اليوم عرسك    رياح مثيرة للأتربة والغبار على الشرقية والرياض والمدينة    "المركزي الروسي" يرفع سعر الروبل مقابل العملات الرئيسية    إتاحة تخصيص عقارات الدولة لأكثر من جهة حكومية    السجن مدى الحياة ل«مغتصب التلميذات» في جنوب أفريقيا    خوفاً من الورثة.. مغربية تحتفظ بجثة والدتها !    6 توصيات لتعزيز الهوية الثقافية ودعم الاستثمار في تعليم اللغة العربية محلياً و دولياً    إسرائيل تقصف الضاحية.. مصير خليفة نصر الله غامض    ترامب: على إسرائيل ضرب المنشآت النووية الإيرانية    هل أوقف الاتحاد الدولي المُلاكمة الجزائرية إيمان خليف وجردها من ألقابها ؟    الفتح يختتم تحضيراته لمواجهة التعاون    في مباراة الفريق أمام الرياض .. القادسية يحتفي بوزير الإعلام "الدوسري"    عبدالعزيز بن سلمان يشارك في اجتماعات مجموعة العمل الخاصة بالتحولات في مجال الطاقة    الخليج يعبر الخلود بهدف في دوري روشن السعودي للمحترفين    ميندي يوجه رسالة لجماهير الأهلي    مدرب القادسية يُفسر الخسارة أمام الرياض    الشباب يتعرض للخسارة أمام ضمك    الجيش الأميركي يعلن قصف 15 هدفا للحوثيين في اليمن    محافظ الطائف يعزي أسرة الحميدي في فقيدهم    مسؤولون وأعيان يواسون أسرتي القاضي وآغا في فقيدتهم    جمعية الأدب تعتمد 80 سفيراً في 30 مدينة    الهيئة السعودية للسياحة تطلق تقويم فعاليات «شتاء السعودية»    تعليم مكة : 1485 مدرسة تحتفي بأكثر من 30 ألف معلم ومعلمة في يوم المعلم    لوحة «ص ق ر 2024» لمركبة «المرور» تلفت أنظار زوار «الداخلية» في معرض الصقور والصيد    القبض على (4) يمنيين في جازان لتهريبهم (120) كجم "قات"    الجيش الإسرائيلي يستعد لتوسيع عملياته البرية في جنوب لبنان    رصد طائر «سمنة الصخور الزرقاء» في الحدود الشمالية    الوطنية للإسكان NHC تكشف مزايا ومكونات حديقة خزام الكبرى شمال الرياض    انطلاق حملة الحي يحييك للاحياء السكنية بالمنطقة الشرقية    تعرف على غيابات الأهلي عن الكلاسيكو أمام الهلال    ب 3 مناطق.. مركز «911» يتلقى 98 ألف مكالمة خلال 24 ساعة    تجمع الرياض الصحي الأول يكرم 14 استشارياً    إمام المسجد النبوي: آية ((إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ )) تحمل في طياتها معاني عميقة    وفاة 866 شخصًا بمرض جدري القردة في أفريقيا    "الصحة العالمية"تستعدّ للقيام بالجولة الثانية لتلقيح أطفال غزة ضدّ شلل الأطفال    أثر الشخصية واللغة والأمكنة في رواية «الصريم» لأحمد السماري    أحلام على قارعة الطريق!    «زلزال الضاحية».. ومصير حزب الله    الشاهي للنساء!    غريبٌ.. كأنّي أنا..!    