رجل اسمه رودني كينغ، لا تعني هويته شيئاً لأحد، جعل العالم يكتشف ان الولاياتالمتحدة، القوة العظمى الوحيدة على الارض، تستطيع ان تربح معارك خارجية كبرى وتاريخية كالانتصار على الامبراطورية السوفياتية والشيوعية وعلى العراق وان تقود تحالفات سياسية وعسكرية مهمة، وان تحرك المجتمع الدولي في الاتجاهات التي تريدها، لكنها لا تستطيع ان تهرب من نفسها ومن ازماتها الداخلية، ولا يمكنها ان تغطي بانتصاراتها الخارجية امراضها ومشاكلها الداخلية. رجل اسمه روندي كينغ جعل دول العالم تكتشف، ايضاً، انها معنية مباشرة بما يحدث في الدولة الاولى على الارض، لا فارق اذا كانت تؤيد سياسات حكامها ام تعارضها، وجعلها تكتشف انها لا تستطيع الا ان تشعر بالقلق وتطرح الكثير من التساؤلات حول انعكاسات هذا الحدث او ذاك على هذه المنطقة او تلك، وعلى الدور الاميركي في الساحة الدولية. فالعالم كله مرتبط، بشكل او بآخر، بالولاياتالمتحدة، المسؤولة الاولى عن النظام العالمي الجديد. فليس هناك حدث داخلي كبير يقع في الساحة الاميركية ويبقى داخلياً، بل يتحول هذا الحدث - بسبب اهمية الدور الاميركي وبسبب وسائل الاعلام المختلفة، خصوصاً التلفزيون - الى حدث داخلي في الكثير من دول العالم، ويصبح هو "الخبر الاول" فيها. ونحن، كعرب، سواء كنا نتعاطف مع ادارة بوش ونؤيدها ام لا، رأينا انفسنا نتابع بكثير من الاهتمام - سواء من منطلق النقد والتشفي او من منطلق الشعور بالقلق - ما جرى في لوس انجيلس، ثاني اكبر المدن الاميركية، من اضطرابات عنصرية واعمال عنف وشغب هي الاسوأ التي شهدتها الولاياتالمتحدة منذ 50 سنة، بل ربما منذ مطلع هذا القرن، وفقاً لما يقوله المحللون الاميركيون انفسهم. ما الذي حدث في لوس انجيلس؟ ولماذا انفجرت المدينة واحترقت؟ وماذا يعنينا، نحن كعرب، من هذه الاضطرابات وانعكاساتها المختلفة؟ وما هي التساؤلات التي نطرحها على انفسنا نتيجة هذه الاحداث؟ *** قصة ايام لوس انجيلس السوداء هذه بدأت مع رجل اسمه رودني كينغ، وبعد ايام قليلة فقط من اعلان وقف اطلاق النار في حرب الخليج اثر هزيمة العراق. رودني كينغ، مواطن اميركي اسود، لم يبلغ الثلاثين من العمر، من اصحاب السوابق اذ امضى فترة في السجن لقيامه بعملية سطو مسلح كان يقود سيارته بسرعة فائقة ذات ليلة من مطلع آذار مارس 1991 في لوس انجيلس، حين طاردته سيارة شرطة وأرغمته على التوقف للتدقيق في هويته وتسجيل مخالفة بحقه. وطلب رجال الشرطة من كينغ مغادرة سيارته، ثم انهال عليه اربعة منهم بالهراوات فأشبعوه ضرباً وأصابوه بكسور عدة في انحاء مختلفة من جسمه. وصدف ان كان مواطن اميركي آخر ماراً امام مكان الحادث، فصور عملية الضرب الوحشية على شريط فيديو، ثم تم عرض هذا الشريط تبلغ مدته 81 ثانية على شاشات التلفزيون في اميركا والعالم. وتم اعتقال واستجواب رجال الشرطة الاربعة، وجرت محاكمتهم في لوس انجيلس وصدر الحكم عليهم بالبراءة يوم الاربعاء 29 نيسان ابريل الماضي. وأصدرت هذا الحكم هيئة محلفين مؤلفة من 12 شخصاً ليس بينهم اي مواطن اسود. وبسرعة رد السود على حكم البراءة المجحف هذا، فانفجرت اعمال العنف والشغب في لوس انجيلس - خصوصاً في جنوب وسطها - وأشعلت الحرائق ونفذت عمليات انتقام وقتل ضد مواطنين بيض، وانتشرت اعمال السرقة والنهب، وتحولت هذه الاضطرابات