اده وأمين الجميل، تضمنت شرحاً لمواقف كل من الزعماء الثلاثة من عدد من القضايا المهمة. لكن الثلاثة طلبوا من اللجنة مواصلة جهودها "لجمع الصف المسيحي كخطوة اولى من اجل جمع اللبنانيين على اهداف ومبادئ وطنية". وفي هذا المجال قال المحامي جورج جبر عضو لجنة التنسيق والوفاق ل "الوسط" بعد اللقاءات التي عقدها هو وأعضاء آخرون في اللجنة مع ريمون اده وميشال عون وأمين الجميل في فرنسا. "ان غرض اللجنة ايجاد نقاط بين القيادات المارونية فالمسيحية وبالتالي اللبنانية". واكد جبر ان اللجنة "التقت المعنيين اكثر من مرة" وان ترحيباً رافق تحرك اللجنة التي لاقت تشجيعاً للاستمرار في مهمتها. وبتقدير المحامي جبر ان اللجنة "تعود الى لبنان اكثر تفاؤلاً مما كانت عليه يوم جاءت الى فرنسا". وعندما سألنا جبر عن الاسس التي يقوم عليها تحرك اللجنة وعما اذا كانت تطرقت الى الانتخابات والى المساعي الهادفة الى بلورة موقف مسيحي موحد منها، اكد "ان المهمة ليست انتخابية في الدرجة الاولى بل هي مهمة وفاقية في الدرجة الاولى وتنهض على قرارات تجمع عليها الاطراف المعنية". لكن المعلومات التي تملكها "الوسط" من مصادر لبنانية عدة تؤكد ان القيادات المسيحية لن تتفق على موقف موحد من الانتخابات، لأن هذه القيادات ليست متفقة كلها على المطالبة بتأجيل الانتخابات او الدعوة الى مقاطعتها، ولأن المواقف والتصريحات العلنية لا تعكس بالضرورة المواقف الحقيقية لعدد من هذه القيادات. فاذا كان عون يطالب بمقاطعة الانتخابات فان الكثيرين من انصاره يؤيدون المشاركة فيها عن طريق دعم مرشحين مرتبطين بعون وبهدف اظهار "قوة التيار العوني" في الساحة اللبنانية. واذا كان ريمون اده يقترح تأجيل الانتخابات الى العام المقبل، فان هناك شخصيات عدة في تياره تطالب بمشاركة اده شخصياً في هذه الانتخابات وبتقديم ترشيحه الى السفارة اللبنانية في باريس اذا ما حالت الظروف الامنية دون عودته الى لبنان. ويقول انصار هذا التيار: "اذا سقط اده فسيكون سقوطه دليلاً على ان الانتخابات مزورة، واذا نجح فانه سيتمكن من الدفاع عن مواقفه في المجلس الجديد". واذ كان جورج سعاده وسمير جعجع يضعان شروطاً معينة للمشاركة في الانتخابات، فان مصادر لبنانية مطلعة اكدت ل "الوسط" ان هناك اتصالات غير معلنة بين سعادة وجعجع من جهة واركان الحكم اللبناني والمسؤولين السوريين من جهة ثانية لتأمين "مكاسب معينة" في هذه الانتخابات و "للتفاهم" على امور معينة تتعلق "بمرشحين معينين في مناطق معينة". واذا كان البطريرك صفير ينتقد في تصريحاته هذه الانتخابات، فان مصادر سياسية لبنانية اوضحت ل "الوسط" ان صفير لا يستطيع الدعوة الى مقاطعة الانتخابات اذ ان هناك مسيحيين وموارنة كثيرين مؤيدون لاجرائها. اما سليمان فرنجية فليس وارداً لديه مقاطعة الانتخابات. وهكذا، فالانتخابات النيابية ستجري في لبنان بين نهاية آب اغسطس ومطلع ايلول سبتمبر، وقد بدأت الاتصالات في مختلف المناطق للتفاهم على قوائم المرشحين فيها.