كتب الأندية الأدبية تفتقر إلى الرواج لضعف التسويق    محافظ الطائف يلتقي مدير جمعية الثقافة والفنون    90 مبادرة لأمانة الطائف تعزز الوعي البيئي وتدعم الاستدامة الخضراء    أمانة الطائف توقع عقد إنشاء مشروع (قبة الفراشات) بمساحة ٣٣ ألف م٢    الأمير سعود بن نهار يعزي أسرة الحميدي    معالي وزير العدل    اختتام مشاركة الهلال الأحمر في المعرض التفاعلي الأول للتصلب    مدير تعليم الطائف يطلق مبادرة غراس لتعزيز السلوك الصحي    2238 مصابا بالناعور في 2023    تعيين عدد من الأئمة في الحرمين الشريفين    أول فريق نسائي من مفتشي البيئة في المملكة يتمم الدورية رقم 5 آلاف في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    بدء الاجتماع الطارئ لمجلس الجامعة على مستوى المندوبين لبحث التحرك العربي للتضامن مع لبنان    نيابة عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي    خادم الحرمين يهنئ رئيس غينيا بذكرى الاستقلال ويعزي رئيس نيبال في ضحايا الفيضانات    تثمين المواقع    مملكة العز والإباء في عامها الرابع والتسعين    وزير الداخلية يعزي ذوي شهيد الواجب أكرم الجهني    مفتي عام المملكة يستقبل مفوّض الإفتاء بمنطقة جازان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب إسرائيلي يكشف معلومات جديدة : هكذا فاجأت حرب 1973 إسرائيل
نشر في الحياة يوم 22 - 06 - 1992

يكشف كتاب جديد صدر في إسرائيل باللغة العبرية وحصلت "الوسط" على نسخة منه، تفاصيل ومعلومات تنشر للمرة الأولى عن "الجانب الإسرائيلي" من حرب تشرين الأول أكتوبر 1973. مؤلف الكتاب هو الجنرال يوئيل بن بورات الذي كان، قبل اندلاع الحرب، رئيسا لدائرة الإشراف على "جمع المعلومات" في جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلي. والكتاب يكشف بشكل مفصل، كيف ولماذا فوجئت إسرائيل باندلاع حرب 1973. وقد منعت الرقابة الإسرائيلية، في البداية، نشر هذا الكتاب، ثم عادت فسمحت بذلك. وفي ما يأتي أبرز ما جاء في هذا الكتاب:
في نيسان إبريل عام 1973 عقد الرئيس أنور السادات اجتماعا سرياً في الإسكندرية مع الرئيس حافظ الأسد اتخذا خلاله قرارا بشن حرب ضد إسرائيل. ولم يكن من الصعب على جهاز المخابرات العسكرية الإسرائيلي أن يلاحظ الاستعدادات المصرية - السورية للحرب. فقد تمكن أفراد "دائرة جمع المعلومات" في جهاز المخابرات الإسرائيلي المرابطون على جبهات القتال من مراقبة. متابعة التحركات والتعزيزات العسكرية المصرية والسورية إرسال تقارير عنها. إلا أن خبراء "دائرة الأبحاث والدراسات" المكلفين بتحليل هذه التقارير واصدرا تقديراتهم وتوقعاتهم للتطورات التي من شأنها أن تحدث على جبهات القتال، توصلوا إلى نتيجة مفادها أن "احتمالات نشوب الحرب ضعيفة بسبب تدني مستوى وقدرات سلاح الجو المصري". بينما توصل وزير الدفاع موشي دايان ورئيس الأركان ديفيد بن أليعازر إلى نتيجة مخالفة، عقب اطلاعهما على هذه التقارير، واعتبرا أن ضمن المتوقع نشوب حرب خلال أيار مايو 1973. وأعد دايان وأليعازر خطة لتحضير القوات الإسرائيلية للحرب أطلقا عليها اسم "أزرق - أبيض"، وتمثلت بتجنيد الاحتياط وتحريك المزيد من الوحدات النظامية إلى خطوط المواجهة واقتناء معدات عسكرية حديثة. ووصلت تكاليف هذه الخطة إلى 45 مليون دولار.