العنصرية الى اسوأ ما شهدته الولاياتالمتحدة منذ 50 سنة على الاقل. وأطلق الصحافيون الاميركيون والاوروبيون على لوس انجيلس لقب "بيروت الاخرى". وأسفرت هذه الاضطرابات التي استمرت 3 ايام عن مقتل 58 شخصاً واصابة اكثر من 2100 بجروح من ضمنهم 225 اصابتهم خطرة واعتقال اكثر من 9400 شخص، وتعرض 10 آلاف مبنى لعمليات تدمير ونهب، بينها 3100 متجر اتت عليها النيران او لحقت بها اضرار فادحة. وقدرت الخسائر الاولية بأكثر من مليار بليون دولار، واضطر الرئيس بوش الى ارسال قوات من الجيش بعضها شارك في حرب الخليج الى المدينة التي شهدت انتشار 13 الف رجل من ضمنهم عناصر الشرطة المحلية والحرس الوطني ومشاة البحرية، لضبط الامن فيها ومنع تجدد اعمال العنف والشغب. وأكد بوش، في خطاب تلفزيوني، انه سيستخدم "كل القوة اللازمة" لاعادة الامن الى المدينة، معتبراً ان قرار تبرئة رجال الشرطة الاربعة مجحف لذلك طلب من هيئة محلفين فيدرالية اعادة التحقيق في هذه القضية ودرس امكان اعادة المحاكمة. وامتدت الاضطرابات واعمال الشغب الى هوليوود، وكذلك الى مدن اخرى - وان بمستوى اقل عنفاً - مثل لاس فيغاس ونيويورك وسان فرانسيسكو واتلانتا ودنفر وسياتل. وتدخل رودني كينغ نفسه فوجه نداء عبر التلفزيون الى "اخوانه السود" يناشدهم وقف اعمال العنف. وقد طلب بوش ان تخصص الدولة 600 مليون دولار كمساعدة لإصلاح الاضرار في لوس انجيلس. "ليسوا جزءاً من الحلم الأميركي" ما جرى في لوس انجيلس هو "نموذج مصغر" لمشكلة مزدوجة يعاني منها المجتمع الاميركي، وهي مشكلة لم تبدأ مع ادارة بوش ولن تنتهي معها. وهذه المشكلة المزدوجة هي: وجود تمييز عنصري فعلي وعلاقات متوترة بين البيض والسود، وتزايد المشاكل الاجتماعية نتيجة الركود الاقتصادي. واذا كانت لوس انجيلس تميزت، هذه المرة، بعنف وشراسة الاضطرابات، فليس ذلك ناتجاً، فقط، عن كون "الحادث" وقع فيها، بل هو ناتج ايضاً عن ان لوس انجيلس هياحدى اكثر المدن الاميركية التي شهدت تغييرات كبيرة في تركيبتها السكانية والعرقية، اذ يشكل "الاميركيون البيض الاصليون" اقلية فيها. ووفقاً للاحصاءات الرسمية فان 49 في المئة من سكان هذه المدينة هم من الاقليات الاسبانية والآسيوية، و13 في المئة هم من الاميركيين السود. كما تتميز هذه المدينة بأعمال العنف التي يقوم بها السود غالباً وبالقسوة الشديدة التي يتعامل فيها رجال الشرطة والامن مع السود وأبناء الاقليات غير البيضاء. لكن المشكلة الحقيقية، بالطبع، ليست امنية او سياسية، وليست محصورة في لوس انجيلس. وقد حرض الزعماء الاميركيون السود الذين التقوا بوش، بعد انفجار اعمال العنف، على توضيح الامورالآتية له: 1- ان أكبر مشكلة يجب ان تتصدى لها الادارة الاميركية حالياً ليست مشكلة المخدرات او ذيول انهيار الامبراطورية السوفياتية، بل التمييز العنصري وما ينتج عنه من توتر في العلاقات بين البيض والسود وبين البيض وسائر الاقليات الاخرى. 2- الاضطرابات ليست مجرد "حادث امني" او نتيجة رد فعل السود على قرار المحكمة الظالم بتبرئة رجال الشرطة الاربعة، بل ان الاضطرابات انفجرت بهذا العنف نتيجة مشاكل تتعلق بالفقر والبطالة والتمييز العنصري وشعور السود بأنهم "ليسوا جزءاً من الحلم الاميركي". 