"ذبح الجنود الصرب زوجتي الجميلة آنيا وهي في العشرين من العمر ووحيدي محمد البالغ من العمر سنتين، ثم أحرقوا منزلي في بلدتي كينين ورحلوا. ماذا بقي لي بعد هذه المجزرة البشعة؟" هذه مأساة عز الدين بيهوفيتش الجندي في جيش البوسنة والهرسك، كما روى تفاصيلها ل"الوسط"، وهي مأساة تتكرر مع الكثيرين من أهالي جمهورية البوسنة والهرسك في مواجهتهم مع أفراد الجيش اليوغوسلافي الاتحادي والقوات الصربية. وقال لنا الضابط محمد حافظيتش المنسق في القيادة العسكرية العليا للعمليات الحربية في البوسنة والهرسك أن القوات الصربية "ترتكب أبشع المجازر وأفرادها يستسهلون القيام بتهديم الآثار التاريخية ومحو المعالم الإسلامية الدينية، كالمساجد ومعاهد تعليم القرآن الكريم وممارسة الأساليب الوحشية ضد المدنيين العزل وارتكاب الفظائع. وتقوم الميليشيات الصربية بعمليات قطع الأطراف وبقر بطون الحوامل، والاعتداء على السناء". ويتابع كلامه: "في مدن مثل براتونست وفلاسنستاوبيرنا سقط نحو 3 آلاف قتيل من السكان. وقال شهود العيان الذين فروا أن الصرب كانوا يقصفون المنازل ويهدموها فوق رؤوس سكانها، ويطاردون من يلجأ إلى المساجد فيهدمون المساجد بالدبابات ثم يدخلونها. ولم تسلم مقابر المسلمين من بربرية القوات الفيدرالية التي قامت بقصفها بالصواريخ". ويقول الضابط مصطفى شتاشين: "أن القوات الصربية قامت بإطلاق المرضى النفسيين المجانين من مستشفى "أيوكش" في مدينة دربنتا حيث تركوهم يتجولون في الشوارع عرضة لنيران القتال فسقط منهم العشرات. وفي مدينة برتونس كانوا يقطعون أصابع المسلمين على شكل علامة النصر الصربية - أي قطع إصبعين من الأصابع الخمسة، بل انهم كانوا يقبضون على الرجال في مدينة بيرنا التي تقع شرق البوسنة - الهرسك على الحدود الصربية، ويقومون بتعذيبهم قبل إعدامهم". ونسأل الضابط حافظيتش عن الوضع العسكري في البوسنة والهرسك فيقول: "نواجه وضعا عسكريا صعبا. فنحن نحارب 14 ألف جندي محترف من الجيش اليوغوسلافي الفيدرالي، إضافة إلى 200 ألف متطوع صربي، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك عددا مماثلا من ميليشيات جمهورية الجبل الأسود انضموا إلى الصرب، ونواجه ألف دبابة وما بين 250 و 300 طائرة حربية وآلاف المعدات الثقيلة والصواريخ. في مقابل ذلك لم تكن لدينا قيادة عامة للجيش في البوسنة والهرسك إلا منذ أسابيع لأننا كنا نخشى إذا شكلناها من أن يؤثر ذلك على الاعتراف الدولي بدولتنا. القيادة العامة للجيش أصبحت الآن جاهزة وهي تدير وتوجه العمليات الحربية من مقرها في ساراييفو". ويذكر حافظيتش أن عدد المتطوعين في جيش البوسنة والهرسك في ازدياد وبلغ عددهم في الفترة الأخيرة نحو 100 ألف متطوع بعضهم جاء من العالم الإسلامي ومن أوروبا، كما تم تشكيل فرق انتحارية لمواجهة الصرب. ووجه الضابط نداء إلى الدول الإسلامية لمساعدة مسلمي البوسنة والهرسك المحاصرين في مدن هذه الجمهورية والذين يقاتلون بشجاعة وبضراوة وقال: "أننا نريد من أخواننا المسلمين أن يمدونا بالسلاح فقط. لا نريد شيئا آخرا. نريد السلاح لا الغذاء للدفاع عن مدننا وقرانا ودولتنا ومواجهة البرابرة". ماذا على الصعيد السياسي والديبلوماسي؟ لم يستبعد وزيرا خارجية الولاياتالمتحدة وروسيا الاتحادية جيمس بيكر وأندريه كوزيريف استخدام القوة ضد صربيا لفرض انسحاب قوات الجيش اليوغوسلافي الاتحادي من الجمهورية. واتفق الوزيران على أن يقوم كوزيريف بمحاولة جديدة لدى سلطات بلغراد لإقناعها بالتعاون مع المجتمع الدولي، قبل البدء بتنفيذ العقوبات الاقتصادية، التي أصبحت خططها جاهزة، سواء لدى دول المجموعة الأوروبية أو في أروقة الأممالمتحدة. وفي خطاب "عاطفي" ألقاه بيكر أمام المؤتمر، وتحدث فيه عن ما أسماه التعامل "البربري" مع المرضى والأطفال في البوسنة، حث الدول الأوروبية على الاضطلاع بدور رئيسي لفرض عقوبات اقتصادية على صربيا. وربما القيام بنشاط عسكري. ولعل أبرز الإشارات إلى أن التحضير لعمل عسكري قطع شوطا كبيرا، جاءت من وزير خارجية البرتغال خوان بينهيرو الذي قال أن المجموعة الأوروبية ستستخدم جميع الوسائل المتوفرة لفتح مطار ساراييفو الذي تسيطر عليه حاليا القوات الصربية. وقالت المصادر الديبلوماسية انه من المرجح أن يصدر مجلس الأمن قرارا بضرورة فتح المطار لنقل المساعدات الإنسانية، على أن يتولى اتحاد الدول الغربية التسع، بالتعاون مع حلف شمال الأطلسي، تأمين القوات اللازمة لمثل هذه المهمة، التي قد تتسع لتشمل إقامة منطقة آمنة للمسلمين والكروات في البوسنة والهرسك على غرار ما أقيم للأكراد في شمال العراق، خصوصا أن موجات المهجرين من قراهم ومدنهم في البوسنة والهرسك لا تقل حجما ومأساوية عن موجات هجرة الأكراد الشهيرة. ويقدر مكتب مفوضية اللاجئين العليا التابعة للأمم المتحدة في بلغراد عدد اللاجئين داخل الجمهوريات اليوغوسلافية بمليون ونصف مليون شخص، وعدد اللاجئين إلى الدول الأوروبية المجاورة بما لا يقل عن 300 ألف. أما الذين غادروا البوسنة والهرسك فيبلغ عددهم أكثر من 600 ألف شخص. وسيعقد اجتماع في زغرب عاصمة كرواتيا في أوائل هذا الشهر وسيضم دولا عربية وإسلامية إضافة إلى دول المجموعة الأوروبية لوضع خطة متكاملة لإمداد اللاجئين بالحاجات الرئيسية. ويسود الأوساط الأوروبية أن هذا التوسع لن يتم عبر القتال مع قوات الجيش اليوغوسلافي الاتحادي، إنما عبر فرض العقوبات الاقتصادية على صربيا والتفاوض على انسحاب هذا الجيش من المناطق التي ترى القوات الدولية ضرورة وجودها فيها لحماية اللاجئين وإمدادهم بالمساعدات. وأعرب مجلس الوزراء السعودي في جلسته الأسبوع الماضي برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز "عن شديد استيائه إزاء استمرار الاعتداءات الصربية على مسلمي جمهورية البوسنة والهرسك، وطالب العالم الإسلامي والصديق باتخاذ خطوات سريعة وفعالة تحفظ للسكان هناك هويتهم وشخصيتهم وتراثهم".