لقد كان من المتوقع بالفعل أن تشن سورية ومصر هجوما ضد إسرائيل خلال أيار مايو 1973 ولكن تقرر تأجيل موعد هذا الهجوم تجاوبا مع ضغوط مارسها قادة الاتحاد السوفياتي نتيجة إنهماكهم لإعداد لمؤتمر القمة الأميركي - السوفياتي، الذي كان تم تحديد حزيران يونيو موعدا له، وحرصهم على الفوز بموافقة الجانب الأميركي على المطالب التي استعدوا لطرحها خلال هذا المؤتمر، وشملت منحهم قرضا بقيمة 20 مليار بليون دولار بفائدة مخفضة لمدة 25 عاما، ومشاركة مؤسسات تجارية أميركية في تطوير حقول النفط في سيبيريا، وتزويدهم بأجهزة إلكترونية ومعدات صناعية حديثة لتحسين مستوى الحياة في الاتحاد السوفياتي وتطوير الإنتاج العسكري. إلا أن مؤتمر القمة انتهى من دون حصول السوفيات على أية مساعدات من الولايات المتحدة نتيجة تقلص قدرة الرئيس الأميركي نيكسون على اتخاذ قرارات مهمة ومصيرية في ضوء الأزمة التي سببتها له فضيحة ووترغيت. وازدادت الأمور تعقيدا في وجه السوفيات عقب مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قرار تقدم به السيناتور هنري جاكسون ونص على ربط استعداد الولايات المتحدة لتقديم مساعدات اقتصادية إلى الاتحاد السوفياتي مع السماح لليهود السوفيات بالهجرة.
ويروي بن بورات ما حدث بينه وبين المسؤولين الاسرائيليين منذ مطلع تشرين الأول اكتوبر 1973:
*يوم الاثنين الأول من أكتوبر: اتصل بي رئيس "دائرة جمع المعلومات" ميناحيم في الثالثة صباحا ليخبرني أنه تسلم معلومات تشير إلى أن "القوات المصرية تستعد لعمليات عبور في منطقة القناة". عندئذ سألته عن رأي خبراء "دائرة الأبحاث والدراسات" في هذه المعلومات، فأجاب أنهم يعتبرونها "مجرد تمارين عسكري". استغربت هذا الرأي وعقبت قائلا "لو كان أهارون ياريف رئيسا لجهاز المخابرات العسكرية، لأمر بتجنيد قوات الاحتياط على الفور".
عادت بي الذكرى إلى تموز يوليو عام 1972 عندما التقيت رئيسة الحكومة غولدا مائير ووزير الدفاع موشي دايان ونائبه تسفي تسور ورئيس الأركان دايفيد بن أليعازار خلال حفل خاص نظمته هيئة الأركان العامة في أحد المواقع العسكرية في سيناء بمناسبة إنهاء أهارون ياريف عمله كرئيس لجهاز المخابرات العسكرية. وأثناء تناوله طعام الغداء جلست إلى يمين مائير وحاولت اطلاعها على ملف يحتوي بطاقات كتبها أفراد "دائرة جمع المعلومات" تعود إلى حرب حزيران يونيو عام 1967 من اجل التباهي بدور جهاز الاستخبارات العسكرية خلال هذه الحرب. إلا أنها تجاهلت الملف وقاطعتني متسائلة: "إذا أراد العرب مهاجمتنا هل سنعرف ذلك؟". لم أتفوه بكلمة واحدة، واكتفيت بضرب صدري بيدي أن بإمكانها أن تثق بي.
عقدت اجتماعا في الرابعة والنصف لأعضاء دائرتي من اجل اطلاعهم على آخر التطورات على الجبهات، وأصدرت تعليمات طلبت تحويلها إلى كل مواقع جهاز الاستخبارات العسكرية جاء فيها ما يلي: "فور تسلم هذه التعليمات يجب على الوحدات العسكرية المنتشرة في سيناء والجولان أن تكون في حالة استعداد لمواجهة هجوم بري أو جوي على القواعد العسكرية". كما نصت التعليمات على تحضير كميات احتياطية من الكهرباء والذخيرة. وأشرت أيضا إلى أنني سأزور مواقع عسكرية في سيناء في الساعة التاسعة صباحا، وأتوقع الحصول في الواحدة بعد الظهر على تقارير من قادة المواقع في شأن تنفيذ التعليمات. وعندما حاول أحد مسؤولي "وحدة العمليات التنفيذية" المنبثقة من دائرتي تنبيهي إلى أنني أصدرت تعليمات تتعدى صلاحياتي، ومن واجبي أن أعرضها أولا على رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، أجبت أني مسؤول عن مهام الردع من واجبي إصدار تعليمات إلى المواقع العسكرية على جبهات القتال لاتخاذ الاحتياطات اللازمة.