3- معالجة هذه الاضطرابات لا تكون، فقط، بضبط الامن، بل باتخاذ اجراءات عدة لمعالجة جذور المشكلة الاقتصادية - العنصرية - الاجتماعية. وفي هذا النطاق طالب الزعماء السود بوش بتأليف لجنة رفيعة المستوى لمعالجة قضية التمييز العنصري وتقديم اقتراحات عملية وملموسة لازالة هذا التمييز. العنصرية في النفوس والواقع انه لا يمكن فصل قضية التمييز العنصري عن الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها الولاياتالمتحدة منذ بضع سنوات. ذلك ان السود يعانون، نسبياً، اكثر من البيض، من هذه الازمة، وهذا بدوره يزيد من مشاعر الغبن لديهم ومن اعمال العنف ولا يساعد على ازالة التمييز العنصري في العلاقات بين المواطنين الاميركيين. فالأزمة الاقتصادية - الاجتماعية ناتجة عن ركود اقتصادي، وتدهور الصناعة الاميركية والقوة الشرائية، وضعف القدرات التصديرية، وعن عجز في الموازنة للعام 1992 يبلغ 400 مليار بليون دولار. وفي الوقت الذي ازداد الانفاق على التسلح والدفاع - خصوصاً في عهد ريغان - تقلصت المبالغ المخصصة لتمويل الخدمات الاجتماعية والصحية وبرامج مساعدة الفقراء - وهي خدمات يفيد منها السود - في الوقت الذي ارتفعت نسبة الفقراء والعاطلين عن العمل. لذلك ذهب بعض المعلقين الى القول ان اضطرابات لوس انجيلس هي "بين الذين يملكون والذين لا يملكون". وللوهلة الاولى، قد يبدو غريباً الحديث عن التمييز العنصري والاضطهاد العنصري والعرقي في بلد "الحريات والديموقراطية" وايضاً في مجتمع قام، اساساً، على "المهاجرين والاجانب". لكن الحقيقة ان "التمييز العنصري" ازيل من النصوص، لكنه بقي في النفوس. فعلى رغم ان العبودية الغيت، رسمياً، في اميركا بعد الحرب الاهلية 1861 - 1865 الا ان التمييز العنصري ضد السود ظل مستمراً حتى الخمسينات من هذا القرن، حين كان البيض يتعاملون مع سائر الاقليات على اساس "تفوق الرجل الابيض". وتمكنت حركة الحقوق المدنية في تموز يوليو 1964 من تمرير قانون الحقوق المدنية الذي يفترض ان يؤدي تطبيقه الى القضاء على التمييز العنصري تدريجياً. وقد ادى تبني هذا القانون الى رصد اموال اضافية خصوصاً في الستينات والسبعينات للانفاق على برامج اقتصادية واجتماعية لرفع مستوى المعيشة بين السود والاقليات الاخرى. ونتيجة ذلك طرأ تحسن نسبي على اوضاع السود وظروفهم المعيشية فأصبحت هناك "بقعة متوسطة سوداء"، لكن في الوقت نفسه ظل عدد الذين يمارسون مهناً حرة رفيعة كالمحاماة والطب والهندسة قليلاً 3 في المئة من عدد الاميركيين السود في الوقت الذي نرى، مثلاً، ان 25 في المئة من سائقي الاوتوبيسات هم من السود. ويشكل السود نسبة 13 في المئة من عدد سكان اميركا. الملفت للانتباه ان هذا التحسن النسبي لأوضاع السود رافقه تزايد الجرائم وأعمال العنف المنسوبة اليهم، الى حد ان 45 في المئة من السجناء هم حالياً من السود. ونتج عن ذلك تزايد مشاعر الحذر والخوف لدى البيض تجاه السود. وقد اظهر استفتاء للرأي العام الاميركي اجري بعد حوادث لوس انجيلس ان 50 في المئة من الاميركيين البيض يعتبرون قرار تبرئة الشرطيين الاربعة "خاطئاً"، لكنهم في الوقت نفسه يعترفون بأنه "يمكن تفهم هذا القرار" بسبب العلاقات المتوترة بين البيض والسود. ولخّص احد المعلقين الاميركيين هذا الوضع بقوله: "الحكم بتبرئة الشرطيين الاربعة تعبير عن خوف البيض من جرائم السود وأعمال العنف التي يرتكبونها. ويعتبر