"الدغري" احدث مسلسلات دريد لحام التلفزيونية عرض اخيراً في سورية والاردن، ودخل في برامج العروض في تلفزيونات عربية عدة... ودريد لحام مشغول هذه الايام في تحضير عملين مسرحيين، واحد للكبار عنوانه "صانع المطر" والآخر للأطفال هو "المملكة السعيدة". وينشط الفنان السوري في المسرح والتلفزيون والسينما، طابعاً بصماته الخاصة في المجالات الثلاثة. "الوسط" التقت دريد لحام، وكان هذا الحوار حول جديده الفني وآرائه في علاقة الفن بالجمهور: * اعتاد الناس ان يقدم لهم دريد لحام عملاً مسرحياً جديداً كل ثلاث سنوات تقريباً الا تعتقد ان اعمالك المسرحية قليلة بعض الشيء؟ - يحتاج العمل المسرحي الى استعدادات طويلة حتى يخرج الى الوجود، وآخر عمل قدمته كان "شقائق النعمان" الذي عرض في اكثر البلاد العربية وفي الولاياتالمتحدة وكندا واوستراليا والمانيا وفي بلدان افريقية. و "شقائق النعمان" مسرحية تحكي عن ضياع مواطن عربي خاض حرب 1973، وظُن انه استشهد، الا انه كان في الواقع اسيراً، وعندما يعود من اسره يكتشف ان الكثيرين استغلوا اختفاءه ليحققوا مكاسب شخصية. تصيبه من جراء ذلك حالة من الضياع، فيخطط للهجرة الى المجهول هرباً، لكنه يقرر في النهاية البقاء مع القناعة ان الخطأ لا يحارب بالخطأ بل يحارب بالمواجهة. * تجهّز حالياً لتقديم عمل مسرحي جديد؟ - أحضّر حالياً عملين مسرحيين دفعة واحدة: "المملكة السعيدة" اجتماعي موجه الى افراد الاسرة وخصوصاً الاطفال. يحضّ الصغار على التعلم وحب الوطن والعمل، وهي المبادئ الاساسية التي يجب غرسها في فكر اي صغير مهما كان انتماؤه وقوميته. اما العمل الثاني "صانع المطر" فهو سياسي اخذت فكرته الاساسية عن المسرحية الاميركية "صانع المطر" لريتشارد فيل، وتبيّن المسرحية انه لا بد لأي امة تسعى لبناء ذاتها وقوتها، الابتعاد عن استيراد حلول الآخرين لمشاكلها. لأن الحلول المستوردة تأتي دائماً على حساب الوطن. واتوقع ان يُعرض العملان خلال شهر في سورية. التنفيس والتحريض * اشتهرت بأعمالك الناقدة للواقع العربي، لكن كثيرين يقولون انك تقدمها للمواطن في اطار تنفيسي وليس تحريضياً، ماذا تقول؟ - لا يوجد في الفن شيء اسمه تنفيسي وآخر اسمه تحريضي، ولا يمكن اعتبار الناس "بالونات" تنفخها وتنفسها. ان ارادة التحريض موجودة عند المتلقي فان كانت عنده يتحرك، وان لم تكن هذه الارادة موجودة في الاصل، لن يتحرك حتى لو شككته بمسلة، ولا يشترط في العمل الفني ان يجبر المشاهد على تصرف معين او يمنعه عن تصرف آخر بل يبقى العمل الفني كمحرك للفكر فقط فاما ان يحرّض فكراً يمتلك صاحبه ارادة التغيير، فيتحرك، او لا يستطيع اذا كان المتلقي لا يمتلك هذه الارادة. * تتسم معظم الاعمال المسرحية العربية بالطرافة وحسّ الفكاهة وهي بذلك مسرحيات ترويحية مسلية، هل وجود هذه المسرحيات يخوّلنا القول بأننا نمتلك مسرحاً عربياً؟ - للمسرح السوري والمسرح العربي حال واحدة، والحديث عن احدهما كأنه حديث عن الآخر. وبشكل عام، المسرح العربي لم يعبر عتبة التجارب التي يقوم بها اشخاص نشيطون، تنشط بوجودهم وتغيب بغيابهم، وهو بذلك لم يعبّر حتى الآن عن حركة مسرحية ذات ملامح عربية واضحة. * أيمكننا القول ان المسرح العربي ليس الا مجرد اقتباس عن المسرح العالمي؟ - تماماً لأن معظم الاعمال المسرحية العربية، هي اعمال مترجمة، اي ان مسرحنا يترجم الاعمال الاجنبية لتصبح ناطقة بالعربية، او فرنسي ناطق بالعربية. وعليه، لا يمكن لنا اعتبار ما يقدم من اعمال، مسرحيات عربية بل سهرات مسلية، نستطيع ان نقدم مثلها في التلفزيون او في اي مكان آخر لكن لا يمكن لنا ان نصنفها مسرحاً. تطوير المسرح العربي * اذاً، من أين علينا ان نبدأ لننهض بمسرح عربي؟ - لتطوير واقع المسرح العربي يجب ان ننطلق اولاً من النص المسرحي، على كتّابنا ان يتجهوا الى عمق الواقع العربي الى البيئة المحيطة، الى رحم الوطن، ويأخذوا من همومه وآلامه وأفراحه وأحزانه ويكتبوا عنها، عندها يصبح المسرح الذي يعتمد على هذه النصوص مسرحاً عربياً. وهناك عامل آخر له دور في دفع واقع المسرح العربي الى الامام، هو وجود الكادر الفني القادر على خلق جو من التفاعل مع الجمهور في صالة المسرح، حتى يصبح العمل المقدم عملاً مسرحياً لأن غياب التفاعل بين الممثلين والجمهور يحول المسرحية الى سيرك هزلي. * بدأت بالمشاركة في اعمال سينمائية متواضعة ثم تميزت في الفترة الاخيرة، كيف تقوّم اعمالك السينمائية من خلال ما قدمته حتى الآن؟ - اعمالي السينمائية التي اعتز بها بدأت بفيلم "الحدود" ثم "التقرير" ثم "الكفرون" والافلام التي قدمتها قبل ذلك لست راضياً عنها واتمنى لو لم انجزها، لكني اذا عدت وعشت عمري مجدداً، سأرتكب الاخطاء نفسها لأنني اصلاً تعلمت من هذه الاخطاء، فأنا لم اتخرج من اكاديمية فنية بل تخرجت من الجامعة واحمل شهادة في الفيزياء والكيمياء وتعلمت اصول العمل الفني من مشاهداتي وقراءاتي وممارستي التمثيل في كواليس التلفزيون والمسرح. * "الكفرون" من التجارب العربية القليلة الناجحة في الانتاج السينمائي للاطفال، هل ستحاول تكرار التجربة في فيلم آخر؟ - اعتدت ان لا اقدم اي عمل اذا لم تكن لدي القناعة التامة بأنه اصبح جديراً بالمشاهدة سواء في المسرح او السينما، وان شاء الله سأقدم عملاً سينمائياً جديداً للاطفال يحمل اسم "الآباء الصغار"، وأرجو انجازه بسرعة لكني لا ادري متى تحديداً كوني اعمل دائماً في عدم جعل الزمن سيفاً مسلطاً على رقبتي، لأن العمل الفني يتولد توليداً ولا اعرف متى يولد، وكل ما يأتي به الغد خير. * يلاحظ ان اعمالك للاطفال تأخذ النصيب الاكبر من مشاريعك المقبلة، لماذا هذا الاتجاه الجديد؟ هل لأنك فقدت الامل بالكبار؟ - لم افقد الامل بالكبار لكني أحب الاطفال، وأحب التعامل معهم من فترة بعيدة، كنت سابقاً اخاف تقديم اي عمل لهم كوني احبهم، وكنت اقدم للكبار حصراً لأن لديهم عقلاً يستطيعون من خلاله تحليل ما يتلقونه فإما يقبلوه او يرفضوه، لكن الصغير ليست لديه هذه المحاكمة، وهو ان احب شخصاً تعلم منه كل شيء وربما اشياء مؤذية، وهذا خطير جداً، لذلك تأخرت في العمل لهم حتى شعرت اني امتلكت الثقافة الكافية والخبرة التي تجعلني قادراً على مخاطبة الصغار. وهذا لا يعني ان انحصر مستقبلاً في عالم الاطفال، لكني يمكن ان اخصص لهم اعمالاً اكثر. "لست إذاعياً" * هناك فتور بينك وبين الاذاعة، خصوصاً في الفترة الاخيرة؟ - لست إذاعياً في الاصل، ولم اقدم للاذاعة سوى اعمال بسيطة في المناسبات، لأنه لا يعقل ان يعمد طبيب عيون الى اجراء جراحة عظمية، وانا تلفزيوني ومسرحي وسينمائي لكني لست اذاعياً اطلاقاً، ومهما كان للاذاعة من انتشار فلن استطيع التعامل معها، لأنها تحتاج الى خبرات ليست موجودة عندي. * حققت انتشاراً عربياً كبيراً من خلال شخصية غوار الطوشة" الشعبية، لكنك اخيراً تبتعد عن "غوار" كأنك تحاول التملص منه، او كأنه شيء من الماضي الذي تحب ان تنساه. هل تشعر ان "غوار" انتهى؟ - احاول ان اكون، في اعمالي الاخيرة، اميناً للنص اكثر من امانتي لشخصية معينة، وعندما يفترض وجود "غوار" فأهلاً وسهلاً به، لكن عندما لا يستوعب العمل شخصية "غوار" فلا داعي لوجوده وذلك لنمنع الاساءة الى العمل الجديد بإقحام شخصيات لا يتحملها ولنمنع الاساءة ايضاً لشخصية "غوار" في دور لا يلائمه اصلاً. * ألا تحاول ان تبعث شخصية "غوار" في نصّ ملائم؟ - الامر يحتاج الى كتابة خاصة، وللكتابة شكلان: اما ان تكتب لشخصية معينة، او تكتب فكرة تحاول ابرازها وتبحث عن شخصيات يمكن ان تجسدها. وانا حالياً أميل الى الشكل الثاني، بأن اكتب ما اشعر به، وما افكر به وما اعانيه وما أراه وأبحث عن شخصيات تلائم هذه الرؤى. * انفردت في كل الاعمال التي قدمتها بالبطولة، واتت باقي الشخصيات لتسند ادوارك الرئسية، الا يوجد في ذلك شيء من الانانية؟ - هل رأيت فيلماً من دون بطل محوري؟ ففي اي عمل هناك بطل وابطال، ممثلون رئيسيون وممثلون مساندون، نجد ذلك في السينما وفي التلفزيون وفي المسرح، هناك شيء اسمه البطل، بطل القصة الذي تدور حوله الاحداث. "الدغري" عن قصة تركية * آخر عمل لك على الشاشة الصغيرة مسلسل "الدغري". وكباقي اعمالك الاخرى يحمل "الدغري" نفساً سياسياً نقدياً؟ - "الدغري" مسلسل تلفزيوني مقتبس عن قصة تركية بعنوان "زوبك" للكاتب عزيز نيسين، انجز الاقتباس الدكتور رفيق الصبان محافظاً على الخط المحوري للقصة التركية مع ادخال بعض الاضافات، وانا في هذا العمل لا احاول ان اصل الى شيء، وكل ما أحاول ان اظهره ان على الانسان مواجهة اولئك الذين يدعون السلطة متلاعبين على حبال الخوف عند البسطاء وهم في الواقع لا يمثلون الا الصفر. * يلاحظ انك تحاول في اعمالك الاخيرة الابتعاد عن المجموعة التي انطلقت معها، هل تباعدت المصالح ام هناك عوامل اخرى؟ - في الفن لا يوجد شيء اسمه مجموعة مستمرة او غير مستمرة، طبيعة العمل تفرض الشخصيات، من تتناسب شخصيته مع الدور المكتوب على الورق يجب ان يمثل لكن ليس من المعقول ان تقحم شخصيات في اي عمل لمجرد التعامل معها سابقاً، وانا في المسرح ما زلت امثل مع المجموعة نفسها التي انطلقت معها في "ضيعة تشرين" وقدمت معهم "غربة" و "كاسك يا وطن" و "شقائق النعمان" وسأقدم معهم ايضاً المسرحيتين الجديدتين. * الى أين وصل العمل التلفزيوني العربي في رأيك؟ - يتقدم التلفزيون بشكل عام بخطى ثابتة وناجحة في انتاجه وذلك لنجاحه في تحقيق تزاوج بين القطاعين العام والخاص، فاستطاع التخلص من اشياء كثيرة كانت تعيق تطوره، ويتهيأ لي ان التلفزيون سيأخذ هويته العربية قبل السينما والمسرح. * ترجع نجاح البرامج التلفزيونية الى تزاوج القطاعين العام والخاص في انتاجهما، هل يمكن ان نصل الى النتائج نفسها بالاسلوب نفسه في فروع الفن الاخرى؟ - الفن لا يفهم القطاع العام والخاص، لا يفهم البيروقراطية ولا يفهم القوانين الحادة. الفن حالة شخصية، لا يمكن تقديمه ضمن قناة ربما تحتاج موافقة وزير ليتم عرضه، الفن حالة من الجنون الجميل وينبغي ان نساعد الفنان على اظهار امكاناته وابداعاته، لكن عندما ندخل في دوامات البيروقراطية والروتين الحكومي، يتدمّر الفن. وفي رأيي يبدأ الفن في القطاع الخاص وينتهي بامكانات القطاع العام، لأنه لا يمكن صنع ملحن لمجرد اننا وظفناه في الاذاعة على انه ملحن. لا بد من التزاوج بين القطاعين لتحقيق النجاح. فتقسيم الفن بين قطاع عام وخاص يعتبر خطأ كبيراً، يخلط الامور ببعضها، فأنصار القطاع العام يتهمون الخاص انه سيئ وتجاري، وانصار القطاع الخاص يتهمون العام انه متقوقع وبيروقراطي ولا يصل الى الناس، وتستمر عملية تبادل التهم التي لا اساس لها لأنه ليس هناك داعٍ في الاصل لتسمية قطاعين للفن.