ترحيل عائلات الخبراء السوفيات
*يوم الثلثاء الثاني من أكتوبر في الثامنة والنصف صباحا عرض أحد مسؤولي "دائرة جمع المعلومات"، ويدعى بوني، خلال اجتماع عام لأفراد من وحدات جهاز الاستخبارات. اخر التطورات على الجبهتين المصرية والسورية وذكر أن المصريين أرسلوا مئات الشاحنات وعلى متنها معدات عسكرية وذخيرة إلى مكان على ضفة القناة لم يسبق أن أجروا فيه تمارين عسكرية. كما عززوا وحدات الكوماندوس البحري. وعلى الجبهة السورية وصلت كتيبة دبابات أخرى ووحدات اتصال. كما عرض يوني معلومات أخرى ليس بوسعي الكشف عنها. وقبل نهاية الاجتماع اتصلت برئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الياهو زعيرا وأطلعته على تطورات الإعدادات العسكرية على الجبهتين المصرية والسورية. فأجابني أن خبراء "دائرة الأبحاث والدراسات" يعتبرون أن هذه الإعدادات تمرينا عسكريا. عندئذ طلبت منه تجنيد 150 إلى 200 جندي من قوات الاحتياط من اجل جمع معلومات أكثر حول هذه الإعدادات والتأكد من النوايا الحقيقية للمصريين والسوريين. ولكنه أجابني : "يوئيل اسمعني جيداً أن مهمة جهاز الاستخبارات تتمثل بالحفاظ على هدوء أعصاب الدولة، وعدم إصابة سكانها بالذعر والجنون أو زعزعة اقتصادها. لا أسمح لك بالتفكير في تجنيد حتى ربع جندي واحد من الاحتياط".
كان من المفخيري غرة ترض ذلك اليوم أن "أبدأ بإعداد خطة العمل السنوية لجهاز الاستخبارات. وهكذا قررت الاهتمام بها وانهمكت في إعدادها طيلة يومي الثلثاء والأربعاء. وخلال يوم الأربعاء تسلمت محضر اجتماع عقده نائب رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية مع أعضاء اللجنة الوزارية المختصة بشؤون الأمن، حيث بدأ حديثه بالقول أن "طريقة توزيع القوات المصرية والسورية على جبهات القتال في الوقت الحالي تمكنها من شن هجوم في أي لحظة تختارها". ثم عرض تحليلات وتقديرات "دائرة الأبحاث والدراسات" لكافة المعلومات المتوفرة حول الإعدادات العسكرية المصرية والسورية وأنهى حديثه بقوله أن "احتمالات نشوب الحرب ضعيفة".
وهنا تقع مسؤولية الحكومة عن التقصير في الحرب. إذ بالإضافة إلى مائير، التي لم تتميز بخبراتها العسكرية والاستخبارية فقد شارك في الاجتماع رئيس الأركان بن أليعازار ووزير الدفاع دايان ووزيران جنرالان هما ييغال ألون وبيني بعيليد وخبير استراتيجي هو يسرائيل غليلي. لقد كان من واجب الوزراء أن يستجوبوا رئيس الأركان حول مدى استعداد الجيش الإسرائيلي لمواجهة هجوم عربي، وما إذا كان من الضروري استدعاء قوات الاحتياط. وحسب حكمي الشخصي على هذا الاجتماع فان مسؤولية الحكومة عن وقوع مفاجأة الحرب لا تقل عن مسؤولية جهاز الاستخبارات العسكرية، بل أنها تزيد عليها نظرا إلى إشراف الحكومة على كل الأجهزة الأمنية والعسكرية. ولكن الوزراء لم يبدوا اهتماما كافيا بتهديدات الحرب نتيجة انشغالهم بالانتخابات النيابية التي كان من المقرر أن تجري في نهاية تشرين الأول أكتوبر
*يوم الخميس الرابع من أكتوبر: في الساعة الرابعة بعد الظهر دخل يوني مكتبه وأعلمني أنه تسلم معلومات أولية تشير إلى ترحيل أفراد عائلات الخبراء السوفيات من سورية. اتصلت على الفور برئيس "دائرة الأبحاث والدراسات" لمعرفة رأيه في هذه المعلومات، فأجابني أنه سمع بذلك، وأضاف أن طائراتنا عادت لتوها من جولة استطلاعية فوق منطقة القناة، ووعدني بالاتصال بي هذا المساء لإعلامي بنتائج تحليل الصور التي التقطتها الطائرات. كان من المقرر مساء ذلك اليوم عقد اجتماع لعرض خطة العمل السرية على قيادة جهاز الاستخبارات العسكرية، إلا أن هذا الاجتماع تأجل بسبب إصابة رئيس الجهاز زعيرا بوعكة صحية. وهكذا قررت استغلال هذه الفرصة لتلبية دعوة كان وجهها لي الرئيس السابق لدائرتي ابراهام أرنين لزيارته في منزله. وخلال تناولي طعام العشاء اتصل بي روني وأعلمني أنه حصل على نتائج تحليل الصور وتدل جميعها على أن منطقة القناة مليئة بالحشود العسكرية. فقد ظهرت بوضوح وحدات الدبابات والمدافع الميدانية والأجهزة الخاصة بالعبور. وما زاد قلقي أن رئيس "القطاع المصري" في جهاز الاستخبارات العسكرية العميد تسحي، كما فهمت من روني، تلعثم ولم يتخذ موقفا واضحا من مغزى هذه الحشود.
غادرت منزل أرنين في السابعة مساء إلى مركز قيادة جهاز الاستخبارات العسكرية، وأصدرت أمرا بعقد اجتماع لمسؤولي دائرتي، وأكملت قراءة المعلومات العديدة التي تراكمت حول الأوضاع العسكرية على الجبهتين المصرية والسورية. وفي العاشرة مساء دخل غرفة الاجتماع أحد مسؤولي "دائرة جمع المعلومات" وذكر أن 16 طائرة نقل سوفياتية بينها 6 طائرات من طراز "أنطونوف - 22"، التي تتسع كل منها ل400 راكب، توجهت من الاتحاد السوفياتي إلى مصر وسورية لترحيل عائلات الخبراء السوفيات. اتصلت بزعيرا لمعرفة رأيه في هذه التطورات فأجاب ان خبراء "دائرة الأبحاث والدراسات" يقولون أن ما يحدث في سورية ليس إلا علامة على أزمة سوفياتية - سورية شبيهة بالأزمة السوفياتية - المصرية. عندئذ عقبت متسائلا: "ولكن كيف يفسرون بقاء الخبراء السوفيات وترحيل عائلاتهم فقط؟". فلم يرد على تساؤلي وصمت. حينذاك أطلعته على التطورات التي وقعت خلال الأيام الأخيرة على الجبهتين المصرية والسورية، وأكدت أنها لا تعني إلا شيئا واحدا هو الحرب. ولكن أجابني بصوت هادئ: "مهمتك تقضي بجمع المعلومات، واترك مهمة التقديرات للدوائر المختصة".
وانفجرت الحرب
*الجمعة الخامس من أكتوبر: وصلت إلى مكتبي في التاسعة صباحا وطلبت من يوني اطلاعي على آخر التطورات. قرأت تقارير صادرة عن "دائرة جمع المعلومات" حول الحشود العسكرية، ولفت انتباهي تقرير آخر أعدته "دائرة الأبحاث والدراسات" يحتوي على 40 بندا، ركزت 39 بندا منها على الطابع الحربي لهذه الحشود، بينما جاء في البند الأخير ما يأتي: "على رغم أن هذه المعلومات تتسم، للوهلة الأولى، بعلامات تنذر بوقوع الحرب، إلا أن الاحتمالات ضعيفة".
طلبت من مساعدي العمل فورا على تجنيد قوات احتياط جهاز الاستخبارات العسكرية، وإجراء الاستعدادات اللازمة لتجنيد كل قوات الاحتياط الأخرى. ولكنه نظر إلي باستغراب وذكر أن من المفروض أن تصدر أوامر تجنيد الاحتياط عن سلاح العمليات التنفيذية في هيئة الأركان. فأجبته بغضب: "أنا سلاح العمليات التنفيذية". وعقب مرور ساعتين، وبعد أن تبين لي أنه لم ينفذ أوامري لقنته درسا لن ينساه. وعندما طلب لقائي عقب نهاية الحرب لتقديم استقالته لم أتردد في قبولها. وعقب نهاية الحرب أيضا علمت أن اجتماعا كان انعقد في التاسعة صباحا من يوم الجمعة الخامس من تشرين الأول أكتوبر في مكتب وزير الدفاع، حضره رئيس الأركان ونائبه وقادة من هيئة الأركان العامة ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الذي عرض تقريرا حول آخر التطورات العسكرية على الجبهتين المصرية والسورية ذكر فيه "لا يوجد لدي تفسير محدد لترحيل عائلات الخبراء السوفيات من سورية. بالإمكان طرح تفسيرات عدة لذلك منها إمكانية اندلاع حرب". وفي ضوء هذا التقرير قرر رئيس الأركان، بموافقة وزير الدفاع، الإعلان عن حالة التأهب "ج" في الجيش، والتي تعتبر أعلى حالة للتأهب، واصدر أوامره بتجنيد قوات الاحتياط وتعزيز الوحدات العسكرية في سيناء والجولان.
في الساعة الرابعة بعد الظهر تسلمت في مكتبي ثلاث بطاقات من "دائرة جمع المعلومات" تتوقع جميعها اندلاع الحرب. وفي الساعة الخامسة دخل مكتبي أحد كبار مسؤولي وحدة المعلومات المركزية المعروفة باسم "الراصد" ووضع أمامي بطاقة أخرى كتب عليها أن مصر وسورية ستشنان حربا ضد إسرائيل. فطلبت من مساعدي تحويل هذه البطاقة إلى "دائرة الأبحاث والدراسات" وحاولت الاتصال برئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، ولكن موظفين في مكتبه أعلموني أنه مسافر إلى حيفا.
في التاسعة مساء تحدثت مع قائد القطاع الشمالي وقائد منطقة سيناء وطالبتهما باستدعاء الضباط الكبار في وحدات الاتصال التابعة لسلاح الجو. وبعد مرور دقائق قليلة اتصل بي قائد منطقة سيناء يرفض تنفيذ تعليماتي، وأن لديه نظام عمل خاصا به. ثم اتصل بي رئيس دائرة الاستخبارات في سلاح الجو العميد رافي وسألني مستغربا: هل تعتقد حقا بأن العرب سيهاجموننا، هل جننت؟ أجبته أني لا أؤمن بالاعتقادات ويجب استدعاء ضباط وحدات الاتصال. وعندما حاول التذرع بنظام العمل المتبع بين دائرته وجهاز الاستخبارات العسكرية كررت تعليماتي بغضب. عندئذ، وبفعل معرفته الجيدة بي، لم يتوان عن إصدار أوامره إلى قائد وحدة الاتصال التابعة لسلاح الجو في سيناء بتنفيذ تعليماتي. أتذكر أني شاركت مع العميد رافي ورئيس الأركان ورئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في أيلول سبتمبر عام 1973 في استقبال دايان أثناء قيامه بزيارة موقع قيادة منطقة سيناء. وتحدثنا خلال اجتماع هناك عن مهام هذا الموقع خلال الحرب. وفي سياق مداخلتي قلت أني أعارض القيام بعميلات بناء أخرى في هذا الموقع بسبب تكاليفها الباهظة، وعدم معرفتنا كم من الوقت سنبقى في سيناء. واقترحت استثمار نسبة كبيرة من قيمة هذه العمليات لتحسين مواقع أخرى في سيناء مثل موقع عين جدي، والتي سنستخدمها في حالة الطوارئ. إلا أن دايان وجه حديثه إلى رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، من دون أن ينظر ناحيتي، وقال: "لا تهتم بما يقوله. أكمل البناء بصورة جيدة قوية. سنبقى هنا 50 عاما أخرى".
*السبت السادس من أكتوبر: في الساعة الرابعة صباحا اتصل بي أحد مسؤولي "دائرة جمع المعلومات" وأخبرني أنه تحدث قبل دقيقة مع رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، وأعلمه أن الحرب ستقع اليوم وقبل المساء على الجبهتين المصرية والسورية. وصلت إلى مركز جهاز الاستخبارات في الرابعة والنصف صباحا واطلعت على آخر التقارير التي أشارت إلى إنهاء عملية إجلاء عائلات الخبراء السوفيات، وانسحاب سفن الأسطول السوفياتي من الموانئ المصرية والسورية إلى أماكن معينة في البحر. وفي الخامسة صباحا طلبت عقد اجتماع لمسؤولي دوائر جهاز الاستخبارات من اجل الاطلاع على آخر التقارير، وأصدرت أمرا إلى الواقع العسكرية ينص على امتناع الجنود عن مغادرة مواقعهم ابتداء من الساعة العاشرة صباحا. وفي الثامنة والنصف تلقيت تعليمات تطالب باستخدام كل الوسائل الممكنة لجمع معلومات حول تطورات الأوضاع العسكرية على الجبهات، وهو الأمر الذي كنت اقترحته في الثاني من تشرين الأول أكتوبر. وفي اللحظة ذاتها، أنهيت الاجتماع وطلبت عقد اجتماع عام آخر لمسؤولي الدوائر في الساعة الثانية بعد الظهر، أي قبل الموعد الذي حددناه لنشوب الحرب بأربع ساعات.
وخلال فترة قصيرة، تضاعف عدد الأشخاص في مركز جهاز الاستخبارات نتيجة تطوع أفراد سابقين للعمل، من بينهم عميد الاحتياط مردخاي الموغ مؤسس دائرة الردع والذي عينته مستشارا لي. وفي الساعة الثانية عشرة ظهرا عقدت اجتماعا في مكتبي لأعضاء قيادة دائرتي، استمر ساعة، علمت خلاله أن هيئة الأركان العامة ألغت قرارا كانت اتخذته سابقا بتنفيذه هجوم جوي في الساعة الواحدة بعد الظهر ضد قواعد سلاح الجو السوري بهدف تشويش الاستعدادات العسكرية العربية.
وفي الساعة الثانية إلا ربعا بعد الظهر انتقلت إلى مكتب القيادة المركزية في جهاز الاستخبارات استعدادا للاجتماع العام ولكن بعد مرور دقائق قليلة سمعت صوت صفارة الإنذار، واستغربت أن الساعة كانت الثانية بعد الظهر وليس السادسة كما توقعنا. وخلال دقائق انعقد اجتماع لكبار مسؤولي دوائر الجهاز وصلتنا خلاله باستمرار معلومات حول سير القتال على الجبهتين المصرية والسورية. فقد علمنا أن الاتصال مع المواقع العسكرية المتقدمة في الجولان انقطع بسبب عمليات القصف والتفجير السورية. وأغارت وحدة كوماندوس سورية على مواقع لقواتنا ودارت هناك معارك شرسة. وتحدثت المعلومات بصورة متواصلة عن عمليات قصف وتفجير لكل المواقع العسكرية في الجولان وسيناء منها موقع قيادة منطقة سيناء. ومساء ذلك اليوم علمنا باحتلال القوات السورية لمواقع في جبل الشيخ وسقوط أعداد كبيرة من جنودنا قتلى وجرحى.
وهكذا، فاجأت حرب أكتوبر 1973 الإسرائيليين، على رغم تحذيراتنا السابقة للحكومة الإسرائيلية وتقاريرنا التي توقعنا فيها اندلاع هذه الحرب. لكن حكومة مائير تجاهلت هذه التقارير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.