البيض، عموماً، انهم يجب الا يتحملوا هم مسؤولية مشاكل السود". في المقابل يعترف الاميركيون السود بأن "معظم العقبات" امام تقدمهم في المجتمع الاميركي قد ازيلت، فعلاً، من النصوص والقوانين، لكنهم يقولون ان المشكلة لا تزال في النفوس وفي الممارسات اليومية، ويضيفون ان مشاكل التمييز العنصري تتفاوت بين مدينة وأخرى وفقاً لحجم وجود السود فيها. ويقول السود، ايضاً، انهم لم يحققوا "المكاسب" التي حققوها الا نتيجة "المواجهات" التي قامت بينهم وبين البيض. وهذا يعني ان السود يعتبرون انهم لا يستطيعون تحقيق مكاسب اضافية الا عن طريق "المزيد من المواجهة" مع البيض. وهذا ما يزيد من خطورة احداث لوس انجيلس. وهناك بعد آخر للمشكلة. فبالاضافة الى وجود "عدم ثقة" بين البيض والسود، فان بعض المعلقين السياسيين الاميركيين يقول ان السود انفسهم يعانون من مشكلة "عدم ثقة بذاتهم". وقد ظهر ذلك واضحاً من دراسة اجراها مركز جامعي في شيكاغو غام 1990 وتبين فيها ان 53 في المئة من الاميركيين السود يعتبرون انهم "اقل ذكاء من البيض" و51 في المئة منهم يعتبرون انهم "اقل وطنية" من البيض. ووجود "عقدة النقص" هذه لدى السود - اياً تكن اسبابها - تزيد من تعقيد العلاقات مع البيض. أسئلة عربية حجم المشاكل التي تثيرها احداث لوس انجيلس اكبر من ان تستطيع ادارة بوش حلها خلال فترة زمنية قصيرة. فهذه المشاكل عمر بعضها من عمر نشوء اميركا، وبعضها الآخر تعود جذوره الى عهد ادارة ريغان. لكن هذه المشاكل تجعلنا، كعرب، نطرح الاسئلة الآتية: 1- هل يمكن ان يكون النظام العالمي الجديد - ونحن معنيون به - عامل استقرار وسلام في العالم اذا لم تكن الولاياتالمتحدة مستقرة، وهي التي تشكل ركناً اساسياً من اركان هذا النظام؟ الجواب على ذلك هو ان العالم اصبح اليوم يتأثر بانعكاسات ما يجري في الولاياتالمتحدة - شئنا أم أبينا - بصورة اكبر بكثير مما كان الحال في السابق، كون الولاياتالمتحدة هي حالياً - شئناً ام ابينا - القوة العظمى الوحيدة بعد انهيار الامبراطورية السوفياتية. وهذا الوضع يلقي على ادارة بوش مسؤولية اكبر في معالجتها احداثاً خطرة كأحداث لوس انجيلس، اذ ان هذه الاحداث ليست "شأناً اميركياً داخلياً" بل اصبحت، نتيجة الدور الاميركي في الساحة الدولية، شأناً عالمياً يهم الكثير من الدول. 2- هل تشكل هذه الاحداث خطراً على بوش وهل تحول دون انتخابه رئيساً للولايات المتحدة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل؟ السؤال مطروح، بل ان البعض سارع الى تشبيه بوش بالرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف الذي كان يتمتع برصيد كبير في العالم بسبب انشائه علاقات سلمية تاريخية مع الولاياتالمتحدة والغرب، لكن رصيده الداخلي كان ضعيفاً بسبب عجزه عن ايجاد حل لمشاكل الاتحاد السوفياتي الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية. فهل تقضي احداث لوس انجيلس على فرص فوز بوش بالرئاسة لولاية ثانية؟ يستبعد المراقبون المطلعون سقوط بوش نتيجة هذه الاحداث على رغم محاولة خصومه الديموقراطيين - خصوصاً منافسه الديموقراطي الأبرز بيل كلينتون - استغلالها ضده، وعلى رغم تراجع شعبية بوش في استطلاعات الرأي العام بعد هذه الاحداث. ولعل السبب في ذلك هو ما اشار اليه احد المعلقين الاميركيين بطرحه السؤال الآتي: من يكسب اصواتاً اكثر؟ المرشح الذي يركز على الحقوق المدنية وضرورة ازالة التمييز العنصري والبطالة والفقر، اوالمرشح الذي يركز على ضرورة فرض هيبة النظام والامن؟ 3- هل تؤدي هذه الاضطرابات الى خفض قيمة المساعدات الخارجية الاميركية الى الدول الاخرى؟ وهل يمكن ان تدفع اسرائيل جزءاً من الثمن عن طريق خفض او عدم زيادة المساعدات الاميركية لها او وضع شروط عليها؟ الاحتمال وارد جدياً، خصوصاً ان اصواتاً - بين البيض والسود - ارتفعت خلال الاضطرابات تطالب بتحويل قسم من المساعدات الخارجية الى الداخل لمعالجة مختلف المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والقضاء على جذور التوتر العنصري والاجتماعي في الولاياتالمتحدة. فكلما انفجرت قضية داخلية بهذا الحجم سيكون من الصعب على الادارة الاميركية - اية ادارة - تقديم مساعدات وقروض وبسهولة الى الدول الاخرى، خصوصاً اذا كانت هذه الدول - مثل اسرائيل - تتبنى مواقف تتعارض مع المصالح الاميركية في هذه المنطقة او تلك. وقد لوحظ ان حليفين بارزين لبوش هما الرئيس ميتران والمستشار الالماني هلموت كول انتقدا، بشكل او آخر، سياسة بوش الاقتصادية والاجتماعية واعتبرا ان هذه السياسة هي وراء الاضطرابات الاخيرة. ويقول الفرنسيون والالمان ان نظام الخدمات الاجتماعية والصحية والطبية في فرنسا والمانيا وفي بعض الدول الاوروبية الاخرى - وهو نظام لا وجود له في الولاياتالمتحدة - يشكل "صمام الامان" لمنع الانفجارات الاجتماعية او لتقليص حدتها ويبرر انفاق مبالغ كبيرة عليه. ويأمل بعض حلفاء اميركا من الاوروبيين ان تعمد ادارة بوش الى انفاق الاموال على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. 4- هل تؤدي احداث لوس انجيلس الى تقوية التيار الانعزالي الذي يرفع شعار "اميركا اولاً"؟ وهل تنكفئ الولاياتالمتحدة على نفسها وتهتم بمعالجة شؤونها الداخلية وتقلص من اهتماماتها الخارجية؟ التيار الانعزالي سيقوى، بلا شك، بعد احداث كهذه، وخصوصاً في ضوء غياب "عدو رئيسي كبير" لأميركا، خصوصاً بعد زوال الاتحاد السوفياتي وامبراطوريته. لكن مها قوي التيار الانعزالي، فان ذلك لن يؤثر على الادارة الاميركية وسياستها وخططها. فالولاياتالمتحدة لا تستطيع ان تعزل نفسها عن العالم وتنكفئ على ذاتها، لأنها، أولاً، تعتمد على العالم الخارجي، سياسياً واستراتيجياً وامنياً ونفطياً واقتصادياً ومالياً وتجارياً، ولأنها، ثانياً، تجني فوائد كثيرة من دورها القيادي في العالم. ولا يزال التقرير الذي اعدته وزارة الدفاع الاميركية عن دور الولاياتالمتحدة في العالم صالحاً على رغم هذه الاحداث. وقد اكد هذا التقرير ان مهمة المسؤولين الاميركيين في المرحلة المقبلة - بعد انتهاء الاتحاد السوفياتي وامبراطوريته - يجب ان تكون الابقاء على الولاياتالمتحدة "كقوة عظمى وحيدة في العالم" وضمان "عدم بروز اية قوة منافسة لها" في الساحة الدولية. *** هذه هي التساؤلات الرئيسية التي تطرح نفسها علينا بعد احداث لوس انجيلس، وتعطي هذه الاحداث بعدها الحقيقي الذي يتجاوز النطاق الداخلي المحلي. فما يجري في اميركا يهم العالم ويعنيه، سواء احببنا بوش ام كرهناه. وأميركا جزء اساسي لا يتجزأ من العالم الجديد الذي يتكون حالياً، والعالم العربي من ضمنه، اردنا ذلك ام لم